الموسيقى العربيّة بين القديم والحديث

من صحيفة "الوحدة" [06 شباط 1946] | جرايد

 

المصدر: الوحدة - جريد عربيّة سياسيّة أدبيّة اجتماعيّة مصوّرة.

موعد النشر: 06 شباط 1946.

المصدر: جرايد.

 

بقلم الأستاذ أبي إياد.

 

الموسيقى هي طبع وفطرة في الإنسان السليم، ولها الأثر الفعّال في تنشيط النفوس وتربية الذوق وتعلية الغرائز وسموّ الأخلاق. وليس ينكر أحد ما للموسيقى من أثر في كثير من نواحي الحياة الاجتماعيّة أيضًا؛ فإنّ فعلها في الجماعات في إثارة الهمم وبعث النشاط الذاتيّ لا يقلّ عن فعلها في الفرد. من أجل ذلك، لقد مضى على الموسيقى العربيّة حين من الدهر بعد بدوّها في الحجاز، وتقدّمها في العصر الأمويّ، حين من الدهر كانت العامل الموجّه في الحياة العربيّة.

فقد كانت إلى أنّها عامل السرور والفرح، عامل في إدراك الأماني وإسعاف المدقع العاني، وإعطاء كلّ قاصد ما يريد؛ ذلك بأنّها كانت في سموّها وجمال معناها وأدب لفظها تقع على مواضع الحسّ من النفس، فتثيرها حماسة ونجدة، وتملؤها كرمًا وإسعادًا.

 

 

وقد تسلّمها العصر العبّاسيّ طفلة ناشئة، فأوسع أمامها الآفاق حتّى أينعت مع العلم والحضارة العربيّة، وانتشرت مع جميع المعارف، وكانت تسير مع العلوم المقومة جنبًا إلى جنب، حتّى أنّ كثيرًا من الخلفاء والقادة كانوا يعلمون منها علمًا يعرف قدرها ويسمو بها إلى مصافّ العلوم الأخرى، فقد كان المهدي من أعلم الناس في الموسيقى، حتّى الإمام مالك كان يعلم علمها.

من هذا يستبين لنا تدرّج الموسيقى في عصر النهضة العربيّة، وجاءها بعد هذا حين من الدهر منذ غزو التتر بغداد (سنة 656)، لم تكن فيه شيئًا مذكورًا، فخبا ضوءها شيئًا ما، ثمّ أنقذها جماعة من الأتراك، وظلّت تستعيد نشاطها حتّى عصر محمّد علي باشا، حيث أخذ بناصية العلوم جميعها وفتح الأذهان بنهضته، وكان للموسيقى نصيب من ذلك إلى أن تسلّمها عبده الحمولي، ومن بعده من الموسيقيّين الّذين نهضوا بها وأعطوها صيغتها الّتي وصلت إلى أيدينا في الأسطوانات المسجّلة.

هذا موجز من تاريخ الموسيقى، يلقي لنا ضوءًا يبيّن تسلسلها بين الأحقاب باختصار شديد، وسنعرض لجوهرها تفصيلًا في المقارنة بين ألحانها القديمة وألحانها الحديثة لفظًا ومعنى، قالبًا وزخرفًا.

 

 

عَمار: رحلة دائمة تقدّمها فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، ليقفوا على الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين قبل نكبة عام 1948، وليكتشفوا تفاصيلها؛ وذلك من خلال الصحف والمجلّات والنشرات الّتي وصلت إلينا من تلك الفترة المطموسة والمسلوبة، والمتوفّرة في مختلف الأرشيفات المتاحة. ستنشر فُسْحَة، وعلى نحو دوريّ، موادّ مختارة من الصحافة الفلسطينيّة قبل النكبة، ولا سيّما الثقافيّة؛ لنذكر، ونشتاق، ونعود.