11/06/2012 - 18:38

رسالة لا أريد أن تُكتب بعد عشرين سنة / إياد برغوثي

كنا في تلك الفترة مشغولين في قضايا كثيرة، كانت فترة الثورات العربية وما جلبتها من فترة فوضى سياسية ونزاعات وأحلام كبيرة ودراما إقليمية، فاستصغرنا قضيتنا، لم نأخذ الموضوع بجدية، كنا نظنّ أنّه يكفي أن نغيّر صورة "البروفايل" على صفحة "فيسبوك" (لا بدّ أنني حدّثتك عن هذا الموقع العريق بنوستالجيا أيام الشباب) حتى نغيّر الواقع، لم ننزل إلى الميادين ولم نتحرّك، نمنا للأسف.

رسالة لا أريد أن تُكتب بعد عشرين سنة / إياد برغوثي

ابني العزيز،

أرجو أن تكون في أحسن حال، لقد طمّنتني أمك عنك بعد زيارتها الأخيرة لك، وقالت لي إنّك معنوياتك عالية وتنتظر ساعة الإفراج بأحرّ من الجمر، أعجبني ما قلته "أريد الحرية والبيت"، لقد شاركتني أمك بلومك لها، لي ولجيلنا كلّه، حكت لي إنك كنت غاضبًا لكنك لم تشأ أن تجرحها..

إننا نفخر بك لأنّك رفضت الخدمة العسكريّة ولم تأبه بالسجن، وأعلم أنك تعلم ذلك، ويهمني أن أجيبك عن اسئلتك المحيّرة، فكّرت طويلا واستذكرت تلك الأيام الحاسمة.

عندما كنت في جيلك كنا معفيين، لأننا عرب، من الخدمة العسكرية، ما عدا المعروفيين الدروز، بدأوا بجذب العرب للخدمة المدنية وقالوا في البداية إنّها تطوعية وتخدم المجتمع وتضمن الحقوق، عارضناها وقلنا جميعًا إنها خدعة وإنها الطريق للجيش وتشوّه الهوية الوطنية وتشترط حقوقنا كأصحاب الأرض، ما عدا فئة قليلة وقعت في الفخّ لمصالح فردية أو لجهل سياسي، مع الوقت وفي فترة حكومة نتنياهو-ليبرمان-موفاز التي سنّت قوانين عنصريّة كثيرة وأقامت لجنة لفرض الخدمة الإجبارية على الجميع، كانوا بحاجة إلى جنود، من اليهود المتدينين والعرب، وأرادوا أسرلتنا بعد أن رفع جيلنا رأسه ومشينا في مسيرات العودة، وكانت خطتهم تدريجية.

كنا في تلك الفترة مشغولين في قضايا كثيرة، كانت فترة الثورات العربية وما جلبتها من فترة فوضى سياسية ونزاعات وأحلام كبيرة ودراما إقليمية، فاستصغرنا قضيتنا، لم نأخذ الموضوع بجدية، كنا نظنّ أنّه يكفي أن نغيّر صورة "البروفايل" على صفحة "فيسبوك" (لا بدّ أنني حدّثتك عن هذا الموقع العريق بنوستالجيا أيام الشباب) حتى نغيّر الواقع، لم ننزل إلى الميادين ولم نتحرّك، نمنا للأسف.

لم نقبل القانون، أعلنا رفضنا الخضوع له، أغلب الشباب اعتقلوا، مثلك، لكن مع الوقت تحوّلت الخدمة المدنية إلى مسألة "نقاش" وكل من عارضها إلى "رفضي"، وأصبحت طبيعية، ثمّ افتعلوا نزاعات طائفية بأكثر من بلدة فزادت نسبة الشباب العرب في الجيش، إلا أن عدّلوا القانون لنكون مثل اليهود المتدينين-القوميين: الشباب للخدمة العسكرية الإجبارية والشابات للخدمة المدنية، ومن لا يخدم لا يحصل على أية حقوق، ولا حتى رخصة سياقية!        

لومك لنا في مكانه، جيلنا فشل في مهمته، لكني آمل أن يعدّل جيلكم ما فشلنا فيه، تحية لك ولرفاقك.

التعليقات