"أدبنا في مرآة النقد" في الصالون الأدبي الذي بادرت إليه جمعية الثقافة العربية

-

ضمن " الصّالون الأدبيّ" الذي بادرت إليه جمعية الثقافة العربية، والذي تقرر أن يلتقي في الساعة الخامسة مساء يوم الجمعة الأول من كل شهر، عقِدَ اللقاء الأول يوم الجمعة 3/ 2/ 2006 تحت عنوان "أدبنا في مرآة النقد".

افتتحت اللقاء المديرة العامّة للجمعيّة د. روضة عطاالله، مرحبّة بالحضور، ومقدّمة بكلمة مقتضبة للصّالون وأهدافه، ثمّ قدم د. فهد أبو خضرة ملاحظات أوّليّة عرض فيها للمناهج النقديّة، سماتها وتطورّها، وقدّم الدكتور نبيه القاسم والأستاذ حسين حمزة، اللذين تحدّثا عن تجربتهما في النقد، والمناهج التي يمارسانها، وتعرّضا للأدب المحليّ وللنّقد المحليّ، ثمّ شارك في النّقاش عدد من الحضور.

أكّدت د. روضة عطاالله على سعي جمعية الثقافة العربية من خلال الصالون الأدبي إلى إثراء الحياة الثقافية وتنشيطها بالمحاضرات المتخصصة، ومناقشة الإنتاج المحلي، حيث يلتقي المبدعون بالنقاد والقراء، إضافة إلى فعاليات أخرى يقترحها المشاركون.

في بداية حديثه رحب د. فهد أبو خضرة بالحضور، وأشار إلى أن هذا اللقاء قد خطط له بشكل شهريّ يجتمع فيه المهتمون بالأدب والثقافة وعشاق اللغة العربية، لدعم وتنشيط الحياة الثقافية، والتي هي بحاجة إلى الكثير من الدعم نظرًا لقلة القراء وكثرة المبدعين...

وقال "الموضوع هو النقد الأدبي، تجارب ومطالعات في النقد الأدبي. وانطلق في البداية من مقولة تتكرر "هناك أزمة في النقد الأدبي"، أزمة بمعنى أننا لا نملك منهجًا أو نظرية. وكل ما لدينا من مناهج أو نظريات هي غربية. ويأخذ نقادنا من هنا وهناك بطريقة "التوفيق" أو "التلفيق" لأنه لا يوجد غالبًا نقاد متخصصون بمنهج معين، وإنما في معظم الحالات يكتفون بإطلاع غير متعمق وغير متخصص.

يقولون أيضًا إن هذه النماذج ليست بالضرورة ملائمة لإنتاجنا الأدبي، ويطلبون أن يكون هناك منهج أو نظرية نابعة من حاجاتنا الثقافية وربما من تراثنا".

عرض أبو خضرة للمناهج النّقديّة السّائدة المعمول بها، فذكر المنهج النّصّيّ المتأثر بمدرسة نقدية غربية تسمى النقد الجديد، وبمدرسة روسية تسمى المدرسة الشكلانية، والمنهج البنيوي القائم على العلاقات بين النص نفسه والأنساق، مشيرًا إلى أنّ المدرسة البنيوية لم تبق مدة طويلة في الأدب العالمي، ويطبق هذا المنهج بعض المقولات والإكتشافات التي وصلت إليها اللسانيات بشكل جيد وتسمى الأسلوبية البنيوية. والمنهج الثالث هو المنهج الإجتماعي الذي يفحص المضمون ويتركز فيه أكثر مما يتركز في الشكل، ويعتمد على النظرية الإشتراكية، وهو يطبق في بلادنا أيضًا وفي مصر.

وأشار إلى أنّ "النقاد يلجأون أحيانا إلى المنهج التاريخي إما مفردًا أو مركبًا من مناهج أخرى، ويسمى النقد الخارجي ويتناول المؤلف والنص الأدبي والمناسبة والسياق والظروف. والمنهج نفسه متأثر بعلم النفس ويحاول أن يحلل الدوافع الموجودة لدى المؤلف والشخصيات داخل النص الأدبي، وهو قليل عندنا. ونرى على قلّة من يتّبع المنهج التفكيكي وهو ثورة على البنيوية ويطرح أكثر من تفسير للنص الواحد.
وبموجب هذا المنهج لا يوجد معنى نهائي للنص. ويعتبر هذا المنهج من أحدث المدارس. ومنهم من يعتمد منهج نظرية التلقي المهتمة بالمتلقي أكثر من المبدع أو النص. وهذا المنهج ينصف الطرف الثالث (الأطراف الثلاثة: المؤلف والنص والمتلقي القارئ). وهو مدرسة حديثة ظهرت في أوروبا في أواخر سنوات الستينيات، وبدأت ترجمتها في السنوات الأخيرة وما لبثت أن بدأت الكتابة على أساسها. والمناهج النقدية مرتبطة بثقافة الناقد وإطلاعه. ثمّ طرح جملة من التّساؤلات عن النقد في بلادنا، حقيقته ومدى جدّيّته".

أكّد الناقد د. نبيه القاسم على وجود أزمة في النقد الأدبي العربيّ عامّة، وأشار إلى عدم رضا المبدع عن النقد، وعدم رضا الناقد عن النص الأدبي، مضيفًا أنّ الكثير من المناهج النقدية لا تلائم أدبنا المحلي (حتى التفكيكية)، فهذه المناهج التي نشأت في مجتمعات ملائمة لها هي ابنة تلك المجتمعات، إذ لا يمكن تطبيق هذه المناهج في مدينة غير موجودة بالمفهوم المدني. وأضاف أنّ الكثير من الكتابات النقدية ليست إلا لملء صفحات حول نص لا يستحق النّقد، ومن جهة أخرى تجري معاداة الناقد لأن أحدًا لم يرق له النقد. ولذلك فإن الأزمة ستظل قائمة بين المبدع والناقد، وسيظل الناقد غير مقتنع بالأدب الموجود أو المنشور، ناهيك عن قلة من مارسوا النقد،

وأشار إلى سنوات الثمانينيات حيث كان أكثر من اتجاه أدبي يتميز بالمعرفة والإبداع الحقيقي، إلا أن سنوات التسعينيات، في ظل العولمة بعد انهيار المعسكر الشيوعي، والتسطيح، تركت أثرها في الأجيال الجديدة، وأصبح لدينا من يكتبون الشعر وهم ليسوا شعراء، وهذا النوع من الإنتاج يدفع إلى التساؤل حول علاقته بالشعر والإبداع وأي منهج أو نظرية يمكن تطبيقها! وتنشر لهم الصحافة وتبرز ألقابهم الجامعية، وهم يفتقدون للرؤيا واللغة العربية والعروض، ويعتمدون على القصيدة النثرية وتوزيع الكلمات. وهناك مبدعون حقيقيون ولكنهم قلة.

وقال القاسم إنّه كناقد لا يفصل بين الشخص والنص، وربما لا يرى البعض أي علاقة لهذا بالنقد، إلا أن المنهج الأكثر دواماً هو الواقعية الاشتراكية الجديدة.

وأضاف أنه هنا يطرح السؤال من جديد؛ هل الأدب للأدب أم الأدب للناس؟ لافتاً إلى أنه لا يمكن للناقد المبدع أن يتناول النص ويبقى على الحياد.


أما الناقد الأستاذ حسين حمزة والذي يتبع المنهج البنيوي الأسلوبي، فقد أشار إلى أنه لا يتفق مع د. القاسم بشأن المناهج. وقال هناك نقد انطباعي ومنهجي. النقد الانطباعي تغلب الذاتية عليه، أما المنهجي فهو التزام بحدود إيقاع العصر ورفض هذا المبدأ يدفع إلى التقوقع، ويجب أن نعترف ونقبل بنظرية التطور الديناميكية.

وتابع أنه منذ الجاهلية وحتى يومنا، فإن الشغل الشاغل للشعراء هو البحث عن المعنى، فهل نؤمن أن المعنى موجود في بطن الشاعر أم في بطن النص أم في بطن المتلقي؟

"وعندما نأخذ نصاً معيناً لإعمال مبضع النقد ولدراسة الشروط التاريخية للكاتب وإسقاط الظروف الخارجية على النص فإننا بذلك نغلب المضمون على النص".

وقال حمزة إن هناك ثلاثة مثلثات حكمت النظرية النقدية؛ المؤلف يقف على رأس المثلث، وضلعا المثلث هما النص والقارئ، أو النص على رأس المثلث وضلعاه المؤلف والقارئ، أو القارئ على رأس المثلث وضلعاه النص والمؤلف.

وتابع أنه في كل عصر وبيئة ثقافية لم يختلف المثلث وإنما التركيزات على رأس المثلث بفعل إختلاف إيقاع العصر والنص وذوق القارئ، وعلى الناقد أن ينظر إلى النص الأدبي بمنظار عصري فالمعرفة الإنسانية تسير باتجاه تراكم معرفي ونقدي.

وحول الأدب المحلي أشار إلى أن الموقف الجمعي والبقعة الجغرافية التي نعيش فيها تجعل الكل يعرف الكل، بمعنى أن الشخص يكون قبل النص، وهنا قد نحتاج إلى مارون عبود، وعملية النقد هي عملية إختزال وغربلة، فعملية اختيار المادة هي موقف نقدي، قد يكون سلبي، وهذه الثنائية تطرح سؤالاً أخر حول الشخص والنص فالنقد ليس قضية سابق ولاحق.

وهنا يشير إلى حالات جاء فيها "النص الأدبي أقل من النص النقدي ألذي أبدع عليه، وهذا يعني تحميل النص أكثر مما يحمله".

وأشار إلى أن النقد الروائي قليل، فمعظم النقاد يتمحورون حول القصة والشعر، والتمحور هو أكثر منه في الشعر لطبيعة الشعر الريادي الذي طغى على الأدب.

ولفت النظر إلى أن هناك مشكلة في الصحافة الأدبية، حيث لا توجد صفحة أدبية تدفع أجرا للشاعر أو الناقد أو المبدع، أي أنه يعمل بدون مردود حتى المردود المعنوي، وقد تؤثر هذه المشكلة على مدى اشتراك الناقد، في حين أن الصحافة المدعومة المهتمة قد تسهم في فرز المشهد النقدي والأدبي والثقافي.

ثمّ أغنى الموضوع عددٌ من الحضور بمداخلاتهم وآرائهم، وهم الأديب الأستاذ حنا أبو حنا، والأديب الأستاذ عطاالله جبر، والكاتب الصّحفيّ سهيل كيوان، والكاتب الصّحفيّ وليد أيّوب، والأديب جورج فرح، والكاتب أدمون شحادة، والأستاذ يوسف حسن والدّكتور إلياس عطاالله.

وفي نهاية الجلسة تقرر أن يناقش الصالون الأدبي يوم الجمعة الأول من شهر آذار/نيسان القادم (03/03/2006) قصّتين؛ الأولى "زوجي سائق باص" للكاتب علاء حليحل، والثانية "لكل مقام حذاء" للكاتب سهيل كيوان.

التعليقات