كورونا: التعليم عن بُعد تحدٍ أمام الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيليّة

"هذا الانقطاع المفاجئ عن نشاطات حياتنا اليومية كطلاب، نقلنا إلى روتين يومي جاف يُصعِّب علينا التعايش معه، ورغم هذه الصعوبات، إلا أن الإمكانيات الضيقة المتوفرة أمامنا، أجبرتنا على تلقي المعلومة من دوائر انعزالنا الضيقة، لأن هذا لم يكن اختيار أحد"

كورونا: التعليم عن بُعد تحدٍ أمام الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيليّة

من إحدى النشاطات للطلاب العرب في جامعة تل أبيب

يعزل الناس أنفسهم هذه الأيام في بيوتهم وقاية من فيروس كورونا المستجد في كثير من دول العالم، وفي البلاد كذلك، وأصبح أفراد العائلة مع تفاوت أعمارهم واختلاف وظائفهم ومواقعهم المهنيّة أو الدراسية، يشعرون بحالة من عدم الاستقرار، وفي صعوبة التكيّف مع الواقع الجديد، إثر العزل المنزلي.

ويواجه الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيليّة، تحدياتٍ جديدة نشأت عقب فرض الدراسة عن بعد، ولا سيما أن الجامعات لم تتأخر بطرح بديل فعلي لاستمرار حياة التعليم كالمعتاد، لكن ليس من داخل مبانيها، إنما عن بُعد بواسطة برامج طورتها الجامعات نفسها.

وطرح البديل السريع الذي قدّمته الجامعات، الكثير من الأسئلة التي يبحث الطلاب عن إجابات عنها، إذ عزّزت المؤسسات الأكاديميّة التي اتبعت طريقة البثّ المباشر في طريقة التعليم عن بعد، التحديات والصعوبات التي يواجهها الطلاب العرب في الأوقات العاديّة حتى، كصعوبة التأقلم مع اللغة العبرية مثلًا.

إريس بشارة

وقالت المركّزة الأكاديمية في برنامج "سوا" لدعم الطلاب العرب في جامعة تل أبيب، إريس بشارة، في حديثٍ لموقع "عرب 48": "تصلنا في هذه الفترة توجّهات كثيرة من طلاب عرب في سنتهم الأولى من اللقب الأول، ونحن نحاول في مركز سوا أن نقدّم كل الإرشادات والتوجيهات الأكاديميّة واللوجستية لهم، ونحن نواجه صعوبة في ذلك لأن الجامعة نفسها تواجه المجهول أيضًا، وهناك طلاب يشتكون من ضبابية امتحانات الموعد ‘ب‘ للفصل الأول التي تم تأجيلها".

وأضافت بشارة، وهي طالبة دكتوراه في علم الاجتماع: "نحن بدورنا كمركز دعم أكاديمي للطلاب العرب نحاول أن نتواصل مع سكرتارية الكليات المختلفة، لنأخذ إجابات حول ذلك، (حول مواعيد الامتحانات) لكن حتى الآن ننتظر إجابات رسميّة".

وذكرت بشارة أن "المعضلة لا تقتصر على طلاب السنة الأولى، إذ إن هناك طلابُ ألقابٍ متقدمة يعملون في الجامعة، ومصدر دخلهم الوحيد يرتكز على المنح الأكاديمية وهم لا يعرفون مستقبل هذه الحالة أيضًا".

وبخصوص التكاليف التعليميّة مثل؛ قسط التعليم، وتكاليف مساكن الطلبة، قالت بشارة إن "الجهات المعنيّة بحقوق الطالب في الجامعة قدّمت رسالة رسميّة لجامعة تل أبيب يطالبون فيها تخفيض أقساط التعليم والسكن، في ظل انعدام توافر إمكانيات العمل، وبسبب الظروف المادية الصعبة التي يمرّ بها الطلاب، وبخاصة أن الطلاب يعملون في المطاعم والمراكز التجارية التي أُغلقت تمامًا، الأمر الذي يُصعّب عليهم سداد أقساط التعليم والسكن، وحتى الآن الطلب قيد إجراءات البحث، ولا قرارات بهذا الشأن".

من مكتبة أحد الطلاب

وذكرت بشارة أن إحدى المشاكل التي تواجه الطلاب العرب في ما يتعلّق بالتعليم عن بُعد، هي ضعف شبكة الإرسال والإنترنت في البلدات العربيّة، ما يؤدي إلى إضعاف جودة التعليم.

وحول التأثير النفسي الذي يُسبّبه الابتعاد القسري للطلاب عن الجامعة، قالت بشارة: "لا شكّ في أن الوجود في الحرم الجامعي، هو بحد ذاته مراكمة تجربة مطلوبة للتشبيك الاجتماعي والتواصل البصري مع الزملاء في التعليم، خصوصًا وأن الجامعة توفّر الأدوات المطلوبة لصقل الهوية الأكاديمية للطالب، ولأن بعض المواضيع تتطلّب التقاء الطلاب في مجموعات لدراسة المواد ومناقشتها، لكن في هذه الظروف أصبح من الصعب الالتقاء في الجامعة أو في المكتبة، وهذا ما يولّد الضغوطات النفسيّة على الطلاب".

الطالبة إيمان عقل

بدورها، تحدّثت الطالبة إيمان عقل، لموقع "عرب 48"، حول قضاء وقتها في الحجر الصحي، قائلة: "في البداية لم يكن متوقعا أن تعصف بنا الظروف، وتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، إذ إن نشاطاتنا الأكاديمية شُلّت، واقتصر تمرير المواد عبر دائرة إلكترونية يصعُب فيها التفاعل والمشاركة".

وأضافت عقل وهي طالبة لقب أول في موضوعَي اللغة العربية والإعلام، في جامعة تل أبيب: "هذا الانقطاع المفاجئ عن نشاطات حياتنا اليومية كطلاب، نقلنا إلى روتين يومي جاف يُصعِّب علينا التعايش معه، ورغم هذه الصعوبات، إلا أن الإمكانيات الضيقة المتوفرة أمامنا، أجبرتنا على تلقي المعلومة من دوائر انعزالنا الضيقة، لأن هذا لم يكن اختيار أحد".

وحول محاسن ومساوئ الحجر الصحي والعزل المنزلي، ذكرت عقل أن "كلمة ‘حجر‘ قد تكون خانقة لطاقاتنا واعتباراتنا اليومية التي اعتدنا عليها، لا سيّما أننا نقوم بمهامنا التعليميّة من الانعزال بظروف صعبة لا تتوفر فيها شروط الدراسة كما في الجامعة، لكن إذا ما نظرنا للحجر كبيت دافئ، فقد يساعدنا هذا الاعتبار في تجاوز الأزمة التي خلّفها -وما يزال- فيروس كورونا علينا جميعًا".

واستطردت عقل قائلةً إن "الحجر الصحي فرصة لنا لإعادة النظر في طبيعة العلاقات البشريّة وضرورتها، خصوصًا بعد أن أنهكت الحياة أفرادها بالمهام اليوميّة من العمل والدراسة والالتزامات الأخرى".

الطالب مجد شلش

وفي حديثٍ لـ"عرب 48"، أوضح طالب علم نفس وآداب اللغة العربيّة، مجد شلش، أن "الحجر الصحي يضع أمامنا العديد من التحديات التي تفرضها ظروف غير اعتيادية مثل تقييد الحركة والتنقل وإجبارنا على التزام البيت واعتزال الكثير من الفعاليات الاجتماعية التي كانت تُعتبر عادية وربما بديهية في أي يوم عادي".

وأضاف شلش: "الأوضاع الحالية تضع الجميع في حالة من التوتر والقلق بخصوص الحاضر والمستقبل القريب. وإذا أردنا أن نتطرق إلى محاسن الحجر، فمن المؤكد أنه يمنحنا فرصة لقضاء وقت مكثف مع العائلة، الأمر الذي لم يكن ممكنًا في الظروف العادية".

وذكر شلش أن "الحجر يعطينا فرصة لتقدير وفهم قيمة الفعاليات اليومية التي كانت اعتيادية في ما سبق، وباتت الآن أمرًا نتوق إليه. ومن أكبر الفوائد التي يأتي بها الحجر الصحي برأيي هي فرصة الاعتياد على التأقلم مع هذه الظروف، وخلق حلول لكيفية تمضية وقتنا في البيت، والموازنة بين مهامنا الحياتية المختلفة كالتعليم الأكاديمي والعمل".

وفي ما يتعلق بالتعليم عن بُعد، قال شلش، إن "هذا الأسلوب له من المزايا ما يجعله حلًا مؤقتًا للوضع الحالي، ولكن بطبيعة الحال، وبسبب أن هذا الشكل من التعليم جاء بشكل فجائي، فإنه يواجه العديد من المشاكل التقنية، كما أننا نشهد عدم رضى من جانب العديد من الطلاب ومن بينهم أنا، إذ إن العديد من مرافق الجامعة غير مُتاحة كالمكتبات التي تعتبر حاجة أساسية، كما أنه ليس لدى جميع الطلاب ظروف منزلية ملائمة لهذا النوع من التعليم".

الطالبة سمية أبو الهيجاء

من جانبها، قالت طالبة علم النفس والتربية في جامعة تل أبيب، سمية أبو الهيجاء، في حديثها لـ"عرب 48"، إن "الانعزال المنزلي يفرض عليّ صعوبة رغم استمرار عملي عن بُعد. إن العمل والدراسة يتطلبان مني جهدًا إضافيًا، إضافةً لذلك، أتطوّعُ في هذه الظروف العصيبة، في جمعيّة ’أمانينا’ والتي تقوم بمهمة مفيدة خلال الظرف الآني، حيث نُترجم الإرشادات الصحية الصادرة عن وزارة الصحة وننشرها للجمهور باللغة العربية".

واعتبرت أبو الهيجاء أن "نظام التعليم عن بُعد، من خلال البث المباشر كارثي، ويؤثر بشكلٍ مباشر على تقسيم الوقت، لأن العزل كسر روتيننا الذي اعتدناه، من الجامعة إلى العمل والدراسة أو التطوع، وكل هذه النشاطات كانت تجري في أماكن مختلفة، أما الآن فهذه النشاطات كلها تُمارس من البيت، وهذا يؤثر على جودة العمل والدراسة".

وقالت طالبة أدب اللغة الإنجليزية والعربيّة في الجامعة، يارا حمود، في حديثها مع "عرب 48"، إن "انتقال أسلوب التعليم من داخل الصّفوف إلى التّعليم عن بعد فجأة وبدون سابق إنذار، أمر صعب جدًا بالنّسبة لأي طالب يهودي تُمرر محاضرته عبر لغته الأم، فكم بالحري إذا كان هذا الطّالب عربيًا وبخاصة كونه طالب سنة أولى، وبالكاد يستطيع أن يتخطى حاجز اللغة عند تواجده داخل الصّف، فكيف إذا ما كان هذا الدرس يُمرر عن بعد".

الطالبة يارا حمود

وأضافت حمود: "أواجه الكثير من الصّعوبات بالنّسبة لموضوع التعلم عن بُعد؛ أولًا، إن شبكات الإنترنت في القرى والبلاد العربية ضعيفة نسبيًا مقارنة مع البلدات اليهودية (الأمر الذي يؤثر سلبًا على التركيز في المحاضرة)، ثانيًا؛ من تجربتي الشخصية داخل الصفوف،كان بالإمكان الاستفسار والسؤال عن غالبية الأمور التي لم تكن واضحة أو مفهومة بسبب حاجز اللغة، أما في الدروس عن بُعد أصبحت فرصة الاستفسار أو السؤال، محدودة جدًا".

وأشارت حمود إلى صعوبة الاستفسار والتفاعل مع المحاضرة، وقالت: "عندما نصل لمرحلة التساؤل وكتابة السؤال من خلال إمكانية الدردشة ينتقل المحاضر إلى موضوع آخر، بالإضافة إلى أن بعض المساقات تتطلب نقاشات جماعية خلال الدّرس نفسه ويعتمد المحاضر على هذه الطريقة في تمرير المادّة، حيث يعتبر هذا وجهًا آخر للصعوبة، فحتّى بالتواجد داخل الصّف يكون هذا الأمر صعبًا بالنسبة لطالب عربي فكم بالحري إذا أُجري هذا النّقاش عن بعد؟".

التعليقات