14/08/2018 - 16:44

هل نريد شراكة عربية يهودية أم لا؟

الحقيقة التي يعرفها الجميع، أنه لو شارك العرب كلهم في مظاهرة تل أبيب، ورفعوا أعلامًا عليها بضعة قرون من البامية واللوبية وأقراص عبّاد الشمس، ورقصوا فيها بدلا من علم فلسطين، لاتهم بيبي العرب بأنهم يدعون لمقاطعة الإنتاج الزراعي العبري

 هل نريد شراكة عربية يهودية أم لا؟

الحقيقة التي يعرفها الجميع، أنه لو شارك العرب كلهم في مظاهرة تل أبيب، ورفعوا أعلامًا عليها بضعة قرون من البامية واللوبية وأقراص عبّاد الشمس، ورقصوا فيها بدلا من علم فلسطين، لاتهم بيبي نتنياهو العرب بأنهم يدعون لمقاطعة الإنتاج الزراعي العبري، وقال إن هذا تحريض لضرب اقتصاد إسرائيل وتقويضها من الداخل.

الخبث والسذاجة من بعض اليساريين العرب واليهود، الزعم بأن رفع أعلام فلسطين في ساحة رابين مَنَح بيبي واليمين ذريعة للتمسّك بقانون القومية، وكأن هذا اليمين الفاشي ينتظر الذرائع لكل ما يقوم به من ممارسات فاشية وعنصرية وتدميرية احتلالية كولونيالية.

إزاء المخاطر المستمرة والمتصاعدة في اتجاهات مظلمة، تتصاعد نداءات لإقامة تحالف واسع مؤلف من عرب ويهود لإنشاء أوسع جبهة في مواجهة هجمة اليمين المتغوّل، الذي لا يمر يوم واحد دون أن يقضم مزيدًا من الحقوق الفلسطينية والعربية في ظروف مواتية له داخليًا وإقليميًا ودوليًا.

فهل نريد تحالفًا عربيًا يهوديًا ديمقراطيا وهل يفيد؟

نعم نريد تحالفًا مع قوى يهودية تقدمية، وهو ضروري جدًا، وسيكون صداه طيّبا في الداخل والخارج، إلا أن هناك من يفهم تحالفًا كهذا بصورة خاطئة.

من بين هؤلاء أولئك الذين رأوا برفع العلم الفلسطيني منح ذريعة لنتنياهو لتعزيز موقفه من قانون القومية، وأن العلم الفلسطيني يُنفّر القوى اليهودية الديمقراطية التي تتضامن مع العرب لمواجهة العنصرية، وهذه عنصرية بحد ذاتها، دعوة الفلسطيني أن يتنازل عن رموزه هي عنصرية، ومن يطالبك بالتنازل عن رموزك، لا يراك شريكا وحليفًا له، بل يريدك أن تتعاون معه لاستبدال السلطة، وبعدها سوف يمنحك شروطا معيشية أفضل.

نعم يوجد تفاوت بين الأحزاب الصهيونية في التعامل مع غير اليهود، ولا نستطيع أن نضعهم كلهم في سلة واحدة، فحزب "ميرتس" بعيد جدًا عن حزب "الليكود" أو "البيت اليهودي" أو "يش عتيد" أو الأحزاب الدينية وحتى "المعسكر الصهيوني". إلا أن المشكلة الأعمق هي في العمود الفقري للصهيونية بيمينها ويسارها ومركزها الذي يتناقض حتما مع منح المساواة الكاملة لغير اليهود، فالمساواة لا تعني الخدمات اليومية فقط، ولا المساواة في فرص العمل ومستوى الدخل فقط، المشكلة في الأساس على المكان الذي سنطبق فيه هذه المساواة المنشودة في فرص المعيشة! أي، على الأرض التي تضاءلت تحت أقدام المواطنين العرب؛ فكل الأحزاب الصهيونية يسارية وتقدمية ويمينية، لم تفكر يومًا بإنشاء مدينة عربية في الجليل مثلا على حساب ما يسمى أراضي الدولة، بل فكروا ويفكّرون ويدعون إلى تهويد الجليل والنقب، وما يشغلهم هو فقط ضمان أكثرية يهودية في كل منطقة ومنطقة، الأمر الذي يعني بالضرورة محاصرة العرب ومنع تطورهم وتوسعهم الطبيعي بشتى القوانين والطرق.

بلا شك أن حزب "ميرتس" أكثر اعتدالا واستعدادًا لتحسين ظروف حياة العرب، لكنه لا يطرح في برامجه حلا جذريا لقضايا أساسية، عندما يتحدث عن توسيع مخططات البناء لدى العرب يقصد توسيعها على حساب الأرض الزراعية العربية. لقد رأينا موقف حكومات اليسار من قضية إقرث وكفر برعم، حيث رفضت جميعها تطبيق قرار المحكمة العليا الإسرائيلية لصالح أهالي القرية بالعودة إلى أراضيهم.

هذا يعني أن اليسار لا يتحدث عن منح العرب ما يسمى أراضي الدولة للبناء والتوسع عليها، وليس له موقف من قضية اللاجئين داخل وطنهم من القرى والمدن المهجّرة ويتجاهلها، علما أن هؤلاء يشكلون 20 في المئة من المواطنين العرب داخل إسرائيل، ولا أحد يستطيع سلبهم حقهم؛ كذلك فلا موقف لليسار من عقارات وأرض الوقف وخصوصًا الإسلامي التي صودرت بعد عام النكبة، ناهيك عن حقوق اللاجئين خارج الوطن، وهذه قضايا تشكل لب الصراع. فالصراع بالأساس ليس على تحسين شروط المعيشة رغم أن هذا مطلوب، فمهما تحسنت ظروف الحياة للعرب في داخل إسرائيل وحتى لو جرى إلغاء قانون القومية فلن ترتاح المنطقة من الصراعات بدون حل قضية اللاجئين والمهجرين والقدس والمستوطنات.

اليسار الصهيوني ما زال متمسّكا بحل الدولتين، ولكن ما جرى على أرض الواقع دمّر هذا الحل، فهل يستطيع أي حزب صهيوني يساري أو يميني أن يضع في برنامجه الانتخابي إخراج 600 ألف مستوطن من الضفة الغربية، وتقسيم القدس!

نحن بحاجة لتحالف عربي يهودي حقيقي، ليس فقط لأجل إسقاط حكومة اليمين المتطرف وانتخاب حكومة معتدلة، نريده تحالفًا إستراتيجيًا لحل جذري يرتكز على مشروع "دولة كل المواطنين" وليس إلى مسكّنات وإطفاء حرائق، هذا يعني شراكة حقيقية في الأرض التي تسمى أرض الدولة، وأن تقام عليها قرى عربية جديدة أو مختلطة لاستيعاب الأجيال القادمة، مثلما أقيمت وتقام عليها مئات القرى اليهودية، إذ لم يعد أمام أجيال العرب الصاعدة سوى الشراكة الحقيقية بالأرض، أو الهجرة، لأن بلداتنا بدأت بالتحول إلى مخيّمات شديدة الاكتظاظ.

هذا يعني أن شراكة حقيقية بين العرب واليهود تمس العصب الأساسي للفكرة الصهيونية حول امتلاك الأرض، وهذا هو المحك الحقيقي لشراكة تسعى لحل دائم وثابت أو لحلول تهدئة بانتظار الانفجارات القادمة.

نريد شراكة صلبة تناضل لأجل دولة جميع المواطنين، شراكة تعترف بالمسؤولية عن نكبة الشعب الفلسطيني، وبحقوق اللاجئين في وطنهم وخارجه.

نريد دولة ديمقراطية واحدة لجميع مواطنيها، وهذا لن يحدث في الأفق المنظور، ويحتاج إلى مخلصين لهذه الشراكة يعملون بقناعة تامة بأن للناس في الناصرة وفي مخيم جباليا وبلاطة وعين الحلوة وتل أبيب وحيفا وكريات حاييم والناصرة الحق نفسه على هذه الأرض، ولا فضل لأحد على آخر بدين أو قومية، وهذا لن يتحقق إلا من خلال دولة ديمقراطية واحدة بين البحر والنهر، هذا مشروع قد يستمر بضعة عقود أو قرنًا وربما أكثر، ولكن البدائل هي استمرار الصراع الدموي، الذي لا نستطيع فصله عن ما يدور حولنا في منطقة جالسة على البراكين والزلازل.

يقول قائل، فلنبدأ بجبهة واسعة للجم اليمين المتطرّف أولا! هذا موضوع يجب مناقشته، إذ يجب الوضوح منذ البداية، بأن الهدف الأخير لتحالف ديمقراطي كهذا هو دولة لجميع مواطنيها ولاجئيها ومهجّريها، والمساواة المطلقة لكل من يعيش بين النهر والبحر، وإلا فسوف نبقى في دوامة الحقوق المدنية، وتحسين شروط الاحتلال، الأمر الذي يعني تأبيد الصراع وعدم حلّه.

التعليقات