15/04/2018 - 15:25

فسحة أمل لذوي الاحتياجات الخاصة في النقب

ظهر قبل 10 سنوات "بيت الأمل"، مكان فريد من نوعه متواجد في البلدة القديمة في بئر-السبع يحتضن بين جدرانه العديد من الأطفال والشباب ذوي الإعاقات الجسديّة الذين يعانون من أمراض شلل المخ وضمور العضلات.

فسحة أمل لذوي الاحتياجات الخاصة في النقب

ذوو الاحتياجات الخاصة، أرقام كبيرة واحصائيات مُخيفة تكوّنت بفعلِ الواقع المعيشي وطبيعة الحياة الاجتماعية، حسب أرقام المكتب المركزيّ للإحصاءات في البلاد لسنة 2017، فإن نسبة العرب أصحاب الاحتياجات الخاصّة بما فيها الإعاقات الحركية الكاملة والجزئية تصل إلى 26.2% من عدد الفلسطينيين في الداخل بمقابل 21.7% من عدد السكان اليهود.

ويضاف إلى هذا الرقم أنّ نسبة العرب أصحاب الإعاقات المعتدلة الحاصلين على شهادة " بجروت" هي 19%، فيما تصل نسبة اليهود إلى 37%، ويزداد فرق النّسب صعوبةً عند الحديث عن أصحاب الإعاقات الخطيرة.

وتعبر هذه الأرقام عن المجتمع الفلسطيني بالداخل ككل، دون أن تلفت النظر إلى الحالات العينية للمناطق المختلفة مثل النقب على سبيل المثال، فالنقب بالإضافة إلى هذه الإحصائيات "الرسمية" يعاني من مشاكل إضافية عن مناطق أخرى في الداخل الفلسطيني، فهناك زواج الأقارب وزواج القاصرات، والنقص الواضح في الموارد والتثقيف الحكومي، إضافة إلى النقص في الأرقام الحكومية، يمنعنا من تكوين صورة مكتملة عن الحالة.

ومقابل هذه المعطيات يمكن أن نرى بوضوح التمثيل العكسيّ في توفير المخصصات المالية والخدمات اللازمة من قِبل الحكومة الإسرائيلية للبلدات العربيّة – والبدوية خصوصًا – مقابل تلك التي تُوفر للبلدات اليهوديّة. فتشير الاحصائيات إلى نقص حاد في البُنى التحتية لمدارس التربية الخاصّة في البلدات العربية البدوية بشكل خاص، مقارنة مع البلدات اليهودية.

إضافة إلى ذلك، الفجوة في الخدمات الرعاية الصحيّة، النفسية، التربوية والاجتماعية الممنوحة لكل من الوسطين كبيرة إلى درجة أن البلدات العربية البدوية تحصل على أقل من نصف الاستثمار بهذه الموضوعات عن نظيرتها اليهودية، عدا عن النقص في العاملين المهنيين في سلك التربية الخاصّة وانعدام طرق التشخيص والتدخل المؤسساتي المناسب في البلدات العربية البدويّة، على عكس ما يحدث في البلدات اليهوديّة.

مما يدل على التمييز العنصري وانعدام البرامج الهادفة لتقليص الفجوات من أجل تحسين وضع الفئات المستضعفة في الدولة.

تشير الإحصائيات أيضاً إلى أنّ معدل الفقر لدى الأطفال العرب وصل في سنة 2015 إلى 65.6%، هذا الفقر المدقِع للشريحة العربية لا يُمكّنها من توفير الرعاية لأطفالها بشكل ذاتي، لذلك فهي بحاجة ماسّة إلى للاعتماد على الخدمات العامة شبه المعدومة.

ويمكن بشكل بسيط استنتاج مدى الظلم والتهميش الذي يتعرضون له من وُلِدوا مع المعاناة، مع الأخذ بعين الاعتبار الأرقام السابقة لسائر الأطفال الفلسطينيين في الداخل، سيتجلى تهميش المختلفين عنهم، شريحة أصحاب للإعاقات التي يحتاج أفرادها إلى مراعاة أكبر ليقوموا بنشاطاتهم الحياتية بشكل الطبيعي.

لا تنحصر معاناة هؤلاء بالإعاقات التي خلقوا معها، وانما أيضاً في حاجتهم للعيش والتأقلم في محيطٍ قد ينظر إليهم بدونيّة لعدم قدرته على استيعابهم وفهمهم، وقد تنعدم فيه مقومات الوعي اتجاه حقوقهم واحتياجاتهم التي ينفردون بها دون سواهم، وتتضاعف هذه المعاناة بسبب التقاعس الشديد للمؤسسات في توفير الأطر المناسب والرعاية الخاصة وبرامج التأهيل للبلدات العربيّة في النقب.

فسحة أمل-لذوي الاحتياجات الخاصة في ظلّ غياب البرامج التأهيلية العربية في النقب

ظهر قبل 10 سنوات "بيت الأمل"، مكان فريد من نوعه متواجد في البلدة القديمة في بئر-السبع يحتضن بين جدرانه العديد من الأطفال والشباب ذوي الإعاقات الجسديّة الذين يعانون من أمراض شلل المخ وضمور العضلات.

ويتميّز "بيت الأمل" بكونه مخصّص للمجتمع العربي في النقب، يأتيه الأطفال والشّباب من شتى البلدات المعترف بها وغير-المعترف بها في النقب مرّة كلّ شهر لمدّة يومين لقضاء نهاية الأسبوع فيما أصبح بمثابة "البيت" لهم، حيث تقام هناك فعاليات اجتماعيّة وترفيهيّة بقيادة كادر من المتطوعين العرب من جميع أنحاء البلاد، شمالاً وجنوبًا، بالإضافة إلى برامج إثراء إضافيّة يقيمها المركز ما بعد الظهر على مدار الأسبوع.

ومن الجدير بالذكر أن "بيت الأمل" هو النسخة العربية الوحيدة في الجنوب لـ "بيت العجلان" الذي يتفرّع لـ6 مراكز مُوزَّعة على مستوى البلاد والمخصصة بمعظمها للأقليات. أُنشئ "بيت الأمل" في النقب بمبادرة من السيّد يوسف العمور من قرية كسيفة، الحاصل على لقبان أول وثانٍ في التربية الخاصّة، وهو المدير الأول لبيت الأمل ويعمل حاليا معلما في مدرسة.

وقال يوسف العمور لـ"عرب 48"، في مقابلة معه:" لقد عانت شريحة ذوي الاحتياجات الخاصّة في النقب من انعدام الأُطر المناسبة لهم، فاضطرّوا سابقا للالتحاق بالبرامج الخاصّة بالمجتمع اليهودي. لكن في الواقع لم يكن ذلك حلّاً مناسبا، كون الأطفال وعائلاتهم قد عانوا هناك من صعوبة التأقلم في ظروف اجتماعية وثقافية مختلفة عن ظروفهم. ذلك عدا عن صعوبة الاتصال الناجمة عن اضطرارهم للتواصل بلغة غير لغتهم. من هنا وُلدت الحاجة المُلحة لإقامة مركز يحمل اسمًا عربيًّا مخصص للعرف في النقب، يحتضنهم ويلاءم احتياجاتهم الخاصّة وبالأخص الثقافية والاجتماعية، فوُلِد  بيت الأمل  ".

وأضاف العمور "اختيار المتطوعين في بيت الأمل يتم وفقاً لمعاييرٍ محددة بعد مقابلة شخصية وفحص توفر صفات معيّنة، وهناك رقابة مستمرة ودعم مستمر لهم خلال فترة تطوّعهم".

وأشار العمور إلى أن " عدد ذوي الاعاقات المنتسبين يفوق عدد المتطوعين على خلاف الفروع الأخرى التي ضمت الكثير من المتطوّعين نسبياً".

وأكمل العمور "حقيقة، لا أنكر فضل المتطوّعين من أهل الشمال الذين كانوا يد عونٍ في إنجاح المشروع في بداياته، فقد كان هذا النوع من التطوّع غير متّبع في النقب، لذلك لم يكن سهلاً إيجاد متطوعين نقباويين في بادئ الأمر، لكن الوضع الآن تحسّن (...) وقد لجأنا إلى التعاون مع مشاريع أخرى مثل 'بيرح' و'أجيك' وضم متطوعين إضافيين مقابل مِنح دراسيّة".

وفي سؤال عن مدى تقبل الأهالي في النقب مشاريع حديثة كهذه أجاب العمور "لم يكن الأمر سهلًا، نظرا لكون المشروع حديث في المجتمع العربي البدوي الذي يفتقر للأطر الاجتماعية التوعوية، وخصوصًا بموضوع ذوي الاحتياجات الخاصة".

وشدد العمور على أن "الوعي هنا لخصوصية هذه الشريحة واحتياجاتها ضئيل جدا، بالإضافة إلى انعدام التشخيص والجهل برعايتها (...) لذلك، عند نشوء المركز حاربنا لنحصل على تقبل الأهالي، لكن بعد أن شهدوا منفعته لهم ولأبنائهم، وثقوا بأن أطفالهم قد وُضِعوا في أيدي آمنة".

في مجتمع مُستضعف يصارع على بقائه على أرضه ويجاهد من أجل لقمة عيشه، ليس غريباً أن تكون نسبة الوعي والمعرفة عن متطلّبات ذوي الاحتياجات الخاصة محدودة جدا.

وقالت المديرة الحالية للمركز السيّدة ميرفت أبو هدّوبة، في حديث لها عن أهداف "بيت الأمل"، قائلة: "لا يمكننا وضع كافة اللوم على الأهالي في النقب فهم يعيشون في وضع لا يُحسدون عليه، لا تقوم السُلطات بمد يد العون لهم، بل تزيد الوضع سوءا. لذلك أحد أهدافنا على مستوى النقب هو العمل على زيادة الوعي لدى الافراد في المجتمع، كشفه على مشروعنا وضم المزيد من المشتركين فيه، كانوا ذوي إعاقة أم لا ".

وعن طبيعة الفعاليات التي تُقام ضمن المشروع أضافت أبو هدّوبة أنه: " نفتتح كل سنتين، مجموعة لعدد معيّن من المشتركين من نفس الفئة العمريّة. الفعاليات التي تُقام لهم داخل 'البيت' تندرج تحت برنامج سنوي مُقرر يتضمن عدّة مواضيع اجتماعية هادفة مثل التعبير عن الذات، الاحترام المتبادل، تكوين شخصية قياديّة والاستقلالية في السياق الاجتماعي".

وأشارت أبو هدّوبة إلى أن "هنالك برنامج خاص مُعدّ للبالغين منهم، يتم فيه مساعدتهم في اتخاذ الخطوات الأولى نحو الاندماج داخل المجتمع والتقدّم فيه على الصعيد الشخصي واختيار منحنى حياتهم في وظيفة أو في التعليم العالي".

وشددت أبو هدوبة على أنه "يحق لكل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة بأن يُمنحوا المجال للوصول لأقصى طاقاتهم والحصول على فُرص متساوية في جميع مناحي الحياة. إن أتيح لهم المجال سيكونون جزءا مساهما في خلق مجتمع ناجح متكافل".

وأضافت أبو هدّوبة "ندعو لجنة المتابعة، السلطات المحلّية، البلديات، الجمعيات وجميع المسؤولين في النقب والداخل عامةً إلى دعم هذه الشريحة وعدم تهميشها والعمل على زيادة الوعي العام في هذا الموضوع من أجل إثراء الوعي الذاتي لدى الناس".

هالة من الجو العائلي الدافئ

ينتظر الأطفال والشباب عطلة نهاية الأسبوع التي سيقضونها في "بيت الأمل" بفارغ الصبر، يجتمعون بعد ظهر يوم الجمعة في "البيت" مع المتطوعين، ويمتلئ الجو بمشاعر الاشتياق واللهفة لدى الأطفال والمتطوعين على حد سواء، ويبدؤون يومهم بجو عائلي دافئ مليء بالاحتواء الاجتماعي والنفسي. تبدأ الفعاليات والنقاشات الهادفة هناك بطاقات مبذولة ودافعية إيجابيّة. وتعلو المكان بين الحين والآخر الضحكات النابعة من القلب. يتشاركون إعداد وجباتهم بحب يتناولونها على طاولة واحدة بلذة لا توصف. يتداولون الأحاديث الشخصيّة ويمارسون مشاعرهم الحقيقيّة دون تكليف. لا يضطرّون لأن يكونوا غير أنفسهم. في المساء يتساعدون في التهيؤ للنوم، وينامون الابتساماتٍ تعلو وجوههم، فلكل شيء في هذا المكان طابع مميّز.

تجارب شخصية

أمل قاسم، طالبة طب في سنتها الخامسة، تتطوع منذ 4 سنوات في "بيت الأمل". اختارت التطوع هناك نظراً لرغبتها في عَمَل الخير وحاجتها لاستخراج بعض الطاقات. في لقاء لـ"عرب48" معها وصفت أمل تجربتها قائلة إن:" في بداية تطوّعي، كان الأمر غريبا بعض الشيء بالنّسبة لي، فالأمور التي نقوم بها لا تواجهنا بالعادة في حياتنا اليوميّة ولا حتى في الأُطر الأخرى، لكن بعد اللقاءات الأولى أيقنتُ أن هذا المكان هو حقا بمثابة بيت لي. رغم اننا نلتقي مرّة في الشهر، إلا أن هذا اللقاء يكون أهم ما في الشهر كلّه بالنسبة لي".

وأضافت قاسم "في 'البيت' نسعى إلى تمرير قيم مهمة بالإضافة إلى تعزيز الثقة بالنفس واكتساب القدرة للتعامل مع الآخرين الذين ينظرون إليهم فقط كأشخاصٍ يدعون للشّفقة".

وأضافت قاسم "أحد أهم الأمور التي يحظى كلٍّ مشترك هنا هو تواجده ضمن مجموعة داعمة، يمنح أفرداها بعضهم البعض الدعم النفسي والاجتماعي".

وأشارت المتطوعة قاسم أيضًا بلهجة حماسية إلى أن "العلاقات جميلة جداً داخل 'البيت'. نشعر كأننا فعلاً عائلة واحدة كبيرة. إنه المكان الذي أستطيع فيه أن أعطي وأتعلم كثيراً عن نفسي. أنا أشعر هنا بالسعادة والاكتفاء".

واختتمت قاسم حديثها قائلة: "قد يبدو أنني أصور الأمر بشكلٍ مثاليٍ، لكنه فعلا أقرب ما يكون للمثالية بالنسبة لي".

حدّثنا أيضا علي العمور، الطالب الجامعي (22 عامًا) من قرية كسيفة عن تجربته التي استمرّت لمدّة 3 سنوات في 'بيت الأمل'، قائلًا: "نحن نلتقي بالأطفال لمدّة يومين في الشهر، لكن في الواقع العلاقة بيننا تخطّت مجرد اللقاء الشهري وأصبحت أعمق من ذلك بكثير، لقد أصبحنا على اتصال دائم وعلاقتنا تملؤها الأخوة، نتحدث سوياً كأصدقاء عن كل ما يخطر لنا دون قيود".

شرح العمور أيضًا "من أكثر الأمور التي أحاول ان أقوم بها خلال الوقت الذي أقضيه مع الأولاد هو أن اعطيهم الحيّز الحُر لأن يعبّروا بأنفسهم عن ذاتهم وعن رغباتهم واحتياجاتهم بثقة ودون خوف. هم فعلاً بحاجة إلى ذلك لأنهم يحيون في بيئة تلجمهم بشكل دائم".

وأضاف العمور أنه "بحسب تجربتي مع ذوي الإعاقات طوال هذه السنين، أرى أن المجتمع المحيط بهم هو الرادع الأساسي لتقدمهم ونموّهم. لذلك، واجبنا اتجاه هؤلاء الأولاد لا ينحصر فقط بالعمل على الصعيد الشخصي، وانما أيضا مساعدتهم على مواجهة المجتمع الصّلب غير المتفهم في الغالب. وهنا تكمن الصعوبة العُظمى، فالإعاقة التي يجب معالجتها حقاً هي تلك التي في العقول المحيطة بهم".

وأكمل العمور قائلًا: "دون مبالغة، بيت الأمل من أثرى التجارب التي مررت بها في حياتي، وأنصح الجميع بتجربتها" واختتم واثقاً "مهما كُنتَ مجردًا من الإنسانية، لا يمكنك أن تخرج من هذا المكان دون أن تصبح لين القلب محبّاً لمد يد العون".

وأخيرًا نادية العطاونة، من حورة النقب والتي تتطوع في بيت الأمل منذ سنة، وصفت تجربتها على النحو التالي:" كنت مُحبطة في البداية بسبب عدم تقبّل إحدى الفتيات لي ولا لأيٍّ من المحيطين بها، كانت شديدة الحساسيّة والانغلاق. بعد فترة من المحاولة نجحتُ في مساعدتها على كسر الحاجز وأن تسمح لي بمشاركتها أمورها الشخصيّة التي لم تكن سابقاً تسمح لأحد أن يشاركها بها (...) انا آتي إلى هنا لأهرب قليلاً من الجو الدراسي وأجد فُسحة لنفسي".

تجربة لا تُقدّر بثمن

يتوجّه المتطوعون في بيت الأمل والقائمين عليه للمجتمع راجيين: "نأمل من كلّ فردٍ يصادف شخصا ذو احتياجات خاصّة أن يتعامل معه مثلما يُعامل أي أنسان، بإنسانيّة، وأن يخاطبه كند دون النظر إليه بفوقية، لأن ذوو الاحتياجات الخاصة بشرًا، يشعرون ويحملون من العاطفة ما يفوقنا أحيانا".

في نهاية الأمر علينا أن نُصرّح بسرٍّ أفشاه لنا غالبيّة من قابلناهم مِمّن وطئت اقدامهم 'البيت"

إن كل من يدخل إلى هناك يظنّ في البداية أنه يقدّم مساعدته لذوي الاحتياجات الخاصّة، لكنّه يكتشف بعد حين بأنهم يعطونه أكثر مما يقوم هو بمنحهم.

 

التعليقات