14/09/2020 - 00:02

لماذا يجب أن يخاف اليافعون الأصحّاء كورونا؟

ليست مناعة القطيع بخطة قابلة للتطبيق، فهي تتأرجح على افتراض خاطئ مفاده رعاية كبار السن فقط، ما يشجع الشباب على المجازفة بصحة أعضائهم الداخلية على المدى الطويل.

لماذا يجب أن يخاف اليافعون الأصحّاء كورونا؟

إجراء فحص كورونا لشاب إسباني (أ ب)

في ما يلي ترجمة بتصرّف، خاصة بـ"عرب 48"، لمقالِ الكاتب في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والإعلام في مجلة "ذي أتلانتيك"، ديريك ثومبسون، وهو مؤلف كتاب "محققي الذروات"، ومقدم بودكاست " Crazy / Genius".


تنتشر فلسفة جديدة في تعامل الحزب الجمهوري الأميركي، ووسائل الإعلام المحافظة، مع جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19). وإذا ما نظرت عن كثب، فقد تلاحظ أنها تشبه الفلسفة الأوليّة التي صاغت تعامل الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام المحافظة مع الوباء، ومفادها؛ إذا أُصيب الشباب بهذا المرض، فلن يكون الأمر بالسوء الذي نتخيله، بل قد يكون أمرا جيّدا حتى.

يبدو أن المستشار العلمي الجديد للبيت الأبيض، ووسواس ترامب في ما يخصّ أزمة كورونا، سكوت أطلس، هو زعيم فتنة هذه النزعة الرواقية الناشئة حول الفيروس. وأطلس المختص بالأشعة العصبية، والزميل السابق في معهد "هوفر" المحافظ في جامعة ستانفورد، ليس خبيرًا في علم الأوبئة أو الأمراض المعدية. وبصفته متحدثا بشكل دوريّ في قناة "فوكس نيوز"، يبدو أن تأهيلاته ذات الصلة بالمرض أكثر إعلامية تلفزيونية من كونها علميّة.

وقال أطلس في مقابلة أجراها في تموز/ يوليو الماضي مع محطة "كي يو إس آي" الإخبارية في سان دييغو: "ليس مهما إذا أصيب الأشخاص الأصغر سنًا والأكثر صحة. ولا أدري كم مرة يجب أن يُقال هذا. احتمال أن يكون هؤلاء عرضة للخطر وحدوث مشكلة ما (جرّاء الوباء) تؤول إلى الصفر... وحينما يُصاب الأشخاص الأصغر سنًا والأكثر صحة، فهذا أمر جيد".

والحقيقة أن كوفيد-19 تسبب بأعداد وفيات بين الأطفال والمراهقين أقل مما ينجم عن إنفلونزا موسمية في سنة عادية، وفقًا للبيانات التي جمعتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، والتي أوضحت أن معدل الوفيات الناجمة عن كورونا، أعلى بكثير من الإنفلونزا، لكن إغلاق المدارس وعمليات الإغلاق الكُبرى، قلل من تعرض المراهقين لجميع أنواع الأمراض المعدية.

ووفقا لأحدث التقديرات لمعدلات الوفيات والإصابات بكورونا، فإن مصابا بعمر 25 عاما أقل عرضة للوفاة من جراء المرض بحوالي 250 مرة من مصابٍ يبلغ من العمر 85 عاما. ولكل ألف مصاب بكوفيد-19 دون سن الـ35، يكون متوسط عدد الوفيات المتوقع أقل من شخص واحد.* وقد تمنحك هذه الأرقام انطباعا مشابها لما قاله أطلس: "ليس مهما إذا أصيب الأشخاص الأصغر سنًا والأكثر صحة (بالفيروس)"، ولكن الأمر مهم. بل في غاية الأهمية، وإليكم السبب.

يسأل كثيرون من صغار السن في معرض تعاملهم مع هذه الجائحة، أنفسهم، سؤالا صحيّا ذو شقّين: ما هي احتمالات تعرضي للإصابة؟ وأين الأمر الجلل إذا ما أصبت بالعدوى؟

ركّزت في معظم تغطيتي للمرض على الشق الأول من السؤال، ولتلخيص ذلك في جملة واحدة، يُمكن القول إن الناس يكونون أكثر عرضة للإصابة بالمرض في المجتمعات التي تعاني من تفشٍّ هائل، عندما يمكثون أوقاتا مطوّلة داخل أماكن مغلقة تفتقر لأساليب التهوية وتضم أناسا آخرين يتحدثون في ما بينهم أو يصدر منهم رذاذ لعاب محمّل بالفيروس، الأمر الذي يصبح أسوأ عندما لا يرتدي الناس الأقنعة الواقية. ومن السهل تقديم هذه النصيحة، لأن الممارسات المُثلى للحد من انتشار المرض، تنطبق على الجميع.

"عواقب المرض على الأشخاص المختلفين، تتغير بشكل جنوني" (أ ب)

"أين الأمر الجلل في ذلك؟" هو الشق الأصعب من السؤال، لأن عواقب المرض على الأشخاص المختلفين، تتغير بشكل جنوني. يجب أن تبدأ الإجابة الأكثر شمولا بالتشديد على أن مفردة "الموت" ليست المرادف لـ"الخطر".

يطرح مرض كوفيد- 19 مجموعة من التحديات الصحية الخطيرة، إن لم تكن وشيكة الإماتة. يؤدي المرض أحيانًا إلى إصابة الجهاز المناعي بحالة من الاضطراب، ما يؤدي إلى تدمير الأعضاء الداخلية، وقد كشفت العديد من الدراسات التي أُجريت على المرضى بدون أعراض أن ما يزيد عن نصفهم يعانون من تشوهات في الرئة، ووجدت دراسة نُشرت في شهر آذار/ مارس في مجلة "جمعية القلب الأميركية" العلمية، أن 7 إلى 20 بالمئة من المرضى أظهرت البيانات حول أجسادهم تلفًا في القلب يرتبط بكوفيد- 19.

وكما أوضح زميلي إد يونغ، يعاني العديد من مرضى كوفيد-19 من داء طويل الأمد. ويعاني حاملو أعراض المرض طويلة الأمد، من رزمة ليست سهلة من الأعراض، تشمل التعب المزمن، وضيق التنفس، والحمى الشديدة، ومشاكل الجهاز الهضمي، وفقدان حاسة الشم، والهلوسة، وفقدان الذاكرة على المدى القصير، وانتفاخ الأوردة، والكدمات، ومشاكل صحية نسائية بالنسبة لللإناث، وعدم انتظام ضربات القلب.

ووفقًا لعالم الأعصاب، ديفيد بوترينو، فإن الأمراض المزمنة بين جيل الشباب (متوسط العمر في استطلاعه هو 44 عاما) عادة ما تقع على المريضات النساء، والتي كُنّ يتمتعن بصحة جيدة سابقا. ولا نعلم مدى انتشار حالات الإصابة طويلة الأمد، لكن عند دمج استنتاجات العديد من الدراسات التي تحظى بتقدير في الأوساط العلمية، فيمكننا أن نتوصل لتقدير لا بأس به لأعدادهم.

وفقا لدراسة نُشرت في دوريّة "ساينس" العلمية في تموز/ يوليو الماضي، فإن 1.2 بالمئة من المصابين الرجال بالفيروس في الثلاثينيات من عمرهم مثلي (الكاتب في الثلاثينات من عمره)، يصلون إلى المستشفى. وبمجرد أن يبلغ المرض هذا الحد، يرتفع خطر تعرض المصابين لداء مزمن. ووجدت دراسة أُجرييت في إيطاليا، أن ما يقرب من تسعة من كل 10 مرضى دخلوا المستشفى، قالوا إنهم يعانون من الأعراض حتى بعد مرور شهرين، فيما أفادت دراسة بريطانية عن وجود خطر مماثل للإصابة بداء طويل الأمد.

التأكد من حرارة طفل إسباني (أ ب)

والآن لنقم بالعملية الحسابية: عندما تضرب معدل استشفاء الرجال في الثلاثينيات من أعمارهم الناجم عن كورونا (حوالي 1.2 بالمئة)، في معدل إصابة المرضى الذين تعالجوا بالمستشفى، بداء مزمن من كورونا (حوالي 90 بالمئة)، نحصل على نتيجة متقاربة مع 1 بالمئة، وهذا يعني أنه من بين 100 رجل في عمري (في الثلاثينات) هناك شخص عرضة للإصابة بداء طويل الأمد من جرّاء كوفيد-19. وإذا وضعنا هذا المعطى في سياقه الصحيح، فيمكن القول إن معدل الوفيات المقدر للمصابين بالعدوى لمن تتجاوز أعمارهم الـ60 عاما، هو 0.7 بالمئة، وفقًا لنفس الدراسة في "ساينس".

ربما تكون اعتدت الاعتقاد أن أولئك الذين في الثلاثينات من أعمارهم هم بدرجة سلامة تساوي درجة الخطر لكبار السن من الجائحة، ولكن إذا أُصيب رجل في الثلاثينيات من عمره ورجل في الستينات من عمره بكوفيد-19، فهناك احتمال أكبر لأن يطور ابن الثلاثينيات مرضا مزمنا لأشهر عدّة من أن يموت ابن الستينيات من المرض، بحسب البحث المذكور أعلاه. (ولا يشمل الحساب أعلاه العدد الذي لا يحصى من المصابين بداءٍ مزمن من جرّاء كورونا الذين لم يصلوا للمستشفى أصلا).

ومما يثير الرعب أكثر مما نتعلمه الآن عن المرض، هو ما لا يمكننا معرفته حتى الآن؛ وهو الآثار طويلة المدى حقًا لهذا المرض على جسد الإنسان، أي تلك التي قد تستمر لعقود من الزمن.

وقال أستاذ السياسات الصحية بجامعة ييل، هوارد فورمان، لجيمس هامبلين وكاثرين ويلز من مجلة "ذي أتلانتيك": "نحن نعلم أن التهاب الكبد الوبائي يؤدي إلى سرطان الكبد، ونعلم أن فيروس الورم الحليمي البشري يؤدي إلى سرطان عنق الرحم، ونعلم أن فيروس نقص المناعة البشرية يؤدي إلى بعض أنواع السرطان. ولكن ليس لدينا أي فكرة عما إذا كانت الإصابة بهذه العدوى تعني أنه، بعد 10 سنوات من الآن، لديك خطر مرتفع للإصابة بسرطان الغدد الليمفاوية".

ولماذا يُنكر سكوت أطلس، أو البيت الأبيض، أو أي شخص حتى، الخطر الذي يشكله المرض على الشباب؟ تكمن إحدى الإجابات عن ذلك بأن هؤلاء يريدون إقناع الأميركيين أنه إذا ما أُصيب بعض أبناء العشرينات بالمرض، فإن الولايات المتحدة ستصبح أقرب لهدفها النهائي المتمثل بتحقيق "مناعة القطيع".

باختصار، هذا يعني بلوغ النقطة التي لا يمكن عندها لمرض، مثل كوفيد-19 أن يتسبب في تفشي وباء، لأن عددًا كافيًا من السكان قد طور مناعة ضده بالفعل. وزعم أطلس أنه إذا كانت مناعة القطيع وجهة حتمية، فربما ينبغي لنا أن نضغط على المسرع، لكن حجة مناعة القطيع تستند إلى افتراضين مشكوك بهما؛ الأول هو أن المرض لا يشكل خطرًا على الأشخاص الذين لا يقتلهم، وهو أمر بتنا نعلم أنه خاطئ.

ويقول الباحث المتخصص في الأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، مارم كيلباتريك: "إذا كنت تعتزم الحصول على مناعة القطيع، فأنت مسؤول عن العدد الكبير لحالات الاستشفاء، وسيمرض جزء كبير من هؤلاء الأشخاص لعدة أشهر. (والسؤال هو) هل تستمر الأعراض لثلاثة أشهر؟ أم ستة أشهر؟ أم ثلاثة أعوام؟ لا أحد يعلم ذلك، لكني لا أريد أن تكون خطتي لمكافحة الجائحة على مبدأ 'هيا بنا نسعى لإصابة مئات الآلاف من الشباب بأمراض تدوم مدى الحياة'. لا أريد أن أخبر الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عاما بأننا وضعناهم تحت خطر الإصابة بأمراض القلب وتلف الأعضاء المزمن".

وأما الافتراض الثاني المشكوك فيه، فهو أنه من السهل التمييز بين المجموعة الأكثر عرضة لمخاطر مرتفعة والمجموعة منخفضة المخاطر.

ويقول الخبير الاقتصادي من دارتموث، أندرو ليفين، إن "أبسط طريقة لحماية المستضعفين هي تقسيم السكان حسب العمر، لكن لا يمكنك اختيار القطع الاعتباطي والقول 'لنحمي كل شخص تحت سن 65 عاما'، لأنه ليس هناك أي أمر سحري يحدث بعد عمر الـ65 عاما، فالشخص الذي يبلغ من العمر 64.9 عامًا لديه نفس المخاطر الصحية تمامًا مثل شخص يبلغ الـ65 عاما. لذلك من الصعب جدا تقسيم السكان إلى فئات آمنة وغير آمنة".

هل تحمي "مناعة القطيع" كبار السن وغيرهم؟ (أ ب)

إلى جانب ذلك، فإن الولايات المتحدة في معظم الحالات، ليست مقسمة مكانيا وجغرافيا بحسب العمر. فالمطاعم والمتاجر تخدم زبائنَ من الكبار والصغار، كما توجد عشرات الملايين من الأسر متعددة الأجيال. ويمكن رؤية الدليل على اختلاط الشباب وكبار السن باستمرار في بيانات الوفاة الأخيرة لكوفيد-19: فقد بدأت موجة جنوبية تتفشى بين الشباب وانتشرت إلى السكان الأكبر سنا، الذين ماتوا بأعداد غير متناسبة. وتقول الأستاذة المساعدة في الإحصاء الحيوي من جامعة فلوريدا، ناتالي دين: "هناك افتراض بأنه يمكننا البدء في رعاية المسنين، لكننا لا نبتكر أمرا جديدا هنا. هل يقصدون أن علينا أن نحاول بجدية أكبر حماية كبار السن؟ كيف تبدو هذه 'المحاولة' أصلا، على الأقل مقارنة بما يحصل الآن؟ أنا فقط لا أفهم الادعاء".

ليست مناعة القطيع بخطة قابلة للتطبيق، فهي تتأرجح على افتراض خاطئ مفاده رعاية كبار السن فقط، ما يشجع الشباب على المجازفة بصحة أعضائهم الداخلية على المدى الطويل. الخيار لك. يمكنك الاستماع إلى العلماء، أو يمكنك رمي النرد وفقا لحدسك.


* أخطأت هذه المقالة في الأصل في معدل الوفيات لمرضى كوفيد-19 ممن هم تحت سن 35.

التعليقات