31/10/2010 - 11:02

قصص عن الاعداد / نقولا زيادة

قصص عن الاعداد / نقولا زيادة
كان الحديث بيني وبين استاذة التاريخ في جامعة دمشق خيرية قاسمية حول حفلة تأبين محمد خير فارس. اقترحت ان تؤجل الحفلة الى بعد عيد الفصح. فكان اعتراضها ان هذا يعني ان حفلة التأبين تقام بعد ان مر اكثر من اربعين يوماً على وفاته. قلت لها ان حفلة التأبين لا علاقة لها بالأربعين يوماً, لأن هذا اليوم الأربعين هو احد الأرقام المعتبرة مقدسة.

قالت - اكتب عن هذا في "الحياة". قلت حباً وكرامة. وها انا اقوم بذلك.

في حياة المجتمعات, على اختلاف اماكنها وتاريخها, ايام او على الأصح أعداد لها مكانة خاصة. وعندي ان هذه البركة (او الخصومة) التي تحيط بالأرقام, تعود الى امور مختلفة بعضها اقامت المعتقدات الدينية له دولة, والبعض الآخر رافقه شرّ او عزي إليه شرّ التصق به.

ولنأخذ رقمين لهما مقام - يكبر او يصغر ويتسع او يضيق - لعوامل محلية هما: السبعة والأربعون.

في اسطورة الخليقة البابلية, التي تعود الى ايام السومريين في الألف الرابع قبل الميلاد (لكنها لم تدوّن إلا ايام البابليين زمن حمورابي, في القرن التاسع عشر ق.م) ففيها ان خلق العالم بكل ما فيه من حياة ونور وظلام ومورد النور - القمر والشمس - والماء الواسع والأرض المنوعة - خلق هذا كله تم في سبعة ايام.

ونقل العهد القديم, الذي دون بدءاً من القرن الثامن قبل الميلاد لكنه يمثل النهب الأدبي لكل ما عرفه المشرق قبل ذلك, هذه الأسطورة التي وضعت في اول سفر التكوين كاملة, وإنما استعمل كلمة تدل على إله واحد بدل آلهة القدامى. وظلّت الأيام السبعة ايام خلق الكون برمته. ولما اكتسب العهد القديم صفته الدينية اصبح الرقم "7" رقماً مقدساً. وأخذ الناس, بقطع النظر عن مذاهبهم, هذا الأمر بعين الاعتبار في حياتهم. فهناك اسبوع (اي اليوم السابع) لأمور كثيرة اجتماعية لكن لها في نفوس اصحابها مكان له قداسة: اسبوع عرض الطفل المولود في الكنيسة عند المسيحيين, والاحتفال باليوم السابع لأشياء كثيرة لا ارتباط لها بالدين.

والرقم "7" زاد في اهميته, وأحياناً حتى في تقديسه وروده في مناسبات متعددة في الكتب المقدسة. وقد جاءه بعض الاحترام حتى من الفلك القديم. فالسماوات سبع طباقاً والكواكب سبعة تدور في افلاكها المعينة لها (هذا قبل الاكتشافات الفلكية الحديثة). وكانت الأم تنذر ابنها المسلم تبركاً للسيد المسيح او ابنتها للسيدة العذراء, سبع سنوات كي يتم له العيش. هذا اذا كانت الأم المسلمة تفقد اولادها وهم اطفال. ولعل الرقم "40" من اكثر الأرقام التي يحافظ عليها. يعود الأصل الى اسطورة الطوفان الذي دام اربعين يوماً بلياليها والأمطار تتساقط حتى غطت الأرض! ولكن الرقم "40" اتيح له الكثير. فقد نقل الى طوفان نوح ودخل العهد فاكتسب الدرجة الأولى من القداسة. ثم جاء صيام المسيح الذي دام اربعين يوماً على جبل قُرنطُل (الأربعين) على مقربة من اريحا. وبعد رفع المسيح الى السماء مرت اربعون يوماً قبل ان يهبط الروح القدس على التلاميذ.

وقبل ذلك جاء ما يتعلق بموسى. فقد كان قد بلغ الأربعين قبل ان يخرج من ارض مصر ليقود شعبه وظل شعبه اربعين سنة في التيه في سيناء. ثم جاءت الدعوة التي قام بها النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) في سن الأربعين.

وبذلك دُفع الرقم "40" الى مقدمة الأرقام التي تتمتع بالقداسة. فاعتبر بعض الكنائس المسيحية اقامة قداس ليوم الأربعين عن ارواح الموتى امراً محموداً ومرغوباً فيه. فكان المسيحيون يحيون هذا اليوم بالصلاة لروح المتوفى. لكن هذا هو امر واحد وليس الوحيد.

*

هناك رقمان لا يحبهما الناس كثيراً. وهذان وصلا إلينا في ما اعرف من الغرب. رقم 3 ورقم 13. والذي عرفته من الذين اتصلت بهم في انكلترا وألمانيا وفرنسا ايام طلبي العلم في تلك الديار (1935 - 1939) هو ان الأول يعود الى ايام الحرب العالمية الأولى. كان الجنود المكلفون بحراسة المكان والوحدات يدخنون السيجارة, ولم يكن ثمة سبيل لإشغال السيجارة إلا الكبريتة. وكان المدخن يشحط الكبريتة الأولى لأن الجنود المتقابلين لا ينتبهون إليها, والثانية يمكن ان "تسلم فيها الجرة", لكن اذا احتاج الجندي ان يشعل الكبريتة الثالثة, فقد يتيح هذا للعدو ان يعيّن موضع الجنود ويطلق النار عليهم. لا أذكر انني مررت بتفسير آخر لهذا الأمر.

والذي عرفته ايضاً اثناء اقامتي تلك عن الرقم "13" هو ان تلاميد السيد المسيح كانوا 12 عدداً. ولكن يوم سلّم المسيح جاء قائد جند مع يهوذا الاسخريوطي ليتمكن من القبض على المسيح من دون لفت نظر بالأعداد. ولأن التلاميذ كلهم كانوا هناك, اصبح العدد 13. وهل يمكن للمسيحيين ان يكون عدد من الأعداد اكثر مدعاة للتشاؤم من مثل هذه الحالة.

هذا, يا عزيرتي خيرية, بعض ما اعرفه عن الأرقام, لكنني واثق من "ان المخفي اعظم" وأقصد بالمخفي الذي لا اعرفه.

(عن "الحياة")

التعليقات