15/12/2021 - 18:50

صفد: من ليالي البرد والبارود... (4/3)

مع أن لشتاء صفد، ملامح جمالية ساحرة، إلا أن ذلك الشتاء الصفدي، قد صار ذات مرة، أداة في خدمة ثوار المدينة وريفها، إبان الثورة الكبرى على الانتداب البريطاني في البلاد

صفد: من ليالي البرد والبارود... (4/3)

جانب من مدينة صفد عام 1949

هذه المقالة هي الجزء الثالث من أربع مقالات حول مدينة صفد، سيُنشَر آخر أجزائها لاحقًا، بعد أن نُشر اثنان منها في وقت سابق، وهما: الأول؛ "خُبز الغزال... من ذاكرة بَرّ مدينة صفد"، والثاني؛ "صفد من ذاكرة الناس وحكايا التأسيس".


في أواخر شباط/ فبراير من شتاء عام 1799، أرسل نابليون خلال حصاره لعكا، سَرِيّة عسكرية مكونة من سبعة جنود، ومعهم ضابط كان يُدعى ديلانيل، لاستطلاع أحوال صفد المدينة، وفيما اجتازت السَرية جبل الجرمق نحو وادي الطواحين الذي يفصل الجرمق عن صفد، كان عشرات الصفديين قد صاروا في انتظارها(1). هناك في كعب الوادي، حيث عتّم ليلُه الموحش الأصمّ مثل صخوره الصماء، ووهورة انحداره الذي يمكن لثور البقر، أن يجأر في بطنه دون أن يقوى المارق على سماعه، لشدة عمقه.

أجهز الصفديون على الجنود السبعة، بينما جُرح ضابطهم، وساقوه أسيرا إلى أحد مغاور قرية بيريا. نام الضابط الجريح إلى جانب رؤوس جنوده التي أنِسَت وحدته لثلاث ليالٍ، دون أن تتعفّن بسبب ليل شتاء صفد الذي كان برده "يقصّ المسمار"، بتعبير معمرجية المدينة.

بعدها تمكّن الضابط المأسور ديلانيل، من الهرب ليلا، دون أن يحسّ به أيّ من حُرّاس المغارة(2). والسبب كما قيل، هو صوت زعازع الريح بين الجبال، التي منعت الحُرّاس من الانتباه لحركة الضابط وهروبه.

شتاء المدينة

تشرئبُ صفد عاليا، على ارتفاع يتعب فيه الطير (الطيران إلى شِعافها) كما يُقال. إذ يصل ارتفاع المدينة عن سطح البحر إلى 840م، أما جبل كنعان الذي تنبطح بعض أحيائها عليه، فإن علوّه يصل إلى 900م عن وجه البحر. وشتاء صفد على ما ظلّ يتذكره الصفديون؛ قاسٍ، إلى حدٍّ كان يفرض على سكان المدينة قبل النكبة حظر تجوّلٍ وإقامة جبرية، كانت تدوم إلى أسابيع. كما كان يتعطّل فيه عمّال المدينة مدّة لا تقلّ عن ثلاثة شهور(3). الريح والزيح والبرْد والبَرَدَ والمطر، وثلوجها التي كانت، تجعل المدينة بيضاء لأسابيع، مثل الحليب.

"ما إن يهبط الضباب حتى يحجبُ صفد المدينة"، عام 1936

كانت الريح الغربية، القادم زاروبها من البحر عبر الجرمق، إذا ما عَوى هبوبها، لاذت منه الوحوش خوفا، لتعصف نحو حَفافي صفد وسفوحها، بسرعة يمكنها فيه اقتلاع ذَنب البَغل على حدِّ تعبير أهل الجبال، ولشدّتها أوقعت الريح مآذن مساجد صفد أرضا غير مرة، عبر تاريخ شتائها، بحسب صاحب "تاريخ صفد"(4). وما زال صفير الهَوى الغربي، خلف شقوق شبابيك بيوت المدينة المُحجّرة، ثاوٍ يصفرُ في وجدان وذاكرة أهلها إلى يومهم هذا.

للشتاء أَثَر في ذاكرة الصفديين، وفي تشكيل رزنامة زمنهم الاجتماعي، أكثر مما لباقي الفصول، إذ ظلّ يؤرخ أهل المدينة، لأحداثٍ متصلة بسنين، اشتُقَّت أسماؤها من هوْل شتائها، فأطلقوا عليها مسميات، مثل: "سنة السبع ثلجات" أو "سنة العشرين لَزبة"(5)، أو "سنةالبَرَدة" نسبةً لماء البَرد المتجمِّد، ففي بعض سنوات شتاء المدينة. يُذكر أن السماء أمطرت بَرَدا، وبلغ حجم الحبة منه، بحجم الحصى، ما جعله كافيا لقتل الطير، وفغش رأس الطفل(6). حتى لدى أهل طبريا، فسنوات "الطوفة"، تظلّ أكثر سنين شتاء مدينتهم استرخاءً في ذاكرتهم، حيث طوفان ماء البحرة، واقتحامه بيوتَ حافتها، بفعل المطر الذي كانت تستمر حِبالهُ حَمطا لأيامٍ دون انقطاع.

كانت مياه مطر جبال صفد، تشقّ طريقها، عبر وديان المدينة المحيطة بها، على شكل جريانٍ، سمّاهُ الصفديون وفلاحو القضاء بـ"حَملات الشِتا"، إذ يحمل الماءُ الماءَ في جريان كان هديرهُ يقتلع الشجر في طريقه، فلا صياد، ولا حتى قاطع طريق، كان يجرؤ المرور من وديان المدينة وقضائها شتاءً، وخصوصا وادي الطواحين.

حتى داخل مدينة صفد المرصوفة شوارعها وأزقتها بالحجر الأبيض، كان فيضان ماء سماء المدينة، يفيض شتاء، عن وجه قنواتها المقدودة حفرا في بلاط أزقتها، إلى أن يُصبح الزقاق على وِسعه، كما لو أنه نَهر جارٍ. وكثيرا ما جرفت مياه الشتاء حجارة الأزقة المرصوفة، وسحبت معها جدران البيوت المتهاوية.

إذا ما اشتدّ بردُ "كوانين" على صفد، خصوصا في أيام "المربعانية"(7)، تندف سماء صفد ثلوجها، زاحفة عليها من علوّ جِبالها كنعان وبيريا، نزولا لتلّ القلعة، ومنها إلى أحياء صفد وبيوتها، ليحيط بالمدينة، ولتبقى في بعض الأحيان أربعين يوما وأكثر بيضاء، مثل حليب قطعان عَكبرة(8)، كما ظلّ يقول بعضهم، أو مثل لِحى شيوخها الثلجية بتعبير آخرين.

تلتحف صفد في كوانين ثلجها، لحافا أبيض، فتصمت المدينة صمتا أصمَّ، لم يكن يكسره غير خرير مزاريبها، التي كان يخِرّ ماؤها من سطوح بيوتها إلى آبارها، بينما يتصاعد دخان مواقد بيوتها ومدافئها الطينية، التي كان يُدفع بكامل حَطب سنديان ومَل الجرمق فيها، ليُغطي دخانها عنان السماء أسود، مُشتدٌ سواده من بياض ثلج سطوح بيوت المدينة العروس صفد.

مع أن لشتاء صفد، ملامح جمالية ساحرة، إلا أن ذلك الشتاء الصفدي، قد صار ذات مرة، أداة في خدمة ثوار المدينة وريفها، إبان الثورة الكبرى على الانتداب البريطاني في البلاد ما بين عامي 1936و1939.

ليالي الزيْت

في ليلة من ليالي كانون من عام 1937 الثورية، وبينما كانت سماء صفد تندف ثلجا، اعترض أحد الصفديين سيارة جيب عسكرية، تابعة لشرطة الإنجليز، كانت خارجة من مبنى السرايا. كان العسكري سائق الجيب لوحده فيها، عندما شاهد شابا صفديا، يهمّ إلى رميه بكرة ثلج. لم يكترث العسكري لكرة الثلج، إذ ظنها رمية ثلجية عابرة، مثل رميات أطفال المدينة التي اعتادتها دوريات الإنجليز منهم، أثناء مرورها من أزقة أحياء المدينة. ما إن ارتطمت كرة الثلج بوجه العسكري السائق، حتى ساح منه دمه ساخنا فوق بياض الثلج وأُغمي عليه، بينما تزحلقت مركبته وارتطمت بأحد الجدران(9).

لم يكن يعلم العسكري الإنجليزي، أن كرة الثلج محشوة بحجرٍ من صوان، هشّم جبهته. كان ذلك الصفدي، الذي نفّذ قذيفة الكرة الثلجية، هو محمد سعيد زَهرة، وهو شاب في أواسط العشرينات من عمره. بعد أن تأكد محمد من غيبوبة العسكري، اقتحم مركبته العسكرية وأخذ بندقيته، ثم ولّى هاربا.

تعقّب الإنجليز أثار محمد، الذي ترك دعسات قدمية توقيعا في الثلج، فدلّت على أنه من حيّ الأكراد، دون أن يعرف الإنجليز هوية الفاعل أو البيت الذي لاذ به، ففرضوا طوقا عسكريا على الحيّ كله(10).

كعادة الإنجليز في تفتيش بيوت الفلسطينيين أثناء الثورة عليهم، قاموا بخلط الزيت بمؤونة البيت، مع الطحين والعدس والبرغل لإتلافها، وفي حيّ الأكراد على مدار ليالٍ، دلقت دوريات التفتيش كامل زيت بيوت الحيّ في كل أزقته وأدراجه، إلى أن أذاب الزيت الثلج، ووصل سَيَحانه مدلوقا كعبَ الوادي، حتى قيل عنها "ليالي الزيت".

جانب من المدينة عام 1946 (المَكتب الصَّحافي للحكومة الإِسرائيليَّة)

لم تكن هذه الحادثة الوحيدة، التي يَدلقُ فيها عسكر الإنجليز الزيت أثناء حملات تفتيشهم، فقد دلقوا زيوت البيوت مرارا في شوارع المدينة، خصوصا في حَملة مطاردتهم الشهيرة للفدائييْن الشهيديْن فؤاد السعدي ومحمود عصمان، والتي استمرت شهورا في أيام الثورة، حتى اعتاد الصفديون، بعد كل "كَبسيّة (مداهَمَة مفاجِئة)" تفتيش ليّلية عن المطلوبين، القول: "الليلة مشي الزيت بالشوارع"(11).

أما عن محمد سعيد زَهرة، وخطفه البندقية، فقد أُخرجت البارودة من حارة الأكراد على ما يُذكر، ودُفنت في منطقة "بين الجبلين"(12) من صفد. أُبلغ الإنجليز عن مكان دفن البارودة، كي يفكّوا الطوق عن أهالي حي الأكراد. وهذا ما كان، بعد أن استردوا البارودة، دون أن يتعرفوا إلى صاحب كرة الثلج(13).

مغاوِر النمر

التحقت صفد بصفوف الثورة الكبرى عام 1936، منذ ما قبل اندلاعها حتى، فالمدينة ظلّت طوال مطلع الثلاثينيات في اشتباك متقطّع، مع الانجليز تارة، أو مع يهود حارة اليهود في المدينة، والمستوطنات المُحيطة بها تارة أخرى، خصوصا على إثر أحداث البراق في آب/ أغسطس 1929، وإعدام فؤادي حجازي، وسجن العشرات من أبناء المدينة. غير أن اندلاع الثورة الكبرى، قد دفع بصفد، الدفع بكامل لحم أبنائها في أتونها.

لاحق جيش الإنجليز عشرات الثوار الصفديين، فصاروا مُطارَدين مَطلوبين، وتركوا صفد التي لم يكونوا يدخلونها إلا ليلا، وخِلسةً تحت سِتر الليل، وكان على رأسهم قائد فصيل المدينة الشهير عبد الله الشاعر، مُدبّر أكبر كمائن الليل، ضد الدوريات الإنجليزية.

كانت قرية دلّاتة التي تبعد مسافة بضعة كيلومترات عن صفد إلى الناحية الشمالية - الشرقية منها، ملاذا لثوار صفد وقراها، وتحديدا في كهوف دلّاتة التي كان يُسميها أهالي القضاء بـ"مغاور النمر"(14). مغاور تغور في صخر جبال دلّاته، لم تكن تستوكِرُها إلا الطيور الجارحة، لبناء أعشاشها فيها، والثوار الذين كان يعرف الإنجليز بوجودهم فيها. غير أنها مغاور كانت تأويهم من غارات الإنجليز ومجنزراتهم، وعلى علوّ جبل دلّاتة الشاهق، الذي مزّق أحذية الغُزاة غير مرة، على مدار تاريخ غزو البلاد.

كما اختار الثوار دلّاتة، لأنها القرية الوحيدة من سائر ريف صفد، التي لم يكن فيها طريق يمكّن المركبات الوصول إليها، إذ لم يُسمع عن دوران عجلات العربات والمركبات على أبواب بيوتها البتة. ومن هنا كان الدلاتيون (نسبة لاسم قريتهم)، أكثر من وَقَع على عاتقهم، مهمة إطعام الثوار وإيوائهم. ولمّا تحولت القرية إلى ملاذ الثوار والمتمردين، قرّر الإنجليز شقّ أول طريق موصِل إليها بالمركبات، وذلك في عام 1938، في عزّ أيام الثورة(15).

بواريد الليل وبردُه

في ليل شتاء صفد، وجبالها التي كانت مهبطا للغيم، الذي كان يجعل عتمَ ليلِ برّها، كُحْلا، وبالكاد يمكن للماشي فيه رؤية راحة كفّه، لشدة العتمة، اعتاد ثوّار المدينة وقراها، التحرّك من أجل نصب الكمائن لدوريات جيش الإنجليز، أو لدخول المدينة وتفقُّد ذويهم فيها، وكان أكثر ما ينتظره الثوار في ليالي الشتاء، هو "هبوط الضباب".

ما إن يهبط الضباب، حتى يحجب صفد المدينة، كما لو أنه يخطفها، إلى حدٍّ لا يعود فيه الثائر يرى رفيقه السائر إلى جانبه، ممّا كان، يمكّن الثوّار التسلّل إلى المدينة وبيوتها، دون أن يلحظهُم أو يحسّ بهم أحد. أحيانا كانت تظلّ صفد ملفوفة وملحوفة بضباب شتائها لأيام، ما كان يُتيح للمطارَدين دخولها حتى نهارا.

كان الشهيد فؤاد السعدي، ممّن اعتادوا انتظار الضباب، لملقى الأحباب، إلى أن وشى به واشٍ، فكَمَنَ له الإنجليز في وادي الطواحين، وتمكّنوا منه، بعد اشتباك انتهى باستشهادة تحت شجرة دوم (سدر)، على ما ظلّ يتذّكره الصفديون(16) لتنفطر أفئدة أهالي المدينة، بين فؤاديْن؛ فؤاد حجازي ثم فؤاد السعدي.

حتى البرق والرعد، كان الصفديون قد استعانوا بهما شتاءً، في صراعهم داخل المدينة مع اليهود المسنودين من قِبل قوات جيش الانتداب، إذ كان بَرق مطر ليل المدينة، المتبوع بصوت الرعد، يُعيل الثوار للتمويه على صوت طلقات نار بارودهم، التي كانوا يستهدفون بها مبنى السرايا الحكومي. مما يُذكر في ذلك، أن قناصا صفديا كان يُقال له "أبو العينين" قد تمكن، في ليلة ماطرة، وهو فوق أحد سطوح بيوت المدينة، من إصابة وقتل حارس يهودي ومعه ضابط إنجليزي، وهما داخل محرسهما على سطح أحد بيوت حارة اليهود، من على بعد 300م(17). لم ينتبه أحد لمقتلهما حتى الصباح، وذلك لأن صوت الرعد المتكرر من كل فجّ عميق ليلتها، قد موّه على طلقات بارود أبو العينين.

كان زخّ المطر المتواصل مصحوبا بصوت الريح، يساعد ثوار المدينة على الحركة والتنقُّل منها وإليها، كما ظلّ ماء المَطر إذا ما تواصل، يساعد الثوار على محْو أثَر أقدامهم الذي اعتاد قصّاصو الأثر قصّه، أثناء تعقّبهم أيام الصيف. غير أن الثلوج، كانت تترك آثار أقدام الثوار بارزة على وجه الثلج شتاءً، والتي كانت تمكّن قوات دوريات الجيش الإنجليزي من تعقّب الثوار في مخابئهم، مما كان يدفع، رعيان القرى المجاورة لصفد، تسريح قطعانهم خلف آثار الثوار من أجل طمسها.

كما كان دخان مدافئ الحطب، المُشتعلة في الشتاء، على مدار الساعة في صفد، وخصوصا في الليل، يصعّب على الدوريات الإنجليزية، معرفة أي البيوت التي يتردد إليها الثوار المُطارَدين شتاءً على خلاف الصيف الذي كان دخان مواقد النار خلاله، يُثير الشكّ لدى دوريات الإنجليز. على اعتبار، أن إشعال النار ليلا في الصيف، يعني بالنسبة لهم، أن أهل البيت المُنبعث منه الدخان، يُعدّون الطعام لضيفٍ طارئ، مما كان يستدعيهم مداهمة البيت. بينما في الشتاء، بيوت مدينة صفد، كلها كانت مداخن دُخانها عامرة.

استعان ثوار صفد وريفها، بشتاء بلادهم البارد، بعد كل صيف ساخن بالمعارك والكمائن الليلية، قاموا بها ضد الدوريات الإنجليزية عند التلال، وفي والوديان، وعلى مفارق الطرق، ومداخل القرى والضياع الضائعة، بين شعاف جبال الجليل. كان أشهر تلك المعارك التي سُميّت على فصيل مدينة صفد وثوار ريفها، معركة "جب يوسف" في ليلة 21 حزيران/ يونيو عام 1936، بقيادة كل من عبد الله الشاعر الصفدي، وعبد الله الأصبح الجاعوني، قرب جب يوسف بين صفد وطبريا، قَتلوا فيها وجَرحوا عددا من عساكر الإنجليز واليهود(18).

بقايا القلعة الصليبية بالمدينة عام 2008

في حزيران/ يونيو من صيف عام 1938، هاجم عبد الله الشاعر وفصيله دوريات إنجليزية في معركة أُطلق عليها اسم معركة "جرن حلاوة"، نسبة لموقعها بالقرب من جب يوسف على طريق طبريا - صفد، بعد إغلاقهم الطريق بحجارة أعاقت مركبات الجيش، وفيما هَمَّ الجنود الإنجليز لإزالة الحجارة، أمطرهم الثوار بالرصاص، مما اضطر الدورية لطلب النجدة التي وصلت بعد أقلّ من ساعة وحاصرت عبد الله الشاعر وفصيله(19)، فاستنفرت له ومعه عُربان قرى ومضارب السمكّية والقديرية والمواسي والزنغرية والظاهرية، فدارت معركة كبيرة أطلق عليها أهالي ريف صفد معركة "لحقاب"، قُتل فيها العشرات من عساكر الإنجليز، واستُشهد فيها رشيد الشاعر، شقيق القائد عبد الله الشاعر(20).

كان صيف سنة 1938 يغلي حرّهُ، لتغلي معه حرارة دماء ثوار صفد وريفها، حتى صاروا جميعا، مَطلوبين بالاسم، فكان شتاء ذلك العام، ومطلع العام الذي تلاه قارصًا بردُه، وساخنا بحكايا المُطارَدة والتعقّب والاختفاء، ليلوذ فدائيو صفد خلف ثورية أسمائهم، مُستحكمين بشتاء بلادهم، في ذاكرة التحَمَت فيه ليالي البرد والبارود معا.


الهوامش:

1. العابدي، محمود، صفد في التاريخ، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، 1977، ص 92.

2. المرجع السابق، ص 93.

3. راجع: أنور قدورة، صفد، مقابلة شفوية، موقع فلسطين في الذاكرة - ضمن مشروع تدوين التاريخ الشفوي لنكبة فلسطين، تاريخ 17/12/2005.

4. العثماني، محمد بن عبد الرحمن الحسيني، تاريخ صفد، تحقيق: سهيل زكار، دار التكوين، دنشق، 2009، ص 143.

5. "اللزبة" تعني المنخفض الجويّ الذي كان يستمر لأيام، دون انقطاع فيها للمطر.

6. العسكري، محمد أمين صبحي، مدينتي صفد - الشمس تُشرق من هناك، دار فلستينا/ الشجرة للنشر والتوزيع، دمشق، 2017، ص 84.

7. "المربعانية" تعبير شعبي يعني الأربعين يوما، والتي تمتد في فصل الشتاء، من 21 كانون الأول/ ديسمبر وحتى 31 كانون الثاني/ يناير.

8. عكبرة، هي قرية شرقي مدينة صفد، وما تزال باقية إلى يومنا، اشتهرت قبل النكبة بحليب ولبن قطعان مواشيها، التي كان يعتمد عليها أهالي صفد في خزن مؤونتهم.

9. راجع، فخر الدين القلّا، صفد، مقابلة شفوية، موقع فلسطين في الذاكرة - ضمن مشروع تدوين التاريخ الشفوي لنكبة فلسطين، تاريخ 12/7/2008.

10. المرجع السابق.

11. راجع، فاطمة السيد، بيريا، مقابلة شفوية، موقع فلسطين في الذاكرة - ضمن مشروع تدوين التاريخ الشفوي لنكبة فلسطين، 8/7/2008.

12. "بين الجبلين" أي بين جبليّ كنعان وبيريا في صفد.

13. فخر الدين القلّا، المقابلة السابقة.

14. راجع، أحمد حميد، دلّاتة، مقابلة شفوية، موقع فلسطين في الذاكرة - ضمن مشروع تدوين التاريخ الشفوي لنكبة فلسطين، تاريخ 9/11/2008.

15. المقابلة السابقة.

16. فخر الدين القلّا، المقابلة السابقة.

17. راجع، محمد الحوى، صفد، مقابلة شفوية، موقع فلسطين في الذاكرة - ضمن مشروع تدوين التاريخ الشفوي لنكبة فلسطين، تاريخ 11/1/2007.

18. العابدي، المرجع السابق، ص 150.

19. المرجع السابق، ص 151.

20. المرجع السابق، ص 154.

التعليقات