تهجير الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة خطاب إسرائيلي عام ورسمي

التهجير داخل القطاع لحوالي مليوني فلسطيني والدمار الرهيب في القطاع، حيث المساكن لم تعد صالحة للسكن أبدا، وخطط الجيش الإسرائيلي بمنع عودة النازحين إلى بيوتهم، كل هذا يشير إلى وجود خطط دُرج للتهجير لخارج القطاع موضوعة مسبقا

تهجير الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة خطاب إسرائيلي عام ورسمي

سكان من شمال القطاع أرغِموا على النزوح جنوبا (Getty Images)

أثار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، غضبا في مصر والأردن، بعد تصريحاته في بداية الحرب على غزة بتهجير الفلسطينيين في القطاع إلى مصر، وحتى أنه اقترح مساعدات اقتصادية مقابل جريمة الحرب هذه، مثل شطب ديون مصر أو قسم منها.

إلا أن هذا الغضب لم يردع نتنياهو، الذي كرر تصريحاته حول تهجير سكان غزة إلى سيناء. وقال حول تهجير كهذا، خلال اجتماع لكتلة حزب الليكود في الكنيست، إن "مشكلتنا ليست بعدم السماح بخروجهم، وإنما أن تكون هناك دول مستعدة لاستقبالهم".

وقال عضو الكنيست من الليكود، داني دانون، إنه توجد خطة لتهجير سكان قطاع غزة، وادعى أن دولا في أفريقيا وأميركا الجنوبية عبرت عن استعدادها لاستقبال مهجرين إسرائيليين.

وتحدث وزراء وأعضاء كنيست من أحزاب اليمين بشكل واسع عن تهجير سكان غزة، في ظل الحرب وقتل قرابة 22 ألف فلسطيني في القطاع خلالها. كما أن التهجير داخل القطاع لحوالي مليوني فلسطيني والدمار الرهيب في القطاع، حيث المساكن لم تعد صالحة للسكن أبدا، وخطط الجيش الإسرائيلي بمنع عودة النازحين إلى بيوتهم، كل هذا يشير إلى وجود خطط دُرج للتهجير لخارج القطاع موضوعة مسبقا.

نازحون من شمال القطاع يصلون إلى خانيونس (Getty Images)

وبغض النظر عن خطط درج كهذه، فإن خطاب تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة واسع وبات بمثابة خطاب عام رسمي، لا يتردد وزراء وأعضاء كنيست وأكاديميون وصحافيون بنشره علنا. وهذا الخطاب منتشر بمعظمه في أحزاب الائتلاف الحكومي، وهو واسع الانتشار في الشبكات الاجتماعية أيضا.

وفي هذا السياق، قال وزير المالية والوزير في وزارة الأمن والمسؤول عن الاستيطان والمستوطنين، بتسلئيل سموتريتش، لإذاعة الجيش الإسرائيلي أول من أمس، الأحد، إنه "إذا تصرفنا بشكل إستراتيجي صحيح، فستكون هناك هجرة وسنعيش في قطاع غزة"، معتبرا أنه "لن نسمح بوضع يعيش فيه مليوني شخص هناك. وإذا بقي في قطاع غزة 100-200 ألف عربي، فإن كل الحديث حول ‘اليوم التالي‘ (للحرب على غزة) سيكون مختلفا تماما".

ويرفض نتنياهو وائتلافه مطلب الإدارة الأميركية بإجراء مداولات حول "اليوم التالي". وعبّر سموتريتش عن معارضته لمناقشة مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، معتبرا أن ذلك قد يوحي بأن الحرب المتواصلة على غزة على وشك الانتهاء.

ودعا سموتريتش، خلال مقابلة للقناة 12، السبت الماضي، إلى تشجيع "الهجرة الطوعية" لسكان قطاع غزة، وإيجاد بلدان ترغب في استقبالهم، وفي موازاة ذلك العودة إلى الاستيطان في القطاع. وادعى أن "غزة لن تكون مرتعا لمليوني شخص يريدون تدمير دولة إسرائيل، نريد أن نشجع الهجرة الطوعية". وتابع أنه "يتعيّن علينا أن نجد البلدان التي ترغب في استقبال سكّان غزة، وينبغي أن يكون ذلك من خلال دولة إسرائيل".

والشهر الماضي، قال رئيس الشاباك الأسبق ووزير الزراعة، أفي ديختر، للقناة 12، حول إرغام الجيش الإسرائيلي سكان شمال ووسط القطاع على النزوح جنوبا، "إننا ندحرج عمليا الآن نكبة غزة". وكرر ديختر، العضو في الكابينيت السياسي – الأمني، القول إن "هذه نكبة غزة 2023. هكذا سينتهي ذلك".

وتحاول إسرائيل إشراك جهات دولية في تهجير سكان قطاع غزة، وعيّنت رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، رئيسا لطاقم مهمته إقناع دول باستيعاب لاجئين من القطاع بعد تهجيرهم. وذكرت القناة 12، أول من أمس، أن بلير زار إسرائيل، الأسبوع الماضي، والتقى مع نتنياهو وعضو كابينيت الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس

لا مكان صالح للسكن (أ.ب.)

وذكرت القناة 12 أن بلير سيشكل وسيطا بين أهداف إسرائيل في "اليوم التالي" بعد الحرب وبين "دول عربية معتدلة"، وأنه سيبحث إمكانية "استقبال فلسطينيين من غزة في أنحاء العالم".

وتروج وسائل إعلام إسرائيلية لمخطط تهجير سكان القطاع. ونقلت صحيفة "ماكور ريشون" اليمينية عن الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي اليميني، د. يوآف سوريك، قوله "إنني عضو في عدة مجموعات تحاول دفع هجرة واسعة من غزة، كمخرج وحيد سيحول اليوم التالي (بعد الحرب) إلى يوم سلام".

وادعى سوريك أنه "لا يوجد سبب في العالم يجعل المجتمع اليهودي في إسرائيل يوافق على أن يبقى بجوارنا أناس يريدون القضاء عليه. والهجرة هي حل صحيح، لأنه عندما يُستقبل هؤلاء الأشخاص (سكان القطاع) في دول أخرى، ويبدؤون بعيش حياة طبيعية لا يكون فيها يهودي ما إلى جانبهم وينبغي قتله لأنه سرق أراضيهم، فإنهم سينتقلون إلى الانشغال بكسب رزقهم، وبإنشاء حياة، وعندها سيتبدد اللجوء".

واعتبر سوريك أنه "ينبغي مواجهة الوعي السلبي لفكرة الترانسفير. ويدور الحديث هنا عن سكان لاجئين منذ عدة أجيال، وأصبحوا الآن لاجئين في مكان سكنهم المؤقت أيضا. ولا يوجد سبب لجنهم في غزة، وهذا ليس جيدا لهم ولا لنا. ينبغي الحديث عن هجرة، وعن فتح سجن غزة" الذي صنعته إسرائيل بحصارها المتواصل الذي تفرضه على القطاع.

إعداد الطعام للنازحين في خانيونس (Getty Images)

وفي أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن وثيقة تم إعدادها في وزارة الاستخبارات، بعد بدء الحرب بأسبوع، وأوصت من خلالها بتنفيذ ترانسفير كامل لسكان غزة.

وحسب الوثيقة، فإن على إسرائيل أن "تخلي السكان الغزيين إلى سيناء" أثناء الحرب، وإقامة مدن خيام ومدن جديدة في شمالي سيناء، لسكان غزة المطرودين، ثم "إنشاء منطقة عازلة بطول عدة كيلومترات داخل مصر وعدم السماح بعودة السكان للقيام بنشاط أو السكن قريبا من حدود إسرائيل". وفي موازاة ذلك تعمل إسرائيل من أجل تجنيد دول في العالم، في مقدمتها الولايات المتحدة، من أجل تنفيذ هذا المخطط.

وتنقسم خطة الترانسفير إلى عدة مراحل، وحسب الوثيقة فإن تنفيذ الترانسفير يشكل النتيجة المرغوب بها للحرب على غزة. في المرحلة الأولى، تعمل إسرائيل على "إجلاء نحو الجنوب" لسكان غزة، فيما الغارات الجوية الإسرائيلية تتركز على شمال القطاع. وفي المرحلة الثانية، ينفذ الجيش الإسرائيلي المناورة البرية لاحتلال القطاع.

وتابعت الوثيقة أنه في موازاة احتلال القطاع، يتم نقل سكان القطاع إلى الأراضي المصرية، ولا يسمح لهم بالعودة إليه أبدا. وأن يرافق ذلك حملة إعلامية داعمة لخطة الترانسفير في العالم الغربي، وتصور الطرد الجماعي للغزيين على أنه "خطوة ضرورية وإنسانية".

التعليقات