04/02/2024 - 19:02

كيف أصبح جو بايدن أكبر داعم أميركيّ لسياسات الحرب الإسرائيليّة؟

غالبًا ما يرجع بايدن دعمه الثابت لإسرائيل إلى محادثات مائدة العشاء مع والده حول أهوال المحرقة، وإلى اجتماع عام 1973 في إسرائيل مع رئيسة الوزراء غولدا مائير خلال عامه الأول عضوًا في مجلس الشيوخ...

كيف أصبح جو بايدن أكبر داعم أميركيّ لسياسات الحرب الإسرائيليّة؟

جو بايدن وبنيامين نتنياهو (Getty)

سأل أحد المراسلين الرئيس جو بايدن عن فرص وقف إطلاق النار في غزة. وقد جاء السؤال بعد أن قُتل 10,000 غزيّ، معظمهم من النساء والأطفال، وبعد أن صار الغذاء والماء شحيحيْن، وبعد أن شحّت المواد الطبية، إلا أن الرئيس الأميركي لم يتردد في تقييم احتمالات وقف إطلاق النّار، وهو صاحب أكبر سلطة حول العالم في القدرة على تحقيقه.

أجاب بايدن: «لا توجد أي فرصة أو احتمال». جاء دعم بايدن غير المشروط لإسرائيل في أثناء شنّها واحدة من أكبر حملات القصف تدميرًا في التاريخ الحديث، وهو بهذا على خلافٍ مع معظم دول العالم، ومع أجزاء كبيرة من قاعدته السياسية، بيد أن هذا لم يُؤثر فيه، ولم يبدِ أي علامة على التراجع.

استغرق بايدن مرور شهرٍ آخر، ومقتل 8000 آلاف فلسطينيٍ[1] آخرين لينبس بأول انتقاد لإسرائيل، إذ حذّر في حفل تبرعات مُغلق الأسبوع الماضي من أن «القصف العشوائي» الذي تقوم به إسرائيل يكلفّها الدعم الدولي، لكن دعم بايدن لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ظل على حاله إلى حد كبير. وبعد أن قال إنه يؤيد قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف، أكّد دعمه الثابت للأمة اليهودية. وقال بايدن: «لن نتحرك إلّا لحماية إسرائيل وإسرائيل فقط».

يعود جزء كبير من تبجيل بايدن لإسرائيل لأسباب شخصية، وعلى حد تعبير مؤيديه، يتماهى مع اليهود من أعماقهِ، ويمكن رؤية ذلك من الطريقة العاطفية والتصويرية التي تحدث بها عن ضحايا هجوم حماس الذين تعرضوا للذبح والاعتداء الجنسي والاحتجاز كرهائن.

لم نرَ عاطفة بايدن الجيَّاشة، قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول وبعده، تمتد لتشمل الفلسطينيين. وقال رشيد الخالدي، أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية في جامعة كولومبيا، إن هذه التصريحات لا تأتِي على ذكر الفلسطينية «لدرجة أنني أعتقد أنه لا يرى الفلسطينيين على الإطلاق»، وفي المقابل أشار الخالدي أن بايدن يرى الإسرائيليين عبر عدسة حكومتهم وأجهزتها الدعائية الضخمة». وقد شاركني مسؤول سابق في إدارة بايدن وجهة نظر مماثلة، وقال: «يبدو أن الرئيس لا يعترف بإنسانية جميع الأطراف المتضررة من هذا الصراع. لقد وصف المعاناة الإسرائيلية بتفصيل كبير، في حين أنه يتناول المعاناة الفلسطينية، إن تناولها أصلًا، بغموض وعمومية كبيرين».

مساعدات عسكرية أميركيّة لإسرائيل في ظلّ الإبادة الجماعيّة في غزّة (Getty)

تستند هذه المقالة إلى محادثات مع أعضاء سابقين في إدارتي أوباما وبايدن، ومقابلات مع خبراء بارزين في شؤون إسرائيل وفلسطين، ومراجعة لمئات من جلسات الاستماع والخطب والمقالات المنسية في الكونغرس والتي شرح فيها بايدن كيف يرى الصراع. تكشف هذه المعلومات معًا عن محاباة متأصلة لدى الرئيس الأميركي تجاه إسرائيل مقرونةٍ بعدم الاهتمام بفهم وجهة النظر الفلسطينية. وهي وجهة نظر منتهية الصلاحية عن السياسة الداخلية لهذا الصراع. كما يحمل الرئيس اعتقادًا راسخًا بأن تحقيق السلام يتطلب الحفاظ على توافقٍ تامٍ تمامًا بين إسرائيل والولايات المُتحدّة (لم يتح مجلس الأمن القومي الأميركي أي مسؤول لإجراء مقابلة حول هذه المقالة)، ونتيجة لذلك، أعطى بايدن إسرائيل دعمًا غير مشروطٍ إلى حد كبير والمساحة لمواصلة القتال في مواجهة معارضة دولية شديدة. وهذا النهج متوقعٌ من بعض الجوانب، فقد حصلت إسرائيل على كل ما تريده تقريبًا من الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمن، وكان أي رئيس أميركي ليدعم إسرائيل في أعقاب هجوم حماس الذي أودى بحياة 1200 شخص.

إلا أن بايدن دافع عن إسرائيل أكثر من كل زملائه الديمقراطيين. فقد أيَّد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، عندما كان عضوًا في مجلس الشيوخ، وقبل عقود من تنفيذ ترامب للقرار، كما تفاخر بحضور حملات جمع التبرعات للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيپاك AIPAC)[2] أكثر من أي عضو آخر في مجلس الشيوخ، وهاجم بشدة جهود جورج بوش الأب لمحاولة دفع إسرائيل نحو التفاوض مع الفلسطينيين. وقوّض، في منصبه نائبًا للرئيس، جهود باراك أوباما لدفع إسرائيل نحو السلام. وقد واصل، في منصبه رئيسًا، قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، السياسات التي نفذّها ترامب والتي أدت إلى تهميش الفلسطينيين.

وبحسب ما ورد، يحاول مسؤولو إدارة بايدن الآن إقناع إسرائيل بتقليل حدة الحرب في الأسابيع المقبلة، لكنهم لم يذكروا ما إذا كانت الولايات المتحدة ستفرض عواقب عليها إذا لم تلتزم. كما أنهم لا ينتقدون إسرائيل بوضوح وعلانية، بل ركنوا إلى الضغط عليها سرًّا، كما يفضل بايدن منذ فترة طويلة، حيث حاولوا، وفشلوا في كبح جماح الحكومة اليمينية المتطرفة التي تعارض إقامة دولة فلسطينية، والتي تضم متعصبين متطرفين في مناصب عليا.

وعلى الرغم من تجاهل إسرائيل للعديد من توصيات إدارة بايدن، فإنها تواصل الضغط على الكونغرس لتقديم 14 مليار دولار، أغلبها مساعدات عسكرية لإسرائيل، دون شروط. يأتي ذلك بعد أن زوَّدت الولايات المتحدة إسرائيل بآلاف القنابل التي سوَّت معظم أنحاء غزة بالأرض، وشردت أكثر من 80% من السكان، وارتكبت جريمة الحرب المتمثلة في استخدام تجويع المدنيين كسلاح في الحرب، وفقًا لتقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، صدر يوم الاثنين[3].

أكد بايدن في الأيام الأولى للحرب على حجم هجوم حماس بقوله إنه يعادل 15 هجومًا من هجمات 11 سبتمبر بالنسبة لدولة بحجم إسرائيل. وبعد قتل أكثر من 20 ألف شخص في قطاع غزّة، فإنّ ما حلّ بهم، معادلة بحجم القطاع، يُعادل 900 هجومٍ من هجمات 11 سبتمبر. لن يُعرف أبدًا إلى أي مدى كان بايدن قادرًا على كبح جماح إسرائيل في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن قراءة متروية لتاريخه ستبين السبب وراء عدم استعداده للمحاولة.

غالبًا ما يرجع بايدن دعمه الثابت لإسرائيل إلى محادثات مائدة العشاء مع والده حول أهوال المحرقة، وإلى اجتماع عام 1973 في إسرائيل مع رئيسة الوزراء غولدا مائير خلال عامه الأول عضوًا في مجلس الشيوخ. ومع ذلك، استغرق الأمر «مناقشة طويلة جدًا» مع هنري «سكوپ» جاكسون[4]، السيناتور الديمقراطي الشهير من ولاية واشنطن، حتى يتبنى بايدن موقفًا أكثر تشددًا. وكما أوضح بايدن في تأبينه لجاكسون عام 1983، فإنه لم يشعر «بنفس القوة» تجاه دعم إسرائيل قبل أن يشجعه زميله الكبير على القيام بزيارات متعددة إلى إسرائيل ومعسكرات الاعتقال النازية. وقال بايدن إنه نتيجة لذلك، غيّر جاكسون «جزءا كبيرًا من حياتي السياسية وموقفي تجاه شريحة كاملة من المجتمع لم أكن أفهمها من قبل».

وكان يُنظر إلى جاكسون على أنه أقوى مدافع عن إسرائيل في مجلس الشيوخ. وكما قال سفير سعودي، فقد بدا «أكثر صهيونية من الصهاينة»، على الرغم من كونه ابنًا بروتستانتيًا لمهاجريْن نرويجييْن. وانعكس ذلك في خطابه المتطرف الذي أدى إلى نفور بعض اليهود الأميركيين الليبراليين وزملائه الديمقراطيين عنه، إلّا أن العديد من اليهود الأميركيين رأوا في جاكسون بطلًا لهم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى دفاعه عن اليهود المضطهدين في الاتحاد السوفييتي (سُمّي جاكسون فيما بعد «قديس المحافظين الجدد» وكان مساعدوه السابقون دوغلاس فيث وريتشارد پيرل وپول وولڤويتز مهندسي غزو جورج بوش للعراق).

وتحت تأثير جاكسون، ظهر بايدن على أنه مؤيد متعصبٌ لإسرائيل. في عام 1982، وهو العام الذي التقى فيه بايدن وبنيامين نتنياهو لأول مرة، شنّت إسرائيل غزوًا للبنان تسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين. أثارت التكتيكات التي اتبعتها إسرائيل في لبنان أثناء محاولتها تدمير منظمة التحرير الفلسطينية وتمكين الأقلية المسيحية في البلاد غضب الناس في العالم العربي وعارضها كبار المسؤولين الأميركيين.

عابرة طريق إسرائيلية تتجادل مع متظاهرين يحملون لافتات كُتب عليها «لا للحرب في لبنان» و«أوقفوا سفك الدماء في لبنان»، خارج مقر إقامة بيغن في القدس في بداية حرب لبنان (Feinblat/AP)

جاء رئيس الوزراء مناحيم بيغن في الأسابيع الأولى من الحرب إلى واشنطن لتعزيز الدعم. وصل بيغن، الزعيم اليميني الذي أدانته حنّا أرندت وألبرت أينشتاين وغيرهما من اليهود البارزين سابقًا بسبب إدارته لحزب سياسي «فاشي»، إلى واشنطن وهو يواجه انتقادات عامة شديدة. وقد زعم كاسپار واينبرغر، وزير الدفاع في إدارة رونالد ريغان، علنًا أن إسرائيل كانت تستخدم «قوة عسكرية من النوع الذي نعترض عليه دائمًا». (بعد شهرين، حذّر ريغان رئيس الوزراء الإسرائيلي سرًا من أن حرب لبنان تهدد العلاقة الأميركية الإسرائيلية «برمتها»، واصفًا إياها بـ«المحرقة» التي أصبح رمزها «صورة لطفل عمره 7 أشهر بأذرعٍ منسوفة»).

غارات إسرائيليّة على قطاع غزّة (Getty)

تلقى بيغن ترحيبًا حارّا من بايدن. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في ذلك الوقت أن بايدن أخبر بيغن أنه لا ينتقد غزو لبنان. قدم بيغن بعد عودته إلى إسرائيل مزيدًا من التفاصيل للصحافة الإسرائيلية وأوضح أن عضوًا شابًّا في مجلس الشيوخ ألقى «خطابًا حماسيًا» خلال اجتماع خاص مع أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. وقال بيغن إن هذا السيناتور جادل بأن الأميركيين «لن يلقوا بالًا لقتلهم الرجال أو النساء أو الأطفال» إذا ما اضطروا لتوجيه ضربة انتقامية على هجوم مماثلٍ من كندا. ادعى رئيس الوزراء أنه انتقد السيناتور لأنه يقلل من قيمة حياة المدنيين. وأكدت التقارير اللاحقة أنه كان يشير إلى بايدن (أخبرني متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أنه يبحث في الأمر لكنه لم يرد بعدها).

أعرب بايدن مرة أخرى، خلال خطاب ألقاه عام 1992 أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيپاك)، عن دعمه لإسرائيل، الأمر الذي أصاب بعض أقوى مؤيدي اللجنة بالاستياء. بدأ بايدن بالقول إنه لا يعتقد أن أي عضو في مجلس الشيوخ «قام على الإطلاق بجمع تبرعات أكثر منه لأيپاك، وهي المجموعة التي كان أنصارها من الداعمين الرئيسيين لحملته الرئاسية عام 1988. واصل بايدن دعمه لدرجة أنه صار يتحدث صارخًا وعبر الضرب على صدرهِ من أجل ترك أثرٍ عاطفيٍ أقوى على المستمعين، خصوصًا عندما هاجم حملة جورج بوش الأب العامة وغير المسبوقة لدفع إسرائيل نحو التعامل مع لتحقيق مطالب الفلسطينيين ومنحهم السيادة وإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية وغيرها من الأراضي التي استولت عليها في الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967.

كان بوش يطالب إسرائيل في ذلك الوقت بوقف بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، التي تنتهك القانون الدولي، إذا أرادت الحصول على ضمانات قروض بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة لدعم وصول اليهود السوفييت. كان يعلم أن مجموعات مثل أيپاك تعتبر ذلك إهانة، إلا أنه اعتقدَ أنّ أفعاله ضرورية لدفع محادثات السلام. لم يكن بايدن العضو الوحيد في الكونغرس الذي عارض بوش، لكنه فعل ذلك بحماس منقطع النظير.

أشارت المقالات الواردة في تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط إلى أن بعض المستمعين «شعروا بالحرج» عندما تحدث بايدن بصوت عالٍ حول كيف أصبحت قضية المساعدات الأميركية لإسرائيل «عرضة للديماغوجية». وقال أحد الحضور «كما تعلمون، لا ينبغي لأحد أن يأخذ بايدن على محمل الجد هنا، فهو مثل مشجعات الفرق الرياضية، قد يساعدنا، نعم، ولكن هل معارضة محادثات السلام أو تجاهلها أو الاستخفاف بها منطقي حقًا؟ لا أعتقد ذلك».

كان الجزء الأكثر دلالة في خطاب أيپاك هو شرح بايدن لما تبقى من الركائز الأساسية لمقاربته تجاه إسرائيل وفلسطين. أولا، قال للجمهور إنه يحتفظ بانتقاداته لأمور مثل المستوطنات، التي يعارضها، بينه وبين إسرائيل. ثانيًا، حرص على حفاظ البلدين على جبهة موحدة حتى ينحني «العرب». وقد أوضحت هذه المعتقدات اشمئزازه مما اعتبره جهدًا محكومًا عليه بالفشل من جانب بوش لممارسة الضغط على إسرائيل ورئيس وزرائها اليميني إسحاق شامير.

لم يكن شامير شريكًا موثوقًا للسلام (كان زعيمًا لعصابة شتيرن، وهي جماعة إرهابية يهودية حاولت تشكيل تحالف مع النازيين في وقت مبكر من الحرب العالمية الثانية لطرد البريطانيين من فلسطين). فشله في تأمين ضمانات القروض والحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة سُرعان ما تحول إلى عبء سياسي. وبعد شهرين من خطاب بايدن، صوت الإسرائيليون لإخراجه هو ونتنياهو وحزبهم الليكود من السلطة. واستبدلوهم بإسحق رابين والحكومة الأكثر دعمًا للسلام في تاريخ إسرائيل. واعتبرت النتائج علامة واضحة على نجاح جهود بوش في دفع الإسرائيليين نحو التفاوض مع الفلسطينيين. وقال عالم سياسي إسرائيلي بعد الانتخابات، مُردّدا وجهة نظر شاعت وقتها: «لا يمكن للمرء التقليل من دور الحكومة الأميركية في النتائج. وكانت قضية ضمانات القروض حاسمة».

وقَّع رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في العام التالي على اتفاق أوسلو التاريخي الذي على الرغم من عيوبه، فهو أقرب اتفاقٍ توصل إليه الجانبان للسلام في تاريخهما. وقد كان تحقيق السلام ممكنًا جزئيًا وقتها لأن بوش كان على استعداد للقيام بما قال بايدن إن الولايات المتحدة يجب أن تتجنبه بأي ثمن: الضغط العلني على إسرائيل.

لو كان لأميركا رئيسٌ آخر حاليًا، لكن قد غيّر طريقة تعامله مع إسرائيل، إلا أن بايدن ما يزال ملتزمًا بنهجه. وكما أوضح في مقابلة في أثناء ترشحه للرئاسة، بعد أكثر من عقد من الزمان[5]، «خلال مسيرتي المهنية التي استمرت 34 عامًا، لم أتردد أبدًا عن فكرة أن الوقت الوحيد الذي أُحرز فيه تقدمٌ في الشرق الأوسط كان عندما أيقنت الدول العربية ألّا فرق بين الولايات المُتحدّة وإسرائيل».

وقال الخالدي إن الرئيس بايدن بموقفه هذا قد تبنى النسخة الدبلوماسية من النظرة العالمية اليمينية العسكرية التي وضعها زئيف جابوتنسكي، مؤسس الصهيونية التصحيحية، التي ساعدت في تشكيل حزب الليكود قبل قرن من الزمان. وأوضح الخالدي: «ما يقصده بايدن أنه لا سلام إلا إذا فهم العرب أن عليهم قبول كل ما ترغب إسرائيل في تقديمه». وتابع الخالدي، أحد أبرز علماء فلسطين في العالم، «أعتقد أن هذا يمثل موقفه إلى يومنا هذا إلى حد ما. بصراحة، لا أعتقد أن هذا الرجل لديه أي إحساس بوجود جانب آخر للقضية. لا أعتقد أنه يفهم أو يهتم بإنسانية الفلسطينيين أو حقوقهم أو وجودهم بحد ذاته».

وبعد أن أصبح بايدن نائبًا للرئيس في عام 2009، تمسك بموقفه أكثر. وفي مذكراته التي نشرت العام الماضي، كتب نتنياهو أن بايدن أبدى استعداده للمساعدة خلال اجتماع مبكر في واشنطن. وبحسب ما ورد قال بايدن: «ليس لديك الكثير من الأصدقاء هنا يا صديقي. أنا الصديق الوحيد الذي لديك. لذا اتصل بي عندما تحتاج إليّ».

آثار الدمار إثر القصف الإسرائيليّ في قطاع غزّة (Getty)

وكان التزامه بحماية إسرائيل من الضغوط العامة سببًا في تقويض جهود الرئيس باراك أوباما في لحظة حاسمة عندما كانت إدارته تحاول إحياء محادثات السلام. وأخبرني پيتر بينارت، الذي يشغل حاليا منصب المحرر في مجلة تيارات يهودية Jewish Currents، أفضل ما يمكن أن يُقال عن هذا الموضوع. خلص بينارت في مقال نُشر عام 2020 بناءً على مقابلات مع 15 مسؤولًا سابقًا في الإدارة، إلى أنه «خلال فترة حرجة ومبكرة من إدارة أوباما وعندما فكر البيت الأبيض في ممارسة ضغط حقيقي على بنيامين نتنياهو لإبقاء إمكانية قيام دولة فلسطينية حية، عمل بايدن أكثر من أي مسؤولٍ آخر على المستوى الوزاري لحماية نتنياهو من هذا الضغط».

وأثارت حكومة نتنياهو غضب أوباما ومستشاريه في عام 2010 بإعلانها عن توسع استيطاني كبير في أثناء وجود بايدن في إسرائيل. وكما ذكر بينارت، أراد بايدن وفريقه التعامل مع هذه المشكلة بعيدًا عن أعين الإعلام. أما معسكر أوباما فقد سلك طريقًا مختلفًا من خلال وضع قائمة مطالب يجب على نتنياهو تحقيقها. ثم أمهلت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون رئيس الوزراء 24 ساعة للرد، وحذرته قائلة: «إذا لم تمتثل، فقد يؤدي ذلك إلى عواقب غير مسبوقة على العلاقات الثنائية، عواقبٌ لم تحصل قبلًا». وسرعان ما تواصل بايدن مع نتنياهو المذهول. وقال مسؤول سابق في الإدارة، اطلع على نص مكالمتهما، لبينارت إن «بايدن قوض موقف وزيرة الخارجية تمامًا وأعطى [نتنياهو] إشارة قوية إلى أن ما يحصل في واشنطن ليست إلا فورة غضبٍ لحظية يمكنه نزع فتيلها عندما يعود». وأضاف المسؤول أنه عندما شاهدت كلينتون نص المحادثة، «أدركت أن بايدن قد رماها للذئاب».

وعندما زار رئيس الوزراء وموظفوه البيت الأبيض بعد فترة وجيزة، قال أحد كبار مستشاري نتنياهو لمجلة نيويورك تايمز إن بايدن ذكّره قائلًا: «فقط تذكر أنني أفضل صديق لك هنا». وبفضل دعم بايدن جزئيًا، تعلم نتنياهو ألا يشعر بالقلق إزاء جهود أوباما للدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية. وقال مسؤول أميركي كبير للصحفي الإسرائيلي بن كاسپيت عن نتنياهو إنه «دخل عرين الأسد وخرج سالمًا. لقد بدا أنه أكبر ما في جعبة أوباما هو التهديد فقط، وإنه لا يوجد سبب للخوف منه».

ولم يتمكن مسؤول سابق في إدارة أوباما تحدثت معه من تذكر أي موقف لم يكن فيه بايدن هو الشخص الأكثر تعاطفًا مع إسرائيل في الغرفة. وأضاف المسؤول أن بايدن أظهر القليل من الفضول بشأن فلسطين، على عكس أوباما، الذي كان حريصًا على مقابلة الفلسطينيين والتعرف على وجهة نظرهم في أثناء وجوده في المنطقة.

طوال الفترة المتبقية من رئاسة أوباما، بقي بايدن الرجل الذي أكد للسفير الإسرائيلي مايكل أورين في الأيام الأولى للإدارة أن «إسرائيل يمكن أن تدخل في معركة بالأيدي مع أميركا، وسنظل ندافع عنك». خلال الأيام الأخيرة لأوباما في منصبه، صدر قرار للأمم المتحدة يطالب بوقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وغيرها من الأراضي المحتلة. وفي دعوة لمناقشة كيفية تصويت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، أخبر العديد من مسؤولي الإدارة بينارت، أن بايدن ووزير الخزانة آنذاك جاك ليو فقط أيدا استخدام حق النقض على القرار. وعلى غير العادة، فشل بايدن وليو في هذا الجهد. يعمل ليو الآن سفيرًا لبايدن لدى إسرائيل.

وكما يشير منصب ليو، فقد ظهرت بعض المفاجآت في كيفية تعامل الرئيس بايدن مع إسرائيل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول. لقد تمسك بقرار ترامب بنقل السفارة إلى القدس، ولم يتراجع عن إعلان كبير لوزير الخارجية مايك بومبيو الذي قلب عقودًا من السياسة الأميركية عندما قال إن المستوطنات الإسرائيلية لا تنتهك بالضرورة القانون الدولي، وفشل في إعادة فتح قنصلية منفصلة للفلسطينيين كان قد أغلقها ترامب.

لم يفعل بايدن الكثير ليعدّل موقفه بعد أن انتخبت إسرائيل البرلمان الأكثر يمينية في تاريخها في نوفمبر 2022. وكان وزير الأمن القومي في حكومة نتنياهو، إيتمار بن گڤير، المدان جنائيًا بالتحريض على العنصرية ودعم منظمة إرهابية، يحتفظ بصورة أصولي يهودي ذبح 29 فلسطينيًا في مسجد عام 1994 في غرفة معيشته حتى سنوات قليلة مضت. ذات يوم وصف وزير المالية بتسلئيل سموتريش نفسه بأنه «كاره للمثليين الفاشيين» وكان يشتبه في أنه إرهابي محلي من الشاباك الإسرائيلي.

وبدعم من هؤلاء الوزراء، شرع نتنياهو في تفكيك السلطة القضائية في بلاده في خطوة دفعت مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى النزول إلى الشوارع احتجاجًا. إن الانقلاب القضائي، كما وصفه المنتقدون، من شأنه أن يعمل على حماية نتنياهو من تهم الفساد التي يواجهها، في حين يسهل إضفاء الطابع الرسمي على واقع الدولة الواحدة القائم، حيث تسيطر إسرائيل على كل أراضي إسرائيل وفلسطين بشكل أساسي.

قال بايدن إنه يأمل أن «يتخلى» نتنياهو عن الإصلاحات القضائي، لكن موقف الرئيس اعتبر ضعيفًا بشكل ملحوظ من قبل العديد من منتقدي نتنياهو في إسرائيل. وأوضح برنارد أڤيشاي في صحيفة نيويوركر أنه بينما كان الليبراليون الإسرائيليون يسعون إلى الحصول على «شريان حياة» من إدارة بايدن، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الرئيس كان مترددًا في مدّه لهم. ولم يثر بايدن إمكانية حدوث أي عواقب مادية على إسرائيل، ناهيك عن ملاحقتها كما فعل جورج بوش الأب. ومن خلال القيام بذلك، كان متمسكًا بالموقف الذي اتخذه خلال الحملة الانتخابية، عندما قال إنه «أمر شائن للغاية» و«خطأ فادح» أن يقترح المنافسون الديمقراطيون مثل بيرني ساندرز وبيت بوتيغيغ فرض بعض الشروط على المساعدات المقدمة لإسرائيل.

آثار الدمار إثر القصف الإسرائيليّ في قطاع غزّة (Getty)

كان من المؤكد أن أهوال الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ستعزز ارتباط بايدن العميق بإسرائيل. وفي خطاب ألقاه بعد ثلاثة أيام من الهجوم، تحدث بشكل مؤثر من تجربته الشخصية عن «الثقب الأسود الذي ينفتح في صدرك عندما تفقد عائلتك، وتشعر وكأنك يسحبك داخله». واعتبر الكثيرون تعاطفه بمثابة استجابة مناسبة لمعاناة الإسرائيليين واليهود في الحداد في جميع أنحاء العالم. وكان واضحًا أيضًا وقت إلقاء الخطاب أن رد إسرائيل سيكون مدمرًا. وكانت إسرائيل قد قطعت بالفعل الغذاء والماء والوقود والكهرباء عن غزة. وكان وزير الدفاع قد أعلن للتو عن «حصار كامل» بقوله إننا «نحارب حيوانات بشرية ونتصرف على هذا الأساس». وكما ذكرت هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول، فإن قرار إسرائيل بمنع الغذاء والماء والمواد الأساسية الأخرى ينتهك قوانين الحرب، التي تحظر العقاب الجماعي الذي يُحمَّل فيه المدنيون المسؤولية عن أفعال لم يرتكبوها.

وقال بايدن خلال خطابه في 10 أكتوبر/تشرين الأول إنه أبلغ نتنياهو أن الولايات المتحدة سترد بقوة «سريعة وحاسمة وساحقة» في موقف مماثل. كما حذَّر نتنياهو من أن الديمقراطيات تكون «أقوى وأكثر أمنًا» عندما «تتصرف وفقًا لسيادة القانون». ولكن بعد معرفة بايدن لأكثر من أربعة عقود، لا يوجد سبب وجيه يجعل نتنياهو يعتقد أن بايدن سيمارس الضغط لضمان اتباع هذه القواعد. أصبح خطاب بايدن العام مشكلة للبيت الأبيض. وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، عندما أبلغت وزارة الصحة في غزة عن مقتل أكثر من 6000 شخص، قال بايدن إنه «ليس لديه أي فكرة عمَّا إذا كان الفلسطينيون يقولون الحقيقة» بشأن أعداد الضحايا. وأضاف بايدن: «أنا متأكد من أن بعض الأبرياء قد قتلوا، وهذا هو ثمن شن الحرب». وأدت تصريحاته إلى غضب فوري. وسرعان ما أشار الصحفيون إلى أن إحصائيات وزارة الصحة أثبتت دقتها في الصراعات السابقة، ولا يوجد أساس يذكر لادعاءات بايدن.

وفي تصريحات علنية أخرى، أبرزها لي متحدث باسم مجلس الأمن القومي في مذكرة بحثية مفصلة الشهر الماضي، دعا بايدن إلى إيصال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، وقال إنه من المهم حماية المدنيين الفلسطينيين. ومن خلال القيام بذلك، كان يميل إلى الحديث عن افتقار الفلسطينيين إلى الغذاء والماء كما لو كانوا ضحايا كارثة طبيعية، وليس ضحايا جهد متعمد من جانب إسرائيل. وظلت تعليقاته بشأن المدنيين الفلسطينيين غامضة مقارنة بأوصافه المؤلمة لكيفية مقتل الإسرائيليين في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وبدلًا من الضغط من أجل وقف إطلاق النار، قامت إدارة بايدن بنقل الأسلحة إلى إسرائيل، والتي تشمل ما لا يقل عن 100 قنبلة تزن 2000 رطل، وهي ذخائر يبلغ حجمها أربعة أضعاف ما استخدمته الولايات المتحدة عادة خلال معركتها الجوية عام 2017 ضد داعش في الموصل بالعراق. وأكَّد مسؤولون أميركيون أن قنبلة قدمتها الولايات المتحدة «بحمولة كبيرة» اُستخدمت في واحدة من أكثر الغارات الجوية دموية خلال الحرب، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص وتدمير مبنى سكني في مخيم جباليا للاجئين في غزة.

وقال اللواء الإسرائيلي المتقاعد يتسحاق بريك لكاتب عمود في وكالة نقابة الأخبار اليهودية (JNS) الشهر الماضي: «كل صواريخنا، والذخائر، والقنابل الموجهة بدقة، وجميع الطائرات والقنابل، كلها من الولايات المتحدة. في اللحظة التي يتوقفون عن تزويدنا بها، لن يعود بإمكاننا مواصلة القتال. ليست لدينا القدرة... الجميع يدرك أننا لا نستطيع خوض هذه الحرب بدون الولايات المتحدة».

وتطلب إدارة بايدن الآن من الكونغرس الموافقة على تمويل إضافي يبلغ 14 مليار دولار سيخصص معظمه للمساعدات العسكرية للأغراض الهجومية والدفاعية. وستكون هذه أكبر حزمة مساعدات لإسرائيل منذ عام 1979، عندما كافأت الولايات المتحدة إسرائيل ومصر بمليارات الدولارات كمساعدة لتوقيع معاهدة سلام.

وفي أواخر الشهر الماضي، بدا أن بايدن أصبح أكثر انفتاحًا قليلا على كبح جماح إسرائيل عندما قال إن التفكير في فرض بعض القيود على تلك المساعدات «أمر جدير بالاهتمام». لكن بعد أيام، قال مسؤولو الإدارة إنهم لا يضغطون من أجل فرض أي قيود. ويتعارض هذا الموقف الآن مع أكثر من عشرة من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يؤيدون تعديلًا يضمن استخدام الأسلحة المقدمة لإسرائيل ودول أخرى وفقًا لقوانين الحرب. في حفل جمع التبرعات الأسبوع الماضي، قال بايدن إن نتنياهو قال له سرًّا: «حسنا، أنتم قصفتم ألمانيا قصفًا مدمرًا. وأسقطتم القنبلة الذرية. مات الكثير من المدنيين».

جادل مسؤولو إدارة بايدن ومؤيدوهم بأن الاعتناق الكامل الذي تُمارسه إدارة بايدن لإسرائيل قد أدى إلى هذه النتائج: يبدو أن الضغط الذي يمارسه البيت الأبيض قد دفع إسرائيل إلى السماح بمساعدات لغزة أكثر مما كانت ستحصل عليه لولا ذلك. وقد أُطلق الآن سراح أكثر من 100 رهينة اُحتجزوا في 7 أكتوبر/تشرين الأول من غزة بعد محادثات أدَّى فيها مسؤولون أميركيون دورًا قياديًا. وحتى الآن، تمكنت الإدارة من تجنب حرب إقليمية أكبر.

يجب قياس هذه الحجة في ضوء ما ساعد بايدن في تمكينه. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، 70% من الـ 20 ألف الذين قُتلوا من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في غزة. وفي الأسابيع الخمسة الأولى من الصراع، قُتل الأطفال بمعدل يزيد بنحو 200 ضعف عما كان عليه الوضع خلال حرب العراق. ويُعتقد أن آلاف الأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض ما يزالون في عداد المفقودين. وقد نزح أكثر من 1.8 مليون شخص، أي حوالي 85% من سكان غزة. واضطر الأطباء إلى إجراء عمليات جراحية للمرضى دون تخدير. ويتسبب نقص المياه النظيفة والأدوية والصرف الصحي الأساسي في انتشار الأمراض المعدية في الملاجئ المكتظة بالنازحين. وقال روبرت بيب، الأستاذ في جامعة شيكاغو، والخبير المعترف به دوليًا في القوة الجوية العسكرية، إن غزة ستُدرج مع درسدن وهامبورغ وكولونيا «كاسم مكان يشير إلى واحدة من أعنف حملات القصف التقليدية في التاريخ». ويحدث كل هذا في مكان اعتبرته الأمم المتحدة «غير صالح للعيش» قبل بدء الحرب بسبب الحصار الإسرائيلي المدمر.

آثار الدمار إثر القصف الإسرائيليّ في قطاع غزّة (Getty)

ولا يزال الحدث الذي ذكر فيه بايدن في وقت سابق من هذا الشهر «القصف العشوائي» هو الأقرب باتجاه الاختلاف عن دعم موقف إسرائيل. وقال المسؤول السابق في إدارة بايدن: «أعتقد أنه واضح جدًا في أن الولايات المتحدة، على الرغم من دعمها العميق والمكلف للغاية لإسرائيل على مدى عقود، لن تكون قادرة على حمايتهم من نقص الدعم لهم في جميع أنحاء العالم. وأعتقد أن هذا هو الجزء الأكثر أهمية لأن الرئيس حتى الآن اتخذ موقفًا مفاده أنه لا يهم ما تقوله الدول الأخرى: الأمر يتعلق بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل».

ومع ذلك، فإن الملاحظة حول القصف الإسرائيلي، والتي ربما كانت بمثابة زلة من جانب بايدن بالنظر إلى رفض مسؤولي البيت الأبيض تكرارها، لن تعني الكثير إذا لم تكن مصحوبة بتغييرات في السياسة. وقال تومي فيتور، مقدم البرنامج والمتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومي لأوباما، الأسبوع الماضي: «إن خطاب الإدارة يتغير ببطء، لكن العالم يرى تصرفات [أميركا]. لا يهم ما يقوله بايدن في حملة جمع التبرعات المغلقة». يرى العالم أن إدارة بايدن تستخدم حق النقض ضد قرار الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار الذي عارضته 10 دول فقط من أصل 186 دولة، ومتجاوزة الكونغرس لتوصيل قذائف الدبابات إلى إسرائيل بسرعة أكبر، والحفاظ على دعم «لا يتزعزع» لدولة، وصفتها العديد من مجموعات حقوق الإنسان داخل إسرائيل وخارجها، وكذلك رئيس سابق للموساد، بأنها تجبر الفلسطينيين على العيش في ظل نظام فصل عنصري.

أصبحت التداعيات السياسية لموقف بايدن الآن عالمية النطاق. وقال شبلي تلحمي، أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة مريلاند، إن بايدن قد يتفوق الآن على نتنياهو باعتباره الزعيم الأكثر كرهًا في العالم العربي. وقال تلحمي: «يوجد مستوى من الصدمة لم أره من قبل، حتى في أثناء حرب العراق التي كانت صادمة للغاية».

أظهر استطلاع للرأي أجراه تلحمي الشهر الماضي في الولايات المتحدة أن نسبة الديمقراطيين الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا والذين قالوا إنهم أقل احتمالًا للتصويت لصالح بايدن بسبب تعامله مع الحرب، قفزت من 9% إلى 21% في أسبوعين فقط. وتظهر العديد من الاستطلاعات الأخرى معارضة واسعة النطاق لتعامل بايدن مع الحرب بين الناخبين الشباب الذين سيحتاج الديمقراطيون إلى دعمهم للفوز العام المقبل. وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز نُشر يوم الثلاثاء (19 ديسمبر 2023) أن 3% فقط من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا يؤيدون بشدة كيفية تعامل بايدن مع الصراع، مقارنة بـ 46% يعارضون ذلك بشدة.

ويبدو أن بايدن يدرك أنه قد لا يكون قادرًا على حماية إسرائيل من الرأي العام لفترة أطول، وتشير التقارير إلى أن مسؤوليه يدفعون إسرائيل خلف الكواليس لتقليص حدّة الحرب في العام الجديد، ولكن ليس إنهاءها. وهذه ليست المرة الأولى التي يجد فيها بايدن نفسه في هذا الموقف. ففي الأشهر الأولى من رئاسة بايدن، حاولت إسرائيل طرد العائلات الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة وأصابت أكثر من 100 شخص خلال الاحتجاجات والحملة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ثالث أقدس موقع في الإسلام، التي تلت ذلك. وردَّت حماس بهجمات صاروخية، وبدأت إسرائيل بقصف غزة. قدم مقطع فيديو لغارة جوية إسرائيلية تدمر مبنى مكونًا من 12 طابقًا في غزة يضم شققًا ومكاتب لقناة الجزيرة ووكالة أسوشيتد برس، صورة مبكرة ودائمة للحرب.

وكان زملاؤه الديمقراطيون يضغطون على بايدن للتدخل لوقف إطلاق النار. وكتب نتنياهو في مذكراته أن بايدن حذره من أن القنابل يجب أن تتوقف قريبًا عن السقوط. وفي شرح السبب، أشار بايدن إلى السيناتور الذي ألهم دعمه القوي لإسرائيل قبل عقود. وقال بايدن، بحسب نتنياهو، «بيبي، يجب أن أخبرك، أنني أتعرض لضغوط كبيرة هنا. هذا ليس الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه سكوب جاكسون. إنني أشعر بالضغط هنا لوضع حد لهذا في أقرب وقت ممكن». ولم يوجد ما يشير إلى تراجع دعم الرئيس لإسرائيل، بل أن حزبه لم يعد يؤيد دعمه لإسرائيل. أدرك بايدن، رجل السياسة المخضرم، ما كان عليه أن يفعله. وفي مواجهة الضغوط الدولية والمحلية، قد يحاول قريبًا وقف الحرب الحالية لأسباب مماثلة. ويشير سجله إلى أنه سيقاوم إيقافها لأطول فترة ممكنة.

* نُشرت هذه المادّة في موقع "مذرجونز"


إحالات:

[1] حسب إحصائية 6 يناير/كانون الثاني، فقد ارتفع العدد إلى 22,722 شهيدًا، و58,166 مُصابًا، منذ السابق من أكتوبر، حسب وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزّة.

[2] واحدة من أكبر جماعات الضغط (اللوبيات) الأميركية اليهودية، وتعد المنظمة الأكثر تأثيرًا على السياسة الأميركية، وتهد إلى ضمان مواصلة الدعم الأميري لإسرائيل.

[3] نُشرت المقالة الحالية بتاريخ 22 ديسمبر 2023، ويشير إلى تقرير هيومن رايتس ووتش الذي نُشر يوم الإثنين 18 ديسمبر 2023.

[4] هنري جاكسون، محامٍ أميركي وعضو محلس الشيوخ (1941 – 1953) كان معروفًا بدعمه للحروب خارج أميركا، وكان من أكبر الداعمين للحرب على ڤيتنام، وكان من أكبر الداعمين لاعتقال الأميركيين من أصول يابانية مع بداية هجوم اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وطالب بعدم إطلاق سراحهم، وعدم إعادتهم لبيوتهم، حتى بعد انتهاء الحرب. كما أنه قاد الاعتراض داخل الحزب الديمقراطي على محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، وكان من أكبر لدّاعمين لزيادة الدعم الأجنبي لإسرائيل. تلقى جاكسون دعما ماليًا كبيرا من اليهود الأميركيين الذين أعجبوا بآرائه المؤيدة لإسرائيل.

[5] بعد مرور أكثر من عقدٍ على اتفاقية أوسلو.

التعليقات