22/07/2021 - 15:16

قوى صاعدة وأخرى آفلة

التحركات الدولية ضد الاستيطان تعيد الأمور إلى نصابها وإلى مسمّياتها الحقيقية، وتذكّر العالم بأن إسرائيل دولة احتلال، وأن اتهام معارضي الاحتلال بالإرهاب واللاسامية هو عهر ممجوج، وأن سياسة فرض الأمر الواقع، وتحويل الضحية إلى إرهابية، والاحتلال إلى ضحية لم يعد

قوى صاعدة وأخرى آفلة

(أ ب)

في كل عصر من العصور تصعد قوى تحمل معها أفكارها وتقنياتها الجديدة، وتتراجع وتضمحل أخرى حتى تتلاشى، لتحلّ مكانها القوى التي تحمل روح المستقبل والتّجديد على أنقاض القديم الذي يصبح عائقًا في وجه التقدم البشريّ السويّ والتصاعديّ، إلا أن القوى القديمة لا تستسلم، وهذا طبيعي جدًا، بل تحارب حتى الرمق الأخير، ولهذا فهي تكيل شتى الاتهامات للقوى الصاعدة بما يلائم المكان والزمان، فهي تعتبر الجديد منحلًّا، ولا أخلاقيًا، وقد تتهمه بالإرهاب إذا لزم الأمر، وبالفوضوية في مكان آخر وبالخيانة الوطنية في مكان ثالث أو بالرجعية أو بالكفر والإلحاد في مكان رابع وغيرها من التهم.

الطبيعي هو أن الاحتلال وسياسة فرض الأمر الواقع بالقوة هي من ممارسات العالم القديم، عالم ما قبل حقوق الإنسان، ووهو ما يمثله الاحتلال والمتواطئون معه، من قوى آفلة تقف عكس تيار التاريخ الطبيعي للبشرية.

يتمسّك الاحتلال ببقايا أنظمة مهترئة عفا عليها الزمن، والطبيعي جدًا الآن هو أن تندثر هذه الأنظمة ومعها الاحتلال، هذا هو الطبيعي، فبقاء الاحتلال هو الشاذ، وأكثر شذوذًا منه بقاء أنظمة من العصور الوسطى تتحكم في مصائر الشعوب وتزيِّف إرادتها.

قبل أيام أعلن رئيس دولة إسرائيل، يتسحاق هرتسوغ أن قرار شركة المثلجات الأميركية (بن آند جيري) مقاطعة المناطق المحتلة هو نوع جديد من الإرهاب، بينما أعلن يائير لبيد بأنه خضوع للاسامية وللعداء لإسرائيل، وهددها نفتالي بينت رئيس الحكومة بعواقب وخيمة!

يبدو أن الدنيا تتغيّر، ولم تعد المعايير الإسرائيلية للإرهاب واللاسامية سارية المفعول لدى قطاعات واسعة على مستوى العالم حتى في أميركا. مثير للتقزز أن يعلن كبار المسؤولين بأن مقاطعة البوظة والمثلجات عمل إرهابي ولاسامية وعداء للشعب اليهودي، بينما يصول الاحتلال ويجول ويعتدي على البشر والمواشي والشجر ويحاصر ملايين البشر بالحواجز والجدران والتمييز العنصري والقتل والسّجن والعقوبات الجماعية!

كل هذه التهم لشركة المثلجات رغم أن المقاطعة لا تشمل مقاطعة إسرائيل، بل المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

ولكن إذا كانت معظم الدول العربية مشغولة في التطبيع مع إسرائيل، وأكثرها لا تستطيع أن تفتح فمها حول حقوق الإنسان لأنه لا قيمة للإنسان عندها، فمن الذي يقف وراء حركة المقاطعة هذه التي سبقتها شركات كثيرة، ومنها أكبر شركات التأمين النرويجية التي قاطعت الشركات العاملة في المستوطنات وغيرها؟

أعتقد أن هناك تأثيرًا واضحًا للنشاط الشبابي في وسائل التواصل الاجتماعي الذي يتطور يوما بعد يوم ويصبح أكثر تأثيرًا.

لقد تحوّل العالم إلى شاشة صغيرة في هذه الكف الصغيرة أو تلك، ويرى ويسمع الجميع من خلاها الجميع.

السياسة باتت في متناول يد الجماهير الشّابة أكثر وأكثر، وبات لمليارات البشر أصوات لا يمكن حجبها من خلال التجاهل أو فرض رؤى أحادية عليها من خلال منظومة إعلام تحت سيطرة الاحتلال والمتواطئين معه من أنظمة متعفّنة.

لقد بات للأجيال الصاعدة تأثير على الرأي العام أكثر وأكثر لأن مساحة طمس الحقائق وتزييفها باتت أضيق.

العالم يتغيّر بسرعة نتيجة هذا الانكشاف الهائل على ما يجري في كل نقطة في العالم، وخصوصًا في مناطق معروفة بأنها مناطق صراع مثل فلسطين.

لم يعد بمقدور أنظمة الظلام إسكات صوت الشباب، لقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة للأجيال الصاعدة أن تؤثر، هذا برز خلال العدوان الأخير على قطاع غزة وخلال المواجهات في المدن المختلطة، وهذا يبرز في كل يوم ومع كل حدث واعتداء وعدوان، أو فعل نضالي وكفاحي.

التحركات الدولية ضد الاستيطان تعيد الأمور إلى نصابها وإلى مسمّياتها الحقيقية، وتذكّر العالم بأن إسرائيل دولة احتلال، وأن اتهام معارضي الاحتلال بالإرهاب واللاسامية هو عهر ممجوج، وأن سياسة فرض الأمر الواقع، وتحويل الضحية إلى إرهابية، والاحتلال إلى ضحية لم يعد ساري المفعول، وما تتقبله وتتواطأ معه الأنظمة العربية الآفلة لن تتقبله الأجيال العربية الشّابة التي تسعى إلى السيطرة على مصائرها، وهي قادرة على إحباط عمليات تبييض الاحتلال والأبرتهايد والزنا السياسي الذي تمارسه الأنظمة العربية، سواء من خلال التطبيع أو من خلال قهر شعوبها بوحشية بحيث يبدو الاحتلال رحيمًا مقارنة بها.

العالم يتغيّر بسرعة، ولن يبقي زمام الأمور بيد أولئك الذين يعتبرون الاحتلال والعنصرية والأبرتهايد وجهات نظر، بل إنه لأولئك الذين يرفعون صوت الحرِّية والعدل والسلام الحقيقي القائم على حق كل البشر في العدالة، والحياة، وتقرير المصير.

التعليقات