تحليلات إسرائيلية: الإيرانيون باقون بسورية وحرب مع حزب الله بالحسبان

تصاعد التوتر في زمن الكورونا: محللون إسرائيليون يشككون في صحة أقوال مسؤولين أمنيين ويرجحون استعداد إيران وحزب الله لرد انتقامي، وخبراء يدعون إسرائيل إلى الاستعداد لمواجهة واسعة محتملة مع حزب الله بادعاء استمراره بالتسلح

تحليلات إسرائيلية: الإيرانيون باقون بسورية وحرب مع حزب الله بالحسبان

سيارة حزب الله التي استهدفتها إسرائيل، منتصف الشهر الماضي (أ.ب.)

شكك محللون وخبراء إسرائيليون اليوم، الأربعاء، في صحة أقوال مصادر أمنية إسرائيلية، أمس، بأنه "لأول مرة منذ دخول إيران إلى سورية، تقوم بتقليص قواتها هناك وإخلاء قواعد. وتدفع سورية ثمنا متصاعدا بسبب الوجود الإيراني في أراضيها، وعلى حرب ليست حربها. وتحولت إيران من ذخر بالنسبة لسورية إلى عبء. وإسرائيل ستصعّد الضغوط على إيران حتى خروجها من سورية".

وكتب المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن "الإعلان أمس عن انسحاب الإيرانيين من سورية، تماما مثل إعلان وزير الأمن، نفتالي بينيت، عن تطوير مصل مضاد لكورونا، هو ذر للرماد في العيون. وهذا أشبه بشركة عثرت على مؤشرات لوجود نفط، لكنها أعلنت عن كشف بئر يدر أرباحا".

ورأى فيشمان أن أقوال المصادر الأمنية ترمي إلى جني مكاسب سياسية. "في حالة شركة النفط، فتحت هيئة الأوراق المالية تحقيقا بسبب إلحاق ضرر اقتصادي بالجمهور. لكن عندما يتبنى سياسيون في نهاية ولايتهم إنجازات لم تثمر بعد بتاتا، فإن الضرر اللاحق بالجمهور أكبر. فالحديث هنا عن خلق أجواء خطيرة من الرضى، ويمكن أن يقود إلى اطمئنان ومفاهيم خاطئة".

وحسب فيشمان، فإنه "واضح تماما أن عملية تراجع السيطرة الإيرانية في سورية ليس بالأمر الجديد. وهو مستمر منذ أكثر من سنة، وفيما يشمل الفصل الأخير، الحالي، إخراج معسكرات ومنشآت، ونقلها إلى شمال شرق سورية. وقد استثمرت إسرائيل أكثر من مليار شيكل، في السنوات الثلاث الأخيرة، في حرب سرية في سورية، من أجل نقل الإيرانيين إلى وضعهم اليوم، حيث بإمكانهم تحقيق 10% فقط من خططهم لإنشاء جبهة عسكرية هناك".

دمار خلفته غارة إسرائيلية قرب دمشق، في 27 نيسان/أبريل الماضي (أ.ب.)

ومنذ منتصف نيسان/أبريل الماضي، شنت إسرائيل 7 هجمات ضد أهداف لإيران وحزب الله، وكذلك أهدافا للنظام السوري. وأشار فيشمان إلى أن "الفكرة من وراء ذلك هي إرغام الإيرانيين على إعادة دراسة خططهم العسكرية في سورية، ومن خلال استغلال حقيقة أن الدول الأخرى منشغلة بكورونا. وفرضية العمل (الإسرائيلية) تقول إن الإيرانيين في وضعهم الحالي حذرين أكثر في ردود فعلهم كي لا يوفروا لإسرائيل ذريعة لتركيز جهد عسكري وضرب بنيتهم التحتية والمضادات الجوية السورية التي يتم بناؤها من جديد".

"عمليات انتقامية"

لفت فيشمان إلى أن "إسرائيل أيضا، في عصر الكورونا، تعمل تحت ضوابط. فالدولة بحاجة إلى سنتين هادئتين على الأقل كي يعود اقتصادها إلى نمو كامل. وأشهر من إطلاق قذائف صاروخية في الشمال ويشل الاقتصاد هو الأمر الأخير الذي تحتاج إليه الآن. ولذلك، فإنه بدلا من النفخة الكاذبة، تحتاج إسرائيل إلى وزير أمن ورئيس أركان للجيش يمسكان معا قيادة إدارة المخاطر، والعمل من أجل استمرار تآكل القوة الإيرانية في سورية من دون نشوء أوضاع تجرّ المنطقة إلى مواجهة متجددة، سواء في الجبهة السورية – اللبنانية أو في الجبهة الفلسطينية".

وشدد على أن "الإيرانيين لم يذهبوا بعد إلى اي مكان. وتقييمات الوضع (في إسرائيل) تقول إنهم سيخفضون رأسهم مؤقتا في الحلبة السورية، وهي الأقل أهمية بالنسبة لهم حاليا، وحتى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وعندها سيرون من سينتخب لرئاسة الولايات المتحدة ويعيدون حساباتهم مجددا. وتوجه قصير النظر، ويلخص العصر الإيراني في سورية، هو تذكير بأن مناصب حساسة – خاصة كتلك المتعلقة بحياة بشر واستخدام القوة – لا يمكن أن تكون محطة انتقال سياسي مؤقت" في إشارة لتعيين بينيت وزيرا مؤقتا للأمن.

من جانبه، كتب المراسل العسكري لصحيفة "معاريف"، طال ليف رام، أنه "في إسرائيل يلحظون مؤخرا تغييرا في حجم الوجود الإيراني في سورية. ويوجد تأثير للهجمات المنسوبة لإسرائيل في ذلك، لكنها ليست العامل الوحيد. فالجوانب الاقتصادية قد تكون أهم بكثير في المستقبل أيضا. وفي هذه الأثناء، يبدو أن حزب الله في سورية يتحول إلى جهة تقلق إسرائيل كثيرا. كذلك هناك جهات معادية أخرى، عدا سورية، التي قد تحاول العمل ضد إسرائيل في فترات عادية أو أثناء الحرب".

أفراد شرطة ألمان يداهمون مركزا لحزب الله، الخميس الماضي (أ.ب.)

وأضاف ليف رام أن "الدمج بين وضع حزب الله الصعب (بسبب أزمات لبنان الداخلية)، واغتيال قاسم سليماني، وضائقة إيران والهدوء النسبي في الجنوب (قطاع غزة)، يسمح لإسرائيل بأن تركز اهتمامها في الشمال حاليا. يضاف إلى ذلك أن ضغوطا اقتصادية على إيران قد تؤثر أكثر من ضغوط عسكرية. لكن ينبغي أن نذكر أن الإيرانيين وحزب الله لا يعتزمون الانحناء بسهولة، ولذلك فإن الفرضية الأساسية في إسرائيل يجب أن تكون أنه في الجانب الآخر يخططون لعمليات انتقامية".

"مواجهة واسعة مع حزب الله"

تطرق تقرير صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، اليوم، إلى تصاعد التوتر، "في ظل أزمة كورونا"، بين حزب الله وإسرائيل، رغم انشغال الجانبين بمواجهة الوباء، لكنهما يستعدان إلى مواصلة الصراع بعد التغلب على الوباء.

وأشار التقرير غلى أنه في منتصف نيسان/أبريل الماضي، هاجم الطيران الإسرائيلي سيارة جيب تابعة لحزب الله كانت توشك على عبور الحدود من سورية إلى لبنان. وأطلق طائرة إسرائيلية قذيفة باتجاه السيارة، دون أن تصيبها، وبحيث سمحت لركابها بمغادرتها، وبعد ذلك تم قصف السيارة وتدميرها. وحسب التحليلات الإسرائيلية، فإن تم تعمد عدم مقتل عناصر حزب الله في هذا الهجوم. ورد حزب الله بقص ناشطيه الشريط الحدودي بين لبنان وإسرائيل في ثلاث مواقع مختلفة، ليظهر الحزب أنه قادر على ضرب أهداف إسرائيلية، لكنه تعمد هو الآخر عدم استهداف إسرائيليين.

وأشار التقرير إلى أن حزب الله يعمل على مواجهة كورونا في لبنان، لكنه اعتبر أن "حزب الله استغل ذلك بالأساس من أجل تحسين مكانته وشرعيته لدى الجمهور كحامي لبنان. وتم التعبير عن سلم الأفضليات هذا من خلال خطابات أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، وبضمن ذلك خطابه أول من أمس، الذي خصصه كله للأزمة الداخلية في لبنان، وفي محاولة لإبراز دور حزب الله الإيجابي وتفنيد الانتقادات الموجهة إليه من الداخل".

وبحسب التقرير، وخلافا لأقوال فيشمان أعلاه، فإن "حزب الله لم يتخلى عن جهوده في مجال نقل أسلحة متطورة إليه وتعزيز بنيته العسكرية في سورية، وخاصة تنمية أذرعه المحلية في هضبة الجولان (الجزء غير المحتل). وهكذا تتواصل محاولات حزب الله وإيران لنقل أسلحة إستراتيجية، وبيها مُركبات لمشروع دقة الصواريخ، من إيران إلى سورية ومنها إلى لبنان. ولذلك يحرص حزب الله، مستغلا تأثيره على المؤسسة السياسية اللبنانية، على أن يحتفظ لنفسه بإمكانية استخدام أن الممر البري من سورية إلى لبنان، وكذلك الرحلات الجوية إلى مطار بيروت".

وأشار التقرير إلى رسائل تحذيرية متبادلة بين الجانبين: إسرائيل تتحدث عن قلقها من "تعاظم تموضع وجود حزب الله في هضبة الجولان"، فيما حذرت الحكومة اللبنانية "تحت رعاية حزب الله" من استمرار خرق الطيران الإسرائيلي لأجواء لبنان والتهديد بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي. كما حذر رئيس الحكومة اللبنانية من استمرار استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي مواقع في سورية من خلال الأجواء اللبنانية.

ناشط حزب الله علي محمد يونس، الذي اغتالته إسرائيل الشهر الماضي (أ.ب.)

وأضاف التقرير إلى أسباب التوتر بين حزب الله وإسرائيل، استمرار الأخيرة في ما يعرف بـ"المعركة بين حربين"، باستهداف مواقع في سورية، وحركة نشطة لسلاح الجو الغسرائيلي في سماء لبنان "من أجل جمع معلومات استخبارية وإطلاق صواريخ باتجاه الاراضي السورية"، ونشاط إسرائيل على طول الحدود اللبنانية ودخول قوات إلى "الحزام المختلف حوله عند الحدود" في إشارة إلى المنطقة الواقعة بين حدود "الخط الأخضر" وبين "الخط الأزرق" الذي رسمته الأمم المتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، عام 2000. يضاف إلى ذلك اغتيال إسرائيل للناشط في حزب الله، علي محمد يونس، في عمق الأراضي اللبنانية في 5 نيسان/أبريل الماضي.

رغم ذلك، اعتبر التقرير أن "إصرار إسرائيل وحزب الله على الحفاظ على قواعد اللعبة بينهما يعكس تطلعهما لمنع التدهور إلى مواجهة واسعة... وحزب الله معني بترسيخ قواعد لعبة، قد يدفع بموجبها خطوة (عسكرية) برية ردا على هجوم إسرائيلي في سورية، يستهدف عناصره، أو في أعقاب هجوم إسرائيلي في لبنان، وخاصة في حال نشوب مواجهة واسعة".

وأضاف التقرير أن "سياسة حزب الله الحذرة والمدروسة متأثرة من الاعتبارات الداخلية، الاقتصادية والسياسية، وكذلك من ضغوط خارجية، مثل تعريفه في ألمانيا كتنظيم إرهابي، في نهاية الأسبوع الماضي، والتي يتعرض لها هو وإيران".

ورأى التقرير أنه "في هذا الوضع، تزداد معضلة إسرائيل حدة بالنسبة لعملها العسكري ضد حزب الله. هل من الصواب استغلال ضائقة حزب الله ودفع خطوة عسكرية/هجوم مضاد بهدف إلحاق ضرر كبير بقوة حزب الله العسكرية، وبتموضعه في خضبة الجولان وخصوصا بتسلحه بأسلحة دقيقة في لبنان؟ وذلك من خلال تحمل مخاطر أن تؤدي خطوة كهذه إلى مواجهة واسعة، قد تكون نتائجها شديدة على كلا الجانبين".

وأوصى تقرير "معهد أبحاث الأمن القومي"، بأن "تستمر أنشطة المعركة بين حربين في سورية، وخاصة من أجل إحباط التموضع في هضبة الجولان. وإلى جانب ذلك دراسة شن عملية عسكرية في لبنان فقط في حال تبين أن حزب الله تجاوز فعلا سقف تعظيم قوته، خاصة في مجال دقة الصواريخ، وبشكل من شأنه أن يشكل تهديدا كبيرا للغاية على إسرائيل. وأخيرا، على الرغم من أن احتمال مبادرة حزب الله إلى خطوة عسكرية في الوضع الحالي ضئيل، فإن هذا لا يلغي التهديد الآخذ بالتطور أمام إسرائيل وإمكانية التصعيد في أعقاب خطوة إسرائيلية. ولذلك، على إسرائيل الاستعداد منذ الآن لاحتمال مواجهة واسعة، رغم الاعتبارات بشأن ميزانيات تحتم أن تكون المواجهة ضد وباء كورونا، ومع التشديد على بناء قوة الجيش الإسرائيلي وإعداد الجبهة المدنية".

التعليقات