يقول باحثون ومحللون إسرائيليون إن القيادة الإسرائيلية وبشكل خاص رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يضللون الجمهور أو لا يقولون الحقيقة على الأقل حول الحرب ضد قطاع غزة، ويحذرون بموجب آراء في أوساط ضباط في الجيش والشاباك من أن استمرار الوضع الحالي من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، وقد تمتد إلى خارجها.
ورغم العدد الهائل من الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة، الذي يزيد عن 28 ألف شهيد مدني، أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، وعدم وجود معطيات واضحة ومؤكدة حول الشهداء في صفوف مقاتلي حركة حماس، إلى جانب الدمار الرهيب، إلا أن التحليلات في وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث عن "إنجازات عسكرية" إسرائيلية.
واستعار رئيس دائرة الدراسات الفلسطينية في مركز ديّان في جامعة تل أبيب، د. ميخائيل ميلشتاين، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الإثنين، عبرة من حرب فيتنام، حيث قتل الجيش الأميركي عددا كبيرا جدا من الفيتناميين إلى جانب تدمير أسلحة.
وكتب ميلشتاين أن المؤشرات التي كان يتلقاها وزير الدفاع الأميركي حينذاك، روبرت مكنمارا، "عكست ارتفاعا متواصلا بالنجاحات، لكن الحرب أصبحت أصعب، والانتصار، مثل الأفق، ابتعد باستمرار". وحذر أحد مستشاري مكنمارا من أن المؤشرات لا تعكس الواقع، وأن هذه المعطيات تتجاهل الأيديولوجيا والأجواء بين الفيتناميين، وهي التي "تمنع تحويل النجاحات التكتيكية إلى حسم إستراتيجي".
ورأى ميلشتاين أن "إسرائيل تقترب تدريجيا إلى المصيدة التي توحّل فيها مكنمارا قبل حوالي 60 عاما". واعتبر أن "النجاحات العسكرية في غزة كبيرة جدا"، لكن "رغم ذلك الحرب لا تزال بعيدة عن ’الانتصار الساحق’ الذي يصوره نتنياهو، من دون ذكر موعد نهاية المواجهة أو وصف الإستراتيجية التي ستؤدي إلى ذلك".
ولفت ميلشتاين إلى أن "الظروف الحالية لا تلمح إلى انكسار قريب لحماس"، فالقتال مستمر في جميع أنحاء القطاع رغم الضربات التي تلقتها حماس، وزعيمها (يحيى السنوار) "لم تتم تصفيته حتى الآن"، والحركة تعود تدريجيا إلى المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، وخاصة في شمال القطاع.
وأضاف أنه لا تظهر حاليا بدايات لاحتجاجات شعبية ضد حماس أو تطور بدائل محلية للحركة. "ورغبة إسرائيل بنشوء حمائل مسلحة تستولي على الحيز العام وتمنح المساعدات المدنية "تبدو في هذه المرحلة كأمنية أكثر من كونها غاية بالإمكان تحقيقها".
ودعا ميلشتاين إلى تغيير عالم المصطلحات العسكرية الكلاسيكية في مواجهة "منظمة تتمتع بليونة مثل حماس، والمعروفة بقدرتها على التأقلم والاستفادة وتغيير نفسها. فهي موجودة بعدة أشكال بالتزامن، وتلائم نفسها مع الظروف. وعلى سبيل المثال، هي تستعين بناشطيها العسكريين الذين يرتدون الزي المدني أو بغطاء عمال بلدية من أجل الحفاظ على سيطرة في الحيز العام، وبعد أن تم تفكيك منظوماتها العسكرية وكتائبها، انتقلت إلى نموذج حرب العصابات التي تستند إلى خلايا".
وأضاف أن العبرة الثانية التي على إسرائيل استخلاصها هي أنه "ليس بالإمكان تأسيس نظام جديد في غزة من دون السيطرة لفترة طويلة على المناطق التي احتلها الجيش الإسرائيلي وتخطيط السيطرة على قطاع غزة كلّه. ولأن الجيش الإسرائيلي لا يستوفي هذه الشروط الضرورية، وهو يقلص عمليا عديد قواته في غزة، فإن جميع الترددات بين عودة السلطة الفلسطينية، إقامة مديرية محلية فلسطينية أو نشر قوات دولية في المنطقة تبقى نظريات وهي بالأساس ليست ذي صلة بالواقع، الذي فيه تستمر حماس في كونها الجهة القوية الرئيسية في القطاع، رغم تعرضها لضربات وإصابات".
وفي ما يتعلق بهدف إسرائيل القضاء على حماس، أشار ميلشتاين إلى أن "الجمهور الإسرائيلي يتوق إلى الحقيقة المعقدة، وبضمن ذلك الاطلاع على التحديات الصعبة الموجودة، وليس إلى شعارات عامة وكأن غايتها رفع المعنويات، وكلما استمرت المعركة تظهر المزيد من الشكوك حيال وضوح الأهداف الإستراتيجية والقدرة على تحقيقها".
وأضاف أن "انتصارا ساحقا" و"معركة أبدية" هما مصطلحان منتشران من أجل حشد جماهير في دول بلا مجتمع مدني وليست ديمقراطية، "لكن ثمة شكا إذا كانا يلائمان السيرورة الجماعية في إسرائيل".
ووفقا لملشتاين، فإن إسرائيل وصلت إلى "مفترق طرق"، وبإمكانها الاختيار بين اتجاهين. "بإمكانها التوجه إلى صفقة كاملة لتحرير المخطوفين بثمن وقف الحرب وربما الانسحاب من غزة أيضا، ودراسة بعد مرور الوقت فقط تنفيذ غاية القضاء على حكم حماس، أو التوجه نحو تغيير إستراتيجي في واقع القطاع وهذا يستوجب السيطرة على القطاع كله والبقاء هناك لفترة طويلة. والطريق الوسطية التي اختيرت لا تحقق أيا من الهدفين الإستراتيجيين، وبدلا عن ذلك تُنشئ إحباطا جماعيا متزايدا وعدم ثقة بين الجمهور وقيادة الدولة".
وتطرق المحلل السياسي في الصحيفة نفسها، ناحوم برنياع، إلى مصطلح "انتصار ساحق" الذي يكرره نتنياهو. وأشار إلى أن ضباطا كبارا يتساءلون حول المقصود بهذا المصطلح، ويقولون إنه "لا يوجد انتصار ساحق في حرب ضد منظمة إرهابية. وسيكون هناك انتصار فقط عندما تملأ عملية سياسية الفراغ الذي ينشئه الجيش بسيطرته على غزة. ومن دون عملية سياسية، فإن الإنجازات كلها تتلاشى".
وأضاف برنياع أنه "لا توجد حاليا رافعات ضغط تلزم حماس بتليين موقفها من صفقة" لتبادل أسرى. ولفت إلى أن "النقاش غير الموجود ليس أقل أهمية، أي مسألة ماذا سيحدث إذا لم تكن هناك صفقة. كيف سيكون الواقع في غزة وغلافها؛ كيف سيكون الواقع عند حدود الشمال. وثمة شك إذا كانت هناك خطة لدى الجيش".
وأشار إلى تصريحات وزراء إسرائيليين حول احتلال القطاع والاستيطان فيه مجددا واحتلال جنوب لبنان أيضا وإقامة حزام أمني فيه، ويعتبرون أن "هذا سيكون انتصارنا الساحق".
وحسب برنياع، فإن "الفجوة بين المستوى القيادي في الحكومة والمستوى القيادي في الجيش سحيقة. وفي الحكومة يعتمدون على جهات ستحضر إلى هنا عمالا هنود بدلا الفلسطينيين؛ وفي الجيش قلقون من مؤشرات الدمار الاقتصادي في الضفة. وبعد شهر يبدأ شهر رمضان، بلا مال ولا عمل. والسلاح بالذات متوفر، والضائقة ستترجم إلى إرهاب".
وتابع أن "السيناريوهات الأكثر تطرفا في جهاز الأمن قاسية. وهم يتحدثون عن أنه إلى جانب حماس والجهاد الإسلامي، سيوجه تنظيم فتح والأجهزة الأمنية فوهات بنادقهم ضد إسرائيل. وهكذا حدث عشية عملية السور الواقي العسكرية (اجتياح الضفة في العام 2002). والأمر الأخير الذي تحتاج إسرائيل إليه الآن هو انتفاضة في الضفة، وهي معركة من شأنها أن تتسرب إلى القدس الشرقية والمدن المختلطة" داخل إسرائيل.
التعليقات