12/08/2011 - 13:07

البحر/ فدى جريس

البحر

البحر/ فدى جريس

مأساتي أني سمكة لا تدري في أي بحر تسبح... وتتداخل عليها البحار جغرافياً ومعنوياً حتى تصاب بالدوار وتبدأ في الملاطمة بذيلها والرغبة في الإنزواء البعيد إلى عوالم أخرى أكثر وضوحاً.

 

شيزوفرينيا فريدة بإنسان فلسطيني يعبر ما بين الحواجز والجنود والمنارة وبوظة ركب والقصر الثقافي والعلم يرفرف عالياً على أرض مقهورة تحت سماء متعبة مثقلة بالهموم والامل، ولقاءات أدبية ونقاشات في فلسفة ووجودية الكون ومفهوم الوطن والإنتماء... وما بين بحر حيفا والكانيونات ومحطات "سونول" للوقود وقهوة "هافوخ" ومناطق ال"كيرن كاييمت" وأناس غرباء ونظام كامل صنع خصيصاُ لقمعه وإلغاء وجوده، وتيار خانق يجرف العقلانية والإنسانية في طريقه... وما بين قرية صغيرة منسية وجبال خلابة وصنوبر وسرو وقهوة النخلة ومواسم زيتون وخروب وموال "جبلنا" يصدح و"زهافا بن" و"موشي آرتسي" ينافسانه وسكان لم يعودوا يدركون من هم بالضبط.

 

يا لمأساة الإنسان حين يتحول إلى غريب في وطنه. أتشبت بأي من هذه البحار محاولة أن أكتفي بأسماكها وطحالبها وزرقتها ولا أفلح.

 

وتتداخل علي بحار لأماكن جميلة تناديني ما بين الفينة والأخرى مداعبة روحي بذكريات أكثر نقاءاً وسهولة، وبحار أخرى لبلاد بعيدة شاسعة تركت على روحي المتعبة بصمات من الإرهاق لكنها تركت، أيضاً، لعنة معرفة المحيطات الأخرى وتفتح العقل والمدارك والتعذب أكثر بحال بحرنا البائسة.

 

إن محاولة تفسير لهذا الواقع الذي نعيشه تبعث على الذهول إذا دخلنا في التفاصيل. ثمة تركيبة في هذا البحر تجعل منه شيئاً غير خاضع لأي منطق وغير ملهم لأي استقرار وغير باعث على أدنى درجات الراحة النفسية والسلام الداخلي.

 

ربما من الأجدر لي أن أستمع إلى الأسماك الكبيرة الحكيمة علّي أستفيد، أو أن اسبح بعيداً مع السلاطعين الصغيرة إلى شواطئ أكثر تجانساً!

 

التعليقات