مجزرة صندلة: 100 متر كانت كافية كي ينجو بحياته

بعد أن رأوا ذلك الجسم الغريب على حافة الطريق الواصلة بين قريتي صندلة والمقيبلة، التمّوا حوله يتباحثون كيف يلعبون معه ويناقشون بعضهم بعضاً حول الطريقة السحريّة التي يعمل بها، وما أن لمسوه حتى اختلطت دماؤهم بمرج ابن عامر.

مجزرة صندلة: 100 متر كانت كافية كي ينجو بحياته

صور من صندلة التقطت بعدسة "عرب 48"

بعد أن رأوا ذلك الجسم الغريب على حافة الطريق الواصلة بين قريتي صندلة والمقيبلة، التمّوا حوله يتباحثون كيف يلعبون معه ويناقشون بعضهم بعضاً حول الطريقة السحريّة التي يعمل بها، وما أن لمسوه حتى اختلطت دماؤهم بمرج ابن عامر، وتناثروا أطفالاً لهذا الوطن غبارًا ودخّانًا في الأرضِ والهواء.

قبل 58 عاما، وبالتحديد في 17 أيلول/ سبتمبر من عام 1957، وقعت مجزرة صندلة المروعة، تلك المجزرة التي راح ضحيتها 15 طفلا شهيدا وثلاثة جرحى لا يزال أحدهم مقعدًا، كانوا فرحين حين دقّ جرس مدرستهم في قرية المقيبلة، ليعودوا بعدها إلى قريتهم صندلة، عبر طريق واصلة بين القريتين في مرج ابن عامر الواسع الرحب، لكنّ غدر العدو كان أقوى من أن يتركهم وشأنهم فرحين، إذ وضع لهم على حافة طريق المدرسة قنبلة، وحين رأوها فرحوا لاكتشافهم العظيم!، وأخذهم حُبّ الاستطلاع الطفوليّ إلى ما هو غير متوقع بالنسبة لهم.
 

نجا بحياتهِ

خالد إبراهيم عُمري، أحد المواطنين الذين شهدوا المجزرة، ولد عام 1946، كان طفلاً طالباً في حينها، عائدٌ مع الطلاب الآخرين إلى منزلهِ بعد انتهاء دوامه المدرسيّ، يستذكر ما حصل، الأطفال الصغار استشهدوا، كانوا بين سن السابعة وحتى الثانية عشر عاما، وهو كان في بداية الصف الخامس حين وقعت الفاجعة، ويقول 'كنتُ أسيرُ أنا وصديق لي في نفسِ صفي، على الطريق الواصلة بين المقيبلة وصندلة، توقفنا عند الطلاب ووجدناهم متجمهرين يعبثون بجسم الغريب، لم يكونوا على علم ما هو وما يمكنه أن يفعل بهم'.
ويتذكّر عُمري أنّه كان في حينها مترفع إلى الصف الخامس، وحين مرّ بجانبهم كانوا يعبثون حول القنبلة ويعدّون 1 2 3، لينتظروا نتائج هذا الجسم الغريب، كانوا أطفالا سُذّجا على الطبيعة، انتظروا بفضول ماذا سيحصل معتقدين أن شيئاً بسيطاً ستخرجه هذه القنبلة، من نار وأشياء غريبة، وغير واعين أن هذه ستكون نهايتهم.

اقرأ أيضًا | صندلة: إحياء الذكرى الـ58 للمجزرة بمسيرة ومهرجان

ويتابع عن اللحظات قبل وقوع الحادثة، بحوارٍ له مع صديقه الذي قال له 'خالد هاي رح تفقع فينا تعال نروح من هون'، ويتابع العُمري أنه 'تركني صديقي وذهب، وبقيت انا هناك، بعد أن مشى 100 متر لحقته، وما أن ابتعدت قليلاً حتى رأيت النار في الهواء يتصاعد كغيمة من الغبار والتراب تخرج من الأرض، ورجعتُ حينها إلى موقع الحدث ورأيت أشياء ومشاهد لا يمكن وصفها، كانت أشلاء الأطفال تطاير في الجو'.

المشاهد القاسية

15 شهيدًا وشهيدة من قرية صندلة الصغيرة، ومن عائلة واحدة هي آل 'العمري'، بأسماء عربيّة فلسطينيّة حتى النخاع قضوا حتفهم في عمر الزهور، وهم: آمنة عبد الحليم عمري، طالب عبد الحليم عمري، غالب عبد الحليم عمري، محمد عبد الله عمري، اعتدال عبد القادر عمري، رهيجة عبد اللطيف عمري، سهام زكريا عمري، صفية محمود عمري، عبد الرؤوف عمري، فاطمة أحمد يوسف عمري، فهمية مصطفى عمري، محيي الدين أسعد عمري، يوسف أحمد محمد عمري ويحيى أحمد حسن عمري.

ويكرر العُمري أنّ كل شيء حدث هو فوق الوصف، فالدخان والغبار تصاعد في الجو، وامتزجت مع التراب أشلاء ودم تناثر في الجو، وقد هرع أهل القرية جميعهم عند سماعهم للانفجار، ليتعرّفوا على أبنائهم بمشاهد قاسية مؤلمة.

ووصف يوم تلك المجزرة باليوم الأسود الأليم على أهل القرية، وقد دفنوهم في ذات اليوم في مقبرة قرية صندلة، ولف الحزن جميع عائلات القرية الصغيرة، التي أثّرت عليها هذه المجزرة من حيث تعداد السكان، وخصوصًا أنّ ثلاثة أشقاء من عائلة واحدة استشهدوا، مما زاد اللوعة والحرقة.

شوائب

'القرية كانت تحت حكم عسكري قاسٍ في ذلك الوقت، يُمنع فيه الخروج منعاً باتًا من صندلة، إلا بوجود تصريح، وحتى التصريح كان من الصعب الحصول عليه، أي من الصعب الوصول للمستشفى، بينما أُصيبَ ثلاثة من الطلاب بأرجلهم، ومنهم ما زال مقعدًا لغاية اليوم، كانت أيام عصيبة شاركنا بها العديد من الشخصيات والشعراء من بينهم راشد حسين، ابن قرية مصمص، الذي كان ناشئًا في حينها، بقصيدة 'غلّة الحمراء' التي مطلعها: مرج ابن عامر هل لديك سنابل أم فيك من زرع الحروب قنابل؟'، هذا ما يستشهد به العُمري.

ويتابع أنّ الجميع لم يكترث لهذه الجريمة البشعة، ولم يهتز أحد لهذه المجزرة، وعن التأثير لهذه المجزرة على حياته، فهو سلبي جدًا فقد وصل لسن 70 عاما وما زال يستذكر ويتخيل هؤلاء الطلاب الأطفال في جيل الزهور كيف كانوا وكيف أصبحوا بعد الفاجعة أشلاء، وهو أمر محزن جدًا، وقد قدّر الله أن يتركهم ويبتعد عنهم 100 متر وأكثر لينجو بحياتهِ.

انتهت مجزرة صندلة، كباقي المجازر التي ظلّ فيها الجاني بدون عقاب، ومنذ النكبة لا زال هناكَ الكثير من الشوائب المغروسة كشوكة معنويّة وماديّة في الجسد الفلسطيني، وهي أوجاعٌ لا تُنسى.

التعليقات