في مديح الكآبة

الخطايا السبع المميتة | فيفيان براون

 

-1-

تقول إنّ خلاصكَ يأتي من الداخل، لكنّه لا يأتي أبدًا. وكعادتكَ تهرب من حزنكَ للنّكات. يرتفع حسّكَ الفكاهيّ عندما تتبدّل أحوالكَ للأسوأ، ولا عجب أنّكَ ضحكتَ حين علمتَ أنّ رصاصة قنّاصٍ في سوريا أعادت صديقكَ الأحبّ إلى قلبكَ إلى تراب. حدث ذلك قبل سنين. لا شيء جديدٌ الآن، أنت تواجه خسارةً أخرى بنكتةٍ جديدة، وقد يعتقد مَنْ هم حولك -مخطئين - أنّك سعيد، لكنّهم لا يعلمون أنّك تتلوّى في الداخل كذيل أفعى مقطوعٍ للتوّ، أو أنّ ضحكاتك هذه ما هي إلّا دموعٌ تخرج من فمك على هيئة ضحك. ولن يصدّقكَ أحدٌ لو قلت إنّك تضحك كي لا تموت.

 

-2-

ما حمله لك الشتاء فجأةً، يمحوه الشتاء. وما كنت تخشاه صِرْتَهُ، فلم يعد يربكك. قلبك أصبح حجرًا من كثرة ما أُهْمِل، ومشكلة الحجر أنّه لا ينثني، الحجر ينكسر فقط. وأنت لا تفعل شيئًا، تُطيل التحديق من ثقبٍ في قلبك إلى أشيائك وهي تنهار أو تبتعد أو يذيبها الوقت، وتواسي نفسك حين تقول: إنّه الوقت، يفعل فعلته الشنعاء. لا شيء يبقى إذ يظلّ، ولا شيء يزول تمامًا حين يرحل عنك.

 

-3-

العالم بالونٌ كبيرٌ وعينك دبّوسٌ صغير. كان لك جذرٌ وحيدٌ يشدّك للأرض وقد قطعوه، وها أنت تُفْلِتُ منك. لم تعد تنتمي لشيءٍ سوى لفكرة الغيوم الّتي تمضي هناك، هناك، على طريقة بودلير. قلبك حصًى ويدك قصيرةٌ ودمعتك مالحة. لا ظلّ لقامتك مهما استطالت، ولا أثر لخطوتك مهما مشيت، وطريقك يوشك على النهاية.

 

-4-

أنت تبني وتهدم ما تبني دون أن تدرك أنّ قاعدتك لا تصحّ دائمًا. هنالك أشياء نبنيها فتنهدم، وحين نبنيها ثانيةً لأملٍ ما يخبو ولا ينطفئ، ننهدم نحن!

الدائرة الّتي تحيطك من كلّ الجهات ثقبٌ أسود، لا مفرّ منها ولا ذهاب إلّا فيها. والدائرة عين بئرٍ لا قرارة لها، تظلّ تمضغك وتتفُلك وتبتلع في كلّ مرّةٍ شيئًا منك، حتّى لا يبقى منك ما يُمْضَغُ أو يُتْفَلُ أو يَتِمُّ ابتلاعه.

 

-5-

عَبَثَ وتولّى، وأنت مهما اقتربت تظلّ تنأى، ولن توقف الزلزال مهما فعلت.

 

 

 

 

 

 

 

محمد الصالحي

 

 

كاتب وطبيب فلسطينيّ من مواليد عمّان، حاز على درجة الدكتوراة في الطبّ من الجامعة الهاشميّة في الأردنّ، وأصدر رواية بعنوان "آسيا" (الأهليّة، 2016). ينشر في مجلّات ومنابر عربيّة مختلفة.