كتاب جديد يرصد تأثير الفضاء السيبراني في إعادة تشكيل قواعد اللعبة الدولية

ينطلق الكتاب من فرضية مفادها أن الفضاء السيبراني – بما ينطوي عليه من ديناميكيات جديدة – لا يعزز فقط من أدوات الهيمنة والنفوذ لدى القوى الكبرى، بل يمنح أيضًا الدول الصغيرة والجهات غير التقليدية فرصة لامتلاك أدوات تأثير فعالة...

كتاب جديد يرصد تأثير الفضاء السيبراني في إعادة تشكيل قواعد اللعبة الدولية

صدر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “الفضاء السيبراني وتحولات القوة في العلاقات الدولية” للدكتور خالد وليد محمود، وهو دراسة تبحث في الأبعاد السياسية والاستراتيجية للفضاء السيبراني بوصفه أحد أهم المتغيرات التي تعيد رسم مشهد القوة في النظام العالمي الراهن.

ينطلق الكتاب من فرضية مفادها أن الفضاء السيبراني – بما ينطوي عليه من ديناميكيات جديدة – لا يعزز فقط من أدوات الهيمنة والنفوذ لدى القوى الكبرى، بل يمنح أيضًا الدول الصغيرة والجهات غير التقليدية فرصة لامتلاك أدوات تأثير فعالة، ما يغيّر بشكل جوهري مفاهيم القوة التقليدية التي طالما ارتكزت إلى الثروات الطبيعية والقدرات العسكرية والموقع الجغرافي.

ويوضح المؤلف، من خلال أربعة فصول موزعة على قسمين رئيسين، كيف أسهم تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، منذ منتصف التسعينيات، في نشوء فضاء جديد هو الفضاء السيبراني، الذي بات يمثل بيئة خامسة للصراع الدولي إلى جانب البيئات التقليدية: البر، والبحر، والجو، والفضاء الخارجي.

يُقدّم القسم الأول من الكتاب تأطيرًا مفاهيميًا لنشوء الفضاء السيبراني، ويحلّل تحولات القوة في العلاقات الدولية، مبينًا كيف تراجع تأثير أدوات القوة الصلبة والناعمة التقليدية أمام صعود ما يُعرف بالقوة السيبرانية CyberPower، وهي قوة تقوم على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا، وتمنح فاعلين جددًا – من خارج إطار الدولة – دورًا محوريًا في تشكيل الديناميكيات الدولية.

أما القسم الثاني، فيركّز على الفضاء السيبراني كمجال للصراع الجيوسياسي، في ظل تنافس حاد بين القوى الكبرى على امتلاك القدرات السيبرانية. ويعرض كيف باتت الدول تنخرط في سباق حثيث لتطوير أدوات هجومية ودفاعية رقمية تُستخدم في إدارة الأزمات الدولية والتأثير على السياسات والتحالفات والرأي العام.

يتوقف الكتاب عند مفهومي “انتشار القوة” (Power Diffusion) و”انتقال القوة” (Power Transition)، موضحًا أن الفضاء السيبراني قد أتاح للدول الصغيرة والمنظمات غير الحكومية وحتى الأفراد التأثير في المشهد الدولي، وذلك من خلال أدوات مثل الهجمات السيبرانية، والهندسة الاجتماعية، والخوارزميات، والبيانات الضخمة، والتضليل الإعلامي.

ويبرز الكتاب أيضًا كيف شكّل الفضاء السيبراني بُنية تحتية استراتيجية شديدة التأثير في قطاعات حيوية كالدفاع، والاقتصاد، والملاحة، والطاقة، والبث الرقمي، ما جعله ساحة رئيسة لصراعات غير متماثلة. ومن خلال رصد المؤشرات الكمية – مثل نمو سوق البيانات الضخمة إلى أكثر من 600 مليار دولار متوقعة بحلول 2028 – يكشف الكتاب عن ضخامة المشهد الرقمي وتعقيداته التي تتجاوز كثيرًا التصورات السابقة.

ويرى المؤلف أن من بين الآثار الأعمق لهذا التحول السيبراني، أنه لم يُعد القوة مقصورة على الموارد التقليدية، بل باتت المعرفة الرقمية والتفوق التكنولوجي عوامل حاسمة في تحديد مكانة الدول. وفي ظل هشاشة البنية الرقمية للدول، تصبح هذه الأخيرة أكثر عرضة للهجمات السيبرانية، ما يعمّق ظاهرة “الحروب اللامتناظرة” ويزيد من أهمية التحول نحو القوة السيبرانية.

وفي ختام العمل، يُقدّم المؤلف جملة من التوصيات، أبرزها ضرورة بناء نموذج عربي لقياس القدرات السيبرانية، وأهمية دمج السياسة السيبرانية (Cyber Politics) ضمن الحقول البحثية الحديثة في العلاقات الدولية. كما يدعو إلى تعزيز الثقافة الرقمية العربية، وتطوير محتوى بحثي متخصص يُواكب التحديات المتصاعدة في هذا المجال الحيوي.

وبحسب ما جاء في تقديم الكتاب، فإن هذه الدراسة تمثّل إسهامًا بحثيًا يهدف إلى سد فجوة واضحة في الأدبيات العربية، وفتح آفاق جديدة أمام الباحثين لفهم تحولات القوة في عصر الفضاء السيبراني. كما تؤكد على الحاجة إلى تطوير نموذج عربي لقياس القدرات السيبرانية، وتعزيز البحث الأكاديمي في مجالات القوة السيبرانية والسياسة السيبرانية، بما يتيح بلورة رؤى واستراتيجيات أكثر فعالية لمواكبة التغيرات المتسارعة في النظام الدولي.

التعليقات