إسقاط مخطط يهدد تاريخ البلدة التحتى في حيفا

واجه عضو لجنة المحافظة على المباني التاريخية في بلدية حيفا ومخطط المدن، د. عروة سويطات، مخططا يشمل مسحا جديدا يهدد بطمس تاريخ منطقة "البلدة التحتى" في مدينة حيفا، وتمكن من إسقاط المخطط المقترح بتأييد غالبية أعضاء اللجنة.

إسقاط مخطط يهدد تاريخ البلدة التحتى في حيفا

مدينة حيفا عام 1920 قبل الهدم. المصدر: المسح المقترح

واجه عضو لجنة المحافظة على المباني التاريخية في بلدية حيفا ومخطط المدن، د. عروة سويطات، الأسبوع الجاري، مخططا يشمل مسحا جديدا يهدد بطمس تاريخ منطقة "البلدة التحتى" في مدينة حيفا، وتمكن من إسقاط المخطط المقترح بتأييد غالبية أعضاء اللجنة، وفي مقدمتهم رئيسة البلدية، د. عينات كاليش.

وعلى إثر ذلك، طلبت لجنة المخططين بتعديل المسح ليشمل كافة المباني التاريخية، وتغيير السرديّة التاريخيّة لتكون أكثر دقّة وتعبيرًا عن هويّة المدينة، كما قرّرت إجراء جولة خاصة في المنطقة لفحص كافة المباني المعدّة للمحافظة التاريخية والتأكد من دقة المسح والمعلومات.

وقال د. سويطات لـ"عرب 48" إن "جرائم تاريخية كبيرة أقل ما يمكن فعله هو الاعتراف فيها، وهو الحفاظ على ما تبقى من أشلائها وشظاياها".

وأضاف أنه "من المهم توضيح أهمية المسح، فهو يشكل وثيقة تأسيس رسمية تبني خطابا حول هوية المدينة التاريخية التي هدمت عمليا، كما أنه يضع الأسس والبنية التحتية التخطيطية لأي تطوير في المنطقة، والهدف منه وضع توصيات تخطيطية واضحة من شأنها التأثير على كل تطوير في المنطقة مستقبلا، وتحد من أي مس بكل المبان التاريخية في المدينة، وهذا هو بالأساس الهدف من هذا المسح، ولكن المسح للبلدة التحتى جاء ليعمل العكس تماما وليشوه الرواية التاريخية ويتجاهل التاريخ الفلسطيني للمكان، كما يمثل نوعا من السرقة للتاريخ المعماري التاريخي الفلسطيني، للأسباب التالية: أولا، المسح يسوّق الظاهر عمر بأنه احتل حيفا والشمال، وأن المدينة كانت قذرة مترهلة، مشوهة، مليئة بالعفن والأوساخ، بائسة ومشوهة، وأن الوجود اليهودي والغربي وخاصة الألماني هو الذي طوّر المدينة، وحتى الوجود الغربي والصهيوني هو من شجع الحركة الثقافية والاقتصادية في المدينة، وهذا استنتاج خاطئ ومغلوط للتاريخ ولفهم المدينة التاريخية وجهل معرفي، كما أنه يسوّق لفكرة أن مؤسسات العرب المسيحية على أنها مؤسسات فرنسية، فلا يوجد دقة في المسح، كاعتبار الكنيسة الأرثوذكسية بأنها كنيسة كاثوليكية، وأن كنيسة السيدة يسمونها كنيسة بيت النعمة، وهذا يدل على عدم المهنية، عدا عن كونه تجاهل مقصود يهدف في المقام الأول لتثبيت الرواية الصهيونية للمدينة. ثانيا، يتجاهل المسح النكبة وتهجير أكثر من سبعين ألف فلسطيني من حيفا، كما يتجاهل عملية 'شيكمون' التي أدت إلى هدم مدينة تاريخية كاملة، ويتجاهل المسح جريمة النكبة، إذ تناول المسح هذه العبارة التي أنقلها حرفيا 'مع إقامة دولة إسرائيل وُجدت مدينة حيفا مع سكان أقل'، وهذا تجاهل لأكبر جريمة تاريخية بحق المدنيين".

تشويه وطمس للتاريخ

وأكد عضو لجنة المحافظة على المباني التاريخية في بلدية حيفا أن "المسح يشوّه العمارة التاريخية الحديثة للمدينة، فالمحتلين لم يكتفوا بسرقة المأكولات التراثية الفلسطينية، بل قاموا بوصف العمارة الفلسطينية للمدينة بـ'بيت الحوش الإسرائيلي'، وهذا يعد بحق على سرقة الموروث المعماري الفلسطيني، حيث لا وجود لهكذا مصطلح من ناحية تاريخية أو ثقافية. أقل ما يمكن فعله تجاه مدينة الظاهر عمر التي مرت بجريمة كبرى، هو الاعتراف بما تبقى بأشلائها بعد أن تعرضت للهدم بالكامل، لكن بقي فيها القليل من الأشلاء. جريمة الطمس والهدم مستمرة، ويستمر أيضا إنكار التاريخ ومحاولة سرقة الموروث وتشويه المكان، فكان لزاما عليَّ وواجبا أن أستحضر صوت المدينة المفقودة والمنكوبة، فاعترضت على هذا المسح، وشرحت وجهة نظري التاريخية والمعمارية، وأنا سعيد لقبول اللجنة لاعتراضي على المسح، والمسح سيتغير، وهذا لا يخفف من وجع فقدان المدينة والحضارة فيها، ولكن هذا الرفض للمسح يمنع ويتصدى لهذا التشويه، والمسح بشكله هذا هو عبارة عن وثيقة تخطيطية تؤدي لتجاهل الهوية والمكان والتاريخ. إضافة إلى أن المسح لا يشمل كافة المباني التاريخية، وهذا يهدد عدد من المباني غير مشمولة بالمسح للهدم والطمس. والقرار الذي اتخذ برفض هذا المسح أدى فعليا لتغيير السردية التاريخية المعروضة، كما أوصى بالقيام بجولات مختلفة التي تشمل كافة المباني التاريخية في المكان، وسيكون هناك توصيات واضحة من ناحية التخطيط لإمكانية التطوير في البلدة التحتا بشكل يحفظ الهوية التاريخية للمكان".

القوى السياسية والموروث التاريخي

وعن التحديات التي يواجهها، قال د. سويطات إنه "للأسف، عندما نتحدث عن الهدم والطمس، فنحن لا نتحدث فقط عما حدث في سنوات النكبة وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وإنما نتحدث عما حدث قبل ثلاث أو أربع سنوات، فالهدم في وادي الصليب وهذا التشويه الكبير صار، مؤخرا، من خلال تواطؤ البلدية وأقسام الهندسة فيها مع مطامع شركات يهمها فقط الربح المادي، ولا يهمها التاريخ ولا السياق المجتمعي، ولا توجد لديها طموحات مستقبلية لإحياء المكان. القوى السياسة التي كانت على مدار عقود في الائتلاف تجاهلت هذا الموضوع، ولم تكترث للموروث التاريخي، والآن أنا أعمل لوحدي في مواجهة هذه التحديات، ولا يوجد من يتواصل معي بخصوصها، كما أنني أتواصل مع مخططين ومؤرخين عرب فلسطينيين وأشخاص محترمين، والذين يساندوني في موقفي عندما أحتاج لمرجعيات تاريخية، مثل د. جوني منصور، أو لمعماريين مختصين مهنيين في موضوع العمارة. القوى السياسية تتجاهل هذا الموضوع على الرغم من وجودها في الائتلاف على مدى ثلاثين عاما، ولذلك أنا موجود في هذه اللجنة منذ شهر أيار/ مايو 2009، وتم تعييني من قبل رئيسة البلدية التي هي مخططة مدن، وأصبح بيننا توافق على الحفاظ على الموروث المعماري التاريخي للمدينة. أُمثل، اليوم، صوتا مهنيا وضميرا حرا يؤثر بشكل فعلي على اتخاذ القرار في أهم ملفات التخطيط في المدينة، وعمليا أستحضر رؤيتي الأخلاقية والمهنية والوطنية التي تنبع أساسا من العدالة، فما يهمني هو التخطيط العادل، فأنا لست ضد التطوير، والتطوير يجب أن يحترم المدينة ويصلح الغبن التاريخي، وينطلق من قضايا الناس واحتياجاتها، وهوية المكان وطموحات المجتمع بالحفاظ على هذا المكان. فهذا يدل على وجود صوت مهني ومؤثر وحر ومع ضمير على طاولة القرار، وهو صاحب تأثير وبإمكانه إحداث تغيير، وهذا ما أقوم به في كل جلسة، إذ أقوم بالتصدي لكل المؤامرات ومحاولات الطمس للمعالم التاريخية للمدينة".

د. عروة سويطات

وعن موقف رئيسة البلدية واللجنة التي دعمت موقفه وقررت تفويضه لإجراء التغييرات، قال د. سويطات إن "هذا أمر استثنائي وغير مسبوق في مدينة حيفا ومدن الساحل بأن تولي رئيسة البلدية اهتماما كبيرا وتضع هذه القضية في رأس سلم الأولويات، بل دعمت كذلك وجود مخطط مدن عربي ووضعته في أهم موقع لاتخاذ القرار في موضوع التخطيط، وهذا أمر استثنائي كما أسلفت، ويستحق الثناء بشكل واضح، حتى عندما حاولوا إقصائي، كان لها موقف واضح وتصدت لهذه المحاولات، ورفضت إقصائي ودعمتني، وهذا كان أحد الأسباب إلى جانب الدعم الشعبي على وجود صوت مهني مؤثر، اليوم، في مركز صنع القرار. أتوافق مع رئيسة البلدية كمخططة مدن على جملة من القضايا التي من شأنها الحفاظ على الموروث المعماري التاريخي، وهذا ما يعطينا قوة لإحداث التغيير الذي يصب في صالح الحفاظ على المعالم التاريخية للمدينة".

التعليقات