31/10/2010 - 11:02

"إعصار كاترينا " يميط القناع أيضا .../ إعتراف الريماوي

لعل حادثة إعصار "كاترينا " المدمر الذي ضرب بعض الولايات الجنوبية من الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة ما أصاب مدينة " أورليانز " التي غرقت بمعظمها تحت الماء، وتحولت إلى ما يشبه المكرهة الصحية والتلوث ومختلف أصناف الأمراض التي تهدد تلك المنطقة عموماً، بفعل العدد الضخم للضحايا وتحلل جثثهم، هذا الحادث يعيد للأذهان مسألة مواجهة الكوارث الطبيعية التي ما انفك الإنسان عن مواجهتها حتى اليوم، من أجل تحقيق سيطرة أفضل على الطبيعة بما يعزز حياة أفضل للإنسان على الأرض.

ولكن هذا المقال يتناول الدور الإنساني، وخاصة القادم من الإدارة الأمريكية، في مواجهة الكوارث الطبيعية والأخرى التي من صنع البشر، بمعنى أين يمكن تصنيفها أمام هذه المعضلة؟ وما الدوافع وراء ذلك؟

الإدارة الأمريكية الحالية، وتواصلاً للنهج الأمريكي الإمبريالي في تحقيق إمبراطوريته على الأرض، وفرض الهيمنة والسياسة الأمريكية لإعادة تشكيل نظام عالمي يتوافق وبرامجها وأهدافها، نراها تجسد السمات الكلاسيكية والحديثة للمفهوم الإمبريالي، فما زالت تشن الحروب وتخلف الدمار، وتسعى لإغراق العالم بالتبعية وتعميم نموذجها، وسلوكها أمام الكوارث الطبيعية والوضع البيئي على الأرض ومسبباته ينطلق من نفس المفهوم ذاته، سعياً وراء تركيم الأرباح للشركات عابرة القارات وللهيمنة على الموارد الطبيعية على الأرض! فمفهومها للحرب وللمشاكل البيئية وما ينتج عنهما ينبعان من ذات المنطلق.

نبدأ من الكارثة التي خلفها الإعصار كاترينا، حيث لاحظ العالم أجمع مدى التلكؤ والقصور الذي أعترى الإدارة الأمريكية في معالجة هذه الأزمة، والتباطؤ الشديد في إغاثة ومساعدة المنكوبين هناك، خاصة والحديث يدور عن ولايات أمريكية وليس طلباً في معونة أمريكية لأمم أخرى!!

وهذه الملاحظة جاءت أولاً من السكان الأمريكيين أنفسهم هناك، ومن نواب في "الكونغرس" الأمريكي نفسه! فلقد رأت الإدارة الأمريكية الحالية أن الكارثة تصيب بالمقام الأول من معظمهم في الأصل إفريقيا، وبالتالي فالجنس الأبيض بخير! وبالمقام الثاني يأتي المنكوبون من هم أيضاً فقراء ومسحوقون، يشكلون هماً لها في تصاعد أرقام البطالة المتزايدة، وبالمقام الثالث تستدعي الكارثة صرفاً لكم هائل من الأموال للإغاثة وبدون مردود ربحي! فالطبيعي، والمتوقع لهذه الإدارة الإمبريالية بتوجهها العنصري، والطبقي الاستغلالي الذي يراكم الفقراء باطراد تزايد رأسمالها أن تتلكأ في معالجة الموقف إنسانياً، وكما تقتضيه الرؤيا الإنسانية الخيرة! وإلا كيف نفسر الجاهزية العالية التي تبديها هذه الإدارة إذا ما كان الأمر متعلقاً بحرب من أجل السيطرة؟ بماذا نفسر مرور يومين دون وصول اليسير من قوات الإغاثة لمدينة "أورليانز"، بينما خلال حرب العراق كانت تنطلق طائرات (ب 52) من مختلف القواعد الأمريكية المنتشرة في العالم لتقصف وتعود بأقل من هذه المدة الزمنية؟ لا وجه للمقارنة طبعاً، إلا من باب الاستفادة التي ستجدها تلك الإدارة! ففي الحرب تسعى للسيطرة على أكبر احتياطات الأرض من النفط ، أما بالإغاثة فهي تصرف وتستهلك، لذا لا تتشجع بالحالة الثانية، ولا تتحرك إلا من باب درء الفضائح والانكشاف!

وما يعزز هذا الفهم والسلوك الجشع والمتوحش، ان في طرفي فهم الحرب بكل أشكاله وبقاعه الجغرافية والقصور الإغاثي حتى لمواطنيهم، ان الضحايا وأرقامها مهما بلغت، لا تعير بالا لهذه الإدارة، أمام مصلحتها هي في الربح وتركيم رأس المال والاستغلال، إلا من خلال حملات العلاقات العامة التي تتقن إدارتها وترويجها، محاولة منها التقليل من بشاعة صورتها، وحمدا لله أنه يصعب على هذه الإدارة إدراج الأزمات الطبيعية تحت عنوان ومتطلبات "محاربة الإرهاب"، وإلا لكان انكشاف زيفها أقل حدة ووضوحا للبعض! فقد شهدنا كيف كان يموت أطفال وكهول العراق بسبب نقص الدواء والغذاء إبان حصاره لأكثر من عشرة سنوات بحجة محاربة النظام وأكذوبة أسلحة الدمار، وما يعانيه الشعب الكوبي أيضاً من نقص في الاحتياجات المعيشية بفعل الحصار نفسه بحجة مواجهة خطر الدولة الشيوعية، وما تواجهه القارة الإفريقية من كوارث اقتصادية وصحية بفعل السياسات الإمبريالية لإفقارها تحت حجة التنمية! والكثير من الأمثلة التي لا يسع بنا إدراجها هنا... فضحايا الإعصار كاترينا هم مباشرة ضحايا نكبة طبيعية نعم، ولكن التلكؤ في تقديم المساعدات فاقم الأرقام والفاجعة، بالتالي لا نعلم الرقم السكاني الذي كان من الممكن إنقاذه لو تعاملت هذه الإدارة بجدية وإنسانية، حيث يلتحق هؤلاء الضحايا بمن يشبههم من ضحايا السياسة الأمريكية العالمية، مع فرق الحجج والمبررات التي نسمعها في كل حال على حدا.

وفي السياق نفسه، إذا ما نظرنا للتحولات البيئية والمناخية الحاصلة على كوكب الأرض، وما يرافقها من أشكال مدمرة للزلازل والبراكين والأعاصير وموجات الحر، نتساءل لماذا تحصل؟! نجد الإجابات المتوقعة من الاختصاصيين، حيث أن ظاهرة "الاحتباس الحراري" ( والمتأتية من انبعاث الغازات المنطلقة من الصناعات التي تستخدم النفط كمصدر للطاقة)، هي وراء الكثير من تفاقم هذه الظواهر والمشاكل البيئية الأخرى التي تهدد الحياة على كوكبنا الأرضي، بحيث صار العالم مؤخراً يدرس هذا الأمر بجدية حول إمكانية مواجهته والحد من مخاطره، وفي هذا المجال، تم خلال العقد السابق توقيع معاهدة دولية للتقليل من حدة ظاهرة "الاحتباس الحراري"، وللأسف الولايات المتحدة الأمريكية بإمبرياليتها هذه تتربع على رأس القلة الدولية التي ترفض حتى اليوم التوقيع على مثل هذه المعاهدة، حيث ترى ذاتها خارج الدائرة المطلوب منها الجزء الأعظم في مواجهة المخاطر الناجمة عن هذه الظاهرة! رغم أن الإحصاءات والدراسات العلمية تؤكد أن الولايات المتحدة هي صاحبة النسبة العظمى في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وما ينجم عنه من تأثيرات!!

من خلال هذه النظرة التي توضح المكان الذي تقف فيه الولايات المتحدة الأمريكية، سواء إزاء الكوارث الطبيعية والتحول البيئي الخطير، من حيث رفضها للحد من أسباب حدوثها وتلكؤها لمعالجتها إذا حدثت، وكذلك إزاء الظواهر الاجتماعية والاقتصادية القادمة من النهج الإمبريالي الذي تقوده عالميا، من حيث تفاقم مشكلة الفقر والبطالة لديها وفي العالم أجمع، والتمييز العنصري الذي يبدو من ممارساتها والنظريات العنصرية التي تنطلق منها، وشن الحروب بغية الهيمنة والوصول للمصادر والموارد، كلها تميط اللثام، وتمزق القناع والحجاب الذي تتستر به هذه الإدارة ، في إدعاءاتها ومناداتها بالحرية ونشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، فكيف تنساق علينا هذه الإدعاءات بينما الحروب الأمريكية وحصاراتها لعديد من الدول تخلف ملايين القتلى والمصابين والمشوهين؟ كيف تمر علينا هذه "البشائر" في الحرية والديمقراطية والعراق يقسم دويلات طائفية لتسهيل السيطرة عليه؟ كيف نثق بهذه النداءات الزائفة وآلاف القتلى يموتون غرقاً في "أورلييانز " والإدارة الأمريكية لا تتحرك إلا بعد يومين وبشكل لا يوازي حجم الكارثة، بل يقرع ناقوس التمييز العنصري مجدداً الذي ما غاب يوماً عن سياساتها!! ولكن يبقى الأهم من ذلك في السؤال : متى يتحول هذا الفهم في العالم إلى ممارسة تحد من هذا الطغيان وتسهم في صياغة أكثر عدالة للإنسانية جمعاء؟.

التعليقات