إسرائيل تُجرّم نضال أهالي العراقيب لتشبثهم بالأرض والمسكن

فتحت الشرطة الإسرائيلية ملفات تحقيق جديدة ضد عدد من أهالي قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف والمهددة بالاقتلاع والتهجير في منطقة النقب، جنوبي البلاد، والتي هدمتها السلطات الإسرائيلية، يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، للمرة الـ194 على التوالي منذ العام 2010.

إسرائيل تُجرّم نضال أهالي العراقيب لتشبثهم بالأرض والمسكن

من الوقفة الاحتجاجية 564 لأهل العراقيب، يوم 14 تشرين الثاني 2021

فتحت الشرطة الإسرائيلية ملفات تحقيق جديدة ضد عدد من أهالي قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف والمهددة بالاقتلاع والتهجير في منطقة النقب، جنوبي البلاد، والتي هدمتها السلطات الإسرائيلية، يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، للمرة الـ194 على التوالي منذ العام 2010.

وجاءت تحقيقات الشرطة هذه لأهالي العراقيب، وفي مقدمتهم الشيخ صياح الطوري، بذريعة أنهم أعادوا بناء مساكنهم وخيامهم التي هدمتها الجرافات والآليات الإسرائيلية منذ مطلع العام الجاري، وبهدف تقديم لوائح اتهام جنائية ضدهم.

وتعقد جلسة استئناف في المحكمة لملفات العديد من سكان العراقيب، يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وتطالب النيابة العامة بإنزال عقوبة السجن الفعلي ضدهم، لإقدامهم على إعادة بناء الخيام والمنازل التي هدمتها الجرافات الإسرائيلية والادعاء بعرقلة عمل عناصر الشرطة.

وتدحض هذه الإجراءات الشرطية والممارسات السلطوية المزاعم بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتجه لمنح تسهيلات وامتيازات للقرى مسلوبة الاعتراف، وذلك بعد قرار الحكومة "الاعتراف المشروط" بثلاث قرى في النقب، وهي عبدة، وخشم زَنة ورخمة.

وتقطن قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف 22 عائلة يبلغ عددهم حوالي 800 نسمة، يعتاشون من تربية المواشي والزراعة الصحراوية، إذ تمكن السكان في سبعينيات القرن الماضي وحسب قوانين وشروط السلطات الإسرائيلية من إثبات حقهم بملكية 1250 دونما من أصل آلاف الدونمات من الأرض.

وعلى الرغم من ذلك، ترفض إسرائيل الاعتراف بحق الملكية وتلاحق الأهالي بغية دفعهم إلى الهجرة القسرية من خلال هدم القرية للمرة الـ194، وكذلك تجريف المحاصيل الزراعية ومنعهم من المراعي وتربية المواشي، وتقترح عليهم "تسوية" تقضي بتخصيص قسيمة أرض بمساحة نصف دونم لكل عائلة، ودفع 2500 شيكل تعويضا مقابل الدونم الواحد.

ملاحقة وتجريم

وأوضح عضو لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، المحامي شحدة بن بري، أن "الشرطة الإسرائيلية شرعت باستئناف التحقيقات مع أهالي العراقيب، وخاصة مع الشيخ صباح الطوري ونجله عزيز وأحفاده، بذريعة إعادة بناء المنازل والخيام التي تم هدمها، وذلك كي يتسنى للنيابة العامة تقديم مجموعة جديدة من لوائح الاتهام ضد أفراد العائلة".

وذكر المحامي بن بري لـ"عرب 48"، أن "النيابة العامة وبعد سجن الشيخ صياح الطوري لمدة 10 أشهر، توقفت عن فتح ملفات وتقديم لوائح اتهام جديدة، وبعض الملفات تم التحفظ عليها، لكنها عادت مؤخرا لتحريك الملفات وإخضاع صياح الطوري ونجله عزيز وبعض أهالي العراقيب للتحقيق، تمهيدا لتقديم لوائح اتهام بزعم إعادة بناء الخيام والاعتداء على ما تسمى أراضي الدولة".

وأبدى مخاوفه من "رصد الشرطة للملفات التي تم فتحها ضد الشيخ صياح، وعددها 17 ملفا، وتجميعها بملف واحد ليتسنى للنيابة العامة تقديم لائحة اتهام ضد الشيخ صياح الطوري الذي قضى عقوبة السجن الفعلي لمدة 10 أشهر والسجن مع وقف التنفيذ بحال قدمت لوائح بتهم شبيهة".

شيخ العراقيب، صياح الطوري، في مركز الشرطة

وأشار عضو لجنة التوجيه العليا لعرب النقب إلى أن "النيابة العامة تتحضر للانتقام منه وزجه بالسجن مجددا لرفضه التنازل عن حقه بالأرض والملكية بالعراقيب، ورفض أي تسوية لا تضمن الاعتراف بالقرية وتثبيت سكانها بأرضهم".

ترهيب

وأعرب المحامي بن بري عن اعتقاده أن "السلطات الإسرائيلية التي هدمت العراقيب للمرة الـ194، لغاية الآن، تسعى من خلال لوائح الاتهام إلى ممارسة الضغوطات على الأهالي والشيخ صياح بغية ترهيبهم وإرغامهم على قبول مقترح التسوية واقتلاعهم من أرضهم وتهجيرهم".

وأوضح أن "السلطات الإسرائيلية تقترح مقابل التهجير والاقتلاع من الأرض قسيمة بناء لكل عائلة وتعويضات مالية، وهو ما يرفضه السكان الذين يواصلون معركة النضال على الحق بالأرض والمسكن في العراقيب القائمة قبل قيام إسرائيل".

وأكد المحامي بن بري أن "العراقيب أسوة بالكثير من القرى مسلوبة الاعتراف تتعرض لهجمة شرسة من قبل الحكومة الإسرائيلية الحالية التي صعدت من الهدم والإخطارات وتجريف الأراضي وتدمير المحاصيل الزراعية، وأيضا الملاحقة للأهالي وإخضاعهم لتحقيقات الشرطة وتقديم لوائح الاتهام ضدهم، لرفضهم وتصديهم لمخطط التهجير والتشريد وإصرارهم على الصمود والبقاء بالأرض".

صراع وحسم

وحذر المحامي بن بري من "محاولات السلطات الإسرائيلية للالتفاف على الوثائق والمستندات التي تثبت وتؤكد حق الملكية للسكان بمساحات واسعة من الأراضي".

المحامي شحدة بن بري

وأشار إلى أن "السلطات الإسرائيلية ترفض الاعتراف بمثل هذه المستندات التي يقر بها حتى القانون الإسرائيلي، وتصر على أن الصراع على حق الملكية بالأرض سيحسم فقط من خلال المحكمة المركزية في بئر السبع التي تتداول بمثل هذه الدعاوى القضائية منذ 15 عاما دون حسم".

واستشهد المحامي بن بري بحالة قرية العراقيب، إذ أثبت السكان في مطلع سبعينيات القرن الماضي قبالة الدوائر الإسرائيلية المختلفة ملكيتهم لنحو 1250 دونما، لكن السلطات الإسرائيلية ترفض ذلك وتزعم أنها صادرت مسطحات الأراضي الخاصة بالقرية في خمسينيات القرن الماضي.

مخاوف وتحذيرات

هذه المخاوف والتحذيرات عبّر عنها عضو لجنة الدفاع عن العراقيب، عزيز الطوري، والذي أخضع مع والده الشيخ صياح قبل أيام للتحقيق لدى الشرطة في بئر السبع، ووجهت لهما شبهات جنائية لإقدامهما على بناء الخيام والمنازل التي هدمتها السلطات الإسرائيلية هذا العام.

وأوضح عزيز الطوري لـ"عرب 48"، أن "السلطات الإسرائيلية وفي مقدمتها الشرطة والنيابة العامة تريد تجريم نضال أهالي العراقيب والقرى مسلوبة الاعتراف بمسيرة الدفاع عن الأرض والمسكن، وإظهارهم أمام المحاكم الإسرائيلية أنهم غزاة ويعتدون على ما يعتبرونها 'أراضي الدولة'، وكذلك إدانة الشيخ صياح الطوري الذي يعتبر أيقونة النضال للدفاع عن حق ملكية العرب للأراضي بالنقب".

وكشف الطوري النقاب عن "إقدام النيابة العامة على تجميع ملفات ضده وضد والدي الشيخ صياح، وأيضا ضد سليم أبو مديغم، إذ فتحت ضدنا نحن الثلاثة 47 ملفا للتحقيق بشبهة إعادة بناء الخيام والمساكن، بمعنى أن بناء خيمة في النقب من وجهة النظر الإسرائيلية، يعد مخالفة جنائية يحاكم صاحبها ويلاحق ويتم تقديمه للمحاكمة بغية حبسه".

اقتلاع وتهجير

وأعرب الطوري عن اعتقاده بأن "هذه الإجراءات والملاحقات والتحقيقات الشرطية تهدف إلى حرف مسار نضال أهالي العراقيب وسكان القرى مسلوبة الاعتراف، لتثبيت حقنا بالملكية للأراضي بمساحات تمتد على أكثر من 800 ألف دونم، إلى مسار جنائي من وجهة النظر الإسرائيلية بغرض شرعنة مخطط التهجير والتشريد واقتلاع السكان من أراضيهم، وهدم القرى لتجميع السكان العرب على أقل بقعة من الأرض".

عزيز الطوري في العراقيب

واستذكر تجربة عائلته في العراقيب التي تمكنت، عام 1973، وبحسب القوانين الإسرائيلية من إثبات ملكيتها على 325 دونما، إلا أن السلطات الإسرائيلية ترفض الاعتراف بحق الملكية وتصر على تهجير وتشريد سكان القرية.

وأكد الطوري رفض أهالي العراقيب أي تسوية لا تضمن الاعتراف بحقهم على كافة الأراضي والمسطحات، وإجماعهم على مواصلة معركة الأرض والمسكن، وتصديهم لمخطط الاقتلاع والتهجير، مبينا أن "ما تقترحه السلطات الإسرائيلية هو اقتلاع وتجريد السكان من الحقوق والأرض وتشريدهم".

وردا على ما تروجه السلطات الإسرائيلية حول استعدادها لتخصيص قسيمة بناء لكل عائلة توافق على الانتقال للبلدات القائمة، شكك الطوري بذلك، وختم بالقول: "أين مسطحات الأراضي التي يتحدثون عنها في البلدات القائمة؟ السلطات الإسرائيلية زرعت بذور الفتنة، في الأصل، والعائلات تتشاجر على متر واحد من الأرض في رهط وغيرها من البلدات العربية".

التعليقات