25/08/2017 - 17:51

د. ثائر أبو صالح: الاحتلال يستغل تفكك الدولة والهوية السورية

أصابت الأزمة السورية، وما خلفته من تفكيك للدولة وتفتيت للهوية الوطنية الجامعة، أهالي الجولان السوري المحتل في صميم وحدتهم الوطنية التي شكلت صخرة صمودهم وانتصاراتهم على مخططات الابتلاع والأسرلة على مدى خمسة عقود من عمر الاحتلال الإسرائيلي.

د. ثائر أبو صالح: الاحتلال يستغل تفكك الدولة والهوية السورية

قوات إسرائيلية في الجولان المحتل (أرشيفية)

* الاحتلال استغل الوضع لقطع جميع صلاتنا بالوطن الأم سورية

* إسرائيل تخطط لابتلاع الجولان واحتلال قرى سفح جبل الشيخ في حال تقسيم سورية

* انتخابات المجالس محاولة لإسباغ شرعية على أدوات الاحتلال

* لا شيء يحمي حملة الجنسية الإسرائيلية من التجنيد للجيش الإسرائيلي



أصابت الأزمة السورية، وما خلفته من تفكيك للدولة وتفتيت للهوية الوطنية الجامعة، أهالي الجولان السوري المحتل في صميم وحدتهم الوطنية التي شكلت صخرة صمودهم وانتصاراتهم على مخططات الابتلاع والأسرلة على مدى خمسة عقود من عمر الاحتلال الإسرائيلي.

فلأول مرة، انقسمت الحركة الوطنية الجولانية بين مؤيد ومعارض للنظام، ووصلت التناقضات حد المواجهة والتخوين والمقاطعة الاجتماعية، الأمر الذي أدى الى تراجع العمل المشترك والروح الوحدوية اللتين بني عليهما منطق التصدي ورفض الاحتلال والأسرلة، وقد استغلت سلطة الاحتلال حالة الانقسام والتفكك تلك، وبدأت بتسريع سياسة الأسرلة، فقطعت كل علاقة بين السكان وبين وطنهم الأم سورية، وقلصت بشكل كبير عملية إرسال الطلاب للدراسة في جامعة دمشق، وأوقفت نقل التفاح الذي يباع في الأسواق السورية، وبدأت بالمقابل بإغداق الأموال على المجالس المحلية المعينة، واستغلالها لبناء المدارس وتحديث الطرقات، وغيرها من المشاريع التي جرى تحت ستارها تسريع وتيرة الأسرلة، حيث رفعت لأول مرة الأعلام الإسرائيلية على بنايات المدارس، وجرى تشجيع انضمام الفرق الرياضية إلى الدوري الإسرائيلي، إضافة إلى تعزيز الحضور الشرطوي الإسرائيلي داخل القرى.

لقد خسر أهالي الجولان ركيزتين هامتين، تتمثل الأولى بتماسك الدولة الأم التي أصابها الضعف والتفكك، والثانية بوحدة وصلابة الهوية الوطنية السورية التي تواجه محاولات التفتيت والتطييف، وهما ركيزتان أساسيتان في مواجهتهم اليومية مع الاحتلال ومخططاته، والتي بلغت، في الفترة الأخيرة، مدى قُرعَ معه ناقوس الخطر لدى الجميع، بوجود خطر يهدد المنجزات التي حققها أهالي الجولان على مدى خمسين عاما من الصمود والتضحيات.

د. ثائر أبو صالح

حول هذا الموضوع والتحديات التي يواجهها أهالي المرتفعات السورية المحتلة، التقينا الباحث في العلوم السياسيّة، وأحد رموز الحركة الوطنية الجولانية، د. ثائر أبو صالح.

عرب 48: كان لافتا في الآونة الأخيرة نشر مقالين/ نداءين وقعتهما انت وشقيقك د. مجد أبو صالح، حذرتما فيهما من تسلل مخططات الأسرلة من شقة الخلاف السوري/ السوري وتدمير المنجزات الوطنية التي حققها أهالي الجولان، بصمودهم وتضحياتهم على مدى عقود من الزمن، ما هي تلك الأخطار ومدى جديتها؟

أبو صالح: سياسيا، تستغل إسرائيل الأزمة السورية لتنفيذ إستراتيجيتها الجديدة التي تريد أن تعيدنا إلى سنوات السبعينيات، وتهدف إلى ابتلاع الجولان بشكل كلي، وتحويله إلى لواء إسكندرونة ثان، ولم تخف إسرائيل رغبتها في ذلك عندما طلبت حكومة نتنياهو من دول العالم، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وقامت بخطوة رمزية بعقد اجتماع للوزارة الإسرائيلية في الجولان بتاريخ 17/4/2016 بالتزامن مع احتفال سورية بعيد الجلاء.

إستراتيجية إسرائيل الجديدةَ تسعى، ليس فقط للسيطرة على الجولان، وإنما أيضا لاحتلال كل قرى سفح جبل الشيخ في حال تقسيم سورية، وهي قرى تنتمي بغالبيتها إلى الطائفة الدرزية، ما يعيدنا من جديد إلى سنوات ما بعد الاحتلال ومشروع التقسيم الطائفي. ولكي تسهل هذه المهمة عليها، في حال حصل التقسيم في سورية، أن تقوم إسرائيل بتغذية النبرة الطائفية والتحريض، حيث تدعم جبهة النصرة المتواجدة في القسم الذي لم يحتل من الجولان، من جهة، ومن جهة أخرى أن توهم سكان الجولان أنها هي من تحمي (الدروز) في قرية حضر وبقية القرى الواقعة على سفح جبل الشيخ من جبهة النصرة.

أما محليا، فإنها تقوم في إطار هذا المخطط بتكثيف برامج ومخططات الأسرلة والتي تستهدف الجيل الشاب بشكل خاص، عبر تسلل برامج مشبوهة إلى مدارسنا على غرار "حركة الشبيبة العاملة والمتعلمة" و "حركة الكشاف العربية والدرزية في إسرائيل" و"أجيال"، القسم العربي في "هشومير هتسعير" و"الشبيبة الصهيونية الدرزية" وسواها من البرامج المحملة بمنصات أيديولوجية وأجندات سياسية تهدف، على المدى القريب، إلى إدخال معايير الخدمة المدنية الإسرائيلية في مفاصل العملية التربوية، وعلى المدى الأبعد، إلى هندسة وعي وهوية جديدين بمعزل عن الإجماعات العمومية لأهالي الجولان، ولنا في تجربة إخواننا العرب الدروز في إسرائيل خير مثال.

عرب 48: عندما تحذر من محاولات إسرائيلية تنتهي بسحب قانون الخدمة العسكرية، المفروض على العرب الدروز في الداخل الفلسطيني على أهالي الجولان الأشم، يبدو ذلك غريبا بعض الشيء ولكن عندما تواجهنا بحقائق الواقع القانوني، يظهر لنا أن ابن الجولان "العربي الدرزي" الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية لا يحميه أي شيء من قانون التجنيد الإلزامي سوى رسائل ضمانات من وزراء أمن متعاقبين؟

أبو صالح: من المعروف أن الخدمة الإلزامية في جيش الاحتلال كانت من بين الأسباب التي دفعت أهلنا لرفض قبول الجنسية الإسرائيلية، الأمر الذي توج بالفصل بين الهوية والجنسية وبين الجنسية وتطبيق قانون التجنيد الإلزامي، وقد اهتمت قيادة الإضراب، في حينه، بحماية حتى القلة القليلة التي حصلت على الجنسية الإسرائيلية من قانون التجنيد الإلزامي الذي يسري على الدروز في إسرائيل، وقد رفض أهلنا في ذلك الحين فك الإضراب إلا عندما تلقوا تطمينات، من مكتب أرئيل شارون، وزير الأمن الإسرائيلي في حينه، وسلمت إلى المرحوم الشيخ نورالدين الحلبي، الذي سلمها بدوره إلى الشيخ سلمان طاهر أبو صالح، الرئيس الروحي لأهل الجولان آنذاك، جاء فيها "أنه لا ينوي حالياً الجيش الإسرائيلي تجنيد أبناء الطائفة الدرزية، سكان هضبة الجولان".

ولم يجر فك الإضراب في 19 تموز 1982، إلا بعد أن صدرت رسالة توضيحية، من قبل ماتي شموئيليفيتش، مدير عام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، تؤكد على أن "استلام الهوية الإسرائيلية من قبل أهل الجولان، لا تمنحهم الجنسية الإسرائيلية ولا تفرض عليهم التجنيد للجيش".

لكن من الواضح أن تفعيل قانون التجنيد الإلزامي ضد حملة الجنسية الإسرائيلية، مع وجود قانون يسري عليهم، هو اعتبار ظرفي خاضع لأمر قيادة الجيش الإسرائيلي التي تستطيع تفعيل هذا القانون متى أرادت، كما هو من الواضح أيضا أن مخططات الأسرلة تستهدف كسر قرار رفض الجنسية الإسرائيلية، الأمر الذي سيصب نهاية في مستنقع التجنيد.

عرب 48: يبدو أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحاول استغلال ليس فقط حالة التفكك الداخلي، بل غياب "الدولة السورية" لتمرير مخططات الأسرلة؟

أبو صالح: نحن ندرك أن غياب الظهر السوري المتمثل بـ الدولة الأم، يضعفنا كثيرا، ولكن الأهم هو وحدتنا الوطنية، فهي صمام الأمان وضمانة لصمودنا وانتصارنا، ثم لماذا يجب أن نقدم للاحتلال خدمة لا تنسجم مع تاريخنا ومع تضحيات آبائنا واجدادنا، ولا حتى مع مصالحنا؟ فقط لأن بلدنا سوريا يمر بمحنة؟ فهل نسينا تاريخنا؟ إن آباءنا وأجدادنا، الذين حاربوا المستعمر التركي والفرنسي، ولم يكن هناك دولة اسمها سورية، وكانوا فقراء وأميين لا يجيدون القراءة والكتابة، وقد أحرقت مجدل شمس مرتين وأعادوا بناءها من جديد.

وعندما وقف أهل الجولان بوجه المخطط الإسرائيلي في ضم الجولان، وأعلنوا إضرابهم الشهير، لم يدفعهم أحد لذلك، وإنما قاموا بهذا الفعل وفاء لتاريخهم وأصالتهم الوطنية وماضي أهلهم المجيد، ولحماية الأجيال القادمة من التجنيد، وقد حمونا، وعلينا يقع واجب حماية ابنائنا.

عرب 48: قرار وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، بإجراء انتخابات للمجالس المعينة في قرى الجولان، ضمن انتخابات البلديات والمجالس المحلية التي ستجري السنة القادمة، هو أيضا تصعيد خطير في مخططات الأسرلة؟

أبو صالح: دائما نظرنا إلى المجالس المحلية المعينة بشقين، الشق الخدماتي والذي يقوم على تقديم الخدمات لأهل الجولان، من شق للطرقات وتعبيدها وشبكات صرف صحي ومياه وكهرباء، وهنا لا نقاش على أهمية هذه الخدمات لقرانا المحتلة ولا استغناء عنها، وهو أمر يعبر عنه مواطنو الجولان بتوفير هذه الخدمات من خلال دفعهم لضريبة المسقفات (الأرنون)" ودفعهم مستحقات الكهرباء والمياه.

أما الشق الثاني، وهو الشق السياسي، هو أن المجلس ورئيسه يعبران عن المؤسسة التي يدينان لها بالولاء، وهي بالطبع وزارة الداخلية الإسرائيلية والتي تختلف تطلعاتها موضوعيا عن تطلعاتنا كسكان تحت الاحتلال، وهو بهذا المعنى لا يمكن أن يمثلنا كسكان تحت الاحتلال، لأنه لا يستطيع ان يمثل نقيضين في آن واحد، وبالتالي سيأخذنا حتما باتجاهات لا نريدها.

عرب 48: لا شك أن الإعلان عن إجراء انتخابات يهدف إلى "إلقاء قنبلة" جديدة، إلى باب الجولانيين الخارجين من ذهول الحالة السورية التي أربكت الحركة الوطنية وساهمت في تصدعها؟

هي بدون شك كذلك، وهي تحتاج منا إلى جانب مشاريع الأسرلة الأخرى، للإسراع في لملمة أنفسنا ووضع خلافاتنا الداخلية جانبا، لأننا أصلا لا نستطيع التأثير في الحالة السورية، ونستطيع، ومطلوب منا، التوحد للتأثير في حالتنا والتصدي للمخططات التي تستغل الحالة السورية للنيل من منجزاتنا.

وإذا ما دخلنا في تفاصيل فكرة الانتخابات، فسنجد أنه وفقا للقانون الإسرائيلي، يجب علينا كسكان أن نختار أحد حاملي الجنسية الإسرائيلية ليكون رئيسا للسلطة المحلية، لأن القانون الإسرائيلي ووفقاً للبند رقم 4 (ب) لقانون السلطات المحلية (انتخاب رئيس السلطة ونوابه) لعام 1975، يحدد أن رئيس السلطة المحلية يجب أن يكون مواطنا اسرائيليا وحاملا للجنسية الإسرائيلية.

فكيف سيستقيم المنطق الديمقراطي مع فكرة أن يقوم من يمثل أقلية تحمل الجنسية الإسرائيلية، بادعاء تمثيل أهل الجولان الذين رفضوا الجنسية الإسرائيلية بغالبيتهم العظمى؟ أليس المبدأ الديمقراطي يقوم على مبدأ تمثيل الأغلبية؟ طبعا الجواب جاهز عند السلطة والمروجين لها وهو، تستطيع أن تأخذ الجنسية وتترشح لرئاسة المجلس المحلي، وهذا هو الهدف الثاني الذي تسعى إليه السلطة من وراء طرح فكرة الانتخابات، بمعنى انها تصب أسوة بغيرها من المخططات في مستنقع الأسرلة.

التعليقات