هل يعيد الجدار المواطنين العرب الى مرحلة ما بعد النكبة؟

"عرب 48" يثير قضية تبعات الجدار على هوية الناشئة للنقاش

هل يعيد الجدار المواطنين العرب الى مرحلة ما بعد النكبة؟
نتائج سلبية كثيرة ستترتب على بناء الجدار الاستيطاني الاسرائيلي بالنسبة للشعب الفلسطيني لكننا نستعرض هنا اثار الجدار عل المواطنين العرب واجيالهم الصاعدة بعد الفصل الفظ بين ابناء الشعب الواحد خاصة فيما يتعلق بالتواصل والانتماء والهوية الثقافية والوطنية.

يجمع الباحثون ان استئناف اللقاء بين فلسطينيي الداخل وبين اشقائهم في الضفة الغربية وغزة عام 1967 في اعقاب الاحتلال قد ساهم في بعث الصحوة الوطنية وتثبيت الهوية الفلسطينية لدى من بقي على اراضي 48 الذين تعرضوا الى مشاريع اسرلة من قبل اسرائيل والى انقطاع عن احضان الوطن العربي طيلة عقود. منذ عام 67 نجح ابناء الشعب الواحد في بناء ربط عرى الاتصال الانساني والاجتماعي والثقافي وتعزيز اواصر التعاون الاقتصادي والسياسي بشكل طالما اقلق " السلطات الامنية والسياسية الاسرائيلية". وهذا القلق هو ما دفعها بعد انتفاضة الاقصى الى تشريع قوانين عنصرية مختلفة ترمي الى اضعاف التواصل اهمها " قانون التماثل مع الارهاب " الذي يعتبر تقديم الاغاثة من غذاء ودواء للفلسطينيين في الاراضي المحتلة مناصرة للارهاب ، و" قانون الجنسية " الذي يحظر في الواقع الزواج بين ابناء المجموعتين الفلسطينيتين. واليوم وازاء مضي الاحتلال في تحويل الجدار الى حقيقة ناجزة على الارض تتبادر الى الذهن اسئلة عديدة منها حول نتائج الفصل وابعاده على المواطنين العرب الذين سيجدون انفسهم امام مخاطر جديدة ربما تعيدهم الى نقطة البداية محاصرين ومنقطعين عن شعبهم في الارضي المحتلة كما كان عقب النكبة.

الدكتور عزمي بشارة ، من اوائل الذين تنبهوا الى الخطر الجديد ، دعا مثقفين و قياديين الى التدارس والتشاور بحثا عن سبل لمواجهة الوضع الناشىء ودرء مخاطر التاثير على هوية الاجيال الصاعدة في السنوات المقبلة سيما وان فلسطينيي الداخل( مليون وربع المليون نسمة) يشكلون مجتمعا شبابيا 70% منهم دون جيل ال- 30 عاما ، و 50% منهم طلاب مدارس، مرحلة تبلور الشخصية والهوية ، وذلك بسبب الزيادة الطبيعية المرتفعة. الكثير  ممن تحدثنا اليهم اعربوا عن قلقهم من انعكاسات الجدار وانقطاع السبل الى الاهل فى الاراضي المحتلة  فيما قلل لبعض الاخر من حجم الخطر .


 النائب طلب الصانع من الحزب العربي الديموقراطي قال ان من جملة الاهداف الذي يرمي اليها الجدار بتر علاقات التواصل بين الاشقاء واستغلاله من اجل محاولة تدجيننا وتشويه هويتنا خاصة بعدما بتنا في نظرهم " خطرا ديموغرافيا " على يهودية الدولة. وعن سبل مواجهة ذلك قال الصانع :" اولا علينا ادراك حجم الخطر الجديد  والمبادرة لتفاديه، فهذا موضوع يحتاج الى دراسة معمقة ، وعلينا ان لا نجعل الجدار حائطا للمبكى انما يجب ان نرى به محفزا لتحدي مشاريع الابرتهايد الاسرائيلية ".


واضاف الصانع انه بالامل والنضال بالامكان الانتصار على الجدار الذي سيسقط كما سقط من قبل سور برلين لانهما غير قانونيين ومنافيان للطبيعة. وحذر الصانع من مخاطر استغلال اسرائيل لعمليات فدائية داخلها لالقاء التهم على المواطنين العرب تمهيدا لنزع الشرعية عنهم والتمهيد لخلق فرص ترحيل بعضهم الى خلف الجدار خاصة وان وزير الداخليةالسابق، الياهو سويسا ، اقدم على اصدار نظم جديدة تسمح بسحب المواطنة وطرد من يثبت" تورطه بمساعدة الارهاب ".


الدكتورة خولة ابو بكر المحاضرة الجامعية في موضوع علم الاجتماع ترى ان التواصل بين ابناء الشعب الواحد متين واقوى من يهدده الجدار الذي تعتبره عائقا ماديا وليس نفسيا او ثقافيا سيما وان الاجيال الشابة التي ولدت بعد 1967 قد تربت على شرعية الاتصال والتواصل مع اشقائهم الفلسطينيين ومع الوطن العربي. واكدت ابو بكر ان الجدار النفسي الذي بنته اسرائيل  عام 1948 قد سقط ولن يرجع بسبب رسوخ اللقاء المهني والشخصي والاجتماعي واضافت :" لن نخاف من الاتصال عبر الحدود مهما علا الجدار فهناك مسارات في التاريخ لا يمكن اعادتها الى الوراء. ما حصل طيلة فترة الحكم العسكري الذي استمر حتى العام 1968 ولم يجرؤ الاخ وقتها على التحدث مع اخيه لن يتكرر." وتعلل ابو بكر وجهة نظرها بالاشارة الى الوعي الوطني لدى الناشئة والى تنوع وسائط الاتصال الحديثة التي تتخطى القرارات السياسية اضافة الى احتمالات تغير حكومات  اسرائيل  ومواقفها السياسية مستقبلا. 


الشيخ كمال خطيب نائب رئيس الحركة الاسلامية اعرب عن قلقه من تبعات الجدار من هذه الناحية في المنظور القريب مؤكدا على ان الفلسطينيين في الاراضي المحتلة احوج ما يكون اليوم الى تواصل فلسطينيي 48 معهم واضاف  :" الاخطر من ذلك ان الجدار سيضع بصماته على تاريخ وجغرافيا الارض الفلسطينية باعتباره ترسيما للحدود وليس خطوة سياسية انية او احتياطات امنية. يبدو ان هذه الحكومة ستذهب الى ابعد من الجدار وهذا ينعكس في تصريحات شارون الاخيرة والتي يهيىء لتجنيد ابنائنا لما يسمونه " الخدمة الوطنية ". وعن اسقاطات الجدار على الهوية الوطنية للمواطنين العرب اعتبر الشيخ خطيب ان الخطر مرحلي فقط:" على المدى البعيد انا لا انظر بعين القلق على الجدار من هذه الناحيةلان المشاريع الاستيطانية ستمنى بالفشل امام صمود ."


النائب محمد بركة ( الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة ) يرى بالجدار مشروعا استيطانيا لكنه لا يعتقد بانه سيؤثر سلبا على المواطنين العرب في  اسرائيل  معللا ذلك بالقول :" كنا في هذا الوضع قبل العام 1967 ولا خوف على الهوية و صفاء الانتماء ، فهذا جدار مادي غير قادر على المس بالتواصل بيننا. كما ان برنامجنا السياسي يدعو اصلا الى الفصل واقامة دولتين لشعبين. ولا يجوز لنا ان نبني استراتيجيات تستمد الهوية من خلف الجدار انما من خصوصية وضعنا". واضاف  ان هناك حاجة لان تقوم قيادات المواطنين العرب بتحديد اولويات وطنية وترسيم قواسم مشتركة تكون في دائرة الاجماع من اجل صيانة الهوية والامتداد الحضاري وان الجدار يعمق هذه الحاجة .


واختتم بركة بالاشارة الى ان الحزب الشيوعي الاسرائيلي  الذي ينتمي له هو الذي حافظ على هوية  المواطنين العرب في الخمسينات والستينات وانه يخشى ان يؤدي التنافس الحزبي الى ضياع اجماعهم السياسي من خلال قيام البعض بالتشكيك بالبعض الاخر فيغدو الجميع عندها في خانة الشك والتخوين.

التعليقات