القمع في النقب: قرار سياسي تشارك فيه الأذرع الأمنية والقضاء

يتعرض الفلسطينيون في النقب، وخاصة جيل الشباب، لحملة قمع غير مسبوقة من قبل الشرطة الإسرائيلية بعد الاحتجاجات الأخيرة، والتي جاءت ردا على تجريف أراض وتشجير مناطق في نقع بئر السبع.

القمع في النقب: قرار سياسي تشارك فيه الأذرع الأمنية والقضاء

اعتقال فتية وفتيات، خاصة بـ"عرب ٤٨" (وليد العبرة)

يتعرض الفلسطينيون في النقب، وخاصة جيل الشباب، لحملة قمع غير مسبوقة من قبل الشرطة الإسرائيلية بعد الاحتجاجات الأخيرة، والتي جاءت ردا على تجريف أراض وتشجير مناطق في نقع بئر السبع، لمحاصرة القرى العربية في النقب وسلبها أراضيها، وبلغ عدد المعتقلين منذ بدء الاحتجاجات 150 معتقلا بينهم قاصرون وفتيات، وقدمت النيابة العامة لوائح اتهام ضد 16 شابا منهم بزعم "الإخلال بالنظام العام"، إضافة إلى مئات الاستدعاءات لشبان وفتيات من الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك)، واللافت من هذه المعطيات أن أكثر من 35% من المعتقلين هم قاصرون لم يتجاوزوا 18 عاما، على الرغم من أن المظاهرة الاحتجاجية الأولى في النقب جاءت بعد مصادقة الشرطة عليها، مما يدل على سياسات قمعية معدة سلفا للنقب.

أبو فريح: تعامل أمني

مروان أبو فريح

وقال مركز عمل مؤسسة عدالة الحقوقية في النقب، المحامي مروان أبو فريح، لـ"عرب 48" إن "ما يحدث في النقب هو قمع للحريات. نحن أمام أكثر من 150 حالة اعتقال ما بين ساعات إلى أيام منذ بدء الاحتجاجات، يوم 10 كانون الثاني/ يناير الجاري، وأكثر من 35% من المعتقلين هم قاصرون، والحملة مستمرة حتى اليوم، ولا زال نحو 68 شخصا معتقلا لغاية اليوم".

وأكد أن "ما نراه، اليوم، يذكرنا بتصرفات الشرطة والقضاء في هبة أيار، وهذا يعني التعامل الأمني مع النقب وليس تعامل مع مواطنين لهم حق النضال والاحتجاج، بل إننا نشهد تصعيدا غير مسبوق خاصة فيما يتعلق بالأطفال والقاصرين، ونرى حالات تطالب فيها الشرطة تمديد اعتقال أطفال قاصرين للمرة الثانية والثالثة، لمسوغات تافهة، ونلاحظ أن لدى الشرطة أهدافا بإبقاء الاعتقالات وعدم تسريح حتى القاصرين".

وختم أبو فريح بالقول إنه "من الواضح لنا أن هناك توجيهات عليا لهذه السياسات، حتى على مستوى القضاء، عندما نواجه قاض هو بالأصل يعمل في دائرة الإجراء أي ليس مختصا في الاعتقال، وتقدم النيابة له 26 طلب تمديد اعتقال وتقريبا استجاب لكل الطلبات، ينضاف إلى هذه الحالات تقديم 13 تصريح مدع لتقديم لوائح اتهام في ظرف أسبوع، فهذه أحداث غير عادية لا في القضاء ولا في جهاز الشرطة، وهذا ما نسمعه من أفراد الشرطة بأن لديهم أوامر بعدم تسريح المعتقلين، وفي حال أطلقت المحكمة سراح البعض يتم طلب تجميد القرار إلى حين الاستئناف مما يدل بشكل قاطع على أنه قرار سياسي بالقمع وخاصة ضد القاصرين، وإخضاع النقب وشبابه. ما كنا نشاهده عبر الشاشات من اقتحامات للمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية نعايشه اليوم في النقب. هذه أحداث فيها تصعيد غير مسبوق، ونحن نشتبه أن الشرطة تستخدم معلومات تقنية من جهاز الشاباك لتنفيذ الاعتقالات".

بن بري: قمع غير مسبوق

ومن جانبه، قال عضو لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، المحامي شحدة بن بري، لـ"عرب 48" إنه "نلمس حالات إرهاب للجيل الشاب في النقب، وخاصة تجاه القاصرين عندما يداهم منزل لأجل اعتقال طفل عمره 12 عاما. هذا يصنف بأنه حالة ترهيب لا أكثر، كما نلمس تعنتا غير مسبوق على استمرار الاعتقال وسرعة تقديم تصريح مدع بهدف تقديم لائحة اتهام لاحقا".

شحدة بن بري

وأكد أنه "نحن أمام حالة احتجاج بسيطة تواجه بهذا القمع، حتى أنني أرى أن مستوى الاحتجاج لا يرقى إلى مستوى الحدث، فنحن نتحدث عن وقفات احتجاجية أمام المحاكم، على الرغم من أننا نواجه مداهمات وتنكيل يومي بهدف الترهيب. هذه أحداث لم نعهدها من قبل بأن تحضر الشرطة سيارات خاصة بمصلحة السجون لبلدة تل السبع، ومداهمة بيوت حسب عناوين معدة سلفا، وأحيانا اعتقال بسبب كلمة مبهمة، على تطبيق 'تيكتوك' وتعقب حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، فالتعامل مع النقب بدا على أنه حالة أمنية".

وختم بن بري بالقول إنه "نعايش العديد من الحالات التي تم اقتيادها إلى مراكز الشرطة، تم تصنيف قسم من قضاياهم بأنها أمنية ونقلهم إلى سجن عسقلان ليحقق جهاز الشاباك في قضاياهم، كما لاحظنا أيضا دعوات لإدخال الشاباك لهذه القضية من قبل قيادات سياسية يهودية، والأكثر من ذلك نلاحظ استدعاءات كثيرة للشاباك إما للتحذير أو غير ذلك، فهي عودة لأيام من ستينيات القرن الماضي، ونحن نلمس سوء تعامل القضاء مع قضايا النقب، ونرى أن القضاة لا يفهمون ما حدث ويحدث وينظرون إلى الملفات بمعزل عن المداهمات والمس بحقوق الناس وأراضيهم، بل ينظر إلى المعتقلين من النقب وكأنهم أناس هاجموا الشرطة ببساطة، على الرغم من أننا نتحدث عن احتجاج بمصادقة الشرطة، ولكنها فعليا رسمت فخا للمتظاهرين، إذ منحتهم رخصة للقيام بمظاهرة ثم انقضت عليهم لأبسط الأسباب، وكانت مستعدة مع كل وسائل القمع، الحديثة والمستحدثة، مثل طائرات مسيّرة تلقي قنابل الغاز تجاه المتظاهرين، ونحن أمام حالات انتهاك حقوقية عديدة، وهناك صور توثق هذه الانتهاكات للأطفال والقاصرين. ما نشهده في النقب حالات قمع لا نراها إلا في الحرب أو في الأنظمة الأكثر فاشية في العالم، وكل ذلك لإرضاء أوساط اليمين لإثبات السيطرة على النقب".

الزبارقة: مخططات اقتلاع سكان وإحلال آخرين مكانهم

جمعة الزبارقة

وقال مُركّز لجنة التوجيه العليا لعرب النقب المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في البلاد، النائب السابق جمعة الزبارقة، لـ"عرب 48" إن "ما يشهده النقب في الأيام الأخيرة وما قبلها هو صراع وجود وصراع على الأرض. المخططات كانت معدة وموجودة سلفا، ولكن النسق التنفيذي شهد تسارعا غير مسبوق مع الحكومة الإسرائيلية الحالية. حملة القمع هذه في النقب كانت قد بدأت أولا عبر حملة تحريض من قبل صحافيين في الإعلام الإسرائيلي، ثم حملة تحريض من قبل رؤساء مجالس محلية وإقليمية يهودية في النقب".

وأضاف أن "هناك مخطط لإقامة 12 بلدة يهودية في النقب، وهو مخطط اقتلاع سكان وإحلال آخرين مكانهم، وهذه الأرض يسكنها فلسطينيون، وكذا شارع 6 هو مخطط يهجّر قريتين عربيتين، وسكة الحديد أيضا مخطط يهجّر أربع قرى عربية، إضافة إلى مخطط تيار الضغط العالي لشركة الكهرباء. هذه كلها مشاريع تحت عنوان التطوير، ولكنها جميعا خُططت لمحاصرة وسلب أراضي العرب في النقب. هذه المخططات قديمة وجديدة، ولكنها اليوم تسير بوتيرة سريعة جدا".

وختم الزبارقة بالقول إن "الهدف الأساسي للحملة المسعورة ضد الشباب، اليوم، والتي في ظاهرها قمع احتجاجاتهم، هو السيطرة على الأرض، واستهداف الشباب الذين يدافعون عن هذه الأراضي، هذا الجيل عمليا هو جيل المستقبل المهدد بسلب أرضه وآفاق تطوره المستقبلي".

التعليقات