إغلاق ملف الشهيد موسى حسونة: ضغوط سياسية وتحقيق سطحي

يكشف التماس قدّمه مركز "عدالة" الحقوقي باسم عائلة الشهيد موسى حسونة من اللد، على خلفية إغلاق ملف التحقيق في استشهاد نجلها برصاص مستوطن في الهبة الشعبية خلال أيار/ مايو 2021

إغلاق ملف الشهيد موسى حسونة: ضغوط سياسية وتحقيق سطحي

وقفة إسناد لحق الشهيد حسونة في اللد

يكشف التماس قدّمه مركز "عدالة" الحقوقي باسم عائلة الشهيد موسى حسونة من اللد، على خلفية إغلاق ملف التحقيق في استشهاد نجلها برصاص مستوطن في الهبة الشعبية خلال أيار/ مايو 2021، أنه جرى إغلاق ملف التحقيق بضغط سياسي، وتدخل جهات في الشرطة وتقاعس بعض موظفي جهاز إنفاذ القانون عن أداء عملهم عمدا لإغلاق الملف، بحسب ما ورد في تفاصيل الالتماس.

وقُدم الالتماس استنادًا إلى مواد التحقيق التي حصل عليها مركز "عدالة"، التي أظهرت أن هناك أدلة أكثر من كافية لتقديم المجرمين للمحاكمة وحتى إدانتهم بالقتل عمدًا.

ومن بين مواد التحقيق التي جرى الحصول عليها، شريط مصور لمحادثة بين محققين، وهي محادثة شخصية في غرفة تحقيق دون وجود مشتبهين، وتظهر الضغط السياسي على الشرطة من قبل وزير الأمن الداخلي حينها، أمير أوحانا، لإغلاق الملف بأسرع وقت.


وتظهر في المقطع المصور، محققة تقول إن "مدير المختبر لفحص المقذوفات، غيل هوكرمان، وهو من اللد يقول لي إن هذا التشخيص يكلف الكثير من المال وهو حاليا في أسفل سلم الأولويات، ولا ينوي التقدم في عملية فحصه".

وتضيف أن مختبر فحص المقذوفات نصحها بإطلاق سراح المشتبهين والاكتفاء بشهاداتهم، وأنه لن يقوم بفحص العيارات النارية إلا في حال تقديم لائحة اتهام.

فرد عليها المحقق الآخر بأنه "ليقول هذا الكلام للوزير الذي يقوم بالاتصال كل 10 دقائق ليسأل عن الملف!".

واستشهد حسونة يوم 10 أيار/ مايو 2021 خلال هبة الكرامة إثر تعرضه لعيارات نارية أطلقها مستوطنون مسلحون من مسافة قريبة نحو مجموعة من الشبان العرب، دون أن تشكل أي خطر على حياتهم، ومن بينها كان الشهيد موسى حسونة الذي أصيب برصاصة في القلب واستشهد على الفور فيما أصيب آخرون بعيارين ناريين.

وأغلق ملف التحقيق ضد 4 مشتبهين يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وجرى إبلاغ العائلة بذلك بحجة عدم وجود أي ذنب. كما أغلق الملف ضد المشتبه الخامس بحجة عدم توفر الأدلة الكافية لتثبيت تهمة إطلاق النار التي تسببت بمقتل حسونة؛ كما ورد من النيابة العامة أن المشتبه بهم زعموا الدفاع عن النفس، وجرى قبول ادعاءاتهم وعلى إثرها أغلقت الملفات.

تحقيق سطحي

ويستدل من الاستئناف الذي قدم بواسطة المحامية ناريمان شحادة زعبي من مركز "عدالة"، إجراء تحقيق سطحي وغير مهني يفتقر للحد الأدنى من الجدية بالوصول إلى الحقيقة، ووجود إخفاقات وثغرات عديدة في سير التحقيق وعدم استكمال التحقيقات حتى نهايتها، بداية بعدم جمع المقاطع المصورة من مكان الجريمة وإطلاق سراح المشتبهين قبل الحصول على رأي المختص بشأن الرصاص الذي وُجد في جثمان الشهيد موسى حسونة ومصابين آخرين.

وتكشف مواد التحقيق أن المختص لم يقم بعمله مبررا ذلك بأن الملف دفاع عن النفس ولا حاجة لفحص المقذوفات، وصولا إلى عدم إجراء مواجهة بين المشتبهين لتثبيت رواياتهم رغم اختلافها، كما لم يتم التحقيق معهم سوى مرة واحدة فقط رغم وجود تفاصيل تثير الكثير من الأسئلة والشكوك، مثل كيف اتخذوا قرار إطلاق النار، وكم كان عدد الشبان العرب، ومن الذي أعطى تعليمات إطلاق النار، ولم يتم أيضا استدعاء أي من الشبان العرب الذين تواجدوا في مسرح الجريمة للإدلاء بإفاداتهم أو استدعاء أي شهود عيان آخرين كالذين استرقوا النظر من نوافذ منازلهم.

وبرز إخفاق آخر في مجرى التحقيق، وهو عدم إجراء أي مواجهة بين المشتبهين الذين تلقوا استشارة من محام واحد ويمكن أن يكون هناك احتمالية تنسيق رواية موحدة.

وبحسب مركز "عدالة"، وجب التنويه إلى الإزدواجية التي تمارسها الشرطة الإسرائيلية بين المشتبهين اليهود والمشتبهين العرب، الذين لم يُسمح لهم بتلقي استشارة من المحامي نفسه حين اعتقالهم خلال هبة الكرامة في أيار/مايو 2021، وكذلك جرى استدعاء مشتبه للإدلاء بإفادته بعد أكثر من 25 يوما على الجريمة، ولم تتعامل معه الشرطة كمشتبه رغم اعترافه بالمشاركة في حيازة السلاح وإطلاق النار، ورغم التناقض الواضح في إفادته قامت الشرطة بتسريحه ولم تحاول معرفة الحقيقة.

استفزاز مُبيت للعرب

وتفند مواد التحقيق التي حصل عليها مركز "عدالة"، وتحديدا إفادات المشتبهين الخمسة المكتوبة، بشكل كلي ذريعة الدفاع عن النفس التي أغلق الملف على غرارها، حيث تواجد المستوطنين في ساحة الجريمة بعد دعوات تمت عبر مجموعات "واتس آب"، وذلك بهدف إقامة مسيرة أعلام إسرائيلية احتفالات بما يسمى "يوم القدس"، واتفقوا في ما بينهم على رفع الأعلام الإسرائيلية بهدف استفزاز العرب بمحاذاة دوار الزهور، وهو منطقة احتكاك تفصل بين السكان العرب والمستوطنين الذين كان قسم منهم مسلح، ومترقبين إمكانية الاحتكاك مع المواطنين العرب.

وظهرت عدة أدلة من مواد التحقيق تؤكد "اختراع" رواية الدفاع عن النفس التي لا أساس لها من الصحة ومحاولة جعلها منطقية ومقبولة، وأبرزها عندما سأل المحقق شاهد عيان إذا كان المشتبه بهم تحت الخطر خلال إطلاق النارح إذ قال "كان هناك أشخاص آخرين لم يهربوا ولم يتحركوا"؛ ويستدل ذات الأمر من أقوال المشتبه الثاني الذي قال في إفادته إنه "دار بيننا نقاش سريع ولا أتذكر التفاصيل وبمرحلة ما قررنا إطلاق النار صوب المتجمهرين، شخص منا حذرنا ألا نطلق النار على بعضنا البعض وباشرنا بإطلاق النار معا"، وهذا يثبت أنهم حضروا للمواجهة والاحتكاك وأذية العرب وليس الدفاع عن نفسهم.

وتأكيدا على كذبة ذريعة الدفاع عن النفس، قال المشتبه الثالث الذي يظهر من مواد التحقيق بعد فحص هاتفه الخليوي أنه تلقى رسالة في ذات المجموعة التي دعت للاعتداء على العرب في تمام الساعة 00:38 "كل من بحوزته سلاح، كل من بحوزته سلاح انزلوا، العرب يشاغبون هنا!"؛ أي أنه كان آمنا في بيته ونزل خصيصا بعد تلقيه الرسالة ولم يطلق النار بهدف الدفاع عن النفس كما زعم أفراد الشرطة.

وبحسب مركز "عدالة"، فإن أدلة إضافية تشير إلى تلفيق رواية الدفاع عن النفس، ما كتب في إفادات المشتبهين الرابع والخامس، حيث ذكر الأول في إفادته "قمت بإطلاق الرصاص بهدف ردعهم وأطلقت رصاصة واحدة ولا أذكر متى أطلقت الرصاصة الثانية"؛ لم يقل إنه أطلق الرصاص دفاعا عن النفس ورغم ذلك تم إغلاق ملف التحقيق معه وإطلاق سراحه، وعند سؤال المشتبه الآخر قال في إفادته إنه "أحدهم.. وأنا لا أعلم من.. أطلق الرصاص بهدف التحذير"، وأضاف "العرب أتوا لحرق سيارة.." دون أن يذكر أنهم شكلوا خطرا على حياتهم.

ذكر مركز "عدالة" أنه تظهر عدم جدية الشرطة بالحصول على الحقيقة من خلال إخفاقات وخروقات أخرى وعدم استكمال الشروط الأدنى لأي تحقيق شرطي، ومن ضمنها شهادة شاهد عيان أدلى بها للشرطة في الشارع في يوم الجريمة في تمام الساعة 3:00، وصف فيها المشتبه الأول وقال إنه شاهده يطلق النار صوب الشبان العرب حيث وقف في منطقة أعلى من منطقة إطلاق النار. وأضاف أن إطلاق النار لم يتوقف للحظة وأدانه بشكل مباشر لا يقبل التأويل، كما قام شاهد العيان نفسه بوصف مشتبهين آخرين ولكن الشرطة اكتفت بشهادته الأولية فقط، ولم تحاول التعرف على المشتبهين الآخرين فيما بعد أو استدعاءه لتحديد هويتهم والتعرف عليهم في عرض المشتبهين، بالإضافة إلى إشارة المشتبه الثالث في إفادته إلى أن المشتبه الأول أطلق النار مع مشتبه آخر لا يعرفه صوب الناس ولم يحاول المحققون حتى التعرف على هوية الآخر.

الشهيد حسونة

وتكمن سطحية التحقيق في تفاصيل كثيرة درسها مركز "عدالة" ضمن مواد التحقيق المذكورة، بالإضافة إلى عدم جمع الصور والمقاطع المصورة من هاتف شاهد عيان، والتي وثقها خلال إطلاق النار كمواد للملف، وتم إطلاق سراح المشتبه الأول قبل الحصول على نتائج مختبر المقذوفات بالرغم من العثور على 8 رصاصات أطلقت من مسدسه في مسرح الجريمة، وبعد أن تبين أنه أطلق 10 رصاصات من سلاحه في الليلة نفسها؛ ومن خلال المواد تبين أنه لم يتم الاطلاع على سجل مكالمات ورسائل المشتبه الثاني التي ربما حذفت عمدا لعرقلة سير التحقيقات.

تدخل سياسي

ومن بين مواد التحقيق التي جرى الحصول عليها، شريط مصور لمحادثة بين محققين وهي محادثة شخصية دون وجود مشتبهين، وتدل على التدخل السياسي بمجرى التحقيق، إذ جاء فيه ما يلي:

- المحققة: مدير المختبر لفحص المقذوفات يقول لي إن هذا التشخيص يكلف الكثير من المال وهو حاليا في أسفل سلم الأولويات، ولا ينوي التقدم في عملية فحصه، وتقول كذلك إن مختبر فحص المقذوفات نصحها بإطلاق سراح المشتبهين والاكتفاء بشهاداتهم وأنه لن يقوم بفحص العيارات النارية إلا في حال تقديم لائحة اتهام.

- المحقق: "ليقول هذا الكلام للوزير الذي يقوم بالاتصال كل 10 دقائق ليسأل عن الملف!"

وغرد وزير الأمن الداخلي حينها أمير أوحانا، على حسابه في "تويتر" بعد يوم من الجريمة أن "اعتقال مطلق النار في اللد ورفاقه الذين دافعوا عن أنفسهم أمر مستهجن، حتى في حال عدم معرفة الجمهور بكل التفاصيل، يجب اعتبار المواطنين الذين يحملون السلاح تعزيزًا هامًا للسلطات في تحييد كل تهديد أو خطر وشيك. الاعتقال أو إطلاق السراح ليسا ضمن صلاحيات وزير الأمن الداخلي، لكن لو كانت كذلك لأطلقت سراحهم، من الجيد أن تتصرف الشرطة بالمثل.

وبحسب مركز "عدالة"، "يثبت هذا التدخل السياسي وتشكيل ضغوطات بهدف إغلاق الملف، وهو أمر خطير جدًا ويضفي شرعية وضوء أخضر للمدنيين بقتل العرب دون حسيب أو رقيب، وهذا ما لمسناه أيضا من ضمن مواد التحقيق وتحديدا من أقوال المشتبه الأول عندما سأله المحقق عما إذا كانت طريقة أخرى للتعامل مع الحدث قال إنه ’لا، ومن ناحيتي الدولة منحتني هذا السلاح المرخص لمثل هذه المواقف بالضبط’".

فتح ملف التحقيق من جديد

وطالب "عدالة" من خلال الاستئناف بإعادة فتح التحقيق في ملف الشهيد موسى حسونة وإصابة آخرين، واستكمال التحقيق كما يجب يشمل تلقي إفادات من شهود عيان تواجدوا في مسرح الجريمة، بالإضافة إلى محاسبة المتطرفين الذين دعوا المسلحين للنزول إلى الشارع ومحاسبة ممثلي جمهور تواجدوا في مسرح الجريمة ولم يمنعوا إطلاق النار من بينهم مدير عام بلدية اللد، أهرون آتياس، نائب رئيس البلدية يوسف حاييم، اللذين بشهادة الشهود لم يصدرا أي أمر ضد إطلاق النار على العرب العزل ولم يحاولوا منع مثل هذه الجريمة، على العكس وقفا متفرجان وحتى ناقشا الموضوع مع مطلقي النار قبيل بدء إطلاق النار على المدنيين العزل.

وقالت المحامية، ناريمان شحادة زعبي، من مركز "عدالة"، إن "إغلاق ملف التحقيق رغم كل الأدلة التي تدين المشتبهين ووسط التدخل السياسي يشير إلى منح الشرعية والضوء الأخضر للمدنيين الإسرائيليين وعسكرتهم لقتل العرب دون أي محاسبة كما هو الحال عند مقتل أي عربي على يد الشرطة ويتم مباشرة إغلاق الملف دون أي محاسبة".

وأضافت أن "الظلم لا زال واقعا على الشهيد وعائلته، والعدل الوحيد المقبول هو تقديم كل الضالعين في الجريمة للمحاكمة ومحاسبتهم إثر ما اقترفته أياديهم وأفواههم، سواء من ارتكب الجريمة بشكل مباشر من أفراد الشرطة، ومن حرضه وأعطاه الأوامر ومن عرقل سير التحقيق وأخفى الأدلة ووزير الأمن الداخلي في حينه الذي صرح في تغريدة له أنه سيطلق سراح جميع الموقوفين المشتبهين بقتل الشهيد لو تعلق الأمر فيه".

وختمت شحادة زعبي أنه "رأينا كيف أن التساهل والتقاعس من قبل وحدة التحقيق مع رجال الشرطة في الجرائم التي انتهت بمقتل عربي أدى إلى تنامي هذه الظاهرة بشكل كبير، وباتت يد كل شرطي خفيفة على الزناد ويسهل عليه إطلاق النار بهدف القتل لأنه يدرك تماما أن أحدا لن يحاسبه على ما اقترفت يداه، وفي حال جرى اعتماد هذه السياسة مع المجرمين من المستوطنين والمتطرفين والعنصريين اليهود، سنرى عددا كبيرا من جرائم القتل على خلفية عنصرية لن تغلب الشرطة والمستوى السياسي في تلفيق تبرير لها كالدفاع عن النفس وغيره".

ونفى أوحانا المعلومات وقال إنه لم يتواصل مع ضابط أو محقق بهذا الشأن؛ فيما قالت الشرطة إن عناصرها عملوا بمهنية للتحقق من الأدلة والوصول إلى الحقيقة في السرعة الممكنة.

التعليقات