ندوة جمعية الثقافة العربية حول قرار التقسيم: إجماع على صدقية الرفض التاريخي للقرار

-

ندوة جمعية الثقافة العربية حول قرار التقسيم: إجماع على صدقية الرفض التاريخي للقرار
غصت قاعة مسرح الميدان في مدينة حيفا، مساء الخميس، بالمئات من ابناء شعبنا الفلسطيني في الداخل، الذي قدموا من مختلف المناطق في الداخل لحضور الندوة التي دعت اليها جمعية الثقافة العربية بمناسبة مرور ستين عاما على قرار التقسيم عام 1947، والتي حملت عنوان: تقسيم فلسطين قرارا ومسألة.

وقد شارك في الندوة: كل من النائب الدكتور جمال زحالقة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، ومديرة جمعية الثقافة العربية د. روضة عطا الله، المحاضر د. محمود محارب، المحاضر د. أمنون راز كركوتسكين، د. خليل نخلة و المحاضر د. جوني منصور الذي أدار الندوة.

و بعد مشاهدة فيلم قصير سلط الضوء على قضية تشريد الفلسطينيين، وأوضاعهم المعيشية الصعبة وغير المعقولة في المخيمات، تطرق المتحدثون في كلماتهم إلى مفهوم التقسيم في الفكر الصهيوني وفهم القيادة الصهيونية في تلك الفترة لقرار التقسيم، وكذلك الى التحولات في موقف منظمة التحرير الفلسطينية من تقسيم فلسطين، وأيضا عن موقف الحركات الفلسطينية في تلك الفترة من القرار ، وميزان القوى العالمي الذي لم يعمل لصالح القيادة الفلسطينية وهيأ لقرار التقسيم بالاضافة للموقف العربي المشتت ان لم نقل المتخاذل في دعمه للقضية الفلسطينية.في بداية الندوة رحبت رئيسة جمعية الثقافة العربية د.روضة عطا الله بالحضور، وقالت: نحن اليوم نفتح ملف التقسيم من جديد، بتزامن مع ما يسمى مؤتمر السلام في أنابوليس، حيث يقسم ويجزئ ما تبقّى من خمس وطننا الفلسطيني الذي أطلق عليه اصطلاحا " أراضي الـ 67".

وأضافت: "نعيد فتحَ الملف لأن ستين عاما مضت وما زال شعبنا يحلم بالعودة من مخيمات اللجوءِ المؤقتة التي كانت نتيجة متوقعة لهذا القرار وعقابيله المشؤومة، وشعبنا مشتت في كل بقاع الأرض".

وقالت: "لا يمكن قراءة قرار التقسيم دون تطرق لمبادئ العدل والإنصاف. إن الغبن التاريخي الذي لحق بنا، نحن أبناء الشعب العربي الفلسطيني أصحاب الأرض والوطن، مبني أصلا على أساس الفكرة الصهيونية الإمبريالية برمتها، وأطماعها في الشرق العربي، وما محاولة حصرها في قبول أو رفض قرار التقسيم إلا نوع من قصر الرؤية والرؤيا".

وتابعت أن "الغبن التاريخي كما نراه كامن في إسباغ الشرعية على إقامة دولة إسرائيل، مع الضربِ بعرض الحائط بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلّة، أو في حقه بألا تقام على أرضه دولة أخرى، الاعتراف بقرار التقسيم هو اعترافٌ بالدولة اليهودية وشرعية يهوديّتها، لأن قرار التقسيم لم يعتمد على حق تقرير المصير لليهود فنحن مع تقرير مصير كل شعب مضطهد، ولكن قرار التقسيم اعتمد على شكل تقرير المصير لليهود ممثلاً بالدولة اليهودية.

وتطرقت د. روضة عطا الله في كلمتها الى موقف المؤيدين لقرار التقسيم قائلة: " إن التهليل للموقف السياسي المشين المؤيد للقرار منذ ذلك الوقت وحتى أيامنا هذه، كما نرى ما يفعل بعض من إخواننا الفلسطينيين في البلاد من على شاشات التلفاز أو الندوات الحزبية والجماهيرية، هو تهليل لجنازة.. بدأ الخطأ بقبول القرار مما كان ضد المصلحة الوطنية وتطور إلى خطيئة عندما لم تتراجع قيادات تلك الأحزاب عن خطئها واستمرت بالدفاع عن القرار. إن وضعنا نحن الفلسطينيين الباقين على أرضنا داخل هذه الدولة التي فرضت علينا بالقوة كما فرضت علينا المواطنة الإسرائيلية هو أكبر إثبات لصحة رفض القرار وعدم قبول بناء دولة لليهود على حسابنا".
وفي افتتاحيته للجلسة قال د.جوني منصور: " في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1947 أوصت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بخطة لتقسيم فلسطين، وذلك استنادا إلى تصويت 33 دولة على الخطة التي تقضي بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية على مساحة 55% ودولة عربية على مساحة 45% من مجمل المساحة الكلية لفلسطين زمن الانتداب البريطاني. وقد صوت ضد القرار 13 دولة من ضمنها جميع الدول العربية التي كانت عضوا في هيئة الأمم المتحدة آنذاك، ودول أخرى ".

وأردف د.منصور: "فيما لو نظرنا إلى قرار التقسيم فإننا لنجد أن الأمم المتحدة قد فشلت في تنفيذ خطة التقسيم وحماية قرارها على الأقل، حينما لم ترسل طواقم لتنفيذ القرار، جراء هذا القرار الجائر تم طرد وترحيل حوالي 800 ألف فلسطيني (أي قرابة 80% من السكان الأصليين الفلسطينيين، وهؤلاء عاشوا في وطنهم منذ فجر التاريخ. وسيطرت اسرائيل على 78% من الأرض الفلسطينية، وتم بالتالي تدمير شبه كلي لأسس ومكونات الحضارة الفلسطينية المدينية والريفية، وتحول مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لاجئين ومشردين موزعين في بلدان مجاورة وفي وطنهم.

وقال د. منصور: "إننا في مثل هذا اليوم، بالذات، حيث ازداد تدفق هواة ومحبي التصوير في الإعلان عن تجديد العملية السلمية الموؤودة أصلا وغير القائمة والتي باعتقادي لن تخرج إلى حيز الوجود وذلك اعتمادا على أسس وقواعد الفكر التقسيمي والتجزيئي والترحيلي، بالمقابل سيزداد تمسك الفلسطينيين في الداخل وفي الأراضي الفلسطينية واللجوء بالثوابت العادلة المتمثلة بحق العودة لذي لا عودة عنه وبرفض فكرة وطروحات الدولة اليهودية، والسعي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، كحق شرعي للفلسطينيين".
وفي كلمته قال الدكتور محمود محارب، استاذ العلوم السياسية في جامعة القدس: "ان المشكلة المركزية لم تكن قرار التقسيم بل السعي الصهيوني المتواصل لاقامة الدولة اليهودية على أنقاض الشعب الفلسطيني وليس قرار التقسيم وحده.

وأضاف أن الحركة الصهيونية نشأت في أوروبا في أواخر العهد الاستعماري، وعرفت نفسها بانها تريد ان تحل مشكلة اليهود في اوروبا، والمشكلة هنا ان الحل جاء على حساب الشعب الفلسطيني وتهجيره من وطنه، مقابل توطين اليهود فيها".

وأضاف: "الحركة الصهيونية وضعت هدفا لها بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، عام 1946 أدركوا ان ليس بإمكانهم إقامة دولة يهودية على كامل أراضي فلسطين، ومن ثم اتخذ قرار انشاء دولة يهودية على جزء من فلسطين، في أي منطقة باستطاعتهم انشاء اغلبية فيها حتى ولو عن طريق القوة وسعوا الى تقسيم فلسطين كذلك عن طريق العمل السياسي المثابر، وساعدهم في ذلك تعاطف الاوروبيين بعد المحرقة النازية، وهذا يتماشى مع أرادة الاوروبيين في التخلص من اليهود في بلدانهم.

في تلك الفترة لم يكن قدرة لدى القيادة الفلسطينية في الخروج عن الاجماع على قرار التقسيم وتخاذل قسما كبيرا من الدول العربية. في ظل هذه الظروف وتوازن القوى الذي لم يكن في صالح الفلسطينيين سعت القيادة الفلسطينية الى اقامة حكومة بعد احتلالها وتعاطت مع الواقع الجديد، في الوقت الذي كانت تعقد فيه المؤتمرات من اجل تقسيم فلسطين".

ومضى محارب: " حتى اليوم ميزان القوى ليس في صالح الفلسطينيين ويعمل في سبيل شرعنة اقامة دولة اسرائيل على أكبر مساحة من الارض ولن يتوقف الامر عند قرار التقسيم، بل الوضع اليوم هو اسوء بكثير مما كان عليه".

وفي نهاية حديثة قال د. محمود محارب: "اليوم يريدون ان يلوموا الضحية والشعب الفلسطيني في مسؤوليتهم عن اقرار قرار التقسيم دون ان ياخذوا الظروف التي كانت في تلك الفترة، وهذا بدل ان يلوموا الاطراف التي تآمرت ضد الشعب الفلسطيني".

أما الدكتور جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي فقد حيا بدوره جمعية الثقافة العربية على تنظيم الندوة ذات الاهمية الكبيرة، على حد قوله.

وفي مقدمته قال زحالقة" "كان المؤرخ عارف العارف بارعا في وصف الالم والوجع في وصف مشاعر الناس في مدينة القدس غداة قرار التقسيم، القلق الاحباط والخوف على المستقل، هذه المشاعر تطوى في كتب التاريخ لان مشاعر الضحية في نظر المؤرخين تذهب هباء وما رصد من مشاعر بالنسبة للتقسيم هو الحفلات في تل ابيب وحيفا ..

وأضاف: "ربما تكون مهمة المؤرخ التقدمي هو التقاط سيرة الضحية ومشاعرها وانقاذها من براثن المنتصرين. ونحن ننظر الى التاريخ ونريد أن نشحنه بما نعتقد انه أمر صحيح وهو تاريخ الضحية،لان مصلحة الضحية دائما في كشف الحقيقة ومصلحة المجرم هو العكس تماما، من الجرائم الصغرى حتى اكبرها.

وتطرق زحالقة الى عدة نقاط منها رفض بن غوريون وثيقة استقلال اسرائيل كونها تشمل كلمة اقامة الدولة في اطار قرار التقسيم، مشددا على انه يجب ان يكتب على أساس قرار التقسيم، وعلى هذا الاساس قبل الوثيقة لاحقا، ومضى زحالقة: "رفض مصطلح إطار التقسيم ما زال مستمرا حتى اليوم واسرائيل لم توافق يوما على قرار التقسيم، بل تتعامل مع اقامة الدولة على أنها جاءت على اساس قرار التقسيم ورفضت الاطار بكل معانيه الاخرى، كانت تريد مبدأ اقامة الدولة اليهودية من اجل تنفيذ مشروعها كما ارادت".

وعن الموقف العربي وبالتحديد القيادة الفلسطينية قال زحالقة، إن الحاج امين الحسيني والقيادة الفلسطينية تعرضت لغبن تاريخي وهجوم مستمر منذ 60 عام وتحميلهم المسؤولية انهم رفضو قرار التقسيم وفوتوا على الشعب الفلسطيني فرصة تاريخية ذهبية. القيادة الفلسطينية رفضت القرار كما رفضه الشعب الفلسطيني وعامة الشعب ايضا لانهم ادركوا ان هذا القرار هو مجحف وبمثابة غبنا تاريخيا بحقهم، وهم ارادوا حلا عادلا للقضية الفلسطينية. ووصف زحالقة الهجوم حتى اليوم على القيادة الفلسطينية التاريخية هو اقتناع نوعا ما بالرواية الاسرائيلية".

وقال زحالقة: "التهجير في قرار التقسيم كان مكتوبا بين الاسطر، اذ كيف ستكون دولة يهودية من دون تهجير العرب الذين يشكلون 45% من سكانها بحسب القرار".

وعن موقف القيادة الفلسطينية قال: " انا لا الوم القيادة الفلسطينية برفض التقسيم، لكن كان على القيادة الفلسطينية ان تعمل لمنع صدور قرار التقسيم بصورة مثابرة وجدية اكثر، فمقاطعة اللجان الدولية التي اتت الى البلاد من اجل بحث الاوضاع في فلسطين واتخاذ القرارات كان خطأ على الرغم من وجهة النظر الفلسطينية في القرار، هذا الامر جعل اللجان تستمع الى الجانب الاسرائيلي، ولا تستمع الى خطورة القرار وتشريده للفلسطينيين، وبهذه الطريقة حصل اليهود على غالبية الاراضي".

وقال زحالقة إن اكثر ما يقلق هو استمرار حتى اليوم بالمطالبة باعتراف بدولة اسرائيل كدولة يهودية على اساس قرار التقسيم، بعد تشريد الشعب الفلسطيني واحتلال ومصادرة اراضيه يطالبون بالاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، ويتجاهلون ملايين المشردين والمهجرين الذي تم طردهم من البلاد. فحتى اليوم الامور تسير بحسب موازين القوى ومنذ قرار التقسيم واسرائيل تحتل الارض وتصادرها يوما بعد يوم، رغم كون هذه الامور تتنافى مع الشرعية الدولية.

وحذر زحالقة من التعامل مع شعار دولتين لشعبيين، قائلا أن هذا اصبح شرطا من قبل بعض المفاوضين من اجل الاعتراف بدورلة اسرائيل كدولة يهودية، وهذا خطير جدا، ويجب التوقف في التعامل مع هذا الشعار الذي يساهم في الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية.

وفي كلمته قال امنون راز، المحاضرر في جامعة بئر السبع: "ان كل من يتحدث عن تطبيق الديمقراطية تتهمه المؤسسة الاسرائيلية بأنه ضد قرار التقسيم 181، لأنهم يريدون به كقرار ترانسفير وتهجير للفلسطينيين، لذلك لا يمكن فصل قرار التقسيم 181 عن قرار 194 القاضي بعودة اللاجئين. اسرائيل تريد التشبث بما تريد من قرار التقسيم، وبالتحديد ما افادها من التقسيم في موضوع اللاجئين الذين تهجروا، ولا تريد الحديث عن قرار 194 القاضي بعودة اللاجئين على الرغم من انه نفس اللهيئة الدولية هي التي اتخذت القرارين.

وعن الحديث الذي يسمع وكأن الفلسطينيين أخطأوا في رفضهم لقرار التقسيم قال راز: "حتى لو اخطأ الفلسطينيون فلا يمكن سلب حقوق الشعب الفلسطيني، ويجب ان نذكرهم جيدا ان القيادة الفلسطينية لم تعارض التقسيم وحدهاـ بل هنالك شخصيات مركزية يهودية عارضت التقسيم.

وانهى راز حديثه بالقول إنه اذا كان التقسيم مرفوضا حينها فهو مرفوض اليوم، لأن التقسيم لم يكن جغرافيا فحسب بل قسم الشعب الفلسطيني الى أجزاء.
وفي حديثه قال د. خليل نخلة: "ان الاطر بخصوص تقسيم فلسطين فرضت من الخارج نتيجة لتطورات دولية وسعيا لحل دولي لما سمي بالقضية اليهودية.

اما بخصو ص الموقف الفلسطيني الرسمي فقال: "الموقف الفلسطيني تبلور تدريجيا كرد فعل وتجاوب مع الضغوطات الاقليمية والدولية والمحلية ولم يتمكن من تطوير موقف صلب في ظل غياب قيادة فلسطينية متماسكة، تجزئة وتشتيت الشعب الفلسطيني ابتداء من التطهير العرقي عام 1947 واحتلال 1967 اديا الى تشتيت القيادة السياسية للشعب الفلسطيني وبالتالي القبول بحلول جزئية للوضع حينها. هذه الحلول لا تتجاوب مع حل دائم وعادل للشعب الفلسطيني.

وقد دعا نخله للعمل الحثيث في اطار فلسطيني شامل وجديد يركز على ان الحل الدائم للشعب الفلسطيني والمجتمع اليهودي لا يمكن أن يكون الا من خلال مجتمع ديمقراطي في فلسطين التاريخية، يحظى جميع المواطنين فيه بمساواة كاملة يحميها قانون ديمقراطي ويدافع عنها ويغذيها مجتمع مدني فاعل"....

التعليقات