جرائم القتل في المجتمع العربي: تواطؤ الشرطة وفقدان السيطرة

بروفيسور سهيل حسنين: "الشرطة منذ العام 1948 غير مهتمة ولا تريد الاهتمام بمواجهة حقيقية لأوضاع العنف والجريمة في المجتمع العربي، لأن أساس وجود الشرطة هو لخدمة المجتمع اليهودي، وهذا يحكم تصرفات الشرطة ومدى جديتها بالتعامل مع هذه القضايا".

جرائم القتل في المجتمع العربي: تواطؤ الشرطة وفقدان السيطرة

من المظاهرة ضد جرائم القتل في مجد الكروم يوم 3.10.2019 (أرشيف عرب 48)

تتواصل جرائم القتل في المجتمع العربي في مشهد يبدو فيه فقدان السيطرة من قبل الشرطة الإسرائيلية وسط انعدام الأمن والأمان وازدياد نفوذ عصابات الإجرام التي باتت تعمل في وضح النهار دون رادع أو خوف من سلطات إنفاذ القانون.

ويستدل من المعطيات والإحصائيات المتوفرة أن عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي، لا يشمل ضحايا الجرائم التي وقعت في مدينة القدس وهضبة الجولان المحتلتين، بلغ 93 قتيلا بينهم 13 امرأة، منذ مطلع العام 2021 ولغاية اليوم، وازدادت جرائم القتل بشكل مقلق للغاية، غالبيتها ارتكبت باستخدام السلاح الناري وأخرى ارتكبت بالاعتداء والطعن بالسكاكين والآلات الحادة والدهس بالسيارات.

بروفيسور سهيل حسنين

وللمقارنة، فإن عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي في العام الماضي 2020 بلغ 100 ضحية بينها 16 امرأة، وقُتل 93 عربيا بينهم 11 امرأة في العام 2019، وفي العام 2018 بلغ عدد القتلى 76 بينها 14 امرأة، فيما قُتل 72 عربيا بينهم 10 نساء في العام 2017.

ووفقا للمركز العربي لمجتمع آمن "أمان"، ضبطت الشرطة الإسرائيلية منذ مطلع هذا العام 34 ألف قطعة سلاح، 96% منها في المجتمع العربي، كما اعتقلت 5 آلاف مشتبه بجرائم إطلاق نار، وقدمت 1500 لائحة اتهام، مقابل 30 ألف حالة إطلاق نار تحدث سنويا في المجتمع العربي.

تخبط في الشرطة

وتتخبط الشرطة الإسرائيلية في تشخيص الأسباب التي أوصلت الجريمة في المجتمع العربي إلى هذه المستويات، ووفقا لما نشرته "القناة 12" فإن قيادة الشرطة الإسرائيلية تعزو هذا الانفلات لعصابات الإجرام إلى عوامل عدة، منها عدم تعيين قائد عام للشرطة على مدار عامين، ما أدى إلى إضعاف الجهاز بصورة عامة، علاوة على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المجتمع العربي وغياب آفاق العمل لدى الشباب ما يدفعهم للبحث عن المال السهل من خلال الجريمة.

وتقدر قيادة الشرطة، حسب القناة، أن ظاهرة انتشار السلاح تتسع في المجتمع العربي أيضا لدى أناس عاديين باتوا يخشون على حياتهم وحياة عائلاتهم، وسط غياب الأمن الشخصي.

وتشهد قيادة الشرطة خلافات حول سبل المعالجة، وصلت إلى النقد لإقامة ما تسمى وحدة "سيف" التي أقيمت بهدف معالجة الجريمة في المجتمع العربي، إذ أن الوحدة لا يمكنها الانتشار الجغرافي على طول البلاد وعرضها، ورأى بعض الضباط أنه كان أولى تعزيز ألوية الشرطة الموجودة في مناطق انتشار الجريمة، فيما رأى آخرون أن إقامة الوحدة ضرورة للتركيز على مكافحة الجريمة.

وفي هذا السياق، وجهت قيادات في الشرطة نقدا للجهاز القضائي، بسبب ما وصفته إصدار أحكام بسيطة على جرائم حيازة السلاح خلال السنوات الأخيرة، ما أسهم في تضخم هذه الظاهرة إلى حد الانفجار.

نوايا الشرطة

وعن نوايا الشرطة في مكافحة العنف في المجتمع العربي، قال المختص في علم الجريمة والعدالة الجنائية، بروفيسور سهيل حسنين، لـ"عرب 48" إنه "اعتدنا على معطيات الشرطة التي تعكس السيناريو الثابت: ضبط آلاف قطع السلاح، واعتقال آلاف المشتبهين، وتقديم آلاف لوائح الاتهام، وإحصاء عشرات الآلاف من عمليات إطلاق النار. ومن منطلق علم الإجرام، عادة هناك عدم ثقة بالإحصائيات التي تنشرها الشرطة سواء كان بواسطتها أو بواسطة أطراف أخرى، لأن الشرطة كوكيلة للضبط والسيطرة تريد عادة إظهار أنشطتها وأفعالها عبر هذه الأرقام المنظمة. وعادة لا تعكس هذه الأرقام الحقائق وإنما هي بناء يتم تنظيمه لكل يعكس نوايا الشرطة. نوايا الشرطة هو ربط الجريمة بالمجتمع العربي الفلسطيني وإظهاره دائما بأنه مجتمع عنيف".

وأضاف أنه "اعتدنا كذلك من خلال تجارب سابقة أن الشرطة تبرر انتشار العنف والجريمة من خلال الشعارات والتفسيرات المختلفة. وبالتالي اعتادت الشرطة على إلقاء اللوم على عوامل خارجية مثل الأوضاع الاقتصادية للشباب، وتقصير الجهاز القضائي، وعدم تعاون المجتمع، أو في أحيان أخرى إلقاء اللوم على عوامل داخلية مرتبطة بتنظيم الشرطة وانتشارها، أو عدم تعيين قائد عام للشرطة أو عوامل مرتبطة بالموقع الجغرافي وانتشار وحدة 'سيف' التي أقيمت، حديثا".

وأشار المختص في علم الجريمة والعدالة الجنائية إلى أن "ما يحكم أفعال وأقوال الشرطة النوايا والنتائج. بالنسبة للنوايا فما يسيرها هي العقائد التي تسير وفقها الشرطة خاصة وأطراف أخرى مثل 'حرس الحدود' وجهاز الأمن العام (الشاباك)، ووفقها يتم النظر للجريمة كوضع غير مهدد أمنيا للمجتمع اليهودي. لم تصل الشرطة لوضع كما وصلت إليه في أوضاع معرفة أمنيا مثل حالة التفتيش عن الأسرى الستة قبل فترة وجيزة، إذ تم استخدام شتى الوسائل التكنولوجية والقوى المهنية المدربة والميزانيات الضخمة في سبيل ذلك. وبالنسبة للنتائج، فمن الواضح أن الشرطة لم تفك ألغاز أغلبية حالات القتل الحاصلة. وبالتالي، فعلم الجريمة يرى أن هذه النتائج مرتبطة بالنوايا، ولا يمكن التوصل لنتائج أفضل على مستوى الكشف عن فاعلي جرائم القتل دون تغيير العقائد الموجهة. الشرطة منذ العام 1948 غير مهتمة ولا تريد الاهتمام بمواجهة حقيقية لأوضاع العنف والجريمة في المجتمع العربي، لأن أساس وجود الشرطة هو لخدمة المجتمع اليهودي، وهذا يحكم تصرفات الشرطة ومدى جديتها بالتعامل مع هذه القضايا".

عصابات الإجرام المنظم

وعن جرأة عصابات الإجرام المنظم، قال المختص في علم الجريمة إنه "بالنسبة لمجموعات الإجرام وتقوية نفوذها وجرأتها، فهذا الوضع قائم لأن المعادلة بسيطة جدا من وجهة علم الإجرام: في حالة ضعف الردع الرسمي يحدث فراغ، والذي هو وضع من بناء قوى تتصارع للسيطرة على مناطق نفوذ، وهذا الأمر يظهر في أوضاع مثل الخاوة، والصراع على مناقصات السلطات المحلية، ونمو السوق السوداء في مجال المخدرات ومجالات أخرى، وغسل الأموال، وظهور طبقة من ذوي الياقات البيضاء (رجال أعمال ورؤساء ومؤسسات محلية مستفيدون ماليا ومكانة من الأعمال الشرعية القائمة والموجودة تحت سيطرتهم). وتطور النفوذ والجرأة مرتبط بعامل الخطورة وعامل الفاعلية الذاتية. عامل الخطورة يعني الإمكانية لاكتشاف هوية الفاعل خلال أو بعد تنفيذ الفعل الإجرامي. وفي حالتنا، عامل الخطورة ضعيف جدا. أما بالنسبة لعامل الفاعلية الذاتية والذي يعني اعتقاد وإيمان الشخص بقدرته للمنافسة والسيطرة على المواقف وجلب ناتج مرغوب فيه، وفي حالتنا الفاعلية الذاتية مرتفعة، أي يؤمن الشخص أن المرود الذي سيحصل عليه نتيجة الأنشطة الإجرامية هو جوهري مكانة ونفوذا ودون وجود أي ثمن يذكر. ووجود ردع ضعيف للشرطة يعني خطورة ضعيفة وفاعلية ذاتية مرتفعة، وهذا ما يفسر تعاظم نفوذ المجموعات الإجرامية في المجتمع من وجهة نظر علم الإجرام".

وحول تعاظم نفوذ عصابات الإجرام، قال بروفيسور حسنين إن "السؤال الذي نطرحه حاليا هو: هل الشرطة واعية لهذه القوى الميدانية، وهل تتوفر لديها بيانات تعكس الأفراد ومناطق النفوذ؟ بالتأكيد نعم. إذا، لماذا الشرطة بأذرعها المهنية لا تتدخل؟ هنا، لكي نجيب عن هذا السؤال علينا الاستناد إلى اتجاه القائم في علم الإجرام، وهو أنه في أحيان كثيرة تستفيد الشرطة من أنشطة إجرامية مثل القتل من ناحية أن هذه الأنشطة تعكس حرب داخلية بين فئات مختلفة (ارتباط الفاعلين والضحايا بهذه الفئات) ذات نشاط جنائي وبالتالي من المفضل من وجهة الشرطة تركهم وشأنهم لأن ذلك لا يهدد بعد مصالح الشرطة ومصالح المجتمع الذي تمثله هذه الشرطة. هذا الاتجاه هو ما يفسر تطور النفوذ لفئات متصارعة. وتفسير ثان مرتبط بالعلاقات الموجودة والمتطورة بين أفراد الشرطة وذوي النفوذ الجنائي، إذ تتطور علاقات مصالح محصنة بين الأطراف القائمة على المحافظة على الوضع القائم، والذي لا يهدد عقائد الشرطة والخطوط الحمراء مثل عدم السيطرة على مناطق نفوذ في المجتمع اليهودي، أو عدم تسويق المخدرات في أوساط فئات يهودية. ومن الضرورة الانتباه إلى أن ليس جميع حالات القتل نابعة من صراع على النفوذ، وإنما هنالك حالات قتل نابعة من صراعات ضيقة مثل ديون، أو مواقف تواصل محددة".

وشدد على أنه "لا يمكن مواجهة جرائم القتل دون وجود شرطة قوية مهنية والتي تؤمن بعملها ونتائج عملها. ولكي تكون شرطة قوية يجب تغيير العقائد التي تنظر للعربي عبر العدسة الأمنية فقط. ما هو متوفر في المجتمع العربي، اليوم، محطات للشرطة هدفها التواجد الرمزي، والوصول للمواقف الحاصلة مثل نزاعات محلية بعد حصولها بساعات، أو التدخل بشكل عنيف لمواجهة أوضاع مثل إغلاق قاعة أعراس. هذه القوى الشرطية الموجودة في المحطات المنتشرة في القرى والمدن العربية غير موجودة أصلا لتنفيذ أعمال الردع في مجال الجريمة. نرى في أحيان معينة أن الشرطة تنفذ أنشطة استعراضية في بلدات عربية، وهذه الأنشطة تنصب أيضا في مجال التواجد الرمزي. يجب التأكيد أن الشرطة الإسرائيلية هي شرطة عنيفة بتعاملها مع العرب مما يعكس وجودها الحقيقي".

قيم مجتمعية

وحول ما يُعزى للأسباب المجتمعية وتراجع القيم في المجتمع العربي الفلسطيني، قال حسنين إنه "لا أعتقد ذلك، فالمجتمع العربي ما يزال يتمسك بالقيم والأخلاق والعادات والتقاليد الإيجابية. بالعكس، وجود نوايا الشرطة وأطراف أخرى في السياسة الإسرائيلية هي عامل موحد لأفراد المجتمع. يجب النظر لحالات القتل، بالرغم من المآسي والألم، في الإطار المحدود وغير المؤثر سلبا على المجتمع، فالاتجاه هو عدم استسلام المجتمع لهذه القضية من ناحية عدم الانشغال بها وإنما حصر القضايا الأكثر أهمية في المجتمع والعمل على مواجهتها مثل قضايا الإسكان، وقضايا التمييز والعنصرية، وقضايا التربية".

وختم بروفيسور حسنين بالتطرق إلى انسداد الأفق أمام الشباب، وقال إن "انعدام أفق التشغيل والوضع الاقتصادي عامل من عوامل الجريمة من وجهة الشرطة، وهذا الاتجاه هو أيضا ينصب في مصلحة الشرطة ولا علاقة له بالردع. بالعكس، حسب رأيي وجود أفق التشغيل ووجود الفرص الاقتصادية هي أوضاع توفر أرض خصبة للسيطرة والنفوذ والصراعات والتأرجح بين الفرص الشرعية وغير الشرعية. لا أعتقد أن حالات القتل نابعة من فرص التشغيل الضيقة، لأن فرص التشغيل الشرعية متوفرة لمن يريد العمل الشريف. أين تكمن المشكلة هنا؟ وهذا ما يحصل في المجالس والبلديات العربية، على سبيل المثال، هو الصراع على الفرص الشرعية، وتحول رأس المال من المصدر الشرعي لغير الشرعي (السوق السوداء) وبالعكس، تحول الفرص غير الشرعية لشرعية (تبييض الأموال)".

التعليقات