"وليد دقة كان رمزا للصبر والصمود"

يبكي رفاق الشهيد الأسير وليد دقة بحرقة وألم، يتذكرون هذا المناضل العنيد والصلب الذي لم تنل من عزيمته العقود الطويلة خلف القضبان، ويعددون مناقبه وآثره، فقد كان مفكرا وقائدا ورمزا للصبر والصمود.

صورة الشهيد الأسير وليد دقة في مقدمة مسيرة العودة في أراضي اللجون المهجرة، العام الماضي (أرشيف "عرب 48")

"عاش بروحه خارج السجن أكثر مما عاشه داخل أسواره"، جملة قالها أحد رفاقه في الأسر، تلخص حياة الشهيد الأسير وليد دقة، الذي أمضى 38 عامًا خلف القضبان.

ظلّت روح وليد طليقة حرة، تجوب الأرض، وتحلق في سماء مجتمعه، يعيش قضاياه، يتضامن، يدعم، ولم ينس هموم شعبه، كما يروي رفاقه الذين كانوا معه في الأسر.

على الرغم من الأغلال التي قيدت جسده، لم تستطع قيود السجن أن تحجب نور روحه وأفكاره التي انتشرت بين من عرفه. كان يعيش بينهم من خلال رسائله، أحلامه، والقصص التي تناقلوها عن إصراره وعزيمته، ما جعله أكثر حضورًا وتأثيرًا في حياة الكثيرين ممن هم خارج السجون. تلك الروح التي لم تقهر، وذلك الإرث الذي تركه وراءه، جعل من وليد دقة رمزًا للصبر والصمود.

يوم أمس، لم تتجمع الحشود أمام بيته في باقة الغربية، كما أراد أن يراها بنفسه وهو خارج أسوار السجن، إنما حزنا على استشهاده، في قلوبهم وجع الفراق وثقل الظلم الذي لحق به حتى لحظاته الأخيرة.

استُشهد وليد محرومًا من أدنى حقوقه، في الرعاية الطبية والحرية. لم تكن عشرات الأعوام التي قضاها وليد خلف القضبان لغاية استشهاده مجرد أرقام في سجلات السجون، بل روحًا تحملت أعباء 38 عامًا من الأسر والاعتقال. أسير مكافح، عانى الأمرين ولكنه بقي صامدًا، يحلم باليوم الذي يمكنه فيه استنشاق الحرية.

تضاعفت مأساة العائلة عندما رفضت الشرطة تحرير جثمانه، أمس، مما أضاف ألما فوق الألم على قلوب عائلته وأحبائه. قبل استشهاده بفترة، أُصيب بمرض جعل حالته الصحية تتدهور بسرعة. مع ذلك، رفضت سلطة السجون تحريره، مما حرمه من فرصة قضاء أيامه الأخيرة بين عائلته وزوجته التي انتظرته طويلا مع ابنتهما ميلاد. وفي المساء اعتدت قوات الشرطة على خيمة العزاء التي نصبت، وقامت بتفكيكها واعتقال خمسة أشخاص.

يقف رفاق وليد في الأسر، الذين أصبحوا أخوة له في السجن، يبكونه بحرقة، يتذكرونه كمناضل صلب لم تنل من عزيمته السنوات الطويلة خلف القضبان.

الأسير المحرر محمود مصاروة

وأعرب الأسير المحرر محمود مصاروة من باقة الغربية، الذي شارك الزنزانة مع الأسير وليد، عن حزنه لاستشهاد رفيقه، مشيرًا إلى أن "الاغتيالات المتعمدة للأسرى زادت بعد الحرب على غزة".

ودعا إلى "فحص جثامين الشهداء للتحقق من تسميم محتمل". كما انتقد "فشل إيقاف تطرف الوزير إيتمار بن غفير".

ولفت مصاروة إلى أن "ما يحصل، اليوم، في السجون يختلف عن السنوات السابقة، لأننا فشلنا في إيقاف العنصري المتطرف الوزير إيتمار بن غفير، الذي تخطى كل الحدود، وتساهل شعبنا هو الذي أدى إلى استمرار التطرف داخل السجون".

وطالب بـ"فحص جثث الأسرى الذين يستشهدون داخل السجون، في هذه الأيام، لأنه قد يتم وضع مواد سامة للأسرى في السجون، إذ أنني أقول هذا وفقًا لتجربتي بالأسر وخاصةً بعد عدة محاولات من اغتيالي في السجون".

وصف الأسير المحرر كريم يونس الشهيد وليد دقة بأنه "شخصية استثنائية أثرت بشكل كبير على العلاقات داخل السجون". وأشار إلى "المعاملة القاسية التي تلقاها وليد وغيره من الأسرى"، مؤكدًا على "ضرورة فحص جثث الأسرى والكشف عن الانتقام الذي يتعرضون له داخل السجون".

الأسير المحرر كريم يونس

وقال يونس إن "وليد كان أسيرا وإنسانا مميزا ومعطاء"، مؤكدا أن "الكثير من العلاقات أسست بين الأسرى على أكتافه، كان يحظى باحترام وتقدير من كل الأسرى، ولو كان أسيرا غير وليد لوجدنا الحال بشكل مختلف، ولكن الإصرار كان على إبقاء وليد بالسجن، لأنه إنسان مميز وله تأثير كبير".

وعن تصريحات وزير الأمن القومي، بن غفير، أوضح يونس أن "التصريحات التي صدرت عن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، في أعقاب استشهاد وليد، والذي قال إنه كان يتمنى أن يموت وليد إعدامًا، تدل على نوعية المعاملة التي كانت تجاه وليد وغير وليد من الأسرى".

لم تنل شدّة السجن ولا قساوته من الأسرى، شدد يونس، وقال إنه "على الرغم من مرور السنوات الطويلة بحلاوتها وقساوتها إلا أنها لم تنل من الأسير مهما حصل، وخصوصًا حين يقترب موعد إطلاق سراحه، تكون المشاعر مزدوجة ومختلطة بين الفرح والحزن، وكنا نأمل أن يكون وليد بيننا ونحتفل به بشكل يليق به، وأن يعايش الحرية بحضن عائلته، ولكن القدر كان أقوى منا".

وختم يونس حديثه بالقول إن "التعامل مع الأسرى منذ اندلاع الحرب تعبير عن الانتقام من الأسرى، إذ أن ما يعيشه الأسرى داخل السجون يفوق الخيال، ولا يمكن لشخص أن يتحمله".

كسر الأسير المحرر غسان عثامنة في العام 2004 الإضراب عن الطعام في صحن واحد مع الأسير وليد دقة، كما روى لـ"عرب 48" وقال إنه "كسرنا الإضراب عن الطعام سويةً، وبعد انتهاء الإضراب، تناولنا الشوربة معًا. وليد كان رفيقا وأخا وصديقا، قضيت معه سنوات طويلة في الأسر".

الأسير المحرر غسان عثامنة

ووصف عثامنة مسيرة وليد دقة بأنها "مأساة تمثل حال الشعب الفلسطيني أجمع"، إذ رأى أنه في "مسيرة وليد دقة تتجسد كل معاني المعاناة والألم والظلم، مشيرا إلى أنه "نتحدث عن أكثر من 33 ألف شهيد، وعشرات آلاف الجرحى، وآلاف الأسرى والمعتقلين، من أبناء شعبنا خلال ستة أشهر، ووليد ضحية لهذه الجرائم المستمرة منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا".

وتابع أنه "مهما ضيّقوا وماطلوا في تسليم جثمان وليد، فإن الجثمان سيتحرر اليوم أو بعده وسنشارك في جنازته وسيشارك أبناء شعبنا في تشييعه، وسنرفع العلم الفلسطيني. وليد إنسان دائم الابتسامة وهو مفكر حقيقي وكان يمتلك معرفة وعلما وفيرا. رفقته كانت طيبة لأنه إنسان طيب، وكل الكلمات لا تفي وليد حقه".

وختم عثامنة حديثه بالقول إن "وليد قضى نحو أربعة عقود داخل السجن، ولكنه كان مطلع على كل ما يحصل خارج السجن، إذ أن وليد أحد القيادات القليلة جدًا التي بقيت في السجن، ويُشهد له في كل شيء، في الفكر والإبداع، والاشتباك مع إدارة السجون، ولا توجد كلمات تفي هذا القائد المفكر الشهيد الأسير حقه".

التعليقات