31/10/2010 - 11:02

تداعيات باقة ورد علي ضريح حنّا../ رشاد أبو شاور

-

تداعيات باقة ورد علي ضريح حنّا../ رشاد أبو شاور
هاتفت صديقي عوني صادق:
ـ غداً سأذهب وإيّاك لزيارة صديق!
ـ من هو؟
ـ صديق لن يستقبلنا، وسيبقى طيلة الوقت صامتاً، بينما نحن نروي له بعض فصول ما جرى على مدى 22 عاماً، هي فترة غيابه...
سألني عوني بنفاد صبر:
ـ يا أخي ما هذه الألغاز؟
قلت له:
ـ سنأخذ له باقة ورد، فهو يحب الورد، والنظافة، ألا تذكر كان مكتبه نظيفاً دائماً، تنتشر في أرجائه نبتات دائماً خضراء، وأحياناً مزهرة تعطّر جو المكان...

وحتى لا أتسبب لعوني بمزيد من الإرهاق، خّاصة وقد أجريت لعينه اليمني عملية صعبة، وهو ما زال في فترة النقاهة، وبانتظار الجزء الثاني من العمليّة، قلت له دفعة واحدة:
ـ سنذهب لزيارة صديقنا حنّا مقبل، في المقبرة المسيحيّة في (أم الحيران) المنطقة التي كانت خارج العاصمة الأردنيّة عمّان فصارت أحد أحيائها...
بدهشة سألني:
ـ وهل حنّا مدفون هنا في عمّان؟!

معه حّق عوني، فعندما اغتيل حنّا يوم 3 أيّار (مايو) 1984، كان عوني مقيماً في (الكويت)، وجثمان حنّا نقل من (قبرص) إلى عمّان حيث ووري الثرى يوم 5 أيّار (مايو)...

مبكّراً استيقظت كعادتي، وبدأت أتأمّل أشجار الورد ـ ورد بلدي بألوان كثيرة: أحمر، أصفر، أبيض، وألوان محيّرة، وكلّها تتضوّع عطراً طبيعيّا، وتتفتّح برقّة، وتكوّن مهرجاناً لونيّاً يتناغم مع أزهار رقيقة تنمو حولها بأناقة...

استيقظت زوجتي وابنتي (زينب)، وجعلتا تجمعان أجمل وأينع وردات للصديق حنّا. زينب لا تعرف (عمّها) حنّا، لأنها ولدت بعد استشهاده (غيلة وغدراً)، ولكنها منّي، ومن أمها تعرّفت إليه، ومن (كتاب حنّا) الذي أعددته أنا وسلام العزيزة ابنة حنّا.
توجّهت إلى (الرابيّة) واصطحبت عوني، ومضينا إلى المقبرة.

ميّلنا إلى المكتب في المدخل، وتناول عوني ورقة صغيرة فيها معلومات عن قبر حنّا استخرجها الموظّف من الكمبيوتر:
حنّا مقبل، موقع 11، قسم 9، قبر 25.

انحنى عوني على القبر، وهمس لحنّا:
ـ يمكن تكون ارتحت يا أبو ثائر...
ثمّ طوى جسده وقرفص لصق القبر، قرب الرأس، وأخذ يمسّد على الرخامة، وهو يهمس بكلام ما لم أتبيّنه.

أشعل سيكارة، وغرق في الصمت، ثمّ لنخرج من جو الحزن الثقيل، قلت له مذكّراً:
ـ كان يحب الورد...
فككت الباقة، ومددت يدي له بوردات منها فوضعها ببطء على الرخامة، راسماً تكويناً جميلاً.
ما تبقّي من الباقة وضعته فوق الشاهدة، قلت:
ـ ليتشممها أطول مدّة، ويتذكّر أننا لا ننساه.
قرأت شعراً على قبر حنّا، لم أهتد لقائله وإن خطر ببالي الشاعر اللبناني الشهيد موسي شعيب:

قتلوني يا عار بنادقهم
قتلوني وأنا خبز الفقراء اليومي
لم يدروا أن اسمي غابة أسماء
لم يدروا أن العشب الأخضر ينبت
من أضرحة الشهداء

وعلى القبر قرأت أيضاً:

حنّا مقبل، ولد في بلدة (الطيّبة) بتاريخ 4 نوفمبر 1941، وشعار اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين الذي وضعه هو: بالدم نكتب لفلسطين، وتذكيراً بدوره: اغتالته يد الغدر وهو يعمل على ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية...

حنّا مقبل شهيد الموقف والكلمة الحرّة الصادقة...
كلمات تذكّرنا بأيّام خلت، نحنّ إليها، وما زال بعضنا ينتمي لقيمها، وفي مقدّمتها: الصداقة والوفاء...

عندما اغتيل حنّا في قبرص كان أميناً عّاماً لاتحاد الصحفيين العرب، وهو قبل ذلك الصحفي المحترف الذي تخلّى عن كل امتيازاته في الصحافة العربيّة، وعمل على بناء صحافة ثوريّة فلسطينيّة، مسخّراً خبراته، وطاقاته التي امتاز بها دائماً وبنكران ذات.

قبره تغطّيه شجرة زيتون كأنما هي من زيتون (الطيّبة)، من زيتون كرم والدته التي لم يكن لها ولشقيقاته البنات غيره...

ألا يجدر بالصحفيين الفلسطينيين أن يحتفوا بذكرى مؤسس صحيفة (فتح) ومجلّة (فتح) الأسبوعيّة، والمؤسس الحقيقي لـ(فلسطين الثورة)، وصاحب المؤسسة الصحفيّة (القدس برس) و(الشرق برس) التي خرّجت عشرات الأسماء الصحفيّة؟!

التعليقات