المقدّسات الإسلامية والمسيحيّة بطبرية: إهمال وطمس يسبقان التهويد

عكس إعلان بلدية طبرية نيتها الشروع بمخطط لإقامة متحف داخل مسجد البحر، حالة التهميش والإهمال التي تعاني منها المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة منذ النكبة، إذ مهّدت سياسة حجب المقدسات عن أهلها وعدم ترميمها لوضع اليد عليها من قبل السلطات

المقدّسات الإسلامية والمسيحيّة بطبرية: إهمال وطمس يسبقان التهويد

منظر عام لمدينة طبرية (عرب 48)

عكس إعلان بلدية طبرية نيتها الشروع بمخطط لإقامة متحف داخل مسجد البحر، حالة التهميش والإهمال التي تعاني منها المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة منذ النكبة، إذ مهّدت سياسة حجب المقدسات عن أهلها وعدم ترميمها لوضع اليد عليها من قبل السلطات الإسرائيلية وتحويلها لكنس ومقامات للحاخامات أو حتى تحويلها لمحال تجارية، ومطاعم ومقاهي.

وأجبر الضغط والحراك الذي مارسته لجنة المتابعة وبعض النواب العرب ورؤساء سلطات محلية عربية في المنطقة، رئيس بلدية طبرية، رون كوبي، على التراجع في هذه المرحلة عن مواصلة أعمال التنظيف في المسجد ومحيطه وتجميد مخطط المتحف، إلا أنّه يزعم أن هذا المبنى "ليس مسجدًا وهو ضمن ملكية بلدية طبرية منذ العام 1952"، ويصرّ على تحويله إلى متحف.

مقبرة مسيحية تعاني الإهمال والطمس (عرب 48)
مقبرة مسيحية تعاني الإهمال والطمس (عرب 48)

وصمد ما تبقى من مقدّسات في طبرية شأن باقي المقدسات في فلسطين التاريخية، لكنها، في الأعوام الأخيرة، تواجه كما الأراضي الوقفية والعقارات مخططات البيع بالمزاد العلني أو التأجير، فقامت محال تجارية وترفيهية وسياحية على أطلالها وأنقاضها.

طمس وتدمير

ودأبت المؤسسة الإسرائيلية، منذ النكبة، على طمس وتدمير ومصادرة كل ما طالت أذرعها من أراض وقفية، ومقابر، ومساجد، وكنائس، ومقامات، وبشكل ممنهج انتهجت أسلوبا لتحول المقدسات وتهويدها وتغير الأهداف التي قامت من أجله، بهدف طمس وتدمير جميع المعالم والشواهد التي ترسخ الهوية العربية والإسلامية لطبرية.

برج الكنيسة الكاثوليكية/مار بطرس، القائمة على سور البلدة القديمة
برج الكنيسة الكاثوليكية/مار بطرس، القائمة على سور البلدة القديمة (عرب 48)

وضمت المدينة، التي تخطّى عدد سكانها عشيّة النكبة 11 ألف نسمة، العديد من المقدسات والمعالم العربية، هي مسجدان وعشر مقامات، وثلاث كنائس، وأربع مقابر، 3 مقابر إسلامية ومقبرتان مسيحيّتان، إلى جانب العقارات ومسطحات الأراضي الوقفية. وخلال النكبة، هجّرت العصابات الصهيّونيّة الفلسطينيين من طبرية ودمرتها، ووضعت السلطات الإسرائيليّة، بعد النكبة، اليد على العقارات والمقدسات الإسلامية، فيما صادرت وحاصرت غالبية العقارات والمقدسات المسيحية.

 قرصنة وسلب

وقال مدير مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان، المحامي عمر خمايسة، إن المقدسات في طبرية شأنها كشأن غالبية المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقرى والمدن الفلسطينية تعرضت للقرصنة والسلب بعد النكبة، إذ وضعت المؤسسة الإسرائيلية اليد عليها بالعام 1950 بموجب ما يسمى قانون "أملاك الغائبين"، كما وضعت اليد على جميع الأوقاف التي كانت تحت صلاحية وسيطرة المجلس الإسلامي الأعلى بزعم أنه لا يوجد أي وجود للمجلس، وحولت جميع الأراضي والعقارات الوقفية والمباني وحتى المساجد والمقامات إلى ما يسمى "دائرة أراضي إسرائيل".

البلدة القديمة بطبرية جمعت مقدسات إسلامية ومسيحية تم طمسها بغالبيتها
البلدة القديمة بطبرية جمعت مقدسات إسلامية ومسيحية تم طمسها بغالبيتها (عرب 48)

وعلى الرغم من ماكينة الطمس والتدمير من جهة وماكينة التهويد للمقدسات، إلا أن خمايسة يقول لـ"عرب 48": "بقي العديد من المقدسات المسيحية والإسلامية من كنائس ومساجد ومقابر تدل على هوية وعروبة المدينة، وفي هذه المرحلة تسعى البلدية لهدم وطمس هذه المقدسات، فمسجد البحر، كما مسجد السوق والكنائس، تبقى شاهدًا على الهوية الحقيقة للمدينة، حتى لو تمّت مصادرة الأرض والعقارات، فهذا لم ولن ينف الصفة الوقفية، ولا بد أن تعود لأصحابها الأصليين لرعايتها وترميمها واستعمالها".

وبيّن خمايسة أن بلدية طبرية تعمّدت إغلاق المقدسات والمساجد والمقابر أمام العرب ومنعت إقامة الصلوات بالمسجدين وكانت تلاحق قضائيا كل من يحاول القيام بأعمال الصيانة والترميم، مثلما حصل مع "مؤسسة الأقصى"، التي رفضت طلباتها لصيانة المقابر والمساجد والمقبرة المسيحية ولوحق أعضاء الجمعية والمتطوعون قضائيا بهدف إبعاد العرب عن المقدسات وتركها لتكون عرضة للسقوط والانهيار، ومن ثم وضع اليد عليها واستخدامها للأهداف التهويدية والإسرائيلية.

إنقاذ ورعاية

وأكد خمايسة ضرورة الحفاظ على ما تبقى من مقدسات عربية وإسلامية بكل فلسطين التاريخية وخاصة في المدن الكبرى، لافتا إلى أن المؤسسة الإسرائيلية تقوم، في هذه المرحلة، بمحاولة تنفيذ مشاريع سياحية، سكنية، تجارية، وترفيهية، ومتاحف على مقابر وأراض وعقارات وقفية إسلامية ومسيحية، مبينا بأن ما يحدث من طبرية لطمس المسجد واستعمالها بغير أهدافها، ينسجم مع ما تتعرض له مقبرة مأمن الله بالقدس، ومقبرة الزرنوقة في صرفند والمسجد في عسقلان.

مسجد السوق البلدة القديمة مغلق ويواجه مخططا لتطوير مشروع سياحي تجاري
مسجد السوق البلدة القديمة مغلق ويواجه مخططا لتطوير مشروع سياحي تجاري (عرب 48)

ولإنقاذ ما تبقى من مقدسات وللحفاظ عليها، دعا المحامي خمايسة لجنة المتابعة العليا لإقامة هيئة خاصة تعمل على متابعة ملفات المقدسات، عبر جردِهَا وصيانتها ورعايتها والمطالبة بتحريرها ونقلها لأصحابها، مؤكدا بأن المحاكم الإسرائيلية ما كانت لتنصف قضايا المقدسات، ودائما ما كانت تنحاز للمؤسسة الإسرائيلية وتشرعن سلب المقدسات وطمسها وبيعها وإقامة المشاريع السكنية والتجارية والصناعية فوقها، واستخدامها في غير أهدافها حتى تحويل بعضها لكنس.

مساجد ومقابر

ولعل أبرز المقدسات الإسلامية في المدينة، مسجد يوسف عمر الظاهر الزيداني، الذي يسمى، أيضًا، مسجد السوق، الذي بني في العام 1742 على مساحة 481 مترا مربعا، ويتكون من طابقين، وبعد عشرات الأعوام أقيم في جواره حمام إبراهيم باشا، وفي العام 1931 بنيت حوله عشر دكاكين.

وعانى المسجد على مدار عشرات الأعوام من الإهمال ومنعت بلدية طبرية "مؤسسة الأقصى" المحظورة إسرائيليًا، من ترميمه ودخوله واستعماله، لاغم أنه يعاني من تصدعات ويحتاج إلى ترميم وما زال مغلقا ولا يسمح بفتحه خشية أن يستخدم للصلاة، وفي شباط/فبراير 2018، أودعت البلدية مخططا باللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في الشمال من أجل تغيير استخدام الأرض والمسجد وتطوير ساحة المسجد، علما بأن الدكاكين التي من حوله تم ترميمها وتأجيرها كمحال تجارية، ومقاهي، ومكاتب وأماكن للترفيه.

الإعلان عن إيداع مخطط في لجنة التنظيم اللوائية يستهدف مسجد السوق وساحته
الإعلان عن إيداع مخطط في لجنة التنظيم اللوائية يستهدف مسجد السوق وساحته (عرب 48)

وعلى بعد مئات الأمتار من مسجد السوق، يقع المسجد العمري أو مسجد البحر، الذي شيد في العام 1702 بمساحة 889 مترا مربعا، في قلب الحارة الشمالية من البلدة القديمة، ويتكون المسجد من ساحة داخلية مكشوفة وعدة أروقة ومجموعة غرف وغرفة للصلاة، ورمّم لآخر مرّة في العام 1930، ومنذ ذلك الحين بقي المبنى مهملا ومغلقا، إذ يحظر استعماله وترميمه، بعد أن تم وضع اليد عليه من قبل إسرائيل ومصادرة بالعام 1952، فيما تتطلع البلدية في العام 2019 لتحويل المسجد الذي يقع وسط المحال التجارية والمقاهي والمطاعم وأماكن الترفيه إلى متحف فني.

مقامات وكنس

وتوجد في المدينة عشر مقامات إسلامية، هي: الست سكينة، وأبو هريرة، ومزار موسى، وعيسى، ولقمان، وأبو عبيدة وزوجته، وحجر النمل، والنبي سليمان، ومحمد العجمي، ومحمد الرزلان، جميعها إما هدمت وطمست أو حولت مع مسطحات الأراضي التي تضمها إلى مقامات يهودية وكنس، حيث أقرت السلطات الإسرائيلية تحويل المقامات العربية والإسلامية لكنس ومقامات يهودية للحاخامات، وتتم زيارتها من قبل المتدينين اليهود.

كنس ومدارس تلمودية تحاصر المقدسات الإسلامية والمسيحية بطبرية
كنس ومدارس تلمودية تحاصر المقدسات الإسلامية والمسيحية بطبرية (عرب 48)

كما توجد في المدينة ثلاث مقابر، المقبرة حول مقام الشيخ عيسى التي كانت بمساحة عدة دونمات، وتقع في البلدة القديمة وقد طمست معالمها بالكامل، بينما المقبرة الفوقا وتبلغ مساحتها 10 دونمات قبورها متناثرة ومدمرة ويحظر دخولها وتعاني إهمالا متعمّدًا، وهو الوضع ذاته التي واجهته المقبرة التحتا التي تبلغ مساحتها 13.5 دونم، إذ طمست بعد النكبة معالم معظم قبورها، وتتناثر حجارة كثيرة من القبور على كامل مساحتها، تنمو على سطحها الأعشاب والشجيرات البرية، وتم توسيع الشارع الفاصل بين المقبرتين على حسابهما من قبل بلدية طبرية، فيما سيطرت جماعات يهودية على المقام وحولته لكنيس، وعلى مسطّح من أرض المقبرة حولته لموقف للسيارات والحافلات.

خشية وصدام

ذات المصير واجهته المقدسات المسيحية بمدينة طبرية، إذ بقي من المعالم الدينية المسيحية ثلاث كنائس، الكنيسة الأرثوذكسية، والكنيسة اللاتينية، والكنسية الكاثوليكية/مار بطرس، ومقبرتان، بحيث تم الإبقاء على الكنائس بالمدينة بعد النكبة، بسبب تحصن الرهبان الأوروبيّين بها، ما حال دون تدميرها واستهدافها أو وضع اليد عليها من قبل السلطات الإسرائيلية التي صادرت الكثير من العقارات والأراضي الوقفية المسيحية.

"وخشية من الصدام مع المجتمع الدولي والفاتيكان، ورغم طمس المقبرتين"، يقول المؤرخ د. جوني منصور، "إلا أن إسرائيل امتنعت عن مصادرة أو غلق الكنائس في المدينة، فيما تمادت في استهداف وطمس المقدسات الإسلامية وخاصة المساجد والمقامات، فهدمت وطمست المقدسات المسيحية والإسلامية في القرى الصغيرة التي هَجّرت أهلها، كما حصل في العديد من المدن الكبرى في فلسطين".

البلدة القديمة بطبرية سميت بساحة اليهود بعد النكبة
البلدة القديمة بطبرية سميت بساحة اليهود بعد النكبة (عرب 48)

ولفت منصور إلى أن طبرية كانت مدينة مشتركة عاش بها المسلمون والمسيحيون إلى جانب أقلية من اليهود الذين عاشوا بألفة مع العرب، "لكن، خلال النكبة، شارك اليهودُ الحركةَ الصهيونية عملية تهجير الفلسطينيين من المدينة ووضع اليد على عقاراتهم وممتلكاتهم".

وأوضح منصور أن بعض المقدسات العربية المسيحية اضطرت إسرائيل للحفاظ عليها أو نقل السيادة لرعايتها من قبل أصحابها، وذلك بعد قرارات من المحاكم أو بعد تدخل دولي، مثلما حصل مع الكنائس في طبرية أو تدخل السفارة الروسية في تل أبيب للحفاظ على الكنيسة في قرية المجيدل المهجرة، قضاء الناصرة.

كنائس ومعالم

واستعرض منصور أبرز الكنائس بطبرية، وهي: الأرثوذكسية، الواقعة في الجزء الجنوبي من البلدة القديمة، وبنيت بالعام 1738 في أثناء حكم ظاهر العمر، ويقول إن البناء واسع ويتكون من طابقين لسكن الرهبان والصلاة، حيث تم ترميم المبنى آخر مرة في العام 1978، بينما الكنيسة اللاتينية، وهي كنيسة صغيرة بنيت بالعام 1850، رممت آخر مرّة بالعام 1944، أما الكنيسة الكاثوليكية، فبنيت بالعام 1882، بجوار سور المدينة ويتكون البناء من طابقين للسكن والصلاة، وسكنت الكنسية عائلات يهودية حتى العام 1965، بيد أنه تم طردها لاحقًا، لترمم الكنيسة مرّتين في عامي 1977 و2005.

مسجد البحر أعلنت بلدية طبرية عن تحويله لمتحف
مسجد البحر أعلنت بلدية طبرية عن تحويله لمتحف (عرب 48)

وأكد منصور في حديثه لـ"عرب 48"، أن بلدية طبرية كسائر البلديات اليهودية اعتمدت سياسة ممنهجة عن طريق إهمال المقدسات وخاصة المساجد والكنائس ومنع دخولها أو ترميمها واستعمالها، "وذلك لتكون المساجد والكنائس آيلةً للانهيار والسقوط ومن ثم الشروع بإقامة المخططات الإسرائيلية مكانها وفوق أنقاضها، وهذا ما يواجهه مسجد البحر بطبرية الذي سيحول لمتحف، بينما مسجد السوق بالبلدة القديمة مخطط لمتاجر ومحال ترفيهية وسياحية".

ولفت إلى أن ذات العقلية التي تستهدف المقدسات في طبرية، تستهدف وتمنع استعمال ودخول مقبرة قرية معلول المهجرة التي أعلن عنها منطقة عسكرية مغلقة ويحظر على أهالي القرية المهجرة زيارة قبور ذويهم، وذات المصير يواجه المساجد والكنائس والمقابر في البصة، والبروة، وصفد وعين حوض، حيث تم طمس ومسح للمقدسات المسيحية والإسلامية من كنائس ومساجد استعملت في غير أهدافها كمطاعم ومتاحف.

التعليقات