الحرب الروسيّة في أوكرانيا... "سورية كانت مسرحا صغيرا وحقلَ تدريب"

تتّبع روسيا في غزوها لأوكرانيا إستراتيجية تقوم على حصار المدن، واستهداف البنى التحتية بقصف جوي ومدفعي مدمر، قبل تفعيل "ممرات آمنة" لإجلاء المدنيين، في خطوات تذكّر بتدخّلها العسكري في سورية التي شكلت حقل تجارب لعسكرييها وأسلحتها.

الحرب الروسيّة في أوكرانيا...

الرئيس الروسي، رفقة رئيس النظام السوريّ ("أ ب")

تتّبع روسيا في غزوها لأوكرانيا إستراتيجية تقوم على حصار المدن، واستهداف البنى التحتية بقصف جوي ومدفعي مدمر، قبل تفعيل "ممرات آمنة" لإجلاء المدنيين، في خطوات تذكّر بتدخّلها العسكري في سورية التي شكلت "حقل تجارب" لعسكرييها وأسلحتها.

لكن في سورية، واجهت موسكو التي لم تنشر قوات على الأرض، مع قوات النظام السوري، مجموعات معارضة مقاتلة مشتتة غالبا، وتفتقر إلى السلاح والتجهيزات والدعم الدولي، بينما تواجه اليوم في أوكرانيا مقاومة من جيش منظم، وسط تعبئة سياسية دولية رافضة للغزو.

وبدأت روسيا تدخلها العسكري المباشر إلى جانب قوات النظام السوري في أيلول/ سبتمبر 2015، وكانت من أبرز داعمي النظام السوري منذ اندلاع النزاع في 2011. وسرعان ما ساهم تدخّلها في قلب موازين القوى على الأرض لصالح حليفتها على جبهات عدة، بعدما كانت القوات التابعة للنظام خسرت جزءا كبيرا من الأراضي.

مبان مدمّرة في حلب، عام 2018 ("أ ب")

منذ بدأت غزو أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير، زجّت روسيا بعشرات الآلاف من قواتها في الهجوم. ويشارك هؤلاء في قصف وحصار مدن رئيسية باتت تحت مرمى نيرانهم، ما دفع عشرات الآلاف إلى الفرار.

وتقول موسكو إنها لا تستهدف مناطق مدنية، رغم وجود أدلة تُظهِر عكس ذلك، دفعت منظمات حقوقية وقوى غربية بينها واشنطن إلى الحديث عن "تقارير موثوقة" تشير إلى ارتكاب روسيا جرائم حرب في هجومها على أوكرانيا، وخصوصا باستهدافها مدنيين.

ويقول مصدر عسكري فرنسي، إنّ العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا شكلت "تغيرا في النطاق"، معتبرا أنّ "سورية كانت مسرحا صغيرا".

لكنّ الكثير من التكتيكات المتبعة في أوكرانيا، مستَمدة من تجربة روسيا في سورية، حيث اكتسب عديدها خبرة عملية واختبرت معظم مكونات ترسانة الكرملين العسكرية.

دمار بعد قصف روسيّ لحي سكني في ماريوبول الأوكرانيّ ("أ ب")

ومن بين كبار الجنرالات الروس الذين شاركوا في مهمات في سورية، برز مؤخرا اسما اللواء أندري سوكوفيتسكي، نائب قائد جيش الأسلحة المشتركة الحادي والأربعين، الذي قتل الشهر الحالي في أوكرانيا، والجنرال فيتالي غيراسيموف الذي أعلنت كييف مقتله، ولم تؤكده موسكو.

ويقول الباحث المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش، إنه "بالنسبة إلى روسيا، تشكل سورية حقل تدريب للعتيد والعتاد".

ولطالما اتّهمت منظمات حقوقية ودولية، روسيا، بدعم النظام السوري في حصاره للمناطق الخارجة عن سيطرته، وتضييق الخناق عليها عبر استهداف البنى التحتية والمرافق الصحية والخدماتية، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية من أجل دفع السكان ومقاتلي المعارضة إلى إخلاء مناطقهم.

دمار هائل في حلب ("أ ب")

ويوضح بالانش أنه على الدوام "كان هدف روسيا الأول في سورية، إعادة السيطرة على المدن الكبرى" بدءا من حلب في نهاية 2016 إلى الغوطة الشرقية قرب دمشق عام 2018، بهدف منح رئيس النظام، بشار الأسد "شرعية".

ويشير إلى تشابه مع أوكرانيا حيث تتقدم القوات الروسية باتجاه مدن كبرى أبرزها كييف "التي تشكل مصدر شرعية للسلطة" تسعى إلى تجريدها منها.

كما في سورية سابقا، تتبع روسيا في أوكرانيا راهنا، وفق بالانش، أسلوب ترويع المدنيين عبر الانتقال من "قصف مواقع عسكرية إلى بنى تحتية في مجالي الصحة والطاقة لجعل حياة المدنيين مستحيلة ودفعهم إلى المغادرة"، وبالتالي "تسهيل مهمة تقدم القوات" في الميدان.

وخلال هجمات عسكرية عام 2016 على مدينة حلب، ثم على محافظة إدلب، بين عامي 2019 و2020، شنّت موسكو مع قوات النظام السوري غارات استهدفت "بشكل متعمّد" عشرات المدارس والمستشفيات والأسواق، موقعة الكثير من الضحايا، غير آبهة بنداءات دولية لتحييد المنشآت المدنية.

الرئيس الروسي، رفقة رئيس النظام السوريّ ("أ ب")

وقبل يومين من بدء الهجوم الروسي، أبدى مدير "هيومن رايتس ووتش"، كينيث روث قلقه من "إمكان استنساخ إستراتيجية جرائم الحرب" في سورية، مجددا في أوكرانيا.

ومع بدء الغزو، اتهمت منظمات حقوقية بينها "هيومن رايتس ووتش" والعفو الدولية، روسيا، باستخدام قنابل عنقودية في قصف على مدرسة ومستشفى في مدينة خاركيف، ثاني مدن البلاد، بما يرقى إلى "جرائم حرب".

واتهمت كييف موسكو بقصف مستشفى للأطفال والتوليد الأربعاء الماضي، في مدينة ماريوبول في جنوب أوكرانيا، ما أثار موجة استنكار دولية وتنديد بما وصفوه بأنه "جريمة حرب".

وفي سيناريو كانت روسيا المهندس الرئيسي له في سورية، لإخلاء السكان من مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري، أعلنت موسكو فتح "ممرات إنسانية" في أوكرانيا لإجلاء الآلاف، في إستراتيجية يشكّك محللون بجدواها.

ولا يحول التماهي في التكتيكات التي اتبعتها روسيا في البلدين دون وجود تباينات على مستويات عدة، يتعلّق أبرزها بنطاق الهجوم وطبيعة المنخرطين فيه.

جنود روس وآخرون تابعون للنظام السوري بسورية ("أ ب")

ويوضح الباحث في معهد "نيولاينز" نيكولاس هيراس أنه "في سورية، اعتمدت روسيا بشكل أساسي على قوّتها الجوية وبعض الوحدات المتخصصة لتقديم المشورة والمساعدة للقوات الموالية للأسد"، فيما "الروس هم القوة المقاتلة" الرئيسية في أوكرانيا.

ويشير هيراس إلى تباين كذلك على صعيد قدرات القوات العسكرية، إذ تواجه روسيا في أوكرانيا جيشا نظاميا مدعوما من حلف شمال الأطلسي (ناتو) ومن دول أوروبية تمدّه بالسلاح، عدا عن أنه يمتلك أساسا قدرات مضادة للطائرات والدروع.

وفي المقابل، خاضت روسيا في سورية "حربا على نطاق أصغر كانت لها فيها سيطرة كاملة".

مقاتِلة من طراز "Tu-22M3" تابعة للقوات الجوية الروسية ("أ ب")

ويرى الباحث غير المقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسي، أنطون مارداسوف أن لروسيا بعد تجربتها القتالية في سورية، تصورا أوضح عن أنظمة أسلحتها وكيفية عملها.

ويقول: "صحّحت الكثير من أوجه القصور في أسلحتها العالية الدقة برا وبحرا وجوا التي تم اكتشافها خلال استخدام أنظمة الصواريخ في سورية".

ويضيف أنه "في أوكرانيا، يتم استخدام الأسلحة العالية الدقة بشكل فاعل ودقيق للغاية".

التعليقات