النساء العربيّات المُهدّدات بالقتل... الضحيّة في موقع الاتّهام

القرار يُعدّ "بمثابة حالة إفلاس من قِبل الشرطة والمؤسسات القانونية الرسمية في الدولة، والتي وظيفتها حماية المرأة"

النساء العربيّات المُهدّدات بالقتل... الضحيّة في موقع الاتّهام

متظاهرون في حيفا، ضدّ تصاعُد وتيرة جرائم قتل النساء (Getty Images)

أثار القرار القضائيّ الذي اتُّخِذ مؤخرا، والذي يقضي بإلزام امرأة عربية من اللد، بدخول ملجأ للنساء المعنفّات، لكونها مهدّدةً بالقتل، والذي ألغي أمس الإثنين، بعد قبول طلب المرأة المهددة، بعدم فرض انتقالها إلى ملجأ؛ غضبا ولا سيّما لدى المؤسسات العربيّة المناهضة للعنف ضد المرأة، والتي شددت على أنّ القرار يُعدّ "بمثابة حالة إفلاس من قِبل الشرطة والمؤسسات القانونية الرسمية في الدولة، والتي وظيفتها حماية النساء"، اللواتي بات "التعامل معهنّ كأنهنّ المتهم"، من قِبل السلطات.

وأكّدت مديرة مركز نساء ضد العنف في الناصرة، نائلة عواد، ومديرة مؤسسة كيان- تنظيم نسوي، رفاه عنبتاوي، خلال حديثهما لموقع "عرب 48" أنه كان يتوجّب "على المحكمة إلزام الشرطة بزج المجرم في السجن، بدلا من إلزام المرأة المهددة بالقتل بالانتقال لملجأ النساء المعنفات، ولإبطال هذا القرار حتى لا يكون مرجعيًّا مستقبلا، ذلك أن المرأة هي من يقرر بقاءها في الملجأ، دون إلزامها بأمر من المحكمة، أو الشرطة التي من واجبها توفير الحماية ومنع الجريمة. ويُعدّ القرار بمثابة حالة إفلاس من قِبل الشرطة والمؤسسات القانونية الرسمية في الدولة، والتي وظيفتها حماية المرأة".

وتطرّقت عواد إلى معطيات الأبحاث التي أجرتها جمعية نساء ضد العنف، والتي تشير إلى أنه بين عامَي 2008 و2018، 64% من المجرمين قتلة النساء في البلاد لا يزالون أحرارا بدون محاكمة، أو تقديم لائحة اتهام ضدهم، لافتةً إلى أنه يتوجّب على الشرطة "أن تعلم أن المآوي وُجدت لكي تقرر المرأة البقاء فيها وفقا لاختيارها، وليس من خلال إلزامها بقرار محكمة".

وأضافت: "نرفض استخدام الشرطة المآوي كسجن ضد المرأة المهددة بالخطر، إذ إنه من واجب الدولة ومؤسساتها التي تعرف أن المرأة تعيش في خطر شديد، الوصول ضمن جميع الوسائل التي تمتلكها الدولة للقبض على المجرمين، وبإمكانها ذلك، لكنها تتقاعس أمام العنف في المجتمع العربي، وأمام النساء عامة، فضلًا عَن تقصيرها في توفير الأمان للنساء الفلسطينيات" في مناطق 48.

متظاهرات في حيفا، ضدّ تصاعُد وتيرة جرائم قتل النساء (Getty Images)

من جانبها، شدّدت عنبتاوي على أن القرار الأوليّ الذي كان مُتَّخذا، "بحدّ ذاته ممارسة سلطوية ذكورية إضافية ضد المرأة التي تعيش في دائرة العنف، وفكرة الإلزام لنساء يعانين من حياة ذكورية وتسلّط وسيطرة ضدهن، هي بمثابة نوع آخر من أنواع التسلّط، وفرض أمور عليهن".

وقالت إنه "لا يمكن التعامل مع المرأة كأنها المتهم، وإصدار قرارات ضدها، في حين يُفترض زجُّ المجرم في السجن، ذلك أن حماية النساء من مسؤولية الدولة بكافة مؤسساتها بما في ذلك الشرطة، علما بأن المعطيات تؤكد أن 60% من النساء اللواتي قُتلن، كنّ قد قدّمن شكوى في الشرطة، ولم يتم حمايتهن من المجرمين، وبدلا من تعلُّم الشرطة الدرس، وخلق بدائل لتوفر الحماية للنساء والمساعدة في محاكمة المجرمين، يتمّ فرض وإجبار النساء المعنفات من خلال قرار محكمة، البقاء في ملجأ بغض النظر عن ظروفهن"، مضيفة أن "هذا تعامل مهين مع المرأة".

مديرة مؤسسة كيان- تنظيم نسوي، رفاه عنبتاوي

ودعت إلى "بناء ملاجئ (أماكن احتجاز مؤقتة) للرجال المتهمين بالعنف، ولا توفر الشرطة أدلة ضدّهم لأسبابها الواهية، إذ يجب إلزامهم التواجد بملجأ حتى تثبُتَ براءتهم، ووضْعُ خطط لحماية النساء اللواتي يتقدمن بشكوى، بدلا من استعمال القوة ضدهن من خلال قرارات إلزامهن بالبقاء في ملجأ، وهذا نوع من أنواع العنف ضدّ امرأة تسعى للخروج من دائرة عنف، لتتصادم مع عنف آخر".

وطالبت عواد وعنبتاوي "بمواصلة الضغط المؤسساتي على المسؤولين لمنع مثل هذه القرارات (مستقبلا) لما تحمل معها من تبعيات قد تمنع المرأة المعنّفة من تقديم شكوى في الشرطة، خوفا من قرار يفرض عليها البقاء في الملجأ".

وأضافتا أن "الشرطة باتت تلقي بالمسؤولية على المؤسسات النسوية لتوفير الأمان للمرأة، بسبب فشلها وتقاعسها في مواجهة العنف والجريمة. نحن نرفض طرح بدائل لراحة الشرطة، بدلا من القبض ومعاقبة المجرم، بل علينا رفع صوتنا ضدّ تقصيرها وضدّ عدم تقديمها لوائح اتهام ضد المجرمين، فكما يمكن للمخابرات معرفة من يهدّد الأمن في الدولة، يمكنها كذلك أن تكشف عن مستأجِري المجرمين، وعن المجرمين أنفسهم في المجتمع العربي".

ملجآن فقط للنساء العربيّات

في السياق، أشارت عواد إلى "وجود ملجأين فقط للنساء العربيات في البلاد، وثلاثة ملاجئ يهودية - عربية مشتركة، من بين 16 ملجأ، في حين أن جرائم قتل النساء في المجتمع العربي هي 58%، بينما وصلت 45% من النساء، ضحايا جرائم العنف للملاجئ".

وقالت: "نحن مستمرات برفع صوتنا في جمعية نساء ضد العنف أمام جميع محاولات فرض الاختيارات على النساء، نطالب المؤسسات المسؤولة بالعمل بشكل مسؤول اتجاه محاربة الجريمة، وتوفير الحماية بكل حذافيرها للنساء، وقد أظهرت الأبحاث تقاعس الشرطة وعدم تقديم لوائح الاتهام ضد المجرمين".

مديرة مركز نساء ضد العنف في الناصرة، نائلة عواد

وأضافت عوّاد أن "الضغط المؤسساتي والإعلامي الذي صدر ضد قرار المحكمة الاستثنائي، ساهم في توفير وزارة الرفاه مسكنا للمرأة من اللد، والتي تعيش في دائرة خطر القتل، يضم حراسة مشددة عليها"، مشيرة إلى أن "النضال المؤسساتي والحقوقي والإعلامي له الدور الكبير في التأثير للتغيير، ولكن هذا لا يعفي المؤسسات المسؤولة من القيام بواجبها لتوفير الأمن والحماية للمرأة، بدون انتظار ضغط إعلامي ومؤسساتي ضدهم، كي يتحملوا المسؤولية إزاء وجوب توفير الأمن والأمان للنساء المعنفات".

وشددت على أنه "يتوجّب على الشرطة القيام بجميع ما يلزم لحماية المرأة... لديهم (لدى السلطات) وسائل لم يستخدموها"، وتساءلت: "لماذا تمكنوا من إيجاد حلّ بعد ضغط جماهيري ومؤسساتي وضجة إعلامية".

توضيحية (من الأرشيف)

من جانبها، توجّهت عنبتاوي لكل امرأة تعيش في دائرة العنف قائلة: "يقف وراءَك مجتمع داعم، ونحن في جمعية ’كيان’ نلتزم بتقديم الخدمة القانونية لكِ من خلال تمثيل قانوني من قِبل المحاميات في المؤسسة، وأنا أطلب من أي امرأة قد تتلقى قرارا يفرض عليها البقاء في الملجأ، التواصل معنا، ونحن سنقوم بالخطوات القانونية لإبطال القرار".

التعليقات