تحليلات: إسرائيل تعهدت بالقضاء على حماس لكنها لم تتعهد بتنفيذ ذلك

"تبادل أسرى يفرج خلاله عن 6000 أسير فلسطيني ستكسر التابو الذي لم تقترب منه أي حكومة إسرائيلية في الماضي. ويصعب الآن معرفة ما إذا كانت خطوة كهذه ستحظى بتأييد جماهيري واسع، بالرغم من التعاطف مع عائلات المخطوفين"

تحليلات: إسرائيل تعهدت بالقضاء على حماس لكنها لم تتعهد بتنفيذ ذلك

خلال استقبال الأسرى المفرج عنهم في البيرة، قبيل فجر اليوم (Getty Images)

لفت محللون إسرائيليون اليوم، الأحد، إلى أنه ينبغي التشكيك في أقوال تتناقلها وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "مصادر سياسية أو عسكرية رفيعة" من دون ذكر هويتها، إلى جانب الحذر من تصريحات يدلي بها مسؤولون إسرائيليون، حتى من جانب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.

ورأى المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أن التأخير الذي حصل في تنفيذ الدفعة الثانية من صفقة تبادل الأسرى، أمس، يقود إلى "ثلاث عِبر أولية". أولها، أن "حماس لا تزال قوية ميدانيا والسنوار يسيطر عليها. والأقوال حول انهيار حماس كانت مبكرة وعبرت عن أمنية أكثر من كونها رؤية رصينة للواقع".

وأضاف أن "قوة حماس مترجمة إلى قوة مساومة مقابل الوسطاء وإسرائيل، وطرح مطالب لا تشمل وسط وجنوب القطاع فقط، وإنما شماله أيضا الذي يخضع بمعظمه لسيطرة إسرائيلية. وخلال أيام وقف إطلاق النار ستتعزز وحسب سيطرة حماس فيه".

والعبرة الثانية هي أن "الاتفاق ليس كاملا. وستظهر في الأيام القريبة المقبلة المزيد من الخلافات وخدع الابتزاز، التي ستتحول إلى دراما تشد الأعصاب على حساب المخطوفين. وانعدام الثقة الأساسي بين إسرائيل وحماس متوقع بالكامل. والمشكلة هي أنه لا توجد جهة وسيطة يثق فيها الجانبان بشكل مطلق أو ينصاعان لها".

رهائن بعد نقلهم إلى إسرائيل، أول من أمس (أ.ب.)

والعبرة الثالثة هي أنه "من الصعب جدا على الحكومة الإسرائيلية أن توقف صفقة كهذه بعد أن التزمت حيالها. ومنذ أن يبدأ تنفيذها تتغلب قوة المشاعر على الخطاب العام. وأي توقف سيفسر على أنه خيبة أمل، إحباط، فشل، وكافة المشاعر التي تحاذر الحكومة من الدخول إليها. والتهديد الذي تم استلاله أمس، بأنه إذا استمرت حماس بعرقلة عملية الإفراج فإن إسرائيل ستستأنف إطلاق النار، كان متسرعا، أجوفا، وخال من مضمون. وثمة حاجة إلى أكثر من ذلك كي يتم خرق خطوة دراماتيكية إلى هذه الدرجة، ومعقدة وتتعلق بحياة كثيرين".

وفي هذا السياق، أشار برنياع إلى أنه "ينبغي التعامل بتشكك مع ادعاءات تُنقل عن ’مصدر سياسي رفيع’ أو ’مصدر أمني رفيع’ في إسرائيل. والمسؤولون في الحكومة يخوضون صراع بقاء شخصي وسياسي في موازاة إدارة الحرب".

ومثال على ذلك، أشار برنياع إلى أقوال نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الأمن، يوآف غالانت، وعضو كابينيت الحرب، بيني غانتس، يوم الأربعاء الماضي، وادعى أن حماس تعهدت بأن يزور ممثلون عن الصليب الأحمر الرهائن والأسرى الإسرائيليين في غزة، وأخرج ورقة من جيبه وقرأ بندا يتحدث عن ذلك. وأراد نتنياهو بذلك أن يظهر أنه حقق "إنجازا" في معرفة أحوالهم.

إلا أن برنياع أفاد بأنه فحص الأمر. "وتبين لي أنه يوجد بند كهذا، لكن لا يوجد فيه أي تعهد بتنفيذه. بل أن كلا جانبي المفاوضات افترضا خلال عملهما أن هذه كلمات عديمة الأهمية، وهي عبارة عن قصاصة ورق أراد الجانب الإسرائيلي من خلالها أن يقنع سموتريتش وكتلته بتأييد الاتفاق أو من أجل إقناع عائلات المخطوفين بخفض نبرة صوتهم. وهذا شبيه بتعهد الائتلاف في الماضي بالقضاء على حماس. وقد تعهدوا، لكنهم لم يتعهدوا بالتنفيذ".

من جانبه، حمّل المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، حماس مسؤولية تأخير الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، أمس، معبرا أنه لا ينبغي أن يفاجئ أحد. "فقد كان من الواضح مسبقا أن زعيم الحركة، يحيى السنوار، سيحاول ممارسة حرب نفسية ضد إسرائيل. وينبغي أن يشكل أداء حماس أمس تحذيرا للمستقبل".

ووفقا لهرئيل، فإن "تنفيذ النبضة الثانية (أمس) بين النبضات الأربع في هذه المرحلة من الصفقة، بعيد جدا عن نهاية هذه القصة. ويبدو أنه لن يكون هنا ’إغلاق’ للحرب. فالكثيرون من المحررين عادوا من دون قسم من أفراد عائلتهم، الذين قُتلوا في هجوم حماس (7 أكتوبر)، وكثيرون آخرون لا يزالون في الأسر، ولا توجد حاليا أي تسوية تضمن استمرار عملية تحرير الأسرى الإسرائيليين واستمرار وقف إطلاق النار، إلى ما بعد الأيام الأربعة التي اتفق الجانبان بشأنها مسبقا".

وأشار إلى تعهد إسرائيل خلال المفاوضات حول صفقة التبادل بتمديد الهدنة بيوم آخر مقابل كل عشرة رهائن يتم الإفراج عنهم. ورجح أن حماس ستنفذ ذلك، "لكن لا يمكنها المماطلة إلى الأبد".

أسيرة محررة تصل إلى البيرة، قبيل فجر اليوم (Getty Images)

ولفت هرئيل إلى وجود مجموعة كبيرة من الأسرى في غزة، "وعددهم أكثر من مئة، على ما يبدو، الذين يرجح أن حماس وفصائل فلسطينية أخرى سيحاولون احتجازهم كأوراق مساومة في صفقة أكبر في المستقبل".

وأضاف أنه "إلى جانب أمل حماس بتحقيق وقف إطلاق نار طويل، فإن نواياها واضحة، وهي تحرير نهائي لجميع المخطوفين والجثث التي اختطفت إلى غزة في يوم الهجوم، مقابل تحرير أكثر من 6000 أسير فلسطيني مسجونين في إسرائيل"، أي تبييض سجون الاحتلال.

ووصف هرئيل صفقة تبادل أسرى كهذه بأنها "ستكسر التابو الذي لم تقترب منه أي حكومة إسرائيلية في الماضي. ويصعب الآن معرفة ما إذا كانت خطوة كهذه ستحظى بتأييد جماهيري واسع، بالرغم من التعاطف الهائل مع معاناة عائلات المخطوفين".

وتوقع في هذا السياق أنه "في غضون أسبوع، سيضطرون في إسرائيل إلى اتخاذ قرار بخصوص استمرار الحرب، إذا لم يتم التوصل إلى صفقة أخرى".

وهدد الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على الفلسطينيين الذين يعودون إلى بيوتهم في شمال القطاع، لكن هذه التهديد لم يمنع عودتهم. كذلك يهدد الجيش الإسرائيلي بأنه بعد انتهاء الهدنة الحالية سيستأنف الحرب وخاصة في وسط وجنوب القطاع، حيث تتركز الغالبية العظمى من سكان القطاع بازدحام هائل، في ظل أزمة صحية كبيرة.

ولفت هرئيل إلى أن صفقة تبادل الأسرى الحالية خرجت إلى حيز التنفيذ في أعقاب ضغط أميركي كبير. وأضاف أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، وضع أمام إسرائيل "معضلة" بشأن استمرار الحرب. "فقد اعترف برغبة إسرائيل بالقضاء على نظام حماس، لكنه طلب منها تقليص قتل المدنيين. وفي الظروف الناشئة، ليس مؤكدا أن كلا جانبي هذه الجملة ينسجمان مع بعضهما".

التعليقات