مَلَنْكولْيا

لا وقت للمَنَلْكوليا | أوسكار ليت

- ألم أقل لك مرارًا إنّ هذه الطفلة متاهة سرمديّة لا نهاية لها؟

- صحيح...

- ألم أقل لك مرارًا دعها وامض بعيدًا؟ لكنّك لم تصغ...

- صحيح...

- ما كان عليك أن تصطدم بها بهذه الصورة الفاجعة.

- صحيح...

- انظر إلى نفسك... لو أصغيتَ إليّ، لما كنتَ الآن تجلس منطويًا هكذا تتلفّح نفسك وتختبئ خلف يديك مسترقًا النظر بعين واحدة.

- صحيح... لكن ماذا كان سينفعني هذا الكلام بعد أن خطوتُ داخل المتاهة مقدارًا من الخطوات غير يسير؟

- كان عليك أن تعود أدراجك، وتلوذ بالفرار.

- ماذا سيكون نفع العودة حينما تصبح العودة وإكمال المسير سيّان؟ فالعودة من وسط متاهة لغز في حدّ ذاته، كما هو إكمال الطريق، بل ربّما أصعب... من الطبيعيّ أن أفضّل نيل فرصتي، وأتابع المسير... فأنا لم أكن أملك شيئًا، لذا فضّلتُ أن أجازف بلا أشيائي عساني أحصل على شيء ذي قيمة، على أن أجازف بلا أشيائي لقاء لا شيء آخر... لم يكن ثمّة ما أخسره...

- ولقد قلتُ لك حينها إنّني أتوجّس شرًّا...

- لمَ قلتَ ذلك؟

- لأنّني اعتقدتُ حينها أن ثمّة ما يمكن أن تخسره.

- وما هو؟

- ...

- لا تسكتْ، أجبني، هل تصمتُ حين أحتاجك فعلًا؟

- وهل أصغيتَ إليّ حينما كلّمتُك؟ حينما كان ينفع الكلام؟

- كفّ عن هذا التفذلك وهذه الحذاقة وأجبني.

- قلتُ لك إنّك ستخسرني أنا، عقلك، واتّهمتَني حينها بأنّني قلق على نفسي، وأخاف أن تأخذ مكاني ما سميّتُها حينها 'حبيبتك'، وأصررتُ عليك حينها بأنّي قلق عليك من دوني، وقلق عليك معها، أو لا أقول معها، فهذا كان مستبعدًا.

- ...

- وأمرتُك بالكفّ عن تسميتها بالحبيبة، قلتُ لك مرارًا إنّ هذه ليست حبيبة، هذه طفلة، تلهو بك وتعبث، وإنّك الآن لعبتها المثيرة، المسلّية، أنت ما يكسر روتين حياتها، وحينما تملّ منك، سترميك مجدّدًا، وتعود لتلهو بألعابها اليوميّة؛ فاتّهمتَني بالعبث بأعصابك، وقلتَ لي إنّك تشعر بالهدأة قربها وببعدي عنك، واضطّراب البال قربي وببعدك عنها.

- وماذا حصل حينها؟

- لقد أعلنتَ التحدّي، وجازفتَ بي لقاء امتلاكها.

- فهمت... هي ليست هنا، أفهم من ذلك أنّني لم أحظ بها؟

- بل حظيتَ بها.

- إذن أين هي الآن؟

- هففف... أنت فعلًا بلا عقل.

- لماذا لا تكون هي إلى جانبي؟

- لقد تخلّيتَ عنها بنفسك بعد أن قطعتَ طريق عذاب لا ينتهي.

- لماذا؟!

- لأنّك فقدتَ عقلك، فقدتني بعد أن جازفتَ بي، أنت مجنون... هذا ما يحدث غالبًا حينما نريد شيئًا ما بهذه الرغبة الشديدة... نرفضه بقدر رغبتنا به، وبقدر حبّنا له... أنت فعلًا مجنون، لقد رفضتَها بعد أن حظيتَ بها أخيرًا.

 

أحمد حمدان




من مواليد الرينة ويقيم في حيفا. يدرس الرياضيّات وعلوم الحاسوب في معهد العلوم التطبيقيّة "التخنيون"، ويعمل مترجمًا ومشرفًا على مضامين المواقع قبل الإنشاء، كما ينشط سياسيًّا في صفوف الحركة الطلّابيّة. نشر بعض نصوصه في موقعي "عرب 48" و"العربي الجديد".