وادي عارة: إخطارات بالهدم وغرامات باهظة بغياب الخرائط التفصيلية

تواجه داليا جبر جولاني وزوجها وأولادهما الأربعة من قرية عارة في المثلث الشمالي، خطر التشريد أسوة بالعديد من العائلات العربية، وقد تجد العائلة ذاتها بدون مأوى في أي لحظة، وذلك في ظل أمر الهدم الإداري الصادر بحق منزلها.

وادي عارة: إخطارات بالهدم وغرامات باهظة بغياب الخرائط التفصيلية

عشرات المنازل بوادي عارة تنتظر الترخيص (تصوير "عرب 48")

تواجه داليا جبر جولاني وزوجها وأولادهما الأربعة من قرية عارة في المثلث الشمالي، خطر التشريد أسوة بالعديد من العائلات العربية في المنطقة، وقد تجد العائلة ذاتها بدون مأوى في أي لحظة، وذلك في ظل أمر الهدم الإداري الصادر بحق منزل العائلة والبالغ مساحته 96 مترا، حيث اضطرت العائلة للبناء دون تراخيص فوق أرضها المعدة للبناء.

وتقع بعض المنازل الصادر بحقها أوامر هدم إدارية بالقرب من المنازل الأربعة التي هدمتها السلطات الإسرائيلية في منتصف آذار/ مارس 2019 في قرية خور صقر بين بلدتي عرعرة وعين السهلة، وذلك بحجة البناء غير المرخص، حيث لا يزال شبح الهدم يتهدد العديد من المنازل في المنطقة إضافة إلى إشعارات الغرامات المالية والغرامات التي تنذر بإصدار المزيد من الإخطارات.

منزل عائلة جولاني في عارة الصادر بحقه أمر هدم إداري

لا تقتصر ملاحقة العائلات في وادي عارة على إخطارات الهدم الإدارية، إذ يلاحظ في الأسابيع الأخيرة إقدام لجنة التنظيم والبناء اللوائية في حيفا على تحرير مخالفات وإصدار الغرامات المالية والإنذار بهدم ذاتي للمنازل، وذلك بموجب "قانون كامينتس" الذي منح صلاحيات أكثر للجنة وقيّد القضاء والمحاكم لإلغاء أوامر الهدم والغرامات التي تصل إلى مئات آلاف الشواقل، وهو ما يعمق معاناة العائلات المهددة بالتشريد والمطالبة بدفع غرامات باهظة.

معاناة واستقرار

واستعرضت داليا جولاني لـ"عرب 48" معاناة عائلتها في البحث عن الاستقرار وشراء قسيمة أرض لبناء المسكن في عارة، بعد أن تنقلت خلال سنوات طويلة للسكن بمنازل مستأجرة، وقالت: "قمت وزوجي بشراء قطعة أرض عام 2016 بمساحة 250 مترا، معدة بالمستقبل للبناء، وبعد أن ضاقت بنا الدنيا وسئمنا المنازل المستأجرة قررنا البناء فوق أرضنا".

منزل بحي وادي القصب مهدد بالهدم الفوري

وأوضحت أن العائلة وجدت ذاتها مرغمة على البناء في قسيمة الأرض التي مكنتهم من بناء بيت يأويها كأسرة مكونة من 6 أنفار أكبرهم ابنة تبلغ من العمر 11 عاما، مضيفة أنه تم في آذار/ مارس 2019 الشروع ببناء المنزل بالاتفاق مع الجيران وموافقتهم، حيث انتقلت العائلة للسكن به.

ولفتت جولاني إلى أن المنزل بسيط جدا وأشبه بمنشأة زراعية فسطحه من "الزينك" وغير مزوّد بالكهرباء، وأضافت أن "هذا الواقع لم يرق للجان التنظيم والبناء، قام مراقب البناء التابع للجنة حيفا في أيار/ مايو الماضي، بزيارة المنطقة وتصوير البيت، وقال لي بالحرف الواحد، أردت بناء منشأة زراعية لماذا لم تصدروا رخصة بناء؟".

رئيس مجلس عرعرة عارة، مضر يونس يستعرض الخارطة الهيكلية الشاملة

فوجئت عائلة جولاني بأمر الهدم الإداري الصادر بحق منزلها بتاريخ 11.7.2019، وتوجهت للمحامي رامي جزماوي، فأصدر أمرا من المحكمة لتأجيل الهدم، وأشارت إلى أن "التأجيل مؤقت وقد تداهمنا جرافات الهدم التابعة للجنة حيفا في أي لحظة، إذ نعيش مع أولادنا هواجس ومخاوف الهدم والتشريد وأوضاعا نفسية سيئة ومشاعر الخوف من المجهول".

تقاعس وإهمال

وتساءلت جولاني: "أين دور السلطات المحلية العربية؟ يوميا نسمع عن أوامر هدم، ويوميا يتم هدم المنازل العربية. لماذا لا تحرك المجالس المحلية والبلديات ساكنا؟ لماذا لا تبادر للتخطيط وضم جميع المنازل لمسطح البناء؟".

وقالت إن "المجلس المحلي في عرعرة- عارة لم يقدم خلال الجلسة مع أصحاب المنازل المهددة بالهدم حلولا عملية لإنقاذ منزلها، علما أنه يقع بالقرب من عشرات المنازل والعمارات التي شيدت دون تراخيص ويواجه أصحابها الإنذارات والغرامات ولربما الهدم إذا لم تنظم ضمن خرائط تفصيلية".

منازل في وادي عارة تنتظر الترخيص

وشددت صاحبة المنزل على أن "الأسرة تعيش حالة من الاضطرابات النفسية والخوف من الهدم والتشريد. من حقنا العيش بكرامة في منزل. لقد زهقنا السكن بمنازل مستأجرة والتنقل، فالأمر انعكس سلبا على أولادي ونفسياتهم ومشاعرهم، فمن حقهم العيش باستقرار، وتحت سقف بملكيتهم يأويهم، فمنزلنا المتواضع المهدد بالهدم أشبه بحظيرة أبقار، لا بل الأبقار والحيوانات في 'الكيبوتسات' تعيش في أوضاع وظروف أفضل من مئات العائلات العربية".

إخطارات وغرامات

وخلال أقل من عام تواجه عرعرة وعارة جرافات الهدم للمرة الثالثة، إلى جانب إخطارات الغرامات الصادرة بحق أكثر من 50 صاحب منزل ومحل تجاري على جانبي شارع وادي عارة، إذ بلغت قيمة الغرامات للمنزل الواحد 300 ألف شيكل، بينما فرضت على المحال التجارية غرامات تصل إلى 600 ألف شيكل على كل واحد منها، وحث أصحابها على هدمها بأيديهم وإلا فرض غرامة إضافية بقيمة 1,500 شيكل عن اليوم الواحد عن المحل الذي لا يهدمه صاحبه.

ووسط هذه الحملة للجنة التنظيم والبناء اللوائية في حيفا على أصحاب المنازل والمحال التجارية في عرعرة- عارة بحجة عدم الترخيص، عقد المجلس المحلي جلسة بحث خلالها مع أصحاب المنازل والمحال التجارية واللجنة الشعبية سبل مواجهة إخطارات الهدم وإنذارات الغرامات، حيث استعرض رئيس المجلس، مضر يونس، الخارطة الهيكلية والتوجه نحو توسيع نفوذ ومسطح البناء بالقريتين، مؤكدا أن المجلس سيساند أصحاب البيوت المهددة بالهدم إلى حين تخطي خطر الهدم.

وفي ظل الجلسات والمشاورات تجددت أوامر الهدم الإدارية من قبل لجنة التنظيم والبناء في حيفا، فيما أقام الأهالي بالتعاون مع اللجنة الشعبية خيمة اعتصام في حي وادي القصب قرب منزل إبراهيم عبد مرزوق الصادر بحقه أمر هدم إداري.

خرائط ومخططات

واستعرض عضو مجلس محلي عرعرة عارة، مؤنس وشاحي، تجربته الشخصية التي استمرت على مدار 20 عاما بالإخطارات بهدم منزله والغرامات، حيث أزيل شبح الهدم عن منزله المتواجد في قرية عارة، مؤخرا، بعد المصادقة النهائية على الخارطة التفصيلية الممتدة على مساحة 48 دونما في منطقة "تل المرح".

وقال وشاحي لـ"عرب 48" إن "المصادقة على الخارطة المفصلة سيمكنني وسيمكن 11 من أصحاب المنازل بالمنطقة من تقديم طلبات لترخيص المنازل، وسيكون هناك أيضا إمكانية لبناء المزيد من المنازل ضمن الخارطة التفصيلية التي صودق عليها".

وعن الخطوات والإجراءات التي قام بها المجلس إيجاد الحلول ولمواجهة أوامر الهدم الإدارية، قال وشاحي: "تبنى المجلس المحلي، مؤخرا، قرارا بالعمل على تجهيز 3 خرائط تفصيلية في حي وادي القصب وعارة بقصد إيجاد حلول فورية للمنازل المهددة بالهدم، وأيضا والأهم أن تكون هناك إمكانية لترخيص عشرات المنازل القائمة، وإضافة عشرات الدونمات لأغراض البناء".

منزل عائلة جولاني المهدد بالهدم

وأكد أن "مطلب كل شاب هو قطعة أرض والبناء داخل مناطق التنظيم والترخيص لتفادي إخطارات الهدم والغرامات المالية"، لافتا إلى أن "هناك الكثير من المجالس والبلديات العربية تهمل ملف البناء والتنظيم وتعمل بموجب الخارطة الهيكلية الشاملة التي ما عادت أصلا تلبي مطالب واحتياجات المواطنين في كل بلدة ومدينة.

إنذار وتحذير

وفي الجانب الآخر، وجه رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن، أحمد ملحم، انتقادات شديدة اللهجة للمجلس المحلي في عرعرة وعارة، موضحا أنه لم يعمل كافيا لإيجاد حلول جذرية لقضايا الأرض والمسكن وإخطارات الهدم الإدارية والغرامات المالية، مؤكدا أن الاجتماعات والمشاورات أمر في غاية الضرورة والأهمية، ولكنها ليست البديل عن الخرائط التفصيلية وتوسيع مسطح الخرائط الهيكلية والبناء.

وقال ملحم لـ"عرب 48" إن "هناك 6 أوامر هدم إدارية لمنازل، حيث سحبت اللجنة اللوائية في حيفا من لجنة التنظيم والبناء في وادي عارة عشرات ملفات المنازل والمحال التجارية في عرعرة وعارة، ما يعني أنه سيتم استصدار المزيد من أوامر الهدم مستقبلا، كما يتم إصدار إنذارات لأصحاب منازل قيد الإنشاء تطالبهم بالتوقف عن البناء وهدم المنازل بأيديهم تفاديا لمزيد من الغرامات وتكاليف الهدم".

وأكد أن لجنة التنظيم والبناء اللوائية في حيفا تقوم، مؤخرا، باستدعاء العديد من أصحاب المحال التجارية على جانبي وادي عارة للتحقيق في مكاتب اللجنة، وتخيرهم بهدم المنشآت التجارية أو الغرامات بـ600 ألف شيكل وإغلاق المحال على الفور، لافتا إلى هناك 50 قضية تعالجها لجنة التنظيم والبناء في حيفا تتعلق بأوامر الهدم للمنازل والمنشآت التجارية وكذلك فرض الغرامات المالية.

وأكد ملحم أن الوسيلة الأفضل لمواجهة سياسات لجنة التنظيم والبناء اللوائية في حيفا تحريك مخططات لخرائط مفصلة بالمناطق التي تتواجد بها منازل مهددا بالهدم، وأيضا تحضير ذات الخرائط للمناطق المتاخمة لنفوذ البناء والخارطة الهيكلية، محذرا من أن مواصلة تهميش ملف الأرض والمسكن والبناء من شأنه أن يؤدي لاتساع مشاهد الهدم والغرامات في منطقة وادي عارة.

منزل عائلة جولاني الذي تريد السلطات هدمه

وتعقيبا على توجه موقع "عرب 48" بخصوص أوامر الهدم الإدارية والغرامات التي فرضت على المحال التجارية على جانبي شارع وادي عارة، قال رئيس مجلس عرعرة- عارة المحلي، المحامي مضر يونس: "نعمل بكل الوسائل القانونية والهندسية إلى جانب النضال الشعبي لإلغاء أوامر الهدم الإدارية، واقترحنا ضمانات بنكية وغلق بعض المنازل لحين ترخيصها، لكن اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء رفضت كل المقترحات، وبالتالي نحن أمام خطر حقيقي يتعرض المنازل".

وأضاف أنه "بعد تشريع قوانين البناء و'قانون كامينتس' على وجه الخصوص تصعّد لجان التنظيم والبناء بإخطارات الهدم والغرامات، فيما يعيق ذلك المسار القضائي ويصعب عملية تجميد أوامر الهدم، وبالتالي لا بد من التوجه بشكل جماعي للحكومة ومطالبتها بتجميد الهدم والعمل على التعجيل بالمصادقة على الخرائط الهيكلية الشمولية وأيضا الخرائط التفصيلية لضم المنازل لمسطح البناء ومنح أصحابها إمكانية استصدار التراخيص".

وعن أسباب تكثيف أوامر الهدم والغرامات في منطقة وادي عارة، رأى يونس أن ظاهرة إخطارات الهدم متواجدة في العديد من المناطق العربية، وعليه لا بد من وقفة جماعية وموحدة، مؤكدا أن الحكومة التي شرعت هذه القوانين مطالبة بالأساس بالبناء وتوسيع مسطحات النفوذ ورصد الميزانيات للتخطيط وليس الإسراع بالهدم، لافتا إلى أن مركز الحكم المحلي بالبلاد يدعي أن القضية عامة وإخطارات الهدم صدرت بحق منشآت بالبلدات اليهودية.

وادي عارة... منازل مهددة بالهدم

وأوضح رئيس مجلس عرعرة- عارة المحلي أن الغرامات التي تفرض على أصحاب المحال التجارية على جانبي شارع وادي عارة تهدف للضغط عليهم لإخلاء محالهم وإلا تغريمهم بمئات آلاف الشواقل.

وعن الحلول التي يقوم بها المجلس لمواجهة إخطارات الهدم وضم المنازل لمسطح البناء، قال يونس، إن "عرعرة وعارة بحاجة إلى 19 خارطة تفصيلية لضم المنازل لنفوذ البناء وتمكين أصحابها من ترخيصها. تمت المصادقة على مخطط تفصيلي في منطقة تل المرح وفي منطقة الظهرات والأحياء المقابلة لمحطة الشرطة، مؤخرا، فيما يتم التحضير لإعداد 3 مخططات تفصيلية جديدة لضم منازل في أحياء سكنية لتفادي إمكانية ملاحقة السكان أو إصدار أوامر هدم وغرامات بحق أصحابها".

 

التعليقات