ناجية من مجزرة شفاعمرو تسرد لحظات النجاة.. "جرح غائر لا يندمل"

شعبان "تمكنت من الاختباء تحت المقعد حينما رأيت مشاهد القتل، وقد واجهت بندقية الإرهابي بعد أن صوبها نحو عنقي إلا أن عطلا حال دون إطلاق الرصاص منها".

ناجية من مجزرة شفاعمرو تسرد لحظات النجاة..

الحافلة التي ارتكبت بها المجزرة عام 2005 (Gettyimages)

لا تزال الشابة الناجية بديعة شعبان من شفاعمرو تستذكر مشاهد وتفاصيل المجزرة التي ارتكبها الإرهابي ناتان زاده في حافلة رقم 165 قبل 18 عاما وتحديدا في 4 آب/ أغسطس من العام 2005.

وشهداء المجزرة هم: الشقيقتان هزار ودينا تركي، وميشيل بحوث، ونادر حايك؛ فيما أصيب حينها عدد من الأشخاص بجروح متفاوتة، تواجدوا جميعا داخل الحافلة التي كانت متجهة من حيفا إلى شفاعمرو.

وأحيت مدينة شفاعمرو مساء الجمعة الماضي ذكرى شهدائها الأربعة الذين استشهدوا في المجزرة، وذلك عند النصب التذكاري للشهداء.

ذكريات مؤلمة

وتقول شعبان في مستهل حديثها "لا يزال أزيز الرصاص يرن في أذني، الجلبة بالمكان، ضجيج المجزرة، صوت الإرهابي، كمية الصراخ والعويل، الدم الذي جرى كالنهر فأضحى في لونه كنار تضرب فيّ الغضب وتبعث فيّ كل مباعث الألم".

وأضافت "لقد مرت هذه السنوات وكأنها وقعت بالأمس لهول ما رأيناه وعشناه في تلك اللحظات العصيبة. لقد سمعت الشقيقتان هزار ودينا تركي حينما نطقتا بالشهادة، ولا أنسى كيف استشهدت إحداهما فتوسلت الأخرى الإرهابي أن يعدها وشأنها حين قالت له ’قتلت أختي، فدعني وشأني’ إلا أنه أبى ذلك وأطلق النار عليها ليرديها شهيدة".

الناجية بديعة شعبان (عرب 48)

وتابعت شعبان "لا أنسى أيضا كيف أن الشهيد ميشيل بحوث استقل الحافلة وقد اشترى قطعا من الشوكولاتة والكولا، وكان يقول حينها إنه جائع لكنه لم يتناول شيئا مما أحضره لأن رصاصة الإرهابي كانت أسرع وأقرب إليه. لقد كنا شبه عاجزين في ذلك الموقف وهذا ما يؤلمني أكثر".

لحظات النجاة وإنقاذ الركاب

وأشارت إلى أن "المجزرة كانت مروّعة وحدثا لا ولن ينسى مهما توالت عليه الساعات والأيام والشهور والسنوات، فهذه الجريمة النكراء التي وقعت على متن حافلة رقم 165 والتي تركت في أعماقنا جرحا غائرا لا يندمل، من المحال أن تطويها رياح النسيان، وما حدث جعلنا أكثر قوة وصلابة تمكننا من مواجهة تحديات أكبر وحوادث أعظم، فما حدث سبب لنا الألم لكنه في الوقت نفسه أكسبنا القدرة على التأقلم والوقف من جديد".

وعن لحظات النجاة وإنقاذ الركاب من رصاص المستوطن المتطرف، استذكرت شعبان بالقول "تمكنت من الاختباء تحت المقعد حينما رأيت مشاهد القتل، وقد واجهت بندقية الإرهابي بعد أن صوبها نحو عنقي إلا أن عطلا حال دون إطلاق الرصاص منها، فكانت لحظات سريعة حتى نهضت بقوة نحوه وأمسكت البندقية رغم سخونتها فيما اجتهد هو للإفلات والتراجع إلى الخلف وجرّ بندقيته معه لكنني صممت على التمسك بها لأنقذ نفسي والركاب الآخرين في الحافلة حتى تدخل عدد من الركاب لمواجهة الإرهابي والدفاع عن حياتهم".

بلورة الهوية والشخصية

وأكملت "في هذه المجزرة كنت سأفقد حياتي بل أنني عشت أصعب لحظات حياتي، وكنت في حيز زمني يقع ما بين الحياة والموت. لقد تسبب إمساك سبطانة البندقية المعدنية لي بحروق أثناء محاولة ثني المستوطن الإرهابي عن قتلي، بعض هذه الحروق تماثلت للشفاء وبعضها ما زال وكأنه وشم حفر على جلدي كنقش تاريخي لبعث هذه الذكرى المؤلمة من جديد في خلدي فلا أنساها ولا هي بمفارقتي، لتصبح جزءا من هويتي، إن مجزرة شفاعمرو بلورت هويتي وشكلت الخطوط العريضة لشخصيتي".

وأردفت أن "المجزرة وقعت في العطلة الصيفية وكنت طالبة جامعية حينئذ، وكان قد تبقى لافتتاح الجامعات أقل من شهرين حينها، ولم تثنين هذه المجزرة عن المضي قدما في تعليمي واستكمال دراستي الجامعية لأصبح مهندسة اليوم، فلدي من أدوات ومقومات الصمود ما لا يملكه أي شخص ولم أكن مستعدة لهزيمة نفسية جديدة تتمثل بخسارة عام دراسي، فتناسيت ما حدث وتجاهلت مصابي وكأن شيئا داخليا حثني على الاستمرار والصمود وعدم الاستسلام لليأس. ومع مرور الأيام أصبحت أكثر قوة وهذه المجزرة زادتني قوة وصلابة وغيرت مفهومي للحياة".

ألم لقاء عوائل الشهداء

وعبرت شعبان عن تألمها لرؤية ذوي الشهداء ولقائها بهم بالقول "لا يوجد تواصل دائم مع عوائل الشهداء، إذ أننا نلتقي في الذكرى السنوية للمجزرة وأنا أتألم عند رؤيتهم ما يعيد إلى مخيلتي صور أبنائهم، فأعود بالزمان وأرى الحدث المروع وكأنه يحدث الآن. الرابع من شهر آب/ أغسطس بات يوما قاسيا منذ حدثت تلك المجزرة وصار يحمل لي معه ذكرى أليمة، وبات التقويم لدي يعتمد على هذا اليوم وصار رقما مركزيا أحسب من خلاله الأيام والشهور والسنين، حتى أنني أتأثر نفسيا وجسديا بحلول هذا اليوم لما يحمله لي من ذكرى مؤلمة".

أهمية الذكرى والذاكرة الجماعية

وعزت وجودها في الحافلة بأنه "لم يكن محض صدفة، والله اختارني لأكون هناك وأحمل مسؤولية سرد أحداث المجزرة ونقلها إلى الأجيال والرأي العام وحفرها في الذاكرة الجماعية كشاهدة عيان نجت بأعجوبة من الموت المحقق، ولقد آليت على نفسي وحملت على عاتقي مسؤولية سرد مجريات المجزرة، ولذلك سأكون صوت الشهداء والجرحى والمعتقلين الصارخ في وجه الظلم والطغيان والجريمة المنظمة، وأعتبر أنني الأداة لتوثيق ما حدث لأن هذه المجزرة ليست مجزرة عابرة، بل إنها جزء من تاريخ ومعاناة الشعب الفلسطيني. هذه المجزرة لا تعنيني أنا وحدي بل تعني كل الفلسطينيين وكان من الممكن أن تحدث مع أشخاص آخرين لم يكونوا متواجدين في مسرح المجزرة، وكان من الممكن أيضا أن تقع في أماكن أخرى على امتداد التراب الوطني الفلسطيني".

وشددت على أهمية تخليد ذكرى مجزرة شفاعمرو بالقول إن "تجاهل المجزرة وعدم الحديث عنها سيعرضها للنسيان والاندثار ليكون حالها بذلك حال الكثير من المجازر. إن شهادتي على هذه المجزرة ووجودي فيها رسالة لن أكل أو أمل من حملها، وهي مسؤولية ملقاة على عاتقي للحديث عن عذاب الشهداء قبل ارتقائهم وآلام الجرحى ومعاناة الأسرى وأوجاعهم، وليس المذكورين آنفا هم وحدهم ضحايا المجزرة المروعة بل إن عوائل الضحايا هم أيضا ضحايا وقد تسببت لهم المجزرة بآلام نفسية من المؤكد بأنها لن تجد الطريق إلى الشفاء قريبا".

وأوضحت "لقد قاومت ذاك المتطرف الإرهابي وأمسكت بسبطانة بندقيته ولذت بالفرار من الحافلة وركضت لا ألوي على شيء سوى الحفاظ على حياتي، وهذه اللحظات لا تفارق مخيلتي ولا ذاكرتي، بل أجد من الصعوبة بمكان أن أقص ما جرى متذكرة أدق التفاصيل المؤلمة التي ترهق كاهلي من دون أن أذرف الدموع، فما حدث تجاوز حدود طاقتي البشرية على التحمل".

بودكاست "أَجْرَمِنْ عَنْهِنْ" مع بديعة شعبان | قبل عام في الذكرى الـ17 للمجزرة:

توثيق المجزرة

وحملت الناجية شعبان مسؤولية نقل الشهادة الحية للمجزرة على وسائل الإعلام ليتم توثيقها في تاريخ الفلسطينيين، وذكرت "لغاية هذه اللحظة لا أصدق ما حدث معي، ولو أن أحدهم أخبرني بتفاصيل المجزرة لظننته يبالغ، ولقلت إن هذه القصة ضرب من ضروب الجنون، إذ كيف يعقل أن يضع القاتل فوهة البندقية على رقبتي ويضغط على الزناد ولا تخرج الرصاصة التي كانت ستنقلني إلى عالم آخر وكنت سأكون في عداد الأموات الآن، وهذه ما هي إلا رسالة من الله لي ولكل إنسان بأن الأقدار محتومة وإنه من واجبي سرد أحداث المجزرة كما رأيتها بأم عيني. بالتالي يجب علينا عدم التوقف عن الحديث عن هذه المجزرة والتذكير بها وهذه مسؤولية جماعية ملقاة على عاتقنا جميعا، وما يسعدني أن هناك شباب في مقتبل العمر يقومون بمشاركتنا في إحياء ذكرى المجزرة وتخليدها وتوثيقها بكل تفاصيلها".

وختمت بالقول "رسالتي الأخيرة لأبناء شعبي بأنه يجب التوقف عن القتل وارتكاب المجازر بحق أنفسنا، وعلينا جميعا التكاتف والتعاون والتعاضد لكي نستطيع الصمود في وجه التحديات ومحاولة اقتلاعنا من جذورنا، وهذا التلاحم هو من حافظ على وجودنا على هذه الأرض منذ أحداث النكبة وحتى اليوم".

التعليقات