قرية السميرية المهجرة: طُرد سكانها لإقامة كيبوتس للناجين من الهولوكوست

شهادات إسرائيلية: "كنت أعلم أن البيارة هي ’ملك مهجور’، ولم أعتقد أبدا أنه يوجد مالك لـ’ملك مهجور’"* "لا توجد بلدة أخرى في البلاد التي تجسد مثل لوحامي هغيطاؤوت العلاقة بين الهولوكوست والمأساة الفلسطينية"

قرية السميرية المهجرة: طُرد سكانها لإقامة كيبوتس للناجين من الهولوكوست

قرية السميرية قبل النكبة

أرسلت السلطات الإسرائيلية، في العام 1949 وبعد أشهر من احتلال الجليل الغربي، ناجين من الهولوكوست من أجل الاستيطان على أنقاض قرية السميرية الفلسطينية الواقعة شمال عكا، والتي هجّرت العصابات الصهيونية سكانها البالغ عددهم قرابة 880 نسمة. وأطلق المستوطنون على مستوطنتهم اسم "كيبوتس لوحامي هَغيطاؤوت" ("مقاتلو الغيتوات" إبان الهولوكوست).

ووفقا لكتاب صدر في إسرائيل مؤخرا، من تأليف المؤرخة الإسرائيلية، د. شارون غيفَع، فإن سكرتيرة هذا الكيبوتس، تسفِيا لوفتكين، التي توصف بأنها "بطلة تمرد غيتو وارسو" إبان الهولوكوست، تحدثت خلال اجتماع لأعضاء الكيبوتس عن ميزات موقع الكيبوتس، وبضمنها أنه "توجد فيه مصادر مياه، شوارع داخلية، مبنى، مصنع ثلج، معصرة زيتون وخط كهرباء".

مسجد السميرية

وقالت غيفع إن "مسألة من كان يملك الأرض سابقا لم تُطرح للنقاش أبدا. وأعضاء الكيبوتس لم يهتموا بمعرفة من كان يملك الأرض سابقا. وهذا كان الخيار الوحيد أمامهم. وقيل لهم: إما هذه الأرض أو لا شيء. فقد كانت أرضا خالية، وبمساحة ملائمة وفيها موارد"، وفق ما نقلت عنها صحيفة "هآرتس" اليوم، الثلاثاء، بمناسبة "يوم الهولوكوست" التي تحييه إسرائيل اليوم.

وقبل الاستيطان في أراضي قرية السميرية، حاول الناجون من الهولوكوست إقامة الكيبوتس في أرض بلدة "فيلهيلما" التي أقامها مجموعة من المتدينين الألمان المسيحيين قرب اللد، في القرن التاسع عشر. واحتلت القوات الإسرائيلية هذه المنطقة إبان النكبة.

وكتبت لوفتكين حينها أن "الرغبة هي أن تقيم نواة متمردي الغيتوات مشروعها (الاستيطاني) في أرض كانت ألمانية، وعادت إلى سيطرة الشعب اليهودي بدماء مقاتليه ومنفذي انتقامه". إلا أنه تبين أن أرض بلدة "فيلهيلما" سيطر عليها مستوطنون آخرون وأقاموا فيها موشاف (قرية زراعية) "بْني عطاروت". وأراد مستوطنو "لوحامي هغيطاؤوت" إقامة الكيبوتس في أرض بلدة ألمانية أخرى، "فالدهايم"، وتبين أنه أقيم فيها كيبوتس "هَغوشريم".

وقالت غيفع إنه "تبين أن الأراضي التي خُصصت للاجئين من الهولوكوست، وكانت تابعة للألمان، لم تكن كافية وكان ينبغي إيجاد منطقة جديدة لضرب جذور فيها: وحدث هذا في أراضي الفلسطينيين، الذين تحولوا للتو بأنفسهم إلى لاجئين".

تسوكرمان "طويل القامة ذو الشاربين" (أرشيف كيبوتس "لوحامي هغيطاؤوت")

ويتبين أن أهالي السميرية لم يتنازلوا عن قريتهم وأراضيهم، ولم "يهربوا" منها كما تزعم الرواية الصهيونية، وإنما هُجروا منها. ووفقا لشهادات في أرشيف عضو الكيبوتس تسفي درور، التي دونها في مذكراته، فإن طباخة الكيبوتس، مِريام هوروفيتس، أفادت بأنها صادفت مجموعة من العرب في كيبوتس مجاور، وقالوا لها "إننا نعلم من هو قائدكم، إنه طويل القامة وذو شاربين. لقد أخذتم أرضنا، وسنعود لنطردكم ونستعيد الأراضي".

ونقلت غيفع عن هوروفيتس قولها إنه "في الحقيقة لم تُشغلني مسألة أراضي العرب". وأشارت غيفه إلى أن "الآخرين لم يعلموا أو أنهم لا يريدون أن يعلموا". وأضافت غيفع أن "الرجل طويل القامة ذي الشاربين" هو يتسحاق تسوكرمان، زوج لوفتكين ونائب قائد تمرد "غيتو وارسو"، مردخاي أنيليفيتش.

كذلك أفاد أبراهام تسوريف، المسؤول عن البيارة في الكيبوتس، بأنه "’هاجمنا’ شخص ما مرة واتهمنا: ’أنتم موجودون في أرض العرب’". وبعد ذلك جاء عربي آخر إلى البيارة، وقال لتسوريف "أنا أحمد، وهذه بيارتي". وأضاف تسوريف أنه "حتى ذلك الحين كنت أعلم أن البيارة هي ’ملك مهجور’، ولم أعتقد أبدا أنه يوجد مالك لـ’ملك مهجور’". وذكرت الصحيفة أن الدائرة أغلقت بعد حرب حزيران/يونيو العام 1967، "عندما كان لوفتكين وتسوكرمان بين الموقعين على ميثاق الحركة من أجل أرض إسرائيل الكاملة".

قناطر جلب المياه من الكابري، قرب السميرية

وأشارت جمعية "ذاكرات" التي توثق المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، إلى أن أهالي السميرية عملوا بالزراعة وفي المحاجر. وزرعوا الحبوب والموز والحمضيات والخضار. وكان في القرية مسجد ومدرسة. وفي حزيران/يونيو 1948، هدمت "كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل – "كاكال") القرية. ولا تزال هناك آثار للقرية باقية حتى اليوم، بينها جدران بيوت مهدمة وقسم من المسجد ومقبرة. وأقيم في أراضي السميرية بلدة "شومرات" وكيبوتس "لوحامي هغيطاروت" وكذلك المجمع التجاري الواسع "بيغ – ريغفا" وبناية مقر مجلس إقليمي.

ونقلت غيفع عن درور قوله إنه "زرعنا أشجارا كثيرة"، لكنه اعترف بوجود أشجار قديمة زرعها سكان السميرية. "يوجد في الساحة سجرة السرو تلك أيضا، وهي السروة التي لم نزرعها نحن. ويجب التعامل مع الحقائق، وعدم تجاهلها، وإلا فإن أولادنا سيقولون لنا عندما يكبرون إنه بالإمكان مشاهدة الكذب على وجهنا".

وكان المؤرخ الإسرائيلي، توم سيغف، قد كتب في أحد مقالات في الصحيفة نفسها أنه "لا توجد بلدة أخرى في البلاد التي تجسد مثل لوحامي هغيطاؤوت العلاقة بين الهولوكوست والمأساة الفلسطينية" في إشارة إلى النكبة.

التعليقات