31/01/2017 - 22:19

حفلات الموسيقى مجددا في السعودية

لطالما كانت الحفلات الموسيقية نشاطا مستترا أو سريًا في السعودية الملتزمة رسميًا بالمذهب الوهابي الذي يعتبر الموسيقى لهوًا غير مباح.

حفلات الموسيقى مجددا في السعودية

محمد عبده في جدة، أمس (أ ف ب)

لطالما كانت الحفلات الموسيقية نشاطا مستترا أو سريًا في السعودية الملتزمة رسميًا بالمذهب الوهابي، الذي يعتبر الموسيقى لهوًا غير مباح.

لكن أمس الإثنين كان مختلفا. فعلى مدى ست ساعات من مساء الإثنين حتى الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، شارك نحو ثمانية آلاف رجل في إنشاد أغان عاطفية في مدينة جدة الساحلية، في أول حفل غنائي بهذا الحجم في السعودية في حوالي سبع سنين.

كانت السهرة بمثابة عودة مهيبة لنجم الغناء السعودي محمد عبده الملقب بـ'فنان العرب'، والذي قدم حفلات حاشدة في الخارج على مدى أكثر من عشر سنوات كان أغلب حضورها من السعوديين، لكنه لم يتمكن من الظهور على المسرح في السعودية. وقام عبده بإلقاء عقاله للجمهور في ختام الحفل تعبيرا عن بهجته الكبيرة.

وظهر عبده مع فرقة موسيقية مصرية من 60 عازفًا من الرجال ومعه مغنيان شهيران آخران؛ السعودي رابح صقر والعراقي ماجد المهندس، الذي يحمل أيضا الجنسية السعودية.

ورغم ذلك لم تسقط كل الحواجز. فقد فرضت السلطات نقاط تفتيش أمنية حول موقع الحفل ولم تسمح بدخول أي شخص لا يحمل دعوة، ومنعت أيضا دخول النساء.

أقيم الحفل بعد يومين فقط من عرض لموسيقى الجاز في مركز الملك فهد الثقافي في العاصمة الرياض، التي لم تشهد حفلا عاما في حوالي 25 عاًما. ونفدت جميع تذاكر الحفل البالغ عددها 3300.

مضاعفة الإنفاق على الترفيه

كان الحفلان خطوتين جريئتين في إطار خطط حكومية لتعزيز قطاع الترفيه، ضمن حملة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي تهدف إلى خلق وظائف وتقليل اعتماد المملكة على النفط.

وقال الفنان ماجد المهندس إنه 'سعيد جدًا وفخور جدًا. شعور لا يوصف. نشتاق لمثل هذه الحفلات في مملكتنا الحبيبة والجمهور مشتاق. وإحنا مشتاقين أيضا لهذا الجمهور الأكثر من رائع الذي غمرنا بحبه وتشجعيه وتصفيقه وبحفظه لأغانينا كاملة'.

ماجد المهندس في جدة (أ ف ب)

ونظم الحفل في جدة شركة روتانا التي يسيطر عليها الملياردير السعودي الوليد بن طلال.

ونظمت الهيئة العامة للترفيه، وهي كيان جديد في المملكة، نحو 70 مناسبة منذ إنشائها في العام الماضي، لكن أغلبها كانت في أماكن صغيرة شبه عامة ووسط حراسة مع حذر المسؤولين من معارضة ذوي التوجهات الدينية المحافظة.

وكان من المقرر أن يشارك محمد عبده في حفل بالعاصمة في أيلول/ سبتمبر لكنه أُلغي في اللحظات الأخيرة دون إبداء أسباب.

ورفض الرئيس التنفيذي للهيئة المعين حديثا، عمرو المدني، تأكيد أنه يجري الإعداد لحفل غنائي في الرياض، لكنه قال إن مؤسسته تهدف إلى مضاعفة الإنفاق الأسري على الترفيه ليصل إلى 6 في المئة بحلول عام 2030، وأنها ملتزمة بعرض 'تجارب تضفي البهجة على كل أفراد الأسر السعودية'.

وأول حفل لمحمد عبده في المملكة بعد انقطاع دام عشرة أعوام كان في آب/ أغسطس في مهرجان سوق عكاظ قرب مكة.

ثقافة غنية

ورغم العلاقة الوثيقة بين رجال الدين وأسرة آل سعود منذ منتصف القرن الثامن عشر، لم تكن الموسيقى محرمة دومًا.

واعتادت المهرجانات الصيفية في جدة وغيرها من المدن السعودية على تنظيم حفلات، وتباع أدوات العزف منذ عقود في سوق الحلة الشهير في قلب الرياض.

وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود، الدكتور عبد السلام الوايل: 'تاريخيا المجتمع السعودي لديه ثراء ثقافي. توجد الكثير من التقاليد الموسيقية بأشكال وثقافات فرعية متعددة'. وأضاف: 'الناس من مختلف أنحاء العالم الإسلامي يجلبون تقاليدهم إلى مكة مثلما يحدث مع موسيقى الجاز. هذا جزء من هوية الشعب منذ قرون'.

لكن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تسعى إلى فرض إجراءات صارمة على العروض وغيرها من الأنشطة التي تعتبرها 'مخلة بالآداب'.

وتطارد الهيئة الشبان الذي تنطلق الموسيقى بصوت مرتفع من سياراتهم. ويجري تداول مقاطع فيديو على الإنترنت لرجال متحمسون وهم يحطمون آلات موسيقية.

وحتى اليوم تغيب الموسيقى عن المراكز التجارية وغيرها من المنشآت التجارية باستثناء المطاعم الفاخرة. والتعليم العام الوحيد للموسيقى يوجد فقط في الأكاديميات العسكرية لتدريب الفرق للمشاركة في المواكب العسكرية.

الموسيقى والإسلام

يظل الاختلاف قائمًا بين رجال الدين الذين يسيطرون على النظام القضائي في المملكة بشأن ما إذا كان الإسلام يبيح الاستماع إلى الموسيقى، وبدأ البعض داخل المؤسسة الدينية يشككون في الأدلة التي لا تجيزه.

وسعت الدولة على مدار السنوات العشر الماضية رعاية تفسير أكثر اعتدالا للمذهب الوهابي. وزادت الحكومة جهودها العام الجاري مع تزايد الضغوط الاقتصادية الدافعة لانفتاح البلاد.

وقلصت السلطات نفوذ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وقت سابق هذا العام، بمنعها من القبض على الأفراد، ومضت في تنظيم حفل محمد عبده رغم تحذير من مفتي المملكة من أن 'الحفلات الغنائية لا خير فيها'.

ويقول عشاق للفنون إن حملات على وسائل التواصل الاجتماعي ضد الترفيه، والتي دفعت في السابق المسؤولين القلقين إلى إلغاء حفلات، تقلصت الآن أمام رسائل التأييد.

ووصف سلطان البازعي، الذي يدير الجمعية السعودية للثقافة والفنون، هذه الحملات بأنها 'إعلان مجاني' بعد أن تسبب وسم (هاشتاغ) يعارض دروس الموسيقى التي تعرضها الجمعية في ارتفاع عدد طلبات التسجيل.

وقال البازعي: 'السعوديون كانوا دومًا أكبر مستمعين للموسيقى في العالم العربي. الجميع سعداء لعودة هذه الأشكال من العروض مرة أخرى... وأنا أقول عودة لأنها اعتادت أن تكون هنا'.

التعليقات