شؤون وشجون: هل تُمنع الهجرة اليهودية؟

 

المصدر: جريدة "صوت الشعب".

موعد النشر: السبت، 18 تشرين الثاني 1933.

موقع النشر: جرايد.

 

أجمعت كلمة العرب، هيئاتٍ سياسيّةً وشعبًا وبلديّات، يؤيّدهم الملوك والأمراء والأقطار العربيّة والإسلاميّة، على أنّ غزوة الهجرة اليهوديّة لفلسطين قد طغت طغيانًا مخيفًا، ظلّ العرب معه يلمسون الفناء والإبادة بأيديهم؛ فرفعوا الصوت عاليًا وكلّفهم ذلك ضحايا غالية، ونكبات صارخة صادعة، هزّت ضمير العالم المتمدّن هزّة داوية، يحمل زئيرها ما يعانيه شعب مسالم أعزل من ويلات وظلم، راويًا للحضارة ما تمثّله السياسة الغاشمة من أدوار كلّها ألغام تتمخّض بِدَوِيّ الشرّ والخطر، تحت أقدام السلم والرخاء البشريّ، وكلّها مآسٍ متماسكة الحلقات، تسمع في صراعها أنين العدالة وعويل الإنسانيّة، وقد أيقن خصوم العرب على أنّها غضبة طبيعيّة تجاوب أصداؤها في قلوب الكبار والصغار، وفي قلوب الرجال والنساء، وفي طبيعة الهواء والسماء.

 

 

وأيقن خصوم العرب على أنّها موجة مزمجرة منذرة بهبوب عاصفة صاخبة قد تجتاح معاقل الظلم وحصون البغاة؛ لأنّ العناية الإلهيّة تغذّيها وتذكيها، وتضيء أمامها مشاعل النصر والنجاة، فكان لا بدّ من أن تستلّ من قلوب الساسة ردًّا، وأن تنتزع من قرارة نفوسهم جوابًا؛ فكان تصريح أدلى به وزير المستعمرات البريطانيّة يعلن فيه وقف الهجرة غير المشروعة، وإنزال أشدّ العقاب بمن يقارفها، وتحديد الهجرة المشروعة إلى أدنى حدّ، على أن يكون فخامة المندوب السامي حكمًا في الأمر!

وقد علمنا أنّ فخامة المندوب السامي سيؤلّف لجنةً يُناط بها درس موضوع الهجرة، وإبداء رأيها في إنزالها إلى أدنى حدّ. وفي اعتقادنا أنّ مثل هذه اللجنة لا بدّ أن تفيد البلاد فائدةً عظيمةً إذا روعي في اختيار أعضائها جانب التمثيل، على أنّنا نميل إلى الاعتقاد بأنّ فخامة المندوب السامي قد يعير هذه الملاحظة حظّها من العناية، إلّا أنّ المهمّ والمفيد في آن واحد، أن يعلن فخامة المندوب السامي وقف الهجرة اليهوديّة إلى حين انتهاء اللجنة المزمعة من دراستها وبحوثها؛ إذ قد يكون من التجنّي على مصلحة البلاد، أن يؤذَن لأيّ مهاجر يهوديّ بالدخول إليها قبل أن تبدي هذه اللجنة رأيها صريحًا جليًّا؛ إذ ما يدرينا أن تنتهي اللجنة بمنع الهجرة منعًا باتًا لمدّة معيّنة، لتعطي البلاد مهلة تستعيد فيها نشاطها الاقتصاديّ، ولتستطيع أن تقف على قدميها من كبوتها الزراعيّة المجدبة!

إنّ وقف الهجرة أمر محتّم، وعدل صريح، ودليل ناهض يقيمه فخامة المندوب السامي وحكومته، على أنّ مصالح العرب تعار نفس العناية الّتي سخّرت حتّى الآن بسخاء لجانب الأطماع اليهوديّة المخيفة.

ولا شكّ أنّ فخامة المندوب السامي يُقِرّنا إذا ما قلنا بأنّ مصلحة العرب إنّما هي مصلحة البلاد على ما نعتقد، ومن مصلحة البلاد أن تُمنع الهجرة اليهوديّة منعًا باتًّا، إلى حين انتهاء هذه اللجنة من دراستها وتقاريرها.

إنّنا نتقدّم بهذا الرأي لفخامة المندوب السامي، ونحن أكثر ما نكون إخلاصًا لمصلحة البلاد ولسيادة الأمن والطمأنينة فيها، وتهدئة هياج الكرامة المذبوحة والشعور الملتاع من المآسي والفواجع الّتي ما زالت شذاياها تستعر في الأعماق، ولعلّ فخامة المندوب السامي يوفّق إلى ما يلطّف فورة النفوس تمهيدًا لجوٍّ تُصان فيه مصلحة البلاد، فتُسْتَرَدّ الثقة وتوطّد؛ وبذلك يدرأ فخامته عن نفوذ السياسة البريطانيّة كثيرًا من المغبّات الّتي يعلمها ولا نجهلها!

..........

 

منع المهاجرة غير المشروعة إلى فلسطين

وتخفيض المشروع إلى أدنى حدّ

فيليب كنليف لستر 

أجاب السيير فيليب كنليف لستر، وزير المستعمرات البريطانيّة، عن سؤال مجلس النوّاب بشأن التدابير الّتي يُراد اتّخاذها لمنع مهاجرة اليهود غير المشروعة إلى فلسطين، فقال إنّ المهاجرة غير المشروعة صنفان؛ الواحد مهاجرة الأشخاص الّذين اجتازوا الحدود بلا جوازات، والثاني مهاجرة السيّاح الّذين أُجيز لهم البقاء في فلسطين سنّة فأقلّ، لكنّهم بقوا في البلاد بعد انتهاء هذه المدّة. والأوّلون قليلون، والحكومة تتّخذ الاحتياطات اللّازمة لمنع اجتياز الحدود خلسة بالاتّفاق مع الحكومة الفرنسيّة في سوريا. وأمّا الثانون، فكثيرون، وقد قرّر المندوب السامي أخيرًا، بموافقة وزارة المستعمرات، أن يمنع هذه المهاجرة. قال: "ومن مصلحة كلّ أحد أن تخفض المهاجرة المشروعة إلى أدنى حدّ، وأن يكون الضابط لعدد الّذين يُسمح لهم بدخول البلاد قدرتها على استيعابهم. والمندوب السامي هو الحكم في ذلك."

 

 

عَمار: رحلة دائمة تقدّمها فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، ليقفوا على الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين قبل نكبة عام 1948، وليكتشفوا تفاصيلها؛ وذلك من خلال الصحف والمجلّات والنشرات الّتي وصلت إلينا من تلك الفترة المطموسة والمسلوبة، والمتوفّرة في مختلف الأرشيفات المتاحة. ستنشر فُسْحَة، وعلى نحو دوريّ، موادّ مختارة من الصحافة الفلسطينيّة قبل النكبة، ولا سيّما الثقافيّة؛ لنذكر، ونشتاق، ونعود.