"مواجهة نووية"؟ تطورات ومخاطر الحرب في أوكرانيا ليست واضحة

قائد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق يعتبر أن احتلال روسيا لأوكرانيا وتشكيل حكومة دمى سيؤدي إلى نشوء حركة مقاومة وصراع لسنوات، وسيناريو المواجهة مع الناتو يتصاعد في حال استهداف دول البلطيق خصوصا

جريحة من جراء قصف روسي لمستشفى ماريوبول، أول من أمس (أ.ب.)

اعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، عاموس يدلين، أن الجيش الأوكراني تمكن حتى مساء أمس، الخميس، من مفاجأة وتجاوز توقعات روسيا، بمنعها من سيطرة سريعة على العاصمة كييف. ومن الجهة الأخرى، لم يلبي الجيش الروسي توقعات الرئيس فلاديمير بوتين، "وعملياته فاجأت سلبا الخبراء في الغرب أيضا".

وبحسب يدلين، الباحث في مركز بيلفر في جامعة هارفارد الأميركية، فإن "الحرب الخاطفة" التي خطط لها الروس كخظوة أولى قد فشلت، "فروسيا لم تحقق تفوقا جويا حتى الآن، وتبدو محدودة في قدرتها على توجيه نيرانها بالاستناد إلى معلومات استخباراتية حديثة، وفي عمليات خاصة وعمليات سيبرانية. وهذه الأمور مجتمعة أفشلت تحقيق الأثر الإستراتيجي الذي أراده بوتين، وهو عملية عسكرية سريعة ونظيفة".

وأضاف أن "إخفاقات لوجيستية، خسائر بشرية كثيرة ومعنويات متدنية للجنود (الروس) زادت من شدة الإخفاق، في الأسبوع الأول للحرب. ورغم ذلك، فإن حربا تخوضها دولة عظمى لا تنتهي بعشرة أيام ولا بشهر أيضا. وبإمكان روسيا امتصاص خسائر واحتواء إخفاقات، ثم تنتعش وتحقق وتضع إستراتيجية أفضل من أجل تحقيق الغايات التي وضعتها أمامها".

وأضاف يدلين أن "بوتين انتقل على ما يبدو من مفهوم حرب مركزة ضد حكومة كييف، التي تسيطر على ’أشقائه’ السلافيين، المسيحيين الناطقين بالروسية، وهم جزء من روسيا، إلى المفهوم الذي حارب بموجبه في الماضي في غروزني الواقعة في الشيشان المسلمة، وفي حلب السورية. واستهداف المباني السكنية والبنية التحتية المدنية شديد وآخذ بالاتصاع، فيما لم تستخدم روسيا بعد قوة نيرانها كلها". واعتبر أن المحادثات الروسية – الأوكرانية في بيلاروسيا وتركيا، غايتها إعلامية بالأساس، إذ أن مواقف الجانبين متباعدة جدا وغير قابلة للجسر بينها. كما لا يتم الالتزام بتفاهمات حول وقف إطلاق النار ومعابر إنسانية.

وتوقع يدلين أنه في حال عدم سقوط كييف، فإن روسيا ستشكل حكومة موالية لها في القسم الشرقي من أوكرانيا، فيما ستنسحب حكومة زيلينسكي إلى مدينة لفيف في الغرب، أو إلى بولندا أو لندن.

لاجئون أوكرانيون عند الحدود مع بولندا، الإثنين الماضي (أ.ب.)

ولفت يدلين إلى غياب المطلب الروسي باستبدال زيلينسكي في الأيام الأخيرة، "ومن الجائز أن الروس يدركون أن زيلينسكي فقط بإمكانه أن يمرر لدى الشعب الأوكراني المطالب الروسية الصعبة بشأن نزع السلاح وسلخ أقاليم عن أوكرانيا".

واستبعد يدلين أن يتقبل الشعب الأوكراني حكومة جديدة موالية لروسيا، وأنه ستنشأ حركة مقاومة أوكرانية، ستطالب حكومة كهذه بممارسة قمع واسع ضد حركة مقاومة كهذه، لفترة طويلة، خاصة إذا حظيت المقاومة بدعم خارجي، وبشكل خاص من دول مجاورة توفر لها قاعدة لانطلاق عملياتها. "ومواجهة حركات مقاومة معقدة، وتُسفك فيها دماء كثيرة وبالإمكان أن تستمر لسنوات".

ولا يستبعد يدلين احتمال المواجهة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، في حال نفذ بوتين تهديداته، بأن الذين يسلحون أوكرانيا كمن يعلنون الحرب على روسيا واحتمال استهداف روسيا لمواقع في بولندا ورومانيا تُجمّع فيها أسلحة لنقلها إلى أوكرانيا، وفي حال نفذ الرئيس الأميركي، جو بايدن، التزامه ببند الدفاع المتبادل عن دول أعضاء في الناتو. وفي هذه الحال "قد يتطور سيناريو خطير يمكن أن يصل إلى مواجهة نووية".

واعتبر يدلين أنه "في حال حققت روسيا انتصارا في أوكرانيا، أو واجهت مصاعب وتختار تصعيد الأزمة، فإنه من أجل التعويض عن ذلك قد تهاجم دولا أخرى، ليست أعضاء في الناتو مثل جورجيا ومولدوفا. وسيناريو أخطر سيكون بتنفيذ خطوات ضد دول البلطيق – التي كانت عند حدود الاتحاد السوفييتي السابق – وعندها لن يكون بالإمكان منع سيناريو الصدام مع الناتو".

دبابة روسية مدمرة خارج كييف، أول من أمس (أ.ب.)

ولم يتمكن يدلين من الإجابة على السؤال حول مدى تأثير العقوبات الغربية على مواقف بوتين، وما إذا كانت ستدفعه إلى وقف الحرب والدخول في عملية دبلوماسية ومفاوضات للخروج من الأزمة. وذلك، بالرغم من أن تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا كان سريعا.

ولا يزال الجانبان الروسي والأوكراني يتمسكان بواقفهما بشأن إنهاء الحرب. ورأى يدلين أنه لا توجد في هذه الأثناء مؤشرات على إمكانية توافق أولي بين الجانبين. "ويبدو أن كلا الجانبين غير ناضجين لتقديم تنازلات تسمح بوقف المعارك. وفقط عندما يكون ثمن الحرب أكبر من أثمان التنازلات سنرى مفاوضات جدية، قبل وقف إطلاق النار، وبعد ذلك اتفاق لتسوية الوضع للفترة التالية".

وفيما يتعلق بدور صيني، اعتبر يدلين أن بإمكانها أن تكون وسيطا في الصراع، كشريكة لروسيا وكمن لديها علاقات مع أوكرانيا، التي تعتبر حلقة هامة في مبادرة "حزام وطريق"، ولدى الصين رافعات ضغط هامة جدا، اقتصادية وسياسية بالأساس، على روسيا.

وليس واضحا ما إذا كانت هذه الحرب ستتحول إلى حرب نووية. لكن يدلين اعتبر أنه "بالشكل الذي كسر فيه بوتين التابو بشأن حروب كبرى في قلب أوروبا، فإنه قد يكسر تابو آخر، منذ العام 1945، والقائل إنه لن يكون الأول الذي يستخدم سلاحا نوويا".

وخلص يدلين إلى أنه في اليوم الخامس عشر للحرب، ما زال ليس بالإمكان تنبؤ كيف ستنتهي الحرب أي تسوية سياسية وتوازن قوى عالمي جديد سينشأ.

التعليقات