غرفة انتظارٍ مملّةٌ للموت

حادث الولاة | Brendan McGorry

 

(1)

عندما تبدأ السيّارة

في التدحرج

مثل كرةٍ ثلجيّةٍ مجنونة،

أبتسم

لأنّني أفقد السيطرة أخيرًا.

وكم جميلةٌ هي الخفّة!

ترخي الجاذبيّة قبضتها

وتطلقني،

أرى السماء ثمّ الأرض

ثمّ يغمرني بعدها

مزيجٌ حادٌّ من الأضواء

والأصوات المتداخلة.

ألتقط ومضاتٍ سريعةً من حياتي،

وعندها فقط يتوقّف كلّ شيء.

أدرك حقيقة نفسي كما لم أفعل أبدًا،

وهو أمرٌ مؤلم؛

أنا لست أكثر من رفٍّ بالٍ يحمل كلمات الآخرين!

قلتُ وداعًا مرّاتٍ كثيرةً في حياتي،

ويفاجئني أنّني ما زلتُ أجد صعوبةً في ذلك.

لكن بين أن تعيش حياةً فارغةً

والموتَ في شارعٍ ناءٍ

على حافّة الصحراء

الخيار سهل...

غير أنّي أفضّل أن أدخّن سيجارةً أخيرة!

 

السيّارة تشتعل

وأنا عالقٌ في كرسيّ القيادة،

أشعر أنّي متناثرٌ في كلّ مكان

مثل مرآةٍ لم تعد تحتمل المزيد.

جسدي قفصٌ مفتوح

لم يفرّ منه أيّ طائر.

ودمي يسيل مع البنزين

والزيت...

لكن، ليست عظامي مَنْ تحتاج ما يجمعها

ليس جلدي مَنْ يحتاج ما يرمّمه

ليست أنفاسي مَنْ تحتاج ما يسترجعها،

إنّما حياتي،

حياتي التي تبدو

كحادث سيّارةٍ مدمّرٍ

لا يأبه له أحد!

 

(2)

أقف وحيدًا على حافّة الثلاثين

غير نادمٍ، لكن بلا أمل

كلّ مَنْ أعرفهم

صارت لديهم نعوشهم الخاصّة.

الخطى رُسمت

والطرقات عُبّدت إلى المجهول.

 

هل ما زال لديّ ما يكفي من الوقت

لارتكاب الأخطاء؟

هل هناك نقطةٌ سأنحني عندها

أو أنكسر؟

هل تبقّى ما يمكن إصلاحه؟

ربّما تكون هذه ولادةً متأخّرةً

أو موتًا ساخرًا

سيبدّل وجهه عندما تنطفئ الأضواء!

 

ثمّة جزءٌ قديمٌ منّي

فقدتُه عندما كنتُ في السابعة عشر

لا يمكن استرجاعه؛

البراءة

التي انطفأت كمشعلٍ هزيلٍ

مع هبوب أوّل ريح.

لكنّني مع ذلك

مضيتُ في المشهد حتّى النهاية

بمهاراتٍ لا تقبل الشكّ،

قلتُ الكثير ممّا لقّنتني إيّاه الحياة

وارتجلتُ أكثر.

 

أحيانًا، أرغب في الاستسلام فقط.

أتقبّل الإجابات حتّى قبل أن أسمع الأسئلة،

الأمر أسهل على هذا النحو

يجب أن أعترف.

أنْ تعامل الحياةَ

كما لو أنّها غرفة انتظارٍ مملّةٌ للموت.

لكن مَنْ يستطيع أن يكون عقلانيًّا

في هذه الفوضى؟

مَنْ يمكنه أن يدّعي النجاة؟

 

أنظر إلى نفسي

وأفكّر في كلّ تلك الأشياء التي قمتُ بها،

قبالة مرآةٍ مكسورةٍ

على منضدة،

حيث أتشارك الفراغ داخلي مع كأس.

ينزلق وجهي إلى الأسفل

وترفع يدي نخبًا أخيرًا؛

لا يمكن تجاهل ما لا يمكن تجاهله.

إنّها عتمةٌ مقيتة.

سوف أفتح النافذة وآمل أن يدخل الضوء!

 

 

عمر زيادة

 

شاعر ومترجم من مواليد نابلس عام 1987. حاصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في اللغويّات التطبيقيّة والترجمة من جامعة النجاح الوطنيّة. يعمل مترجمًا في اتّحاد الكتّاب الفلسطينيّ. له مجموعة شعريّة بعنوان 'كلاب عمياء في نزهة' (2017)، صادرة عن الدار الأهليّة للنشر والتوزيع، بتوصية من لجنة تحكيم 'جائزة الكاتب الشابّ' لعام 2015، التابعة لمؤسّسة عبد المحسن القطّان.