13/08/2021 - 20:47

الخطة الجديدة - القديمة لمواجهة الجريمة في المجتمع العربي

مراجعة الخطة، التي تم الإعلان عنها مؤخرا، لا تأتي بالجديد. من الضرورة حين دراسة هذه الخطة الانتباه لعدة أمور هامة جدا، أحاول التطرق إليها في هذه الوقفة القصيرة.

الخطة الجديدة -  القديمة لمواجهة الجريمة في المجتمع العربي

من مظاهرة نُظّمَت في مجد الكروم (أ ف ب)

مراجعة الخطة، التي تم الإعلان عنها مؤخرا، لا تأتي بالجديد. من الضرورة حين دراسة هذه الخطة الانتباه لعدة أمور هامة جدا، أحاول التطرق إليها في هذه الوقفة القصيرة.

1. ادّعت الشرطة دائما أن المشكلة الرئيسية هي نقص المعلومات، وضعف مشاركة وتعاون الجمهور العربي (مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، وبخاصّة الشرطة)، وكان الادعاء المسيطر أن تقوية المشاركة العربية، توفر للشرطة بيانات حول حالات القتل التي تحدث؛ وهذه عملية ابتزاز واضحة ومعادلتها هي: مشاركة وتعاون مقابل فكّ رموز حالات القتل. بالتالي، الجديد ضمن الخطة، هو تأسيس مجلس استشاري عربي ضمن الوحدة المقترحة، هدفه من وجهة نظر واضعي الخطة تنمية المشاركة بين الشرطة والجمهور العربي، والسؤال الأكثر إثارة هنا: من هم أعضاء هذا المجلس وما هي خلفياتهم؟

2. الإعلان عن وجود أقسام أو وحدات قائمة أو جديدة، أو (تعيين) مسؤول عربي رفيع المستوى في الشرطة، وتجنيد العرب لسلك الشرطة ليس بالأمر الجديد، وهذه هي الشعارات التي رفعتها دائما الحكومات الإسرائيلية، بدون أي علاقة بتركيبتها السياسية.

3. ما حدث في أيار/ مايو الماضي في المجتمع العربي من احتجاجات، كان بمثابة المفاجأة للسلطات، وبالتالي، إنّ رد الفعل العنيف من قِبل قوات الشرطة، وجهاز الأمن العام وإدخال "حرس الحدود" كجزء من المواجهة، يعكس مدى تخوُّف السلطة الإسرائيلية من الأوضاع. اللقاءات التي جرت مؤخرا بين أجهزة الشرطة وأجهزة الأمن الداخلي، كلها تنصب في هذه الاتجاه. من الضرورة الالتفات إلى أن الخطة، هي ضمن هذا التوجه والذي هدفه الأساس تعميق السيطرة.

4. تتضمنّ الخطة "برامج في الجانبين الوقائيّ والعلاجيّ، منها إقامة جناح ’سيف’ كوحدة رأس حربة ضد المجرمين، و(إجراء) مسح شامل للخلافات والصراعات، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمدارس العربية للإرشاد، ورفع نسبة المتطوعين للشرطة بما في ذلك الخدمة المدنية، وزيادة عدد الضباط، ومعالجة عينية لظواهر الجريمة الاقتصادية، وتعزيز قوة وحدات بوليسية ذات صلة بقوات من حرس الحدود".

مراجعة دقيقة لهذه البنود، تعكس أمرًا واحدًا، وهو تعميق السيطرة على المجتمع العربي، من منطلق أن جهاز الشرطة وأذرعه من جهاز الأمن و"حرس الحدود"، هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن المواجهة.

من الأهمية الانتباه إلى أن الإرشاد في المدارس، سيتمّ من قِبل عناصر الشرطة، وهدفه ليس مواجهة الجريمة أو العنف، وإنما تقوية "التعاون والمشاركة" (العربية مع أجهزة الأمن). الخطة تعكس محاولة لتحييد أطراف مجتمعية محلية تعمل اليوم على مواجهة الصراعات في القرى والمدن العربية.

5. شملت الخطة زيادة عدد المتطوعين العرب في الشرطة، وعدد الشباب في برنامج الخدمة المدنية؛ هذه المقترحات ليست بجديدة، وهدفها الأول والأخير توسيع عمليات القمع، وتذويت القيم التي تؤمن بها أجهزة "الأمن الداخلي"، ضمن أساليب السيطرة على الفئات الشبابية.

6. ادعى المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، يعقوب شبتاي، أن عشرات آلاف قطع السلاح غير المرخّص في الشوارع هي خطر وجودي، وتهديد داخلي لا يقلّ خطورة عن تهديدات خارجية تهدد الدولة ومواطنيها، وهذا الادعاء ليس بالجديد كذلك. إن هدف الخطة هو تعميق فكرة أن العرب في الداخل هم خطر وجوديّ بالنسبة للدولة، وبالتالي من الضرورة بحسب رأيهم مواجهة ذلك بالطرق والأساليب البوليسية، إضافة إلى استخدام السياسة الناعمة، وهي إقامة لجنة استشارية عربية وتنفيذ فعاليات إرشادية وما إلى ذلك من شعارات تخدم أولًا وأخيرًا الأجندة الإسرائيلية.

7. ادعى مفتش عام الشرطة "بقيام ألف شرطي من عناصره بمداهمة بيوت تجار سلاح وسموم وفواتير مزورة، ضمن عملية ’ضربة سيف’ تم خلالها اعتقال 41 شخصا، وضبط 33 قطعة سلاح وقنبلة"؛ وهذه الأقوال تم سماعها كثيرًا، ولكن على أرض الواقع تنفّذ الشرطة هذه الحملات فقط كعمليات استعراضية.

8. في ما يخصّ مجال الوقاية، قال المفتش العام للشرطة إن "الشرطة ستعزز إرشاداتها التربوية للشبيبة في المدارس العربية بشكل مباشر لتعريفهم على عملها وعلى المخاطر كالكحول والسموم وحوادث السير، كما نفعل في مناطق أخرى". ولكن كلنا نعلم أن مجال الوقاية يعني أكثر من ذلك، فالوقاية تعني منظومة اجتماعية ثقافية يتم توجيهها من قبل المؤسسات الاجتماعية المختلفة العاملة في المجتمع العربي وضمن السلطات المحلية.

هل تحدثت الخطة مثلا عن تنمية مجال الإرشاد للشبيبة في الأحياء ومن خلال توجيههم وعلاجهم وتأهيلهم؟ هل هناك تطرق لخطط مستدامة؟

9. جاءت هذه الخطة كسابقاتها لتقليص وتهميش الأطراف المحلية الفاعلة، ومنها لجنة المتابعة العربية والحركات السياسية، وعمل السلطات المحلية في المجالات الاجتماعية والثقافية، واللجان الشعبية ولجان الصلح.

10. هذه نقطة هامة بتقديري، إذ صرح وزير الأمن الداخلي ضمن الإعلان عن الخطة، أنّ "النواب العرب كانوا يطالبون بلمّ السلاح وللأسف لم يحدث (ذلك). منذ قيام الدولة هناك عدم مساواة بنيوي بين المجتمعين اليهودي والعربي، أخذ يتزايد مع الوقت نتيجة تطور المجتمع اليهودي وتكريس التمييز ضد المواطنين العرب في كل المجالات... وستوفّر عملية ضربة سيف، الجواب الذي تجاهلته حكومات إسرائيل". يتساءل الإنسان العادي والساذج: هل من جديد في هذه الأقوال؟ هل وحدة الشرطة الجديدة ستقود للمساواة المنشودة منذ عقود؟ حتمًا، النتيجة ستكون عكسية وهي توسُّع الهوة بين المجتمعين، من ناحية الضبط والمعاناة والعنف المنفَّذ من قِبل عناصر الشرطة أنفسهم تجاه المواطنين العرب.

11. بحسب الوزير ذاته، "تتجه الحكومة لتغيير سياساتها تجاه المواطنين العرب، والنظر لهم عبر عدسة مدنية لا أمنية"؛ التجارب التي مر بها المجتمع العربي تشير إلى عكس ذلك تمامًا، وأقوال الوزير تعتبر ضمن الشعارات الرنانة التي لا يؤمن بها هو نفسه. فالسلطة الإسرائيلية، وبلا أي علاقة مع توجهاتها السياسية، رأت وسترى المجتمع العربيّ عبر العدسة الأمنية.

أخيرًا؛ من الضرورة الوعي بأن الحديث حول إنفاذ القانون ومحاربة الجريمة في المجتمع العربي هو حديث سياسي وضمن الرؤية الأمنية للسلطة الإسرائيلية. هذه الخطة وما سبقها من النقاشات بين ممثلي الشرطة والأمن العام لا تمتّ بصلة إلى واقع العنف والجريمة في المجتمع العربي، وما يهمهم هو العمل على عدم تكرار أعمال الاحتجاجات بصيغتها الشعبية منذ أيار/ مايو الماضي.

السؤال الأخير الذي أطرحه هنا، هو: من المستفيد؟ من الواضح أن المستفيد الأول هي أجهزة الشرطة، و"الأمن الداخلي" و"حرس الحدود"؛ وهناك مستفيدون ثانويون من الميزانيات مثل بعض المستشارين والمختصين العرب الذي سيروّجون للخطة ونتائجها، وبعض الجمعيات ذات الأجندات المختلفة.

بالتالي، دور القيادة العربية - كما نعرف هناك انتقادات لعدم إشراكها في رسم هذه الخطة - هو التحذير من هذه الخطة بمركباتها المختلفة، والتي هي امتداد لخطط سابقة غايتها الحقيقية محاولة تجنيد شباب عرب في سلك الشرطة والخدمة المدنية، كجزء من تثبيت متكرر للأيديولوجيات والنوايا الحقيقية تجاه المجتمع العربي.

نحن بحاجة لخطط تنفيذية وتفصيلية ومستدامة من قبل أطراف (عربيّة) محلية حول تعزيز القيم والأخلاق؛ ومن الأهمية بمكان، اقتناع السلطات أن التغيير يجب أن يحدث على مستوى نواياهم الحقيقية، والاقتناع أن العنف والجريمة ليست قضية أمنية، ومواجهتها لا تكون من خلال تفعيل النموذج العسكريّ البوليسيّ.

اقرأ/ي أيضًا | جرائم القتل: 60% من الضحايا العربيات عام 2020 اشتكين للشرطة ولم تحميهن


بروفيسور سهيل حسنين، مختص في علم الجريمة.

التعليقات