ليس مجرّد ثلج: الهروب المجتمعيّ عبر الانهماك في الطقس

ثلج في فلسطين | حازم بدر/ أ ف ب

 

منذ سنوات عدّة، أضحى المناخ ونوعيّة الطقس من أهمّ شواغل الناس؛ كيف يمكن قراءة ذلك؟ هل هي مجرّد أيّام عابرة لسلوك اجتماعيّ في موسم مناخيّ عابر؟ أم هي انعكاس لتبدّلات عميقة طرأت على المجتمع الفلسطينيّ؟

كان المجتمع الفلسطينيّ – وخاصّة في المناطق الجبليّة – يستقبل موسم الشتاء الّذي يتخلّله بضعة أيّام من الثلوج باعتياديّة عالية، كانت الناس تستقبل الشتاء وقسوته باعتياديّة وبتحدّ مجتمعيّ معزّز بالقيم الجمعيّة الّتي كانت سائدة آنذاك، الّتي كانت تتسلّح بالصمود والجلد؛ فكان الناس يدفعون أبناءهم ويشجّعونهم على الذهاب إلى المدارس والجامعات تحت المطر والثلوج، وضرورة ذهاب العمّال والموظّفين إلى أعمالهم، على الرغم من البرد القارس، وصعوبة ظروف العمل والتعليم، وسوء البنى التحتيّة، وتدهور البنى الصحّيّة، وسرعة انتشار الأمراض؛ ومع ذلك لم يكن الطلبة يتخلّفون عن مدارسهم، ولا الموظّفون عن وظائفهم، ولم تنشغل الناس بمواقع الطقس لترقّب قدوم المطر والثلج، رغم أنّ الشوارع كانت أكثر سوءًا، والمدارس أكثر رداءة، وظروف العمل أكثر صعوبة. خلال العشريّة الأخيرة تزايد الاهتمام بالمناخ والطقس لدى شرائح واسعة من المجتمع الفلسطينيّ، وهي ظاهرة عابرة للأجيال على الرغم من أنّ جزءًا كبيرًا من الأجيال عاش ظروفًا مغايرة وممارسات مختلفة، وهي عابرة للمناطق، وكذلك عابرة للشرائح الاجتماعيّة المختلفة، ويعود هذا في رأينا إلى محدّدات عدّة سأعمل على تلخيصها في هذا المقال.

 

تكاسل مجتمعيّ انعكاسًا لغياب الثقة

أوّل هذه المحدّدات الّتي يمكن قراءتها هو تعاظم الخلل البنيويّ لانعدام الثقة بالمؤسّسات المجتمعيّة في الأراضي المحتلّة عام 1967 على وجه الخصوص، ’الدولانية‘ منها والأهليّة، والتشكيك بجودة مخرجاتها، وهذا ينسحب على قطاعات التعليم والصحّة والخدمات والعمل؛ ففي الماضي كانت العائلات الفلسطينيّة تجبر وتشجّع أبناءها على الذهاب إلى المدارس، وتجهّز لهم الأحذية الطويلة - الجزم البلاستيكيّة - والأكياس الواقية والمطريّات والشمسيّات، وكلّ ما يلزم لمرور ’البِرَك‘ والمستنقعات، والمشي على جسور الأحجار الموضوعة على أطرافها؛ للوصول إلى المدارس بثيابهم المبلّلة، والاستماع إلى المدرّسين، وحضور الدروس في قاعات بشبابيك مكسّرة وبدون تدفئة، وذلك لأنّ المدرسة كانت في ما مضى مؤسّسة تُحْتَرَم؛ ليس لأنّها كانت بالضرورة تنتج نوعيّة تعليم متميّزة؛ لكن لأنّ التعليم وقتذاك كان يحمل قيمة اجتماعيّة ورمزيّة هائلة مرتبطة بضرورته لتجاوز الهزيمة، وشكلًا من أشكال الإصرار واسترداد الذات المقاومة، وكذلك وسيلة للحصول على رأسمال مدرسيّ يعمل على تحقيق حراكات اجتماعيّة اقتصاديّة لمجموعات واسعة في المجتمع الفلسطينيّ بفعل التعليم. لم يعد هذا قائمًا، فالمؤسّسة التعليميّة - وتحديدًا المدرسة - رغم تحسّن شروط بيئتها المادّيّة باحتوائها على قاعات أفضل وتدفئة، إلّا أنّ ثقة الناس بها مؤسّسةً وبالتعليم سيرورةً تراجعت.

في دول جنوب العالَم مثلًا، ثمّة مجتمعات بناها التحتيّة أكثر سوءًا ممّا هو في المجتمع الفلسطينيّ اليوم، ولا نجد شيوع مثل هذه الخطابات الجديدة الداعية إلى تعطيل الدراسة...

يبرّر الناس عدم الرغبة في الذهاب إلى العمل أو المدرسة؛ عبر استحضار خطابات جديدة عن عدم ملاءمة البنية التحتيّة، وعدم جاهزيّة الشوارع، وسوء الخدمات، وسوء المواصلات العامّة ونقصها، إلخ. وتتنافس مجموعات ضاغطة من الأهالي للمطالبة بتعطيل الدراسة ومنح إجازات للمدرّسين والطلبة؛ بسبب سوء الأحوال الجوّيّة وتوقّعات بهطول الثلوج، إلخ. خلف هذه المطالبات مبرّرات لا تستقيم في غالبها، لأنّ في دول جنوب العالَم مثلًا، ثمّة مجتمعات بناها التحتيّة أكثر سوءًا ممّا هو في المجتمع الفلسطينيّ اليوم، ولا نجد شيوع مثل هذه الخطابات الجديدة الداعية إلى تعطيل الدراسة، وكذلك بسبب أنّ أجيالًا كاملة من الفلسطينيّين شقّت طرائقها إلى المدرسة في ظروف أصعب ممّا تعيش الأجيال الجديدة.

 

الاستخفاف بقيم العمل

مجموعات كبيرة تطالب بالحصول على إجازة أو إعلان عطلة خلال المنخفضات، وأنّه لا حاجة إلى الذهاب إلى العمل خلال فترات طقس الشتاء القاسية. تستخدم هذه المجموعات محاججات مختلفة للمطالبة بتعطيل الدوام وعدم الذهاب إلى العمل، مثل الرأفة بالموظّفين والحاجة إلى البقاء مع عائلاتهم بحكم تعطيل المدارس وتعطيل دور الحضانة، أو بسبب سكنهم البعيد وعدم توفّر المواصلات، إلخ. يمكن تأويل ذلك بتراجع الاهتمام بقيمة العمل وبالوظيفة، وهذا يعود في رأينا إلى غياب الثقة بالمؤسّسات الإداريّة، وبسبب التضخّم الوظيفيّ، ونتيجة للتعيينات المرتبطة بالمحاصصة الفصائليّة، وبانتشار الفساد والمحسوبيّة والزبائنيّة، والشعور بعدم الإنتاجيّة لهؤلاء الموظّفين، وانقطاع الجدوى الإداريّة. من الملاحظ أنّ هذا لا ينطبق على العمّال والمهنيّين، والعاملين بالقطاع الخاصّ الّذين يستمرّون في العمل خلال فترة المنخفضات الجوّيّة؛ وهذا يعني أنّ تراجع قيمة العمل يمسّ بالأساس المؤسّسات الوظيفيّة الإداريّة الحكوميّة والجمعيّات.

 

تنامي الاستهلاك وتعاظُم مجتمع الفرجة

بالتوازي مع تراجع الاهتمام بالتعليم وبالعمل؛ تتنامى النزعات الاستهلاكيّة وعمليّات تحفيز الناس على الاستهلاك؛ فيُصار إلى استخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ في فترات ما قبل المنخفضات؛ لتكثيف الدعاية والإشهار لتحفيز الناس على الاستهلاك (مواقد للتدفئة، أغذية، حرامات، أكلات، أفلام، إلخ)، وهذا يمرّ عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ، وبشكل لافت عبر مواقع الطقس الّتي تعمل على بثّ الإشهار للبضائع والماركات والتسويق، بالتوازي مع خطاب تضخيميّ يقوم به محلّلون للطقس غالبيّتهم هواة أو أفراد يجمّعون المعلومات المستقاة من المواقع العالميّة، ومع تنامي الظاهرة تغدو هذه المواقع الأكثر زيارة، وتعمل وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة والمسموعة لاستضافتهم للحديث عن الطقس، واحتماليّة تساقط الثلوج القطبيّة، وحجم الثلوج؛ عبر أسطول من عمليّات التهويل والتضخيم والمبالغة لرصد حركات الغيوم والخرائط الجوّيّة للمواقع المختلفة، وفق عمليّات ترقّب دائمة للمتابعين لتحقيق الأمل باقتراب الثلوج؛ فتندفع مجموعات كبيرة من السكّان بالذهاب إلى التبضّع والاستهلاك وشراء المأكولات الّتي تكفي لأسابيع، في حين أنّ التأثير يكون عادة لساعات عدّة في أقصى الحالات، ولا يوجد أيّ مبرّرات منطقيّة لاستحداث الإجازة أو لعدم الذهاب إلى العمل؛ فغالبيّة الطرقات تكون سالكة، ولا توجد ظروف مناخيّة قاهرة تمنع وصول الموظّفين إلى أعمالهم.

 

’أَوْرَبَة المشهد‘ والاستعراض الاجتماعيّ

المتتبّع لمواقع التواصل الاجتماعيّ يلحظ تنامي التنافس بين ساكني المناطق؛ أيٌّ منهم لديهم ’مشهد مُتَأَوْرِب‘ أكثر، علمًا أنّ تساقط الثلوج ظاهرة مناخيّة اعتياديّة خلال فصول الشتاء في فلسطين، والتراث الشعبيّ يذخر بالأمثال المرتبطة بالثلوج وآثارها في السلوكيّات وفي المزروعات والأشجار، إلخ. وتنبري مجموعات كبيرة من الناس لتوثيق تجربتها مع الثلوج من على الشرفة والحديقة، والتباهي بحجم الثلوج الهاطلة على المنطقة، كما لو كانت مدعاة إلى الفخر بأن لديهم مشاهد طبوغرافيّة تشبه المشاهد الأوروبّيّة!

وتنبري مجموعات كبيرة من الناس لتوثيق تجربتها مع الثلوج من على الشرفة والحديقة، والتباهي بحجم الثلوج الهاطلة على المنطقة، كما لو كانت مدعاة إلى الفخر بأن لديهم مشاهد طبوغرافيّة تشبه المشاهد الأوروبّيّة!

تكمّل هذه الصور لـ ’السيلفي‘ والصور الشخصيّة والعائليّة والفيديوهات بالآلاف عن الثلوج، وتطغى على جزء مهمّ من المحتوى الرقميّ الفلسطينيّ؛ بمشاهد من الاستعراض الاجتماعيّ لأصحاب سيّارات الدفع الرباعيّ، الّتي تعبّر عن شكل من أشكال التمظهر الاجتماعيّ الاقتصاديّ لاقتناء السيّارات الفخمة وتمثّلاتها في المجتمع، ويصبح موسم الثلوج للسماح لهذه المجموعات بالتباهي باقتناء سيّارات تتحدّى الثلوج، في حين أنّ طبيعة الشوارع وصغر المساحة الّتي يتحرّك بها الناس؛ نتيجة الحواجز الاستعماريّة وصغر المسافات الّتي يقطعها الناس عادة بسبب صغر حجم المساحات الفلسطينيّة الّتي تقطّعها إسرائيل إلى جزر وكونتنات وطرق التفافيّة للمستعمِرين، وتعطيهم مبرّرات متخيّلة لاقتناء هذه السيّارات الباهظة الثمن؛ لنفعها في مثل هذه المناسبات. وتنشغل فئة قليلة من الناس بالتفكير فيمَنْ هم دون مأوًى، والّذين تزيد الظروف الجوّيّة القاسية من صعوبة الحياة بالنسبة إليهم وضنكها، مقابل انشغال آلاف مؤلّفة من الناس بالتعبيرات والصور عن العائلة والأبناء والأصدقاء أمام الثلج، أو عبر شرفات البيوت.

 

مواقع الطقس باعتبارها مواقع إخباريّة

ثمّة تحوّل جديد مرتبط بتنامي مواقع تقصّي الطقس، يديرها في غالبيّتها هواة يعملون على زيادة عدد المتصفّحين لهم يوميًّا؛ فتتشارك مجموعات كبيرة الأخبار عن منخفض قادم. وعند النظر إلى هذه المواقع سنجد فيها أخبارًا متنوّعة، من معلومات جغرافيّة وقصص ونوادر وحكايات دينيّة وإعلانات تجاريّة وأخبار مثيرة، لكن باحتشام لتبقى مواقع شعبيّة؛ علاوة على استخدامها تعبيرات جاهزة للتركيب من نوع "والله أعلى وأعلم"؛ وذلك لتحقيق هدفين: الأوّل استمالة القرّاء عبر تقديم خطابات تستخدم الدين وتمثيلاته لدى الناس؛ أي عبر الإقرار بأنّ الأخبار الّتي تُنْشَر هي فقط مجرّد توقّعات، وأنّ الاعتماد قائم على مشيئة الله حصريًّا في تقصّي الطقس ومصيره والتصرّف به، وفي نفس الوقت دفع الناس إلى الركض خلف توقّعاتهم للخرائط الطقسيّة؛ فإن نجحوا فهذا يُحْسَب لهم، وإن فشلوا فهم فقط يتوقّعون، والله دائمًا أعلى وأعلم؛ بينما غالبيّة هذه المواقع هو لهواة ولا علاقة لهم بدراسات المناخ والأرصاد الجوّيّة، وليس لديهم خلفيّات مهنيّة أو علميّة، وليس لديهم تقنيّات تسمح لهم بذلك، ومع ذلك فليس لديهم تأثير في المجتمع وفي متّخذي القرارات في المجتمع الفلسطينيّ. هذه المواقع تظهر زيادة اهتمام الناس بأهمّيّة الطقس على حياتهم العمليّة، وعلاقة ذلك بالإجازة المرتقبة أو العطلة القسريّة المشتهاة.

بالتوازي مع هذه المواقع الطقسيّة تعمل الهيئات والبلديّات ومؤسّسات السلطة (شرطة ودفاعًا مدنيًّا)، على نشر معلومات عن حجم التدخّل للنجدة، ونصائح عن المنخفضات، ومعلومات وصور عبر وسائل الإعلام المختلفة، عن الاستعدادات لمواجهة المنخفضات الجوّيّة، الّتي هي جزء أساسيّ من طبيعة عمل هذه المؤسّسات وجوهر وجودها، والّتي تنتهز فرصة انشغال الناس باقتراب هذه المنخفضات لإظهار قدرتها وحرفيّتها وكفاءتها؛ تعويضًا عن نقمة الناس على فشل السياسات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة لمؤسّسات السلطة الفلسطينيّة، وعلى تردّي خدماتها، وانقطاع الخدمات (التيّار الكهربائيّ، والإنترنت، وانسداد مجاري الصرف الصحّيّ، وظهور الحفر في الشوارع، وترهّل السدود الترابيّة، وتشقّق الأرصفة، وتراكم المياه، وظهور البرك والمستنقعات).  

 

ما خلف الثلج

ليس الأمر، في اعتقادي، متعلّقًا بندرة حدوث الثلج في المجتمع الفلسطينيّ؛ فالطبيعة في فلسطين تذكّرنا دائمًا بسقوط الثلج، وبقدوم المنخفضات الجوّيّة الباردة بشكل روتينيّ تباعًا حسب السنوات، وليس مرتبطًا بقدوم الثلج باعتباره مدعاة إلى اللعب والفرح لأطفال مجتمع مستعمَر؛ وليس لأنّه فرصة لتحقيق إجازة عائليّة ودودة، لكن بوصفه مؤشّرًا على تغيّرات لقيم مجتمعيّة وانزياحات في المعنى، من مجتمع يحترم العمل ويحفّز الأبناء بأنّ العمل شرف وذو قيمة اجتماعيّة، وأهمّيّة إنجاز العمل وارتباطه بقيم الإخلاص والتفاني، إلى مجتمع لا يرى آنيًّا أنّ العمل ما زال يحمل نفس القيمة السابقة، وبشكل خاصّ في ما يخصّ الأعمال الإداريّة العموميّة؛ فيغدو الاستخفاف بالوظيفة والعمل الإداريّ قيمة مقبولة مجتمعيًّا؛ بسبب فشل هذه المؤسّسات وترهّلها وغياب الثقة بها وبدورها، ومن مجتمع كان يحترم التعليم، ولسنوات طويلة كان ذا قيمة اجتماعيّة عليا، وجزءًا من السرديّة الوطنيّة، ومدعاةً إلى الفخر بالمعلّم الفلسطينيّ، ودوره في نقل المعرفة والتعليم إلى مجتمعات أخرى، وبالتعليم باعتباره طريقة لتحسّن الوضعيّة الجمعيّة الوطنيّة، وتحقيق النجاحات الفرديّة والجمعيّة، والصعود في السلّم الاجتماعيّ، والقيام بالحراك الاجتماعيّ الاقتصاديّ عبره؛ ليغدو التعليم مجرّد تضييع وقت في مدارس قاصرة لا تؤدّي الغرض المطلوب منها، ولا تساعد التلاميذ لتغيير واقعهم الاجتماعيّ الاقتصاديّ والوطنيّ في مجتمع مستعمَر. ومن مجتمع يقوم أفراده بممارسات جمعيّة، مرتبطة بالتضامن والقيم الطوعيّة والانخراط في الفاعليّة، إلى مجتمع يُهَمَّش فيه الأفراد، ويتحوّلون إلى متفرّجين على مساحات تبعدهم عن المشاركة الجمعيّة؛ إمّا بسبب القمع وإمّا لاحتكار النشاط والفعل.

خلف هذا الاهتمام المتزايد بالطقس وبحضور المنخفضات، ثمّة انسحاب شرائح اجتماعيّة من المشاركة في الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة بفعل تغييب أدوارها...

إنّها، إذن، ليست موضة جديدة لها علاقة بالاهتمام بالطقس، بل مؤشّر إلى تبدّلات عميقة تمسّ الحيوات الاجتماعيّة الفلسطينيّة المختلفة؛ فخلف هذا الاهتمام المتزايد بالطقس وبحضور المنخفضات، ثمّة انسحاب شرائح اجتماعيّة من المشاركة في الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة بفعل تغييب أدوارها، وتبدّلات عميقة على الممارسات الاجتماعيّة، وبثّ القيم الجديدة القائمة على الاستهلاكيّة والفرجة والاستعراض، وطغيان قيم جديدة تستخفّ بالعمل وترى بالتكاسل المجتمعيّ شكلًا من أشكال الردّ على التهميش، عبر الانسحاب والاحتجاج الخفيّ، وعدم الثقة بالمؤسّسة والمدرسة.

إنّه ليس مجرّد ولع بالثلج أو بالمنخفضات، لكنّه دالّ على تعبيرات جديدة لمجتمع يعيش أزمة مرتبطة بفشل السياسات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وعلى شكل من أشكال إحلال قيم معياريّة جديدة، تقوم على الالتهاء بالصغائر لأنّ الكبائر محتكرة من قِبَل مَنْ يديرون السياسة على مقاسهم، وفق منطق اللافعل والتعايش مع الأمر الواقع.

 


 

أباهر السقّا

 

 

أكاديميّ فلسطينيّ، يحاضر في جامعة بيرزيت. حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من «جامعة نانت» الفرنسيّة. عمل محاضرًا في عدد من جامعات فرنسا ما بين 1998-2017. اهتمّت دراساته بالتعبيرات الاجتماعيّة الفنّيّة، والحركات الاجتماعيّة، والهويّة، والذاكرة، والوطنيّات، والسياسات الاجتماعيّة، والتاريخ الاجتماعيّ لمدينة غزّة، والعلوم الاجتماعيّة وتأريخها.