03/01/2019 - 18:41

دراسة: تبنّي رأي مخالف قد يجعل آراءنا أكثر مرونة

نشر الباحثان مقالًا في مجلة "ساينتفيك أميركان" العلميّة قالا فيه إنّ من الممكن دفع الأشخاص إلى تبنّي آراء خلال نقاشٍ ما، كانوا يختلفون معها تمامًا قبل بدء النقاش، وأنّه فيما يتعلق بالمواقف السياسية الفعلية التي نعتنقها فإننا "أكثر مرونةً ممّا

دراسة: تبنّي رأي مخالف قد يجعل آراءنا أكثر مرونة

توضيحية (Pixabay)

هل يمكن أن ندافع مرّةً عن موقفٍ ورأيٍ يخالف رأينا كلّيًا كما لو كان موقفنا؟ كأن نغافل قناعاتنا الحقيقيّة ونصرّح دون أن نعي بموقفٍ يخالفنا ثمّ نشرع في الدّفاع عنه. على ما يبدو فإنّ هذا ممكن وفق ما قاله باحثا علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة نيويورك الأميركية، د. فيليب برناميتس، والأستاذ جي فان بافيل.

ونشر الباحثان مقالًا في مجلة "ساينتفيك أميركان" العلميّة قالا فيه إنّ من الممكن دفع الأشخاص إلى تبنّي آراء خلال نقاشٍ ما، كانوا يختلفون معها تمامًا قبل بدء النقاش، وأنّه في ما يتعلق بالمواقف السياسية الفعلية التي نعتنقها فإننا "أكثر مرونةً ممّا نظنّ".

ووفقًا للمقال، فإنّ أحد عوامل تشكيل المواقف نحو القضايا السياسية والاجتماعية، يتعلّق بكيفيّة تكوينها وارتباطها بانتماءاتنا المختلفة وهويّاتنا الجماعيّة، مبيّنين أننا نميل دومًا إلى المجادلة والدفاع عن آرائنا الذاتية أو آراء مجموعتنا وحمايتها، واستشهد الباحثان في هذا الصدد بتجربة تمّ إجراؤها مؤخّرًا حول تعاملنا مع  الآراء المخالفة في مواقع التواصل الاجتماعي.

واعتمدت التّجربة على تكليف المشاركين فيها بمتابعة حسابات على "تويتر" تعيد نشر تغريدات تتضمن معلومات تحوي آراءً سياسيةً مخالفةً لآرائهم، إذ ظنّ الباحثون أنّ اطّلاعهم على آراء سياسية مختلفة وانفتاحهم عليها قد يساهم في جفعل مواقفهم أكثر مرونةً، إلّا أ،ّ النتيجة كانت عكس التوقّعات، إذ زادت حالة الاستقطاب في الآراء عمّا كانت عليه.

لكنّ تجربةً سويدية أخرى تحدّت هذا الاستقطاب، فقامت بتوظيف حيلة مستوحاة من السحر المسرحي، تعتمد على جعل المشاركين يعتقدون أن الرأي المخالف لرأيهم الذي يُعرَض عليهم هو رأيهم منذ البداية، وهي ظاهرة تسمى بـ"عمى الاختيار"، اكتشفها باحثون سويديون عام 2005.

وعرض الباحثون في التجربة المذكورة على المشاركين صورتي وجهين وطلبوا منهم اختيار الصورة التي رأوا أنها أكثر جاذبية، ثم أعطوا المشاركين تلك الصورة، وعندما استلم المشاركون الصورة كانت قد بُدِّلَت بصورة الشخص الآخر الذي لم يختره المشارك؛ أي الصورة الأقل جاذبية، ولكنّ المثير في الأمر أنّ المشاركين بدأوا في الدفاع عن اختيارهم للصورة إعطاء مبرّرات لهذا الاختيار، الذي لم يختاروه أصلًا!

وتمّ تركار التّجربة بعد هذا عدّة مرّاتٍ مع تغيير قضية الشؤال الذي تتمّ فيه عمليّة الاختيار، بما في ذلك تذوق المُرَبَّى، والقرارات المالية، وشهادة شهود العيان.

ويقول الباحثان إنّ هذه النظريّة أثارتهما فقاما باستنساخها وإسقاطها على المواقف السياسية المختلفة، بحيث أعطيا المشاركين استبيانًا عبّروا فيهع عن آرائهم بمسائل سياسية بينها الضرائب المناخية على السلع الاستهلاكية مثلًا، ثمّ قاما بإعطائهم تقييمات فيها مواقف تختلف عن مواقفهم الحقيقية، على أنها الاستبيانات التي قاموا بتعبئتها.

وبعدها طُلِب من المشاركين أن يقدّموا آراءهم مرّةً ثانيةً خلال اليوم، ولاحقًا بعد أسبوع، لتكوةن النتائج المفاجئة أنّ آراءهم تغيّرت بشكلٍ كلّيٍّ، فمثلًا، أولئك الذين كانوا قد أيَّدوا في البداية الضرائب العالية، كان احتمال عدم اتخاذهم لقرار، أو حتى اتخاذ قرار معاكس، هو الاحتمال الأرجح.

ودامت هذه النتائج حتى الأسبوع التالي، وكانت التغيرات في آرائهم أكبر أيضًا حينما طُلب منهم تقديم حجة، أو تعليل، لرأيهم الجديد، ويبدو أن إعطاء الناس فرصة التعليل عزَّز التقييمات الزائفة وقادهم إلى مزيد من الابتعاد عن مواقفهم المبدئية.

وفسّر الباحثان هذه النّتائج بأنّ اطّلاع المشاركين على الموقف المخالف لموقفهم، على أنّه موقفٌ يتبنّونه ثمّ محاولتهم الدّفاع عن هذا الموقف، حوّلت نظرهم إلى "مزايا" الموقف المخالف بدلًا من الاستمرار في انتقاده، في وقتٍ يتحرّرون فيه من رغبتهم في الدّفاع عن موقفهم الأصليّ، باعتبار أنّهم يتعاملون مع موقفٍ تمّ إقناعهم بأنّه موقفهم الخاصّ.

واعتبر الباحثان أنّ النتائج إنما تشير إلى أنّ الناس أكثر مرونةً في آرائهم ممّا يعتقدون، " ما أن تنزع عنهم الأشياء التي عادةً ما تجعلهم يتخذون موقف الدفاع، يعيدون التّفكير في موقفهم والموقف المخالف دون شعور بتهديد قناعاتهم، وهو ما يدفعهم عادةً للتمسك بها والدفاع عنها".

التعليقات