05/03/2023 - 19:30

فلسطين: مختبر القمع التكنولوجي

أدى انتشار التكنولوجيا الرقمية والتحكم، جنبًا إلى جنب مع تسييل البيانات الشخصية، إلى تحول البيانات لتكون جبهة جديدة للاستعمار

فلسطين: مختبر القمع التكنولوجي

كاميرات مراقبة إسرائيلية في الخليل (Getty)

عندما شنت القوات الإسرائيلية موجة مكثفة من الغارات الجوية على قطاع غزة المحاصر في أيّار/مايو 2021، مما أدى إلى مقتل 256 فلسطينيًا وإصابة عشرات الآلاف، وقعت غوغل وخدمات أمازون للويب (AWS) على مشروع نيمبس Nimbus، وهو عقد بقيمة 1.2 مليار دولار لتوفير الخدمات السحابية للحكومة والجيش الإسرائيليين. ستوفر الشركتان، طبقا للعقد، بشكل فعال الأساس التكنولوجي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ويجري الآن بناء ثلاثة مراكز بيانات لهذا المشروع. قدمت خدمات أمازون للويب أيضًا النظام الأساسي السحابي لبرامج التجسس بيغاسوس حتى ظهور أخباره وفضائحه، وتستمر الشركة في تقديم خدماتها لتطبيق بلو ولف Blue Wolf أو الذئب الأزرق، الذي يسمح للجنود الإسرائيليين بالتقاط صور للفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، ثم مطابقتها مع قواعد بيانات الجيش وقواعد البيانات الاستخباراتية.

مع تأثيره البعيد المدى وغير المسبوق، فإن العقد ليس إلا مظهر واحد من مظاهر الروابط العميقة بين إسرائيل وشركات التكنولوجيا الكبرى، حيث كان لشركة إتش پي Hewlett Packard Enterprise، على سبيل المثال، عقدًا حصريًا لتوفير خوادم من 2017 إلى 2020 لقاعدة بيانات السكان في إسرائيل، والتي تُستخدم أيضًا لتحديد أشكال مختلفة من الاستبعاد للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وسكان القدس الشرقية المحتلة. ساعدت شركات التكنولوجيا الكبرى في دعم الاحتلال المبني على السيطرة العسكرية والمراقبة الدائمة، وهو ما ندد به الفلسطينيون لعقود باعتباره شكلًا من أشكال الفصل العنصري و «الاستعمار الاستيطاني». تعتقد منظمة العفو الدولية ومنظمات دولية أخرى، ومُقرِّر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدد متزايد من الحكومات، أن إسرائيل ترتكب جريمة الفصل العنصري في فلسطين.

أدى انتشار التكنولوجيا الرقمية والتحكم، جنبًا إلى جنب مع تسييل البيانات الشخصية، إلى تحول البيانات لتكون جبهة جديدة للاستعمار. إن فهم دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تعزيز انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني يُبرز بشكل حاد الحاجة الملحة لتحدي استعمار البيانات العالمي، هذا لأن أساليب القمع التي تُختبر على الفلسطينيين يتم تبنيها في جميع أنحاء العالم، ولأنه عند التشكيك في شركات التكنولوجيا الكبرى، فإن تواطؤها مع الوكالات العسكرية والمراقبة وسرقتها لبياناتنا تمكننا من بناء صراعات متقاطعة ضد مصفوفة القمع: العسكرة والرأسمالية النيوليبرالية والفصل العنصري الإسرائيلي، التي تدعمها شركات التكنولوجيا الكبرى وتستفيد منها.

مكنت العلاقات العميقة بين إسرائيل وكبار الشركات التكنولوجية من تدفق الأرباح وزيادة الجريمة وارتفاع وتيرة التواطؤ في الاتجاهين، وهذا يمكّن إسرائيل من نشر تكنولوجيا سريعة الابتكار تطورها الشركات عبر الوطنية، وتدمجها في مراقبتها وسيطرتها وقمعها للفلسطينيين. في الوقت نفسه، فإن التكنولوجيا الإسرائيلية المطوَّرة للسيطرة على الشعب الفلسطيني متاحة لشركات التكنولوجيا الإسرائيلية والدولية لتوسيع نطاقها وتصديرها إلى دول أخرى لأغراض قمعية. انظر إلى بعض هذه الإحصائيات التي جمعتها حملة «أوقفوا الجدار» الفلسطينية في تقريرها «الجدران الرقمية»:

● أنشأت أكثر من 300 شركة تكنولوجية متعددة الجنسيات خلال العقود القليلة الماضية مراكز بحث وتطوير في إسرائيل، تمثل حوالي 50% من نفقات البحث والتطوير في تلك الشركات.

● استحوذت هذه الشركات متعددة الجنسيات على ما مجموعه 100 شركة إسرائيلية. استحوذ عدد منها مثل إنتل ومايكروسوفت وبرودكم وسيسكو وآي بي إم وإيه إم سي على أكثر من عشر شركات محلية خلال فترة عملها في إسرائيل.

● يوجد أكثر من 30 شركة مليارية تكنولوجية في إسرائيل، وهي شركات ناشئة تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار أميركي، ويقدر هذا بنسبة 10% من الشركات المليارية في العالم.

تدفع هذه العلاقة التكافلية استثمار الشركات التكنولوجيا الكبرى في إسرائيل، وتعزز نمو التكنولوجيا الرقمية العسكرية وتكنولوجيا المراقبة، والتي كانت إسرائيل رائدة فيها مسبقًا، ولكنها لم تكن تتميز عن غيرها من الدول.

شركات التكنولوجيا الكبرى والحروب الإمبريالية العالمية

(Getty)

يعتبر موضوع شركات التكنولوجيا الكبرى ونظام الفصل العنصري في إسرائيل جزء من بنية قوة عالمية من الهيمنة والعنصرية ودعم الدول القسرية. تشمل التكنولوجيا الرقمية أنظمة المراقبة التي استخدمها الجيش لأول مرة، كما يفيد تقرير «الجدران الرقمية»:

لا تتطور عمليات الرقمنة والعسكرة بالتوازي الجزئي فقط، بل بتشابكٍ شديد: ظهرت أجهزة الكمبيوتر الأولى من الحرب العالمية الثانية وطوّر الجيش الأميركي الإنترنت في الحرب الباردة، ولا عجب في أن التكنولوجيا العسكرية والبحوث والصناعة تحقق أرباحًا ضخمة منذ بداية الاقتصاد الرقمي.

يوضح مشروع البنتاغون، ميڤن Maven سُبل استمرار هذه العمليات وترابطها في النمو جنبًا إلى جنب مع الحروب الإمبريالية العالمية، حيث استخدم الجيش الأميركي منذ أوائل عام 2000 المُسيَّرات لمهاجمة أهداف في دول أخرى، مما تسبب أيضًا في وقوع إصابات في صفوف المدنيين. صُمّم مشروع ميڤن لزيادة هجمات المُسيَّرات من خلال تحليل لقطات المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتعاقدت الحكومة مع غوغل في البداية لهذا المشروع، لكنها انسحبت في أعقاب اعتراضات موظفيها، وانتقل العقد بعدها لخدمات أمازون للويب ومايكروسوفت، وانتقل بعدها إلى الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية (NGA).

أشار مشروع «شركات التكنولوجيا الكبرى تبيع الحرب»، الذي كان يتتبع التواطؤ بين شركات التكنولوجيا الأميركية والعنف ضد المسلمين والإسلاموفوبيا، إلى أن «قانون باتريوت آكت يخول الحكومة سلطات واسعة لمراقبة الأميركيين وحتى احتجاز المهاجرين غير المتهمين بارتكاب جرائم إلى أجل غير مسمى، كما فتح هذا القانون الباب أمام شركات التكنولوجيا الكبرى لتصبح أولًا وقبل كل شيء وسطاء لبياناتنا الشخصية، وبيعها للوكالات الحكومية والشركات الخاصة في الداخل والخارج وبدء عصر اقتصاد البيانات. وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA)، التي كَشف عن برنامج مراقبتها الجماعية المقاول السابق إدوارد سنودن، تمكنت من الوصول إلى خوادم مايكروسوفت في سبتمبر 2007 وإلى غوغل في يناير 2009، وإلى فيسبوك في يونيو 2009، وإلى يوتيوب في عام 2010، وإلى آپل في أكتوبر 2012، بموجب تعديلات على قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية، وقد تجدد وصولها منذ ذلك التاريخ.

اعتمدت عقود من تطبيع المراقبة الجماعية، وإدخال الجيش الأميركي لهجمات المُسيَّرات عن بعد، وبناء الجدران وغيرها من آليات مراقبة الحدود لمنع دخول المهاجرين، على التكنولوجيا المتطورة باستمرار لتصنيف الأشخاص ومراقبتهم ومهاجمتهم، وتوازى هذا مع تحول شركات التكنولوجيا الكبرى إلى شركات مليارية ضخمة. يمكن العثور على جدول زمني لكلا المسارين، لتقنيات القمع المتطورة ونمو شركات التكنولوجيا الكبرى في حملة مشروع «شركات التكنولوجيا الكبرى تبيع الحرب». فازت خدمات أمازون للويب في عام 2013 بأول عقد سحابي لها في الولايات المتحدة مع وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي ووكالات استخبارات أميركية أخرى. أعادت وكالة الأمن القومي في أبريل 2022 منح عقد (منفصل) بقيمة 10 مليارات دولار لخدمات الحوسبة السحابية إلى خدمات أمازون للويب. احتجت مايكروسوفت على فوز أمازون بهذا العقد، الذي خلف عقد تكنولوجيا المعلومات المشترك للبنية التحتية للدفاع (JEDI)، الذي أبرمته مايكروسوفت في عام 2019. وقعت شركة مايكروسوفت في مارس 2021 لتقديم سماعات الرأس HoloLens للواقع المعزز للجيش الأميركي في عقد تبلغ قيمته حوالي 21.88 مليار دولار على مدى 10 سنوات.

تحسب حملة «شركات التكنولوجيا الكبرى تبيع الحرب» أنه على مدار العشرين عامًا الماضية بلغت عقود شركات التكنولوجيا الكبرى مع البنتاغون ووزارة الأمن الداخلي حوالي 44 مليار دولار. كما أنه يكشف عن الخدمات المتبادلة بين مؤسسة الدفاع الأميركية والمديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الكبرى: في وقت كتابة هذا التقرير، كان مدير الأمن في خدمات أمازون للويب، ستيڤ پانديلدز، قد عمل في مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) لأكثر من 20 عامًا، بما في ذلك المركز الوطني لمكافحة الإرهاب وقسم تكنولوجيا العمليات. وعمل جاريد كوهين في شركة غوغل حيث أسس شركة جيغساو Jigsaw، حيث كُلِّف بتطوير أدوات مكافحة الإرهاب لمنصات التواصل الاجتماعي من بين أدوات أخرى. كان في السابق موظفًا لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، ويعمل الآن في بنك غولدمان ساكس.

تعتمد شركات التكنولوجيا الكبرى من نواحٍ عديدة على نموذج المجمع الصناعي العسكري في إنشاء مجمع عسكري تقني جديد، ولكن على عكس الطبيعة الوقحة لصناعة إنتاج الأسلحة التقليدية، حيث من الواضح أن الأسلحة مصممة للقتل والقمع، فإن شركات التكنولوجيا الكبرى أكثر دهاءً؛ لأنها تدعي في الوقت نفسه أنها ديمقراطية، وأن بياناتها مفتوحة أمام الجميع. يساعد التمييز غير الواضح بين الاستخدام العسكري والمدني في تطبيع انتشاره في كل مكان، ويقلل من استجابتنا للتحديات الملحة التي يمثلها.

تكنولوجيا الفصل العنصري في إسرائيل

(Getty)

تساعد رؤية الوضع من منظور الفلسطينيين في توضيح الأمور أكثر، نظرًا لتواطؤ شركات التكنولوجيا الكبرى في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. نشرت إسرائيل، منذ ما قبل تأسيسها في عام 1948، ومن خلال التطهير العرقي لمئات الآلاف من الفلسطينيين، أجهزتها العسكرية وأجهزة المراقبة لتجريد الفلسطينيين من قوتهم ولتفتيتهم ولتفريقهم أكثر. أسست مخابرات قوات الاحتلال الإسرائيلي وحدة 8200 عام 1952، وكُلّفت من حينه بجمع المعلومات الاستخبارية وفك تشفير الأكواد. يعتبر التجسس والمراقبة الجماعية للفلسطينيين القوة الدافعة وراء الكثير من التطور السريع للتكنولوجيات الجديدة في إسرائيل. إليكم كيف تتحدث سلطة الابتكار الإسرائيلية عن الحرب السيبرانية:

طالما كانت الحرب الإلكترونية في طليعة صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة. [...] تتيح المجموعة الفائزة من خريجي وحدات التكنولوجيا في جيش الدفاع الإسرائيلي وبيئة الابتكار المدعومة من قبل سلطة الابتكار التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة لتشكيل المستقبل بدءًا من اليوم.

تصدر إسرائيل هذا النموذج الأمني للمخاوف المصطنعة التي تبرر ردود الفعل الاستبدادية من قبل الدول لضمان «أمنها» و «بقائها»، إلى جانب أسلحتها وتقنياتها، وفي حالة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، فإن هذه الحاجة للأمن تمتد فقط إلى السكان اليهود بينما يعيش الفلسطينيون في درجات متفاوتة من الحرمان من حقوقهم، ومجردين من الأمن بسبب سياسات إسرائيل.

يمكن للوحدة 8200 الاستماع إلى أي محادثة هاتفية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. توجد كاميرات للتعرف على الوجه، بنسبة كاميرا لكل 100 فلسطيني، مثبتة في القدس الشرقية المحتلة. تُستخدم المعلومات الخاصة لابتزاز الفلسطينيين ليصبحوا عملاء ومُخبرين. تسمح كاميرات هوك آي المصممة لقراءة لوحات الترخيص لقوات الشرطة الإسرائيلية بالحصول على المعلومات وتحديد مواقع المركبات في الوقت الفعلي. ثُبتت تقنية التعرف على الوجه في نقاط التفتيش الإسرائيلية، والتي قدمتها شركة إتش پي في البداية. يلتقط تطبيق «بلو وولف»، الذي أطلق عليه اسم «فيسبوك الفلسطينيين» السري للجيش الإسرائيلي، صورًا للفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، ويطابقها مع قاعدة البيانات التي يديرها الجيش والاستخبارات الإسرائيلية، ويكافأ الجنود الإسرائيليون على التقاط عدد كبير من صور الفلسطينيين تحت الاحتلال.

لم يتمكن سجن جيرمي بنثام «پان أوپتكون Panopticon» (١) من تحقيق النتائج أعلاه؛ لأنه كان يهدف فقط إلى المراقبة من أجل السيطرة، بينما تهدف إسرائيل وأجهزتها التكنولوجية إلى المراقبة والإكراه والابتزاز والانتهاك، وكل ذلك في إطار نظام الفصل العنصري. تمامًا مثل صناعة الأسلحة، يتم نشر مجال التكنولوجيا الرقمية في إسرائيل ضمن نظام الفصل العنصري، حيث يتم «اختبار الأدوات والتطبيقات ميدانيًا» على الفلسطينيين قبل تصديرها، ويشير جلال أبو خاطر في المقال آنف الذكر:

تعتبر الأراضي المُحتلة بالنسبة للشركات الإسرائيلية العاملة في تطوير تقنيات المراقبة وبرامج التجسس مجرد مختبر تجرب فيه منتجاتها قبل تسويقها وتصديرها في جميع أنحاء العالم من أجل الربح. ويعتبر نظام المراقبة هذا بالنسبة للحكومة الإسرائيلية أداة للسيطرة وعملًا لكسب المال.

في الواقع، كما كشف مشروع پيغاسوس، أن برنامج التجسس التابع لمجموعة إن إس أو الإسرائيلية قد اُستخدم في جميع أنحاء العالم للتجسس على الصحفيين والنشطاء وكذلك قادة الحكومة والمعارضة. تتضمن قائمة المستهدفين في الهند، على سبيل المثال أي شخص يعبر عن تحدٍ خطير لحكومة مودي اليمينية. إن استخدام الأسلحة والتقنيات العسكرية الإسرائيلية كوسيلة للقمع في جميع أنحاء العالم معروف جيدًا. ومع ذلك، لا يزال دور شركات التكنولوجيا الكبرى عظيمًا في إنتاج إسرائيل وتصديرها التقنيات القمعية.

أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى من الفصل العنصري

(Getty)

في حين أن نظام الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني هو «المختبر» لإنتاج الأسلحة والتكنولوجيا القمعية، فإن شركات التكنولوجيا الكبرى هي التي توفر الاستثمار الضروري، وتدعم انتشار صناعة تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني في إسرائيل، والتي تستفيد منها بشكل كبير. يعمل عمالقة التكنولوجيا الكبار مثل مايكروسوفت وغوغل وأمازون بنشاط في صناعة التكنولوجيا في إسرائيل، وبحسب ما ورد، استحوذت مايكروسوفت على شركتين إسرائيليتين للأمن السيبراني بين عامي 2015 و2017. وهما شركة Adallom، التي أسسها أحد المخضرمين في وحدة المخابرات الإسرائيلية الخاصة في عام 2015 مقابل 320 مليون دولار في عام 2015، وشركة Hexadite مقابل 100 مليون دولار في عام 2017.

تعاقدت أمازون وغوغل في عام 2019 لبناء منصة سحابية إسرائيلية جنبًا إلى جنب مع غوغل، وعملت مع مراكز البيانات المحلية لإعداد البنية التحتية السحابية. وأنشأت غول، كجزء من مشروع نيمبس، مؤخرًا منطقة سحابية محلية في إسرائيل. ووفقًا للعقد، التزمت الشركتان بإجراء عمليات شراء متبادلة وإطلاق تعاون صناعي في إسرائيل بما يعادل 20% من قيمة العقد، كما يقع مقر ثاني أكبر مركز للبحث والتطوير في فيسبوك أيضًا في إسرائيل.

علينا تحدي الدول التي تشتري برامج التجسس والتكنولوجيا الرقمية الإسرائيلية لقمع مواطنيها إلى جانب الكشف عن تواطؤ شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة وتربحها، لأنها تعمل على ترسيخ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

التطبيق العملي للتقاطع: حملة لا دعم تكنولوجي للفصل العنصري

(Getty)

لقد قوبلت سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى المتزايدة، وتواطؤها في القمع العسكري بتحديات متنوعة ومقاومة شعبية. من المرحلة المبكرة من بخروج من يفضح هذه الشركات الحملات الحالية التي تكشف عن استفادة شركات التكنولوجيا الكبرى من الحرب، ثمة طلب متزايد لإنهاء تسليح التكنولوجيا.

تسلط حملة وقف تزويد وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة بالتكنولوجيا المستندة إلى القواعد الشعبية الضوء على الدور الرئيسي الذي تلعبه بالانتآير Palantir وخدمات أمازون للويب في توفير البنية التحتية لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك جنبًا إلى جنب مع وكالات إنفاذ القانون الأخرى المشاركة في سياسة إدارة ترامب الوحشية لفصل العائلات. جمعت شركة بالانتآير معلومات عن الأفراد، مما مكّن وكالات الدولة من تتبع وبناء ملفات تعريف للمهاجرين المراد ترحيلهم، بينما قدمت خدمات أمازون للويب خوادم لاستضافة أدوات بالانتآير.

يتعرف منظمو الحملات المُجتمعية بسرعة على الوضع الرقمي للعسكرة والقمع ويستجيبون له، ولا يظهر ذلك فقط في صادرات عمالقة التكنولوجيا إلى الدول القمعية، ولكن أيضًا في سُبل استخدام الرقابة الرقمية والإسكات لسحق أصوات المقاومة وتضخيم اليمين، والأيديولوجيات الرجعية. كما سلَّطت مجموعات الحقوق الرقمية الضوء على مثل هذه الانتهاكات مثل مشروع «حملة» من المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، وصدى سوشال، والتي أظهرت كيف أنه خلال هجوم غزة عام 2021 وفي النضال الشعبي الذي تلاه، حُظِرَ المحتوى المتعلق بفلسطين على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام. يوجد خطاب متزايد حول الحقوق الرقمية يجمع بين المنظمين المتضررين وخبراء التكنولوجيا الذين يعملون على جعل المجال الرقمي مفتوحًا وديمقراطيًا بدلًا من أن يكون أداة للإخضاع.

ينضم إلى هذه القوى العديد من موظفي شركة التكنولوجيا الحاليين (والسابقين)، الذين يضربون ضد استخدام منتجاتهم لانتهاك حقوق الأشخاص المهمشين، ولأغراض عسكرية. سلطوا الضوء على الآثار الأخلاقية العميقة لأي مشاركة في أتمتة الحرب. في عام 2018، أي قبل عام من انتهاء صلاحيته، أعلنت غوغل أنها لن تجدد عقدها مع مشروع ميڤن. كما ذكرنا سابقًا، فازت مايكروسوفت وخدمات أمازون للويب بالعقد الجديد.

تقدم الحملة ضد مشروع نيمبس فرصة حاسمة للجمع بين النضالات ضد شركات التكنولوجيا الكبرى من وجهات نظر مختلفة: فلسطينيون ونشطاء متضامنون وعمال تكنولوجيا وحقوق رقمية ونشطاء عماليون ومناهضون للعسكرة.

كتب 90 موظفًا في غوغل و300 من موظفي أمازون بعد أشهر من الإعلان عن العقد خطابًا مفتوحًا يدينونه ويعارضون قرار أرباب العمل «بتزويد الجيش الإسرائيلي والتكنولوجيا الحكومية التي تُستخدم لإيذاء الفلسطينيين». واجه بعض المتظاهرين انتقامًا من الشركات، مثل آرييل كورين، التي أُعطيت خيارًا للانتقال من الولايات المتحدة إلى البرازيل أو الفصل، على الرغم من الالتماسات العامة الكبيرة ضد هذا الإجراء. غادرت كورين غوغل في أغسطس 2022، مشيرة في بيان استقالتها إلى أن «غوغل تُسكِت الأصوات الفلسطينية واليهودية والعربية والمسلمة بشكل منهجي، والتي تشعر بالقلق إزاء تواطؤ غوغل في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطينية إلى درجة الانتقام رسميًا من العمال وخلق بيئة يعمها الخوف». وانضم إليها آخرون في التحدث علنًا ضد الإجراءات الانتقامية التي تم اتخاذها ضد أولئك الذين دعموا هذه الحملة.

إلى جانب التواطؤ العميق لـخدمات أمازون للويب في صناعة تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني في إسرائيل، ودعمها للقمع في أماكن أخرى كما رأينا في مثال وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المُتحدة، أُبلِغَ على نطاق واسع عن سجل أمازون الحافل في المعاملة اللاإنسانية للعمال، وخرقها لقوانين النقابات، ولذلك، كان تشكيل اتحاد عمال الأمازون في ستاتن آيلاند لحظة مفصلية في تاريخ الحركة العمالية الأميركية. إذا أخذنا أفعال هؤلاء الموظفين معًا، فمن المحتمل أن تسبب بعض القلق بين الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا الكبيرة اليوم.

بالإضافة إلى الدعم المقدم للوكالات العسكرية وأجهزة المراقبة، والتي تساهم في تعميق عسكرة حياة الناس اليومية، هناك أيضًا مسألة سيطرة عمالقة التكنولوجيا على بياناتنا. إن جوانب حياتنا التي تترك آثارًا في العالم الافتراضي منسوجة في الخوارزميات التي تؤثر بعمق على خياراتنا وآرائنا وقراراتنا السياسية. تدعو حركات الحقوق الرقمية إلى الدفاع عن خصوصيتنا وأمننا وضد تسويق البيانات الشخصية، وهو أمر لا يتجلى في أي مكان أكثر من غوغل. هناك تحدٍ متزايد لسيطرة شركات التكنولوجيا الكبيرة على حياة الأفراد والخيارات المقننة في البيانات. أدت بدائل استعمار البيانات أيضًا إلى إجراء مناقشات حية حول المصادر المفتوحة والملكية العامة وما إلى ذلك.

تعتبر فلسطين علامة وتجربة فيما يحصل في عالم للاستعمار الرقمي، وهو إشارة ونبوءة عن القادم، ولهذا علينا أن نقاوم. تحت ذريعة سد الفجوة الرقمية، صارت شركات التكنولوجيا الكبرى أكثر رسوخًا، حيث تستخرج البيانات وتستفيد منها. أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم هذا الأمر حيث كان على الناس في جميع أنحاء العالم العمل والدراسة من المنزل، في الغالب دون الوصول إلى التكنولوجيا والمعدات الرقمية.

دفع الاهتمام المتزايد من الطلاب والأكاديميين بالتشكيك في سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل غوغل، في مجال التعليم، وارتباطها المباشر بقمع الفلسطينيين، حملة «لا لتزويد نظام الفصل العنصري بالتكنولوجيا» العالمية لتطوير مجموعة أدوات للتنظيم في الجامعات حول العالم.

تقف الحملة ضد مشروع نيمبس عند تقاطع التضامن الفلسطيني مع مناهضة الفصل العنصري، وحقوق العمال، والحقوق الرقمية، وحركات تفكيك الاستعمار ونزع السلاح. في هذه الحركة المتطورة، تقدم نظرة واضحة على مصفوفة الاضطهاد والعسكرة، ورأس المال النيوليبرالي للفصل العنصري الإسرائيلي، وكلها تدعمها شركات التكنولوجيا الكبرى، والتي تجني منها أرباحًا ضخمة.

وتبني الحملة على الفهم الذي طورته الحملات ضد عمالقة التكنولوجيا في الحرب، وتجمع العديد من المجتمعات التي تكافح ضد عقدٍ له آثار عميقة على الجميع. تتطلب الأنظمة المتقاطعة التي تضطهدنا أن نتحد نحن أيضًا في أشكال المقاومة، لتحدي القوى التي تسعى إلى عزلنا. لا يوجد تضامن بدون عمل، ومن خلال عملنا التقاطعيّ سنكون قادرين على تقويض العنف الذي يمارسه الاستعمار والنظام الأبوي والعنصرية والنيوليبرالية. لم تُوجد التكنولوجيا لتكون محايدة، ومع تقدم جوانب حياتنا أكثر في هذا المجال، وبقاء عملياتها وآلياتها بعيدة كل البعد عن الديمقراطية، يُمكننا مع قوة المقاومة العالمية جعل أدواتها الأساسية ديمقراطية ومتاحة للجميع.


إحالات:

(١) سجن من تصميم الفيلسوف الإنجليزيّ جيرمي بنثام، بحيث يسمح تصميمه بمراقبة جميع السجناء دون أن يعرفوا أنهم مراقبين.

التعليقات