11/03/2022 - 21:52

وماذا لو خسرت روسيا؟

من غير المرجح أن يخسر بوتين الحرب على أوكرانيا في ساحة المعركة، ولكنه قد يخسر عند انتائها في الغالب ويصبح السؤال: ما التالي؟ سيكون من الصعب على روسيا تحمل العواقب في هذه الحرب العبثية

وماذا لو خسرت روسيا؟

مدنيون يعبرون جسرا مدمرا أثناء فرارهم من إيربين، شمال غرب كييف (أ ب)

في ما يلي ترجمة خاصّة بموقع "عرب 48" لمقال للكاتبين الأكاديميين ليانا فيكس ومايكل كيميج الذي عمل في فريق تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، وكان مسؤولا عن الملف الروسي - الأوكراني.
ترجمة: أنس سمحان.


ارتكب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خطأ إستراتيجيًا فادحًا بغزو أوكرانيا، إذ أخطأ في تقدير القيمة السياسية لبلاد لم تكن تنتظر من الجنود الروس أن يحرروها، أخطأ في تقدير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من البلدان بما في ذلك أستراليا واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية، والتي كانت جميعها قادرة على توحيد جهودها قبل الحرب وكلها مصممة الآن على هزيمة روسيا في أوكرانيا.

توقع الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها خسائر كبيرة في موسكو، إذ أن كل حرب هي معركة من أجل الرأي العام، وقد وضعت حرب بوتين على أوكرانيا، في عصر وسائل الإعلام المرئية، صورة روسيا على أنها تنفذُ هجومًا غير مبرر على جار مسالم، وفرض معاناة إنسانية جماعية وجرائم حرب متعددة عليه، وسيكون الغضب الناجم عن ذلك حجر عثرة أمام السياسة الخارجية الروسية في المستقبل عند كل خطوة تخطوها.

لم تكن الأخطاء التكتيكية التي ارتكبها الجيش الروسي أقل أهمية من خطأ بوتين الإستراتيجي، ويمكن للمرء مع الأخذ في الاعتبار تحديات التقييم في المراحل الأولى من الحرب، أن يقول متأكدًا إن التخطيط الروسي واللوجستيات كانا غير كافيين وأن نقص المعلومات لدى للجنود وحتى الضباط في المستويات العليا كان مدمرًا للمعنويات. كان من المفترض أن تنتهي الحرب بسرعة وبضربة خاطفة تقطع رأس الحكومة الأوكرانية أو ترغمها على الاستسلام، وبعدها ستفرض موسكو الحياد على أوكرانيا أو تفرض سيادة روسية عليها، وربما كان الحد الأدنى من العنف سيؤدي إلى الحد الأدنى من العقوبات، ولو سقطت الحكومة الأوكرانية بسرعة، لكان بإمكان بوتين أن يدَّعي أنه كان على حق طوال الوقت: لأن أوكرانيا لم تكن راغبة أو قادرة على الدفاع عن نفسها، وأنها لم تكن دولة حقيقية وهو ما سينطبق مع كلامه السابق عنها.

قصف مبنى سكني في ماريوبول (أ ب)

لكن بوتين لن يتمكن من كسب هذه الحرب بالشروط التي يريدها، بل توجد في الواقع عدة طرق يمكن أن يخسر بها في النهاية، حيث يمكن أن يغرق جيشه في احتلال مكلف وغير مجدٍ لأوكرانيا، مما سيهدم الروح المعنوية للجنود الروس ويستنفد الموارد، ولا يقدم شيئًا في المقابل سوى الشعارات الرنّانة عن العظمة الروسية ونقل دولة مجاورة إلى ميادين الفقر والفوضى. ويمكن - لروسيا - أن تخلق درجة معينة من السيطرة على أجزاء من شرق وجنوب أوكرانيا وربما كييف في أثناء قتالها لتمرد أوكراني من الغرب، وأن تدخلَ في حرب عصابات في جميع أنحاء البلاد، وهو سيناريو من شأنه أن يذكرنا بحرب العصابات (حرب الأنصار)[1] التي وقعت في أوكرانيا خلال الحرب العالمية الثانية. وسيتحمل بوتين وقتها مسؤولية التدهور الاقتصادي التدريجي لروسيا وعزلتها المتزايدة وعجزها المطرِد عن توفير الثروة التي تعتمد عليها القوى العظمى، وقد يفقد بوتين علاوة على ذلك دعم الشعب والنخب الروسية الذين يعتمد عليهم لمواصلة الحرب والحفاظ على قبضته على السلطة، على الرغم من أن روسيا ليست ديمقراطية.

يتراءى لنا أن بوتين يحاول إعادة تأسيس شكل من أشكال الإمبريالية الروسية، لكن يبدو أنه فشل بخوضه هذه المغامرة غير العادية، في تذكر الأحداث التي أدت إلى نهاية الإمبراطورية الروسية، حيث خسر القيصر الروسي الأخير نيكولاس الثاني حربًا ضد اليابان عام 1905 ووقع في وقت لاحق ضحية للثورة البلشفية ولم يخسر فقط تاجه، بل وحياته أيضًا. والدرس المستفاد هنا: لا يمكن للحكام المستبدين أن يبقوا مستبدين إذا خسروا حروبهم.

في هذه الحرب... لا يوجد فائزون

من غير المرجح أن يخسر بوتين الحرب على أوكرانيا في ساحة المعركة، ولكنه قد يخسر عند انتائها في الغالب ويصبح السؤال: ما التالي؟ سيكون من الصعب على روسيا تحمل العواقب غير المقصودة والتي قُلِّلَ من شأنها في هذه الحرب العبثية، وقد يؤدي الافتقار إلى التخطيط السياسي بعدها، والذي يمكن مقارنته بالفشل التخطيطي للغزو الأميركي للعراق، دوره لجعلها حربًا لا انتصار فيها.

شظايا طائرة أسقطت في كييف (أ ب)

لن تكون أوكرانيا قادرة على قهقرة الجيش الروسي على الأراضي الأوكرانية، فالجيش الروسي أقوى من الجيش الأوكراني بمراحل، وروسيا بالطبع قوة نووية، في حين أن أوكرانيا ليست كذلك. حارب الجيش الأوكراني حتى الآن، بتصميم ومهارة رائعين، لكن العقبة الحقيقية أمام التقدم الروسي كانت طبيعة الحرب نفسها، إذ يمكن لروسيا من خلال القصف الجوي والهجمات الصاروخية تسوية مدن أوكرانيا، وبالتالي تحقيق الهيمنة على ساحة المعركة. ويمكنها أن تحاول استخدام الأسلحة النووية على نطاق صغير لتحقيق نفس التأثير، وإذا اتخذ بوتين هذا القرار، فلا يوجد شيء في النظام الروسي يمكن أن يوقفه. كتب المؤرخ الروماني، تاسيتوس، عن تكتيكات الحرب في روما، بأنهم "يجعلون أي أرض صحراء"، ثم يقولون إنهم "أقاموا سلامًا"، ونُسبت الكلمات إلى قائد الحرب البريطاني، كالغاكوس؛ هذا خيار لبوتين في أوكرانيا.

وحتى إن فعل بوتين ذلك، فلن يتمكن من ترك الصحراء كما هي، خصوصًا أن شن الحرب جاء بذريعة إيجاد منطقة عازلة تسيطر عليها روسيا بينه وبين النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في أوروبا. لن يترك بوتين أوكرانيا دون إقامة هيكل سياسي لتحقيق غاياته والحفاظ على درجة معينة من النظام فها. لكن السكان الأوكرانيين أظهروا بالفعل أنهم لا يرغبون في أن يتم احتلالهم، وسيقاومون بشدة من خلال أعمال المقاومة اليومية ومن خلال التمرد داخل أوكرانيا أو ضد النظام العميل في شرق أوكرانيا الذي أقامه الجيش الروسي. ويتبادر إلى الذهن تشبيه هذه بالحرب الجزائرية[2] (1954-1962) ضد فرنسا. كانت فرنسا القوة العسكرية المتفوقة، إلا أن الجزائريين وجدوا طرقًا لسحق الجيش الفرنسي وإيقاف دعم باريس للحرب.

سيكون احتلال أوكرانيا مكلفًا للغاية

ربما يتمكن بوتين من بناء حكومة تتبع له وتكون كييف كعاصمة لها: أوكرانيا الفيشية[3]، وربما يمكنه هذا من حشد الدعم المطلوب من الشرطة السرية لإخضاع سكان هذه المستعمرة الروسية. تعد بيلاروسيا مثالاً على دولة تعمل تحت الحكم الاستبدادي والقمع البوليسي ودعم الجيش الروسي، وهو نموذج محتمل لأوكرانيا الشرقية التي تحكمها روسيا. إلا أن الأمر كله في الواقع لا يزال حبرًا على ورق. قد توجد أوكرانيا التي يسودها الروس كخيال إداري في موسكو والحكومات قادرة بالتأكيد على التصرف وفقًا لأوهامها الإدارية، لكنها لا يمكن أن تنجح أبدًا في الممارسة العملية بسبب الحجم الهائل لأوكرانيا والتاريخ الحديث للبلاد.

بدا بوتين في خطاباته حول أوكرانيا عالقًا في أوهام منتصف القرن العشرين، وذلك نظرًا لانشغاله بالقومية الأوكرانية الألمانية في الأربعينيات، ومن هنا جاءت إشاراته العديدة إلى النازيين الأوكرانيين وهدفه المعلن المتمثل في "قمع نازييي" أوكرانيا. لدى أوكرانيا عناصر سياسية يمينية متطرفة بالفعل، ولكن ما فشل بوتين في رؤيته أو تجاهله هو الشعور الأكثر شعبية والأكثر فاعلية بالانتماء القومي الذي نشأ في أوكرانيا منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وكان الرد العسكري الروسي على ثورة ميدان 2014 في أوكرانيا التي أطاحت بحكومة فاسدة موالية لروسيا، دافعًا إضافيًا لهذا الشعور بالانتماء القومي. وقد لجأ الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى مجازات مثالية في إحيائه للقومية الأوكرانية منذ بدء الغزو الروسي، وسيؤدي الاحتلال الروسي إلى تعزيز إحساس النظام السياسي الأوكراني بالقومية جزئيًا عن طريق خلق العديد من الشهداء للقضية، تمامًا كما فعل الاحتلال الروسي الإمبريالي لبولندا في القرن التاسع عشر.

مقاتلون متطوعون على مداخل كييف (أ ب)

ولتعمل خطة روسيا، سيتوجب على احتلالها أن يكون مشروعًا سياسيًا ضخمًا، وأن يسيطر على ما لا يقل عن نصف أراضي أوكرانيا، وسيكون الأمر مكلفًا للغاية؛ ولعل بوتين يفكر في شيء مثل حلف وارسو الذي حكم من خلاله الاتحاد السوفيتي العديد من الدول القومية الأوروبية المختلفة وكان هذا أيضًا مكلفًا، ولكن ليس باهظ التكلفة مثل السيطرة على منطقة تمرد داخلي، مدججة بالكامل ومدعومة من العديد من الشركاء الأجانب الذين يبحثون عن أي نقاط ضعف روسية. من شأن مثل هذا الجهد أن يستنزف خزينة روسيا.

تؤدي العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على روسيا، في غضون ذلك، إلى فصل روسيا عن الاقتصاد العالمي. وسيتراجع الاستثمار الخارجي وسيكون الحصول على رأس المال أكثر صعوبة وستجف عمليات نقل التكنولوجيا وسُتغلق الأسواق في وجه روسيا ومن المحتمل أن تشمل أسواق الغاز والنفط، والتي كان بيعها أمرًا حاسمًا في تحديث بوتين للاقتصاد الروسي. وستعمل المواهب التجارية وريادة الأعمال إلى مغادرة روسيا. ويمكننا بهذا التنبؤ بالتأثير طويل المدى لهذه التحولات، وكما جادل المؤرخ، بول كينيدي، في كتابه "نشوء وسقوط القوى العظمى"، فإن مثل هذه البلدان تميل إلى خوض الحروب الخاطئة وتحمل أعبائها المالية وبالتالي حرمان نفسها من النمو الاقتصادي والذي يُعد شريان الحياة للقوة العظمى. وفي حال تمكنت روسيا من إخضاع أوكرانيا، وهو أمر غير محتمل، فقد تدمر نفسها في طريقها لتحقيق ذلك.

اقرأ/ي أيضًا | ظهور وأفول "لندن غراد"

المتغير الرئيسي في تداعيات هذه الحرب هو الجمهور الروسي، إذ حظيت سياسة بوتين الخارجية بشعبية في الماضي. في روسيا، كان ضم شبه جزيرة القرم أمر أحبته الجماهير للغاية، إلا أن حزم بوتين العام لا يروق لجميع الروس، لكنه يروق لكثير منهم، وقد يبقى الأمر على حالهِ في الأشهر الأولى من حرب بوتين على أوكرانيا. سيسود جو من الحزنِ على الضحايا الروس وسيخلق هذا حافزًا للمواصلة، كما يحصل في كل الحروب لجعل التضحيات ذات قيمة ولمواصلة الحرب والدعاية لها، قد تأتي المحاولة العالمية لعزل روسيا بنتائج عكسية من خلال عزلها عن العالم الخارجي تاركًا الروس يبنون هويتهم الوطنية على المظالم والاستياء.

تدريب المتطوعين لمقاومة الغزو الروسي (أ ب)

ومع ذلك فالأرجح أن رعب هذه الحرب سينقلبُ بنتائج عكسية على بوتين. لم يخرج الروس إلى الشوارع للاحتجاج على القصف الروسي لحلب في عام 2016 والكارثة الإنسانية التي حرضت عليها القوات الروسية في سياق الحرب الأهلية هناك، ولكن أوكرانيا تحمل أهمية مختلفة تمامًا بالنسبة للروس، حيث توجد الملايين من العائلات الروسية الأوكرانية المترابطة ويشترك البلدان في الروابط الثقافية واللغوية والدينية وستتدفق المعلومات حول ما يحدث في أوكرانيا إلى روسيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الأخرى وستدحض الدعاية الوطنية وتشوهها، وهذه معضلة أخلاقية لا يستطيع بوتين حلها من خلال القمع وحده، بل قد يحقق القمع نتائج عكسية في حد ذاته، وهو غالبًا ما يحدث في التاريخ الروسي، ولو كان لديك أي شك، اسأل السوفييتيين.

قضية خاسرة

ستضع عواقب خسارة روسيا في أوكرانيا أوروبا والولايات المتحدة أمام تحديات أساسية، فبافتراض أن روسيا ستضطر إلى الانسحاب ذات يوم، فإن إعادة بناء أوكرانيا بهدف سياسي يتمثل في الترحيب بها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، سيكون مهمة ذات أبعاد جبّارة وشاقّة. ويجب ألا يخذل الغرب أوكرانيا مرة أخرى. وفي حال وجود سيطرة روسية ضعيفة على أوكرانيا، فسيخلق هذا منطقة ممزقة ومزعزعة للاستقرار بفعل القتال المستمر مع هياكل حكم محدودة أو معدومة شرق حدود الناتو. ستكون الكارثة الإنسانية غير مسبوقة ولم تشهدها أوروبا منذ عقود.

والأكثر إثارة للقلق هو أن نشهد روسيا ضعيفة ومُذَلَّة وتنطوي على دوافع انتقامية مماثلة لتلك التي تفاقمت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وإن حافظ بوتين على قبضته على السلطة، فستصبح روسيا دولة منبوذة وقوة عظمى مارقة بجيش تقليدي مُقيَّد، ولكن بترسانة نووية سليمة، وسيبقى ذنب ووصمة عار حرب أوكرانيا في السياسة الروسية لعقود، إذ يندر أن تستفيد بلد ما من حرب خاسرة. سيحدد عدم جدوى التكاليف التي يتم إنفاقها على الحرب الخاسرة والخسائر البشرية والانحدار الجيوسياسي، مسار روسيا والسياسة الخارجية الروسية لسنوات عديدة قادمة، وسيكون من الصعب للغاية تخيل بروز روسيا الليبرالية بعد رعب هذه الحرب.

متطوعون يخلون مسن بعد قصف سوري لإيربين، شمال غرب كييف (أ ب)

حتى لو فقد بوتين قبضته على روسيا، فمن غير المرجح أن تظهر دولة روسية ديمقراطية موالية للغرب، ويمكن أن تتجزأ الدولة خاصة في شمال القوقاز أو يمكن أن تصبح دكتاتورية عسكرية مسلحة نوويًا. لن يكون صانعو السياسة مخطئين إذا كانوا يأملون بوجود روسيا أكثر إنسانية وبالوقت الذي يمكن فيه دمج روسيا ما بعد بوتين بشكل حقيقي في أوروبا، ويجب أن يفعلوا ما في وسعهم لتمكين هذا الاحتمال، حتى وهم يقاومون حرب بوتين، ومع ذلك، سيكونون حمقىً إذا لم يستعدوا لاحتمالات أكثر قتامة.

لقد أظهر التاريخ أن بناء نظام دولي مستقر صعب للغاية بوجود قوة انتقامية مُذَلّة بالقرب من مركزه، خاصةً إذا كانت بحجم ووزن روسيا. وسيتعين على الغرب لتحقيق ذلك أن يتبنى نهجًا من العزلة والاحتواء المستمرين. ستصبح عزلة روسيا والقبول بتدخل الولايات المتحدة في مقدمة أولويات أوروبا في مثل هذا السيناريو، حيث سيتعين على أوروبا أن تتحمل العبء الرئيسي لإدارة روسيا المعزولة بعد الحرب الخاسرة في أوكرانيا، خصوصًا أن واشنطن تريد التركيز أخيرًا على الصين. يمكن للصين بدورها أن تحاول تعزيز نفوذها على روسيا الضعيفة مما يؤدي بالضبط إلى بناء الكتلة والهيمنة الصينية التي أراد الغرب منعها في بداية عشرينيات القرن الماضي.

التضحية بأي ثمن؟

لا ينبغي لأحد داخل روسيا أو خارجها أن يرغب في فوز بوتين في حربه في أوكرانيا، ومن الأفضل أن يخسر. وحتى مع هزيمة روسيا فلن يكون هناك سبب للاحتفال. إذا أوقفت روسيا غزوها، فإن العنف الذي تعرضت له أوكرانيا بالفعل سيمثّل صدمة تستمر لأجيال ولن توقف روسيا غزوها في أي وقت قريب. يجب على الولايات المتحدة وأوروبا التركيز على استغلال أخطاء بوتين، ليس فقط من خلال دعم التحالف بين ضفتيّ الأطلسي وتشجيع الأوروبيين على التصرف بناءً على رغبتهم المفصلة منذ فترة طويلة في السيادة الإستراتيجية، ولكن أيضًا من خلال إقناع الصين بالدروس المرتبطة بفشل روسيا: لتحدي الأعراف الدولية، مثل سيادة الدول، تكاليف حقيقية، والمغامرات العسكرية تضعف الدول التي تنغمس فيها.

إذا تمكنت الولايات المتحدة وأوروبا يومًا ما من المساعدة في استعادة السيادة الأوكرانية، وإذا كان بإمكانهما دفع روسيا والصين في الوقت نفسه نحو فهم مشترك للنظام الدولي، فإن خطأ بوتين الفادح سيتحول إلى فرصة للغرب، ولكنها فرصة بتكلفة باهظة وغير معقولة.


[1] استخدم كاتب المقالة كلمة Partisan Warfare بدلًا من Guerrilla warfare في الإشارة إلى الحرب التي قادها جيش التمرد الأوكراني خلال صراعات الحرب العالمية الثانية ضد كل من ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا. تشكّل الجيش من تشكيلات منفصلة مسلحة من منظمة القوميين الأوكرانية وغيرها من التشكيلات الوطنية المتشددة وبعض المنشقين عن الشرطة الأوكرانية وعبر تعبئة السكان المحليين، وفيما بعد صار الجيش حزبيًا (partisan)، والتي تعني الأفراد المنتمين لأي قوة عسكرية غير نظامية تدافع عن أرض ما ضد الاحتلال الخارجي، وترتبط التسمية عادة بحركات المقاومة الناشئة في الدول المحتلة والمشاركة في ميادين القتال ضد الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية – المُترجم.

[2] والمعروفة بثورة التحرير الجزائرية والتي اندلعت في أول تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 وانتهت بتحرير الجزائر من براثن الاستعمار الفرنسي والذي استمرَ لـ 132 عاما – المُترجم.

[3] يستخدم الكاتب كلمة الفيشية (Vichy) للإشارة إلى اسم نظام الدولة الفرنسية (فرنسا الفيشية) بزعامة الماريشال فيليب بيتان خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الدولة سلطوية ومتواطئة مع ألمانيا النازية، وكانت باريس عاصمة الدولة ظاهريًا، إلا أن حكومة فيشي تأسست في مدينة فيشي السياحية والواقعة ضمن المنطقة الحُرة غير المُحتلة، وكانت الحكومة الفيشية مسؤولة عن الإدارة المدنية لفرنسا ومستعمراتها - المُترجم.

التعليقات