16/10/2021 - 21:49

د. سامي إرشيد: "إقامة بنك تعاوني عربي يضع مجتمعنا على عتبة التطور والتنمية"

"لأجل أن يكون تطورا اقتصاديا في أي مجتمع يجب أن تتوفر مؤسسات مالية، وليس مؤسسات اقتصادية، بل مؤسسات مالية قوية جدا ومستقلة يكون كل هدفها دعم التطوير الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع المعني."

د. سامي إرشيد:

سوق الناصرة (تصوير "عرب 48")

في البحث تحت عنوان "حواجز ومعيقات تطور المجتمع العربي في إسرائيل من وجهة نظر قانونية"، الذي نال عليه مؤخرا درجة الدكتوراة في القانون من الجامعة العبرية في القدس، يرتكز المحامي سامي إرشيد إلى القاعدة القانونية التي تعتبر "الحق في التطور" جزء لا يتجزأ من مجموعة حقوق الإنسان، التي نص عليها تصريح "الحق في التطور" الذي ورد ضمن قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1986، وتمتد جذوره في ميثاق الأمم المتحدة، الذي يلزم الدول الأعضاء بتطوير عمليات اجتماعية ومستوى حياة أفضل لتوسيع دائرة الحريات وكذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وميثاق الحقوق المدنية والسياسية الموقعة عليهما إسرائيل.

وهو يرى بالمجتمع الفلسطيني في إسرائيل بقية باقية من شعب، قضت نكبة 1948 على مراكزه الاقتصادية المتمثلة بالمدن المركزية التي تم تهجير سكانها وتدمير المشروعات الاقتصادية الكائنة فيها، ولم تبق مركزا اقتصاديا جديا للفلسطينيين الذين بقوا داخل حدود إسرائيل.

هكذا بقي العرب داخل دولة إسرائيل بدون مراكز مدنية هي بمثابة محور الفعل الاقتصادي والقيادة الاجتماعية، ومعاقل الغنى الاقتصادي حيث سكنتها الطبقات المتوسطة والعليا والمثقفين، كما ضمت المدارس والكليات عالية التقدير، إضافة إلى رجال الصناعة والتجارة.

كل هؤلاء اختفوا فجأة وبقي المجتمع الفلسطيني في إسرائيل بدون قيادة سياسية واجتماعية واقتصادية، كما جرى القضاء على رأس المال الفلسطيني عبر مصادرة الأملاك وإغلاق المصانع في المدن المقفرة، إضافة إلى خسارة الأغلبية السكانية وتحول الفلسطينيين من أغلبية إلى أقلية ذات قوة سياسية واجتماعية وسياسية محدودة جدا.

زاد الطين بلة، مصادرة الأرض التي حولت الفلسطينيين من مالكي 92% من الأرض إلى 4% فقط.

وهو يرى أن أي عملية تطور أو تطوير للمجتمع الفلسطيني يجب أن تبدأ بتجنيد رأسمال مستقل أو شبه مستقل، ويقترح في هذا الصدد إقامة مؤسسة مالية لتمويل التطوير في المجتمع العربي، بمبادرة الدولة وفي إطار تشريع قانوني أو إجراءات يقوم بها بنك إسرائيل ووزارة المالية، على شاكلة منظمة بنكية أو اعتمادية تنتظم في شركة ليست لهدف الربح، لكن نشاطها يستند إلى موديلات تجارية متعارف عليها وتصب جميع استثماراتها لصالح التطوير.

ويستدل على ذلك بالنشاط القائم في الدول المتطورة التي يقام بعضها من قبل تلك الدول بمشاركة القطاع التجاري للاستثمار في تطوير الدول النامية، في إشارة إلى أن تحريك عمليات التطوير في المجتمع العربي بحاجة إلى جسم تمويل خاص باشتراك الدولة وأجسام مالية أخرى على غرار؛ بنوك، شركات اعتماد وشركات تأمين.

النموذج الثاني الذي يقترحه الباحث هو اقامة بنك جماهيري تعاوني خاص لتمويل مشاريع في المجتمع العربي، وهو نموذج شائع في العالم وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، يورد البحث العديد من الأمثلة الناجحة الدالة عليه من بنوك تخص السود والهنود وجاليات أخرى وإلى وجود 4,000 بنك من هذا النوع في أوروبا يضمون 50 مليون مساهم و180 مليون زبون، كما يشير الباحث إلى مبادرة لإقامة بنك تعاوني عام 2013 في أعقاب "حركة الاحتجاج الاقتصادي"، والتي لم يكتب لها النجاح بعد أن فشل المبادرون في تجنيد رأس المال المطلوب.

د. سامي إرشيد

لتسليط مزيد من الضوء على موضوع البحث وسبل تطوير اقتصاد المجتمع الفلسطيني في الداخل كان هذا الحوار مع د. سامي إرشيد:

"عرب 48": ربما الجديد واللافت في البحث هو وضع الأصبع على الجرح واقتراح حلول عملية لتطوير اقتصاد عربي مستقل نسبيا، وهي حلول تتقاطع بشكل أو بآخر مع اقتراحات جرى تداولها في مرحلة سابقة كثر فيها الحديث عن "الحكم الذاتي"؟

إرشيد: منذ النكبة وإقامة دولة إسرائيل عام 1948 وحتى اليوم جرى الحديث دائما عن تطوير أو نمو اقتصادي في المجتمع العربي، ولكن في كل تلك المحاولات لم يتم التعامل مع الأسباب التي تمنع تطور المجتمع الفلسطيني في إسرائيل وتطويره، وأنا أسميه تطور وليس تنمية لأن التنمية هي نتيجة لتطور اجتماعي مستدام، في حين أن المطلوب هو التعامل مع أسباب قمع إمكانية تطور المجتمع العربي والكشف عن المقومات التي ما زالت كامنة في المجتمع لتحقيق هذا الغرض.

في الفصل الذي تناولت فيه مسألة الحاجة لأن يكون التمويل ورأس المال مستقل نسبيا كشرط ضروري لتطور المجتمع العربي، أوردت العديد من التجارب منها التجربة الصهيونية قبل إقامة إسرائيل، والتي يسمونها هم الجمعيات التعاونية المالية التي بدأت بتجميع رأس المال اليهودي لأجل تطوير وبناء وإنشاء وإقامة مصانع وخلق أماكن عمل، كذلك أخذت تجارب من أماكن أخرى في العالم لمجتمعات أقليات منها تجربة الأميركيين من أصول أفريقية في سنوات الخمسين ببعض الولايات، حيث قاموا بتأسيس جمعيات وبنوك تعاونية، إضافة إلى إلقاء الضوء على تجارب دول كانت دولا نامية في الثمانينات والتسعينيات واليوم أصبحت دولا متطورة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية.

وخلصت إلى نتيجة أنه لأجل أن يكون تطورا اقتصاديا في أي مجتمع يجب أن تتوفر مؤسسات مالية، وليس مؤسسات اقتصادية، بل مؤسسات مالية قوية جدا ومستقلة يكون كل هدفها دعم التطوير الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع المعني.

يجب أن يتوفر رأس مال مستقل عن الدولة وعن الحكومة لأجل ضمان حركة مالية تساعد الأفراد والمجتمع بأن يتطوروا ويكفوا أنفسهم بأنفسهم.

ولتحقيق هذا الغرض أوردت اقتراحين، الأول، إقامة مؤسسة شبه حكومية يمكن تسميتها بـ"مؤسسة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي في إسرائيل"، يكون غالبية أصحاب القرار فيها من ممثلين المجتمع العربي الذين يعرفون احتياجاته وإلى أين يجب أن تذهب برامج التطوير.

والاقتراح الثاني هو إقامة بنك تعاوني يكون بنكا بكل معنى الكلمة، مستقلا عن مؤسسات الدولة ويتمتع باستقلالية أيضًا عن المؤسسات المالية القائمة ويخدم المجتمع العربي، هاتين المؤسستين مكملتين الواحدة للأخرى والفلسفة من إقامتهما هو خلق استقلالية عن قرار الحكومة، وجعل تطور المجتمع العربي مرهونا بإرادته هو وليس بإرادة حكومة إسرائيل.

أما الهدف من إقامتهما فهو إيصال الكمية اللازمة من المال للمشاريع التنموية، أو مشاريع البنى التحتية، أو مشاريع الكفيلة بخلق فرص عمل وتحسين الوضع الاقتصادي للمجتمع العربي.

"عرب 48": من الواضح أن هناك فرقا بين مفهومنا للتطور الاقتصادي الخاص بمجتمعنا وبين مفهوم إسرائيل التي عندما قامت بتدمير المراكز الاقتصادية الفلسطينية وصادرت الممتلكات والأرض، وأفقرت من تبقى من الفلسطينيين أرادت القضاء على أي مظهر من مظاهر الاستقلال الاقتصادي لمجتمعنا، وهي عندما تتحدث عن تطوير لما تسميه "القطاع العربي" اليوم فإن ما تقصده كأحد معيقات تحقيق الاقتصاد الإسرائيلي لمزيد من الازدهار؟

إرشيد: على الأقل في الخمسين سنة الأخيرة، أي منذ انتهاء الحكم العسكري، كانت هناك محاولات، بغض النظر عن كونها جدية أو غير جدية، وكانت أحاديث عن إقامة مشاريع لتطوير اقتصاد المجتمع العربي وحتى عن إقامة مؤسسات ورعاية مؤسسات بما في ذلك مؤسسة مالية بمباركة الدولة هي "البنك العربي الإسرائيلي"، وهو بنك خصص للمجتمع العربي وكان يتبع لبنك لئومي، ولكن بالمحصلة فإن كل هذه المؤسسات كانت مؤسسات موجهة، بمعنى أنها تخضع لتقييدات معينة في حدود دورها.

فالبنك العربي الإسرائيلي جاء بهدف توفير الخدمات المصرفية للعرب في داخل بلداتهم، وقبل 10-8 سنوات تبين خلال بحث في الكنيست أن البنك العربي الإسرائيلي كان يأخذ فوائد أعلى بكثير من الفوائد التي كان يأخذها بنك لئومي من الجمهور اليهودي، وعمليا بدلا من أن تلعب هذه المؤسسة التي يفترض أنها جاءت لتساعد المجتمع العربي وتساهم في تنميته، فإنها تستغل الحكر الذي تتمتع به لاستغلاله.

ولنأخذ مثالا آخر هو "سلطة التطوير الخاصة بالوسط العربي" القائمة منذ عام 2010 والتي كانت تتبع لمكتب رئيس الحكومة وتتبع اليوم لوزارة المساواة الاجتماعية، فهي عبارة عن سلطة حكومية تفتقر إلى أي قرار سياسي عربي، وينحصر هدفها في كيفية زيادة الأيدي العاملة العربية في سوق العمل الإسرائيلي، ولذلك تصب نشاطها على قطاع النساء، حيث نسبة المشاركة ضئيلة، والفلسفة من وراء ذلك هو أنه كلما شارك العرب أكثر في سوق العمل فإن ذلك سيؤدي إلى نمو اقتصادي أكبر لدولة إسرائيل.

"عرب 48": يبدو واضحا أن دواعي التطوير الذي بدأت تظهر بوادره في العقد الأخير بشكل خاص، يعود أولا إلى التزام إسرائيل بقواعد منظمة التعاون الأوروبي العضو فيها، وثانيا لأنها اكتشفت أن العرب والحريديين يشدون الاقتصاد الاسرائيلي إلى الوراء؟

إرشيد: سياسات الحكومة لا تتماشى مع الاحتياجات الخاصة بالمجتمع العربي، لأن سياسات الحكومة بقيت نفس السياسات التي اتبعتها إسرائيل منذ قيامها، فالعائق الأساسي لتطور المجتمع الفلسطني هو إبادة المدينة الفلسطينية والقضاء على الطبقة الوسطى خلال نكبة 1948 ثم محاصرة المجتمع الفلسطيني داخل البلدات والقرى القائمة، وما زال أي برنامج اقتصادي يجري الحديث عنه اليوم لا يتعدى تقليل المعاناة داخل البلدات والقرى العربية، ولا يجري الحديث عن أي برنامج أو مؤسسة تبغى الصعود والنمو بالمجتمع الفلسطيني نحو التطور كمجتمع متكامل.

ومن الواضح أن كل نظريات التطور الاقتصادي وغير الاقتصادي لأي مجتمع حضري ومستدام تشترط ضمان حرية التنقل، داخل المجتمع والدولة بما يعني حرية السكن في أي مكان وبناء مدن ومراكز حضرية وهذا الشيء غير موجود لدينا نهائيا، فقد جرى هدم هذه المراكز عام 1948 وجرى على مدى 70 عاما منع تطور أو إقامة مراكز حضرية جديدة.

"عرب 48": التمييز الحكومي ينعكس وينسحب على الأسواق المالية والاقتصادية الجماهيرية والخاصة، مثل البنوك وشركات الاعتماد والشركات الاقتصادية الكبرى غير المملوكة للدولة؟

إرشيد: لقد عالجت في أحد فصول البحث بإسهاب مسألة العوائق التي تضعها البنوك أمام حصول العرب على قروض الإسكان، ولذلك يحصل العرب على 2% فقط من قروض الإسكان علمًا أن نسبتهم من السكان هي 20%، كما أن حصة المجتمع العربي من تمويل مشاريع الإسكان هي 2% أيضا.

هذا ناهيك عن أن رأس المال نفسه هو رأس مال يهودي هم من يتحكمون فيه ومن يقررون أين يذهب وأين يتم استثماره، ولذلك فإن الاستثمار في أماكن العمل وبناء المدن والمراكز الصناعية كلها تتم في الوسط اليهودي، وعندما فكروا بتقديم خدمات بنكية خاصة لنا، استغلوا ذلك لجباية نسبة فوائد هي أعلى من البنك الأم.

"عرب 48": هذه السياسة أدت أيضُا إلى منع مراكمة رأس مال عربي؟

إرشيد: صحيح، والدليل على ذلك أنه في البورصة الإسرائيلية لا يوجد أسهم متداولة لأي شركة عربية، باستثناء محاولة لشركة القضماني دامت لبضع سنوات فقط، فهم يريدون أن يتم استثمار رأس المال العربي في البنوك اليهودية وإن كنت طموحا أن تشتري أسهمًا في الشركات اليهودية.

وفي النهاية مهما حاولت أن تتقدم فإنه بغياب رأس المال وبغياب مراكمة رأس مال، وشركات تتمتع فيها باستقلالية نسبية من الصعب جدا أن تضاهي أو تقترب من التطور الاقتصادي العام الموجود في الدولة.

"عرب 48": ما هو البنك الذي تقترح إقامته وكيف؟

إرشيد: هناك اقتراحان، الأول هو المبدأ التعاوني بحيث نستطيع إقامة مؤسسة تعاونية مالية برأس مال يقارب 100 مليون شيكل وهذا ممكن قانونيا، وعمليا يمكن تجنيد المبلغ من خلال ضم عشرات وربما مئات المساهمين، وهي لا ترتقي إلى مستوى البنك بل هي مؤسسة تعاونية وحسب تعديل 2016 للقانون، تستطيع مؤسسة برأس مال بهذا المقدار إعطاء قروض وأخذ فوائد وهناك تجارب ناجحة من هذا النوع في العالم الغربي ما زالت قائمة إلى اليوم، وأنا أقترح أن تتم المبادرة من قبل القيادات السياسية والشعبية العربية وأن يلتف حولها بعض رؤوس الأموال العرب.

الاقتراح الثاني هو إقامة بنك، ممكن أن تخصص الدولة ميزانية مساهمة من بضع مئات الملايين من الشواقل (500 مليون شيكل) يجري اقتطاعها من المبالغ التي تتحدث عنها الحكومة كميزانية تطوير للمجتمع العربي، إلى جانب فتح باب المساهمة للمساهمين العرب أساسا، بينما تكون إدارته مستقلة.

وهذا النموذج موجود في إسرائيل فبنك "لئومي" وبنك "هبوعليم" وبنك "ديسكونت" كلها كانت مملوكة في السابق للدولة ولها إدارات جماهيرية مستقلة عنها، وفي عامي 1984-1985 عندما انهارت البورصة قامت إسرائيل بتأميم البنوك وأبقت إداراتها مستقلة كإدارة اقتصادية ونجح هذا النموذج، ثم باعوا لاحقا غالبية أسهم بنكي "هبوعليم" و"ديسكونت" وبقيت غالبية أسهم بنك "لئومي" بملكية الدولة وهو يتمتع بالرغم من ذلك بإدارة جماهيرية مستقلة عن الدولة.

تأسيس بنك عربي سيشكل بدون شك رافعة لتطور المجتمع العربي، ويوفر رأس المال المطلوب للتنمية المجتمعية والاقتصادية في مختلف الميادين والمجالات من البناء والإسكان إلى التشغيل والتصنيع وصولا إلى الثقافة والتعليم والفن ويضعه على عتبة النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.


د. سامي إرشيد: محاضر وباحث بالقانون والتطوير الاقتصادي والتمويل بالجامعة العبرية في القدس، حصل على بكالوريوس بالقانون من الجامعة العبرية، ماجستير من جامعة ساسكس بإنجلترا، ودكتوراة من الجامعة العبرية، وهو محام متخصص بقانون الأراضي والملكية وقوانين التنظيم والبناء والقانون العام والإداري، مثّل في نطاق عمله وما زال المجتمع الفلسطيني في القدس أمام الدوائر والمحاكم الاسرائيلية في قضايا التنظيم والبناء وحقوق السكن وحقوق الإنسان في عدة قضايا وملفات أبرزها قضية قرية لفتا المهجرة وقضية بيوت سلوان وقضية الشيخ جراح.

التعليقات