مهدي سردانة؛ من يلتفت لقيثارة الثورة العليلة؟!

الموسيقار مهدي سردانة

 

في مهرجان فلسطين الدوليّ الذي عُقِدَ مؤخّرًا في عدد من المدن الفلسطينيّة، قُدّم الإنتاج الموسيقيّ الخاصّ والمميّز 'أغاني الثورة'، إذ استمع الجمهور بحماس للأغاني التاريخيّة التي رافقت مسيرة الثورة الفلسطينيّة، وكان لها دور كبير في نشر خطاب الثورة؛ إلّا أنّ كثيرين لا يعرفون من هو الموسيقار الذي وضع هذه الألحان، والتي توثّق بالموسيقى ذاكرة الثورة والعمل الفدائيّ.

إنّه الموسيقار المجهول مهدي سردانة، ابن قرية الفالوجة المهجّرة؛ هو من لحّن الكثير من هذه الأغاني التي أثرت التجربة الموسيقيّة المرافقة لحركة التحرّر الوطنيّ الفلسطينيّ، وهو الآن يرقد على فراش المرض في مستشفى فلسطين بالقاهرة، إذ يعاني في حالة صحّيّة صعبة.

من الزاوية الصوفيّة

كان سردانة مغرمًا بالموسيقى، وقد بدأ وعيه الموسيقيّ بالتشكّل منذ الطفولة، في الزاوية الصوفيّة التي أسّسها والده، الشيخ محمّد سردانة في الفالوجة، حيث استمع للأذكار وتلاوات القرآن، مرورًا بعمله ملحّنًا في الإذاعة المصريّة في الخمسينات، وصولًا إلى تلحين أهمّ وأشهر أناشيد وأغاني الثورة الفلسطينيّة، والتي ظهرت في السنوات التالية لانطلاقة الثورة الفلسطينية، وعلى الأخصّ حركة التحرير الوطنيّ الفلسطينيّ (فتح)، عام 1965، وقد شكّلت لونًا جديدًا من الفنّ الذي أصبح يعرف بـ 'الفنّ المقاوم'.

متأثّرا بالأغنية الوطنيّة المصريّة التي تصاعدت في فترة المواجهة بين نظام جمال عبد الناصر والدول الاستعماريّة، لحّن سردانة أغاني 'العاصفةالذراع العسكريّ لحركة 'فتح'.

سلاح معنويّ

كانت ألحان سردانة تتفاعل مع الكلمة المحرّضة على الانضمام والالتحام بصفوف الثورة، ألحان يطغى عليها الطابع العسكريّ والتغنّي بالمقاومة والصمود، ورصد الواقع الفلسطينيّ في الشتات والداخل.

كانت أغاني الثورة التي لحّنها سردانة تبثّ من 'صوت فلسطين' في القاهرة، بعد دمج الوسائل الإعلاميّة التابعة لمختلف الفصائل في إطار سُمّي بـ 'الإعلام الموحّد'.

رافقت هذه الأغاني التي غنّتها الفرقة المركزيّة التابعة لحركة 'فتحالعمل الفدائيّ في الميدان، فكانت تعزّز الروح المعنويّة للمقاتلين في معركة الكرامة، في معسكرات التدريب، وفي الجبال والمغر، وفي مخيّمات اللجوء في لبنان والأردنّ، وفي أيّام حصار بيروت الطويلة.

وكانت معظم الأغاني التي لحّنها مهدي سردانة تُبَثّ، أيضًا، من إذاعة فلسطين في بغداد ودمشق، وكانت تُسْهِمُ في تحريض الجماهير الفلسطينيّة في وطنهم خلال المناسبات الوطنيّة.

تراجع

بدأت الأغاني الأولى للثورة تشهد تراجعًا في مزاج الشارع العامّ، وذلك مع بداية المحادثات الفلسطينيّة الإسرائيليّة وتوقيع اتّفاق أوسلو، إلّا أنّها سرعان ما تعود لمقدّمة الوجدان الفلسطينيّ مع تجدّد المواجهات والانتفاضات؛ العدوان على غزّة، والانتفاضة الثانية، والهبّات الشعبيّة المختلفة. تعود تلك الأغاني لتعبّر عن مزاج الشارع الملحميّ.

بالإضافة إلى ذلك، أخذت بعض تلك الأغاني طريقها إلى مسامع موسيقيّين شباب عملوا على إحداث توزيعات موسيقيّة جديدة فيها، كما أنّها، بألحانها العسكريّة ذات الوتيرة السريعة، حافظت، إلى حدّ ما، على مكانتها لدى فرق الرقص الشعبيّة التي تؤدّي الألوان الوطنيّة في عروضها الفنّيّة.

من يلتفت؟!

من الأغاني المعروفة التي لحّنها مهدي أبو سردانة؛ مدّي يا ثورتنا، لوحنا، جرّ المدفع، ما بنتحوّل، يا جماهير الأرض المحتلّة، رايحين نقول نريده، طلّ سلاحي، يا شعبي كبرت ثورتي، يا شعبنا هزّ البارود، طالعلك يا عدوّي طالع.

مهدي سردانة، قيثارة الثورة الفلسطينيّة، هل يجد من يلتفت إليه في محنته الآن، أم أنّ مصيره مصير عدد كبير من المبدعين الفلسطينيّين، الذين نُسُوْا ولم تحفظ لهم حقوقهم، من مؤسّسات شعب ساهموا في صناعة تاريخه وحاضره؟ وهل زيارة أو زيارتان متواضعتان له وهو في فراش مرضه، هو ما يمنحه حقّه؟