غزة: طائر السمَان بين مخاوف الانقراض وصيد التجارة

ما يزال قرار السلطات الحكومية في قطاع غزة، بمنع صيد طائر السمان المهاجر، يصطدم بتطلعات صيادين يبحثون عن الرزق، ومخاوف رسمية تتحدث عن تراجعات كبيرة مسّت أعداد الطائر الشهير، ومخاوف من انقراضه.

غزة: طائر السمَان بين مخاوف الانقراض وصيد التجارة

طائر السمان

ما يزال قرار السلطات الحكومية في قطاع غزة، بمنع صيد طائر السمان المهاجر، يصطدم بتطلعات صيادين يبحثون عن الرزق، ومخاوف رسمية تتحدث عن تراجعات كبيرة مسّت أعداد الطائر الشهير، ومخاوف من انقراضه.

فعلى مدار عقود مضت، شكّل موسم هجرة طيور السمان، من موطنها الأصلي في السواحل الأوروبية، بحثا عن الأجواء الدافئة، خلال فصل الخريف، مصدر رزق موسميّ لعشرات الصيادين بقطاع غزة.

وبدأت أعداد السمان المهاجر بالتراجع، منذ ما يقدّر بأربعة عقود، لأسباب يقول خبراء في البيئة، للأناضول إنها مرتبطة بـ"طبيعة التغيرات البيئية والمناخية في موطن تلك الطيور الأصلي (أوروبا)".

وبحسب خبراء وصيادي طيور السمان، الذين تحدثوا "للأناضول" فإن نسبة تلك الطيور المهاجرة إلى غزة، تراجعت بنحو يتراوح بين 70-80 بالمئة، مقارنة بالعقود الأربعة السابقة.

ولمواجهة هذا التراجع لأعداد السمان القادمة لغزة في فصل الخريف، من كل عام، قررت السلطات البيئة الفلسطينية، منع صيده، خشية "انقراضه".

لكنه حتى الآن يظل القرار "حبرا على ورق"، في ظل استمرار صيد السمان بحثا عن الرزق والغذاء، واعتبار الصيادين القرار "غير منصف".

صيد "جائر"

يقول بهاء الأغا، مدير عام حماية البيئة في سلطة جودة البيئة بغزة (حكومية)، إن "نسبة طيور السمان، التي تصل إلى سواحل قطاع غزة، تراجعت، خلال السنوات الأخيرة، بسبب الصيد الجائر من قبل الصيادين".

وأوضح، في حديثه لـ"الأناضول"، أن قرار منع صيد السمان المهاجر يأتي في إطار "الرغبة في تكاثره من جديد وهو ما سيكون له انعكاسات إيجابية على البيئة والصيادين".

واستكمل قائلا: "تشكّل هذه الطيور المهاجرة، عاملا مهما في النظام البيئي، حيث أنها تتغذى على الحشرات الضارة بالمزروعات وتتكاثر في فلسطين ويعود في الربيع لموطنه الأصلي".

وذكر أن سلطته "أبلغت بلديات قطاع غزة، بمتابعة تنفيذ قرار المنع على أرض الواقع".

"خطر"

بدوره، يقول الأستاذ المساعد في العلوم البيئية، بالجامعة الإسلامية في غزة، عبد الفتاح عبد ربه، إن ضرر "الصيد الجائر" طال جميع أنواع الطيور سواء المُهاجرة أو المقيمة بالقطاع، بسبب عدم وجود خطوط حمراء ضابطة لعملية الصيد.

وأوضح أن هؤلاء المواطنين أو الصيادين يتبعون "سلوكا غير قويم" في التعامل مع الحياة البرية، يتسبب بـ"خطر يواجه الحياة البرية بشكل عام".

وفيما يتعلق بطيور "السمان"، قال عبد ربه، إنها تصل قطاع غزة، على مدار شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر، من كل عام.

وأضاف خلال تلك الفترة يعكف المواطنون (الهواة) أو الصيادون على "تلغيم غالبية شاطئ قطاع غزة، بشباك تمويهية لصيد هذه الطيور المهاجرة".

تلك الطيور كالسمان المهاجر تقطع مسافة طويلة جدا تقدّر بما يزيد عن 3 آلاف كيلو متر، قبل أن تصل إلى قطاع غزة، وفق عبد ربه.

وتابع: "تصل الطيور مُنهكة، ما يدفعها للتحليق على مسافات منخفضة لتحطّ على أرض غزة، فتعلق حينها بشباك الصيد".

تقنين أم منع؟

وعدّ عبد ربه صيد طيور السمان، جزءا من التراث الفلسطيني في غزة ومصدرا للزرق والغذاء "منذ عقود وأزمنة"، ومن "الصعب مواجهة ثقافة مجتمع بأكمله".

وقلّل من إمكانية نجاح قرر منع عملية صيد هذا الطائر، مضيفا "الأصل تقنينه وليس منعه".

واستكمل قائلا: "من الصعب منع الناس من فعل شيء تعودوا عليه، وعملية التقنين تساهم أيضا في الحفاظ على البيئة".

وعن عملية التقنين، قال إنه بالإمكان "وضع شباك الصيد مثلا في مناطق دون أخرى من الشاطئ، فضلا عن مساعدة المؤسسات الإعلامية والحكومية لذلك كما يحصل في الدول الأجنبية؛ المفترض أن يتم تنظيم العملية لا منعها".

وذكر أن عملية الصيد بغزة، وإن كانت جائرة، ليست السبب الرئيسي في تراجع أعداد هذه الطيور.

ويعزو عبد ربه الأسباب إلى "الموطن الأصلي لطيور السمان الذي ضربته تغيرات بيئية ومناخية كبيرة، فضلا عن أثر المبيدات الزراعية هناك، ما تسبب بتراجع أعدادها، والذي انعكس بدوره على أعداد الطيور المهاجرة منها".

وقدّر الأعداد التي تصل غزة من طيور "السمان"، في الوقت الحالي، بنحو 20-30 بالمئة، مقارنة بما كان يصلها خلال العقود الماضية.

رزق وغذاء

من جانب آخر، تعكف عشرات العائلات الفقيرة على صيده الطائر لتجني أرباحا بسيطة، بعد بيعه، ما يوفّر لها بعضا من احتياجاتها في الحياة.

ويبلغ ثمن الزوج الواحد من هذا الطائر الأوروبي المُهاجر، بحسب الدكتور عبد ربه، نحو 6 دولارات، بينما يصل سعر المحلي منه حوالي دولاريْن.

وأرجع عبد ربه الفرق في السعر إلى "جودة لحوم الطائر المهاجر".

وفي السياق، أشار إلى أن "طائر السمان الذي يتم تربيته وتكاثره بشكل محلي في قطاع غزة، يختلف طعمه بشكل كامل، عن طعم الطائر البري".

وذكر أن مهنة "تربية هذا الطائر بغزة موجودة، ويعدّ سعره مناسب في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية في القطاع".

وأشار إلى انخفاض تكلفة تربية طائر السمان المحلي بغزة، بفعل "احتياجه لمساحة صغيرة، نظرا لصغر حجمه، فيما يتم استغلال فضلاته في صناعة سماد التربة، إذ يعدّ من المخصّبات الجيّدة لها".

عام الصيد "الأسوأ"

رغم قرار سلطة جودة البيئة، بمنع الصيد، إلا أن عددا من الصيادين، لا يزالون يمارسون هذه المهنة ومخالفة القرار.

الصيّاد سعيد شرّاب (50 عاما)، يمارس مهنة صيد "السمان"، التي ورثها عن والده، منذ نحو 20 عاما.

يقول لـ"الأناضول"، إن هذه المهنة الموسمية تعدّ "مصدر رزق له ولعشرات الصيادين الذين تمتدّ شباكهم على طول ساحل القطاع، لصيد هذا الطائر".

ومع فجر كل يوم، يخرج شرّاب إلى ساحل مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، ليتفقد شباكه ذات اللون الترابيّ، الممتدة على طول الساحل، والتي يبلغ ارتفاعها نحو 5 أمتار، بينما يزيد طولها عن 40 مترا.

ويقول إنه يقطع يوميا مسافة تقدّر بنحو 7 كيلومترات، من منزله حتى موقع شِباكه، على دراجته الهوائية، كي يجلس منتظرا بفارغ الصبر "رزقه".

ويضيف وهو ينظر، نحو الشِباك "لعلّها تتمكن من اصطياد طائر السمان، الذي يصل قطاع غزة، متعبا".

ويوضح أن هناك تراجعا في الكميات التي يتم اصطيادها من طائر السمان، مقارنة بالسنوات الماضية.

ويردف وهو يمسك بزوجٍ واحد من هذا الطائر، الذي نجحت شباكه باصطيادهما "يبدو أن هذا العام هو الأسوأ على الإطلاق في صيد السمان".

ويحتجّ شراب على قرار سلطة جودة البيئة بمنع صيد هذا الطائر، واصفا إياه بـ"الخاطئ وغير المنصف".

بدوره، يشكو الصياد محمد الأسطل (45 عاما)، من قلّة الكميات التي يصطادها من طائر "السمان".

ويقول الأسطل، الذي لم يتوقف عن صيد هذا الطائر امتثالا لقرار "جودة البيئة":" هناك قلة في أعداد الطيور المهاجرة لغزة".

وتابع في حديثه لـ"الأناضول":" حينما أصطاد 3 أزواج من السمان، تكون من أفضل الأيام بالنسبة لي، حيث اصطدت صباحا، طائرا وحدا فقط".

ويلفت إلى أن "قرار منع صيده، لم يكن في وقته، حيث تشهد أعداد هذا الطائر تراجعا واضحا، بالكاد يستطيع الفلسطيني اصطياده لبيعه والحصول على لقمة العيش، أو طهيه كوجبة شهية".

التعليقات