يافا: 600 كاميرا للمراقبة وقتيلٌ في كل شارع

لم يكن مقتل القيادي في الحركة الإسلامية (الشمالية) في يافا، محمد أبو نجم، حدثا عابرا أو مجرد جريمة أخرى في سياق انتشار جرائم القتل في المجتمع العربي.

يافا: 600 كاميرا للمراقبة وقتيلٌ في كل شارع

وقفة احتجاجية في يافا، قبل أيام ("عرب 48")

لم يكن مقتل القيادي في الحركة الإسلامية (الشمالية) في يافا، محمد أبو نجم، حدثا عابرا أو مجرد جريمة أخرى في سياق انتشار جرائم القتل في المجتمع العربي، إذ رأى أهالي يافا وناشطون في الحركة الوطنية أن جريمة قتله إشارة لما هو أعظم.

لا يزال اسم المرحوم محمد أبو نجم داخل مقر الهيئة الإسلامية المنتخبة في يافا بشكل بارز على خطة توحيد القوى الشعبية في المدينة، إلى جانب تشكيل أول جسم شعبي منتخب، تحوّل للقوة الأولى في يافا.

ترك الفقيد بصمة واضحة في العمل الشعبي والإغاثي، وشكلت جريمة قتله صدمة بين الأهالي بيافا، الذين حمّلوا المؤسسة الإسرائيلية بأذرعها الأمنية المختلفة مسؤولية ازدياد جرائم القتل.

المرحوم محمد أبو نجم

ساهم أبو نجم بإنشاء عدة جمعيات خيرية، وتنظيم العديد من النشاطات والفعاليات، ولكن الخطوة التي لا زالت راسخة لدى أهالي يافا وتركت أثرا كبيرا في الجانبين السياسي والاجتماعي، إعادة هيكلة الهيئة الإسلامية، وتحويلها إلى جسم شعبي سياسي يختاره الجمهور بنفسه.

أين القاتل؟

لا يمكن الفصل بين الموقع الجغرافي ليافا وتفشي الجريمة فيها، إذ أن مدينة تل أبيب، صاحبة الثكنة الأمنية الثانية بعد القدس تقع بمحاذاتها وفيها 600 كاميرا مراقبة تابعة للبلدية، موزعة في أنحاء المدينة، ومحطة للشرطة من الأكبر في البلاد، تضم 3 آلاف خادم بالشرطة، و8 آلاف متطوع.

اقترفت 102 جريمة قتل في يافا من العام 1992 ولغاية اليوم، فكيف تُغلق ملفات جرائم القتل بغالبيتها العظمى؟ ولا يُضبط المجرمون؟ بينما تشير الإحصائيات إلى أن فك لغز جرائم القتل في يافا، كما في المجتمع العربي، لا يتعدى 15% من مجمل الجرائم.

يافا، يوم الأحد، 24 كانون الثاني/ يناير 2021، الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا، يشهر مجرم سلاحه ثم يطلق النار من مسافة قريبة على محمد أبو نجم، في حي مأهول ومكتظ بالسكان، الشارع يعج بالمارين، لكن القاتل يفر هاربا ويختفي، وكأن الأرض ابتلعته.

لعل هذه الجريمة وغيرها في يافا تفند كل ادعاءات الشرطة في ادعائها حول الحاجة الملحة لمراكز للشرطة في البلدات العربية بذريعة مكافحة العنف والجريمة، إذ أثبتت التجربة في يافا وغيرها أن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة.

60% من جرائم القتل وسط البلاد وقعت في يافا

قال عضو بلدية تل أبيب- يافا، عبد القادر أبو شحادة، لـ"عرب 48" إن "في يافا نحو 20 ألف مواطن عربي، 11 ألف بينهم فوق 17 عاما، نصفهم ذكور، يبقى نحو 5 آلاف و500 مواطن، ولو تفقدنا أسماء هذه الشريحة لوجدنا أن نحو ألفين و100 شخص يسكنون خارج يافا، لنصل إلى أن جميع الذكور فوق الـ17 عاما في يافا عددهم بين 3 آلاف إلى 3 آلاف و500، غالبيتهم عمال كادحون، ويبقى لدينا نحو 500 شخص في عالم الجريمة، غالبيتهم تجار سموم وينفذون سرقات وليسوا قتلة، وواضح من المعطيات أنه يبقى لدينا نحو 60 شخصا خطيرا، يتعاملون بالإجرام، ولو قارنا هذه الأرقام مع عدد أفراد الشرطة في تل أبيب، لرأينا أن الشرطة تستطيع وضع 5 أفراد شرطة على الأقل على كل فرد في يافا".

عبد القادر أبو شحادة

يعيش في تل أبيب وضواحيها 2 مليون يهودي، وفي يافا 20 ألف مواطن عربي، ووفقا للإحصائيات فإن 60% من جرائم القتل في تل أبيب ووسط البلاد ارتكبت في يافا وضحاياها عرب.

وقال أبو شحادة إنه "من غير المعقول انتشار الجريمة في حي النزهة بيافا، وعلى بعد أمتار في حي ‘نوغا’ اليهودي انعدمت الجريمة"، وهو يرى أن الأمر تجاوز تواطؤ الشرطة والقرار السياسي، وقال إنه "أمر مدبر من قبل المؤسسة لتفشي الجريمة من خلال نشر السلاح ومنح الحرية للمجرمين".

واعتبر أبو شحادة أن "الأسس التي بني عليها المجتمع بدأت تتفكك في هذه المرحلة"، مشيرا إلى أن "المعطيات تبين أن المؤسسة تعمل على تغذية الخلافات لتتطور من خلاف بسيط إلى حد اقتراف جريمة قتل".

ولفت إلى أنه "إذا ما استمرت الأوضاع كما هي في ظل مجتمع يتفكك، وشعب مسلح، دون سلطة ورادع، ستتحول بلادنا كما العصابات في أميركا اللاتينية، وستكون هجرة بشكل كبير".

قتيلٌ في كل شارع

وأوضح أبو شحادة أن "ما يميّز الجريمة في يافا أنها ذات جذور ضاربة منذ أعوام، وهذا أمر مؤسف. في كل شارع يوجد قتيل، وغالبية العائلات أصابتها الجريمة، أتحدث عن نفسي كإنسان طبيعي ولدت لعائلة متواضعة بعيدة عن الإجرام كذلك أصدقائي، ولكن رغم هذا فقدت خمسة من أصدقائي ضحايا جرائم قتل. نحن كبرنا على هذا الواقع المؤلم".

انعدام الأمن والأمان في يافا! (عرب 48)

واستطرد أبو شحادة أن "أبعاد الجريمة طويلة وممتدة إلى كل محاور حياة المجتمع، من المؤسف أن نصل إلى مرحلة نفصل فيها طلابا في المدارس، لأن عائلاتهم متخاصمة، وهذه حالة كارثية. يعني أن هؤلاء الأيتام سيكبرون على هذا واقع الإجرام والانتقام".

وفي ظل هذا الواقع، أكد أبو شحادة أن "الجميع مهدد، ماذا يعني أن يضطر شخص لخلع خوذته في شوارع معينة بيافا لكي يتم التعرف على هويته وكي لا يُقتل خطأ؟ هناك الكثير ممن قتلوا لأنهم مروا في الشارع الخطأ والتوقيت الخطأ".

ورأى أن "هناك خطوطا حمراء للمجرمين ترسمها المؤسسة لهم، في السابق كان المواطن اليهودي يخاف التجول في حي العجمي، أما اليوم فالعكس هو الصحيح، لأن السلاح يعرف مساره الصحيح. أعتقد أن المجتمع يدخل الآن في مرحلة انتفاضة، لا علاقة لها بالقيادة إنما انتفاضة ميدانية شعبية، أو يمكن وصفها بأنها ثورة ستغيّر معايير كثيرة".

وختم أبو شحادة بالقول إن "الشرطة ليست فقط متقاعسة إنما بدأت تأخذ دور المحرض في الخلافات، سواء على القيادات أو غيرهم. على المجتمع إخراج قضية الجريمة من سياق الشرطة، لأن الشرطة والسلطات هي التي تدير الأمور، وفي الغرف المظلمة هناك من يفرح حين يقتل شخص في مجتمعنا".

الجريمة لن تهدد الاستقرار في تل أبيب

وقال ابن يافا، المحامي رمزي كتيلات، لـ"عرب 48" إن "الجريمة منتشرة ومستمرة في يافا لأن الصورة لدى أجهزة المخابرات هي أن هذا الإجرام لن يهدد الاستقرار في تل أبيب، ولن يخترق هدوء السكان اليهود في يافا أو تل أبيب".

وأضاف أن "هناك معادلة حساسة تسيطر عليها المؤسسة، تتمثل بازدواجية التعامل مع الجريمة إذا هددت الاستقرار في تل أبيب أو في يافا، فلا يعقل أن تسمح المؤسسة الإسرائيلية تسليح هذا العدد من الشباب العرب داخل معاقلها دون أن تتيقن أن هذا السلاح لن يهدد أمن المواطن اليهودي".

وبخلاف ما رُدد ويُردد على لسان قلة في الآونة الأخيرة، بطلب تدخل جهاز الأمن العام الإسرائيلي "شاباك" لمكافحة الجريمة، رفض كتيلات استجداء المؤسسة الإسرائيلية لمكافحة الجريمة لعدة أسباب، وقال إن "ما يعيشه المجتمع، اليوم، هو ما تم تدبيره من المؤسسة نفسها، وهذا نتاج أحداث هبة القدس والأقصى (أكتوبر 2000). الشرطة لديها القوة، إضافة إلى أساليب يستعملها الشاباك في الجانب الأمني لا يمكن استعمالها في الجانب الجنائي المدني".

رائحة الموت في شوارع يافا! (عرب 48)

وطرح كتيلات السؤال "هل مشكلتنا مع الشرطة فقط أم أن المشكلة هي بالسياسة والنهج وبنظرة الشرطة للمواطن العربي، نظرة العداء؟ حين ترى مجتمع عدوك يتفتت من الطبيعي أن تبدي فرحا لذلك، لأن هذا المجتمع سيضعف سياسيا واجتماعيا واقتصاديا".

رائحة الموت في شوارع يافا

شكلت هبة القدس والأقصى عام 2000 مرحلة مفصلية في العلاقة بين المجتمع العربي وبين المؤسسة الإسرائيلية.

وأشار كتيلات إلى أن "غالبية الساسة في المجتمع العربي ترى أن الحقوق الجماعية لنا ككل، التي من المفترض أن نطالب بها (حقوق الجيل الثالث) في واقعنا هذا مستحيلة، لأننا لا زلنا في المستوى الأول من المطالب، توفير حياة آمنة. نسير في يافا، اليوم، ونشتم رائحة الموت في شوارعها، وهذه الحالة من عدم الاستقرار كفيلة بأن تفتت كل حراك سياسي مناهض للعقلية الاحتلالية".

ورأى أنه "إذا استطعنا أن ننفصل عن التوجهات التي من شأنها أن تربط الحلول بالمؤسسة، وإنشاء حراك سياسي مستقل من شأنه أن يضعف النزاعات الداخلية ويملأ فراغا عند بعض السكان. يجب أن نفكر كيف نعيش ككل، ليس كيف أنا أعيش كفرد، وهنا يمكن توجيه الناس للعدو الحقيقي والبدء بالتحرك الصحيح".

وعن الخطة الحكومية لمكافحة الجريمة، قال إن "من يظن أن الشرطة تحتاج إلى خطة لمكافحة العنف والجريمة فهو ساذج، نحن في خطة حكومية معاكسة هدفها تأجيج الجريمة وصناعة الموت والمجرمين. هذا تجهيل واستخفاف بشعبنا".

رمزي كتيلات

وتساءل "هل تزامن إصابة د. سليمان إغبارية في جريمة إطلاق نار وجريمة قتل محمد أبو نجم يضعنا أمام ظاهرة لتصفية القيادات؟ التزامن فعلا مثير للقلق، والتصور مجهول، ولكن حين تنظر عن كثب تدرك أن حل إطلاق النار تجاه قيادات فاعلة لهو أمر موجّه، وأن هناك من يزرع فتيل النزاعات الطبيعية لتحويلها إلى انتقامات دموية، ولكن يجب أن نأخذ هذا بمحمل الجد كوننا أمام نهج جديد من قبل المؤسسة".

وختم كتيلات بالقول: "هل كل القيادات تدرك أننا أمام سياسة جديدة ونهج جديد؟ قلتها بوضوح إن هناك بعض القيادات تقف عائقا أمام إيصال المجتمع إلى مرحلة كافية من الوعي في هذا السياق".

التعليقات